تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة

    التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة

    عصام حسانين




    إن من أخطر جوانب التربية الملقاة على عاتق الوالدين التربية الاجتماعية، تلكم التربية التي تنقل الطفل انتقالاً سلسلاً من مجتمع الأسرة الخاص إلى المجتمع العام الذي هو جزءٌ منه، ولا بد له منه؛ لأنه مخلوق اجتماعى يجتمع بغيره متأثراً ومؤثراً، ومَثَلُ الأسرة في ذلك مثل الجسر الذي يعبر عليه إلى مجتمعه، فهي تلقنه منذ نعومة أظفاره دينه ولغته، وعادات مجتمعه، وسلوكه، وحب الانتماء إليه، وحقوق أفراده.
    وموطن الخطورة في هذا المنحى التربوي ما يترتب عليه من آثار، فإما أن يتم هذا العبور بسلام، وإما أن يتعثر، وقد يصل إلى صدمة اجتماعية فصدمة نفسية بآثارها السيئة من فوبيا المجتمع من مدرسة وأصدقاء؛ ومن ثمّ الانطواء والعزلة هروباً وخوفًا، لذلك لابد من حرص الأبوين على عبور الطفل من مجتمعهما الخاص إلى المجتمع العام بسلامة وأمان، ومن هنا كان تناول هذا الجانب التربوي بشيء من التفصيل.
    المقصود بالتربية الاجتماعية
    تكاد تجتمع عبارات الباحثين على أن المقصود بالتربية الاجتماعية: السبل والوسائل التي تؤدي إلى تقوية روابط التعاون بين أفراد المجتمع بما يحقق الحب والتراحم والتعاطف؛ ليعيش المجتمع حياة كريمة، آمنة مطمئنة، وهذا يتطلب في التربية منذ النشأة الأولى توجيه الطفل بأنه عضو في مجتمع، وأنه جزء منه.
    الوعي بالذات
    وتستهدف كذلك تنمية وعي الفرد بذاته، وتنمية مهاراته في العلاقات الاجتماعية، وقدرته على تحمل المسؤولية واتخاذ القرار، وتنمية وعيه بمجتمعه، والتغيرات التي تطرأ عليه، وتحديد إمكاناته وأدوارها الاجتماعية، والمسؤوليات المناطة بهذه الإمكانات والأدوار، ولكي يحصل ذلك فلابد من مباشرة المهارات الاجتماعية واستمرارها وتنميتها من حسن التواصل، والاندماج؛ بحيث يكون عضوًا عاملاً نافعًا في مجتمعه، محبًا له، حريصًا عليه وعلى نفعه.
    وسائل التربية الاجتماعية
    الوسيلة هي التي يتوصل بها إلى الهدف، والوسائل التي توصلنا إلى التربية الاجتماعية الرشيدة هي: (القرآن الكريم - السنة النبوية) وكلاهما وحي - ما جاء عن الصحابة -رضي الله عنهم- ومن تبعهم بإحسان - والتجارب وهي خير مُعلّم، ويقصد بها: البحوث والدراسات التي يقوم بها علماء الاجتماع، وتجارب المربين العقلاء العلماء.
    القرآن الكريم
    القرآن الكريم هو كلام الله -تعالى- تكلم به على الحقيقة على ما يليق بكماله وجلاله عزوجل، أوحى الله -تعالى- به إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - تبيانًا لكل شيء مما يحتاجه الناس من حلال وحرام وغيره، وفيه الهدى والسداد، والنور، والرحمة، والشفاء، والبشرى للمؤمنين؛ فهو بذلك منهاج حياة، ومن جعله أمامه وإمامه قاده إلى حياة السعادة في الدنيا، والفوز والفلاح في الآخرة؛ لأنه من لدن حكيم خبير، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(المل ك:14)، وفي القرآن أمرٌ للوالدين بإحسان تربية أولادهم، وإنجائهم من النار بالتأديب والتهذيب، وأمرٌ للأولاد بالإحسان إلى الأبوين، وبصلة الأرحام، {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} الآية: الإسراء :26، والأقارب هم الإخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات ثم أدناك أدناك.
    الفقراء والمساكين
    وأمر القرآن بصلة المسلمين المعوزين من الفقراء والمساكين؛ بل وجعل حقاً مالياً على الأغنياء وهو الزكاة يُعطونه للفقراء وبقية الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله -تعالى- في آية سورة التوبة، وجعل مجتمع المسلمين مجتمعاً واحداً كالنفس الواحدة فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الحجرات:10، وقال -تعالى- : {ولا تقتلوا أنفسكم...} النساء: 29، {ولا تلمزوا أنفسكم..} الحجرات : 11.
    موالاة إيمانية
    وجعل موالاة إيمانية للمؤمنين في أيَّ مكان: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} المائدة :55-56.
    التعارف والاجتماع
    وأمر بالتعارف والاجتماع؛ فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات:13، قال العلامة السعدي -رحمه الله -: «يخبر -تعالى- أنه خلق بني آدم، من أصل واحد، وجنس واحد، وكلهم من ذكر وأنثى، ويرجعون جميعهم إلى آدم وحواء، ولكن الله -تعالى- بث منهما رجالاً كثيرًا ونساء، وفرّقهم، وجعلهم شعوبًا وقبائل أي: قبائل صغارًا وكبارًا، وذلك لأجل أن يتعارفوا، فإنهم لو استقل كل واحد منهم بنفسه، لم يحصل بذلك، التعارف الذي يترتب عليه التناصر والتعاون، والتوارث، والقيام بحقوق الأقارب، ولكن الله جعلهم شعوبًا وقبائل، لأجل أن تحصل هذه الأمور وغيرها، مما يتوقف على التعارف، ولحوق الأنساب، ولكن الكرم بالتقوى، فأكرمهم عند الله أتقاهم، وهو أكثرهم طاعة وانكفافًا عن المعاصي، لا أكثرهم قرابة وقومًا، ولا أشرفهم نسبًا، ولكن الله -تعالى- عليم خبير، يعلم من يقوم منهم بتقوى الله ظاهرًا وباطنًا، ممن يقوم بذلك، ظاهرًا لا باطنًا، فيجازي كلاً، بما يستحق، وفي هذه الآية دليل على أن معرفة الأنساب، مطلوبة مشروعة؛ لأن الله جعلهم شعوبًا وقبائل لأجل ذلك.اهـ
    محاسن الأخلاق
    وأمر القرآن بجميل الشمائل ومحاسن الأخلاق، من ذلك: القول الحسن للناس، قال -تعالى-: {وقولوا للناس حسنًا}، قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: «أي : كلموهم طيبا، ولينوا لهم جانبا، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف، كما قال الحسن البصري في قوله: (وقولوا للناس حسنا) فالحسن من القول : يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحلم، ويعفو، ويصفح، ويقول للناس حسنا كما قال الله، وهو كل خلق حسن رضيه الله». اهـ، وقال القرطبي - رحمه الله -: «وهذا كله حض على مكارم الأخلاق، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينا، ووجهه منبسطا طلقا مع البر والفاجر، والسني والمبتدع، من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه; لأن الله -تعالى- قال لموسى وهارون: فقولا له قولا لينا، فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله -تعالى- باللين معه» اهـ.
    عبادات جماعية
    وأمر القرآن بعبادات تؤدى مع الجماعة، يجتمع فيها المسلم بإخوانه المسلمين على طاعة الله، ويتعاون معهم على البر والتقوى من صلاة وصيام وزكاة وحج وجهاد وأمر بمعروف ونهى عن منكر وغير ذلك مما يؤصل للعلاقات الاجتماعية السليمة، ويكون المسلم عضواً نافعًا، صالحًا مصلحًا في مجتمعه.

    التشريعات في المعاملات
    وكذا التشريعات في المعاملات التي تقوم على القِسط الذي شرعه الله -تعالى- من بيع وشراء وقرض حسن، ووكالة وكفالة، وقبول الأمانات، والوفاء بالعهود والعقود وإيفاء الكيل والميزان وغير ذلك، تشريعات كلُّها عدل ورحمة، ومحبة وتراحم، وشفقة وإحسان، تجعل المجتمع المسلم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة

    التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة (2)

    عصام حسانين





    تكلمنا في المقال الأول عن أهمية التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة وتعريفها، ووسائلها، وتكلمنا عن الوسيلة الأولى وهي: القرآن الكريم ، وفي هذا المقال نتكلم – إن شاء الله - عن الوسيلة الثانية، وهي السنة النبوية.
    وما جاء به القرآن في البناء الاجتماعي جاءت به السنة النبوية الشريفة؛ لأنها وحي، ومبينة للقرآن العظيم كما قال –عزوجل-: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى} (النجم: 3)، وقال –عزوجل-: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}(النحل: 44)، وعن العرباض بنِ ساريةَ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «أَيَحْسَبُ أَحَدُكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، قَدْ يَظُنُّ أَنَّ اللهَ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا إِلَّا مَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ، أَلَا وَإِنِّي وَاللهِ قَدْ وَعَظْتُ وَأَمَرْتُ وَنَهَيْتُ عَنْ أَشْيَاءَ، إِنَّهَا لَمِثْلُ الْقُرْآنِ أَوْ أَكْثَرُ» أخرجه أبو داود وحسَّنه الألبانيُّ في (السلسلة الصحيحة) (٢/ ٥٧٠).
    تطبيق عملي
    والسنة النبوية الشريفة تطبيق عملي للقرآن الكريم، كما قالت عائشة -رضى الله عنها- عندما سُئلت عن خُلق النبى صلى الله عليه وسلم : «كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن»، وقد جاءت عنه صلى الله عليه وسلم أحاديث، هي أسس وقواعد في التربية الاجتماعية، من ذلك :
    اصطحاب الطفل إلى المسجد
    فالمسجدُ بيت الله في الأرض وأحبُّ البقاع إليه وخيرُها، وهو مكانُ العبادةِ، مشتقٌ من السجود، الذي فيه غايةُ الخضوع لله -عزَّ وجلِّ-، عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَحَبُّ البلاد إلى الله مساجدُها، وأبغضُ البلاد إلى الله أسواقها». رواه مسلم.
    زائرُ الله -تعالى
    ومن خرج لأداءِ الصلاةِ في المسجد؛ِ فهو زائرُ الله -تعالى-: قال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ تَوَضَّأَ في بَيْتهِ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أتى الْمَسْجدَ فَهُوَ زَائرُ اللهِ، وَحَقٌّ على الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ الزَّائرَ». رواه الطبراني وحسنه الألباني، وقد أمر الله -تعالي- ببنائها وعمارتها؛ فقال: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَار}(ا لنور: 36-37 ).
    قال العلامة السعدي – رحمه الله-: «أي: يتعبد لله فِي بُيُوتٍ عظيمة فاضلة، هي أحب البقاع إليه، وهي المساجد. (أَذِنَ اللَّهُ) أي: أمر ووصى أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُه، هذان مجموع أحكام المساجد؛ فيدخل في رفعها، بناؤها، وكنسها، وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة، وعن الكافر، وأن تصان عن اللغو فيها، ورفع الأصوات بغير ذكر الله». وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، يدخل في ذلك الصلاة كلها، فرضها، ونفلها، وقراءة القرآن، والتسبيح، والتهليل، وغيره من أنواع الذكر، وتعلم العلم وتعليمه، والمذاكرة فيها، والاعتكاف، وغير ذلك من العبادات التي تفعل في المساجد اهـ من التفسير.
    لزوم المساجد
    وقد حثَّنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم على لزوم المساجد، وحضور مجالس العلم فيها؛ فقال: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُون َهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» رواه مسلم، ولأهميةِ المسجد في الإسلام بدأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ببنائه في أول مقدمه المدينة، وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يصطحبون أولادهم معهم إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها؛ فأسمع بكاء الصبي؛ فأتجوّز في صلاتي مما أعلم من شدة وجْد أمه من بكائه» رواه البخاري ومسلم.
    الحسن و الحسين
    وربما جاء الحسن و الحسين -رضي الله عنهما- إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب؛ فينزل إليهما، ويحملهما؛ فعن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فأقبل الحسن والحسين -رضي الله عنهما- عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان؛ فنزل فأخذهما فصعد بهما المنبر، ثم قال: «صدق الله، إنما أموالكم وأولادكم فتنة، رأيت هذين فلم أصبر»، ثم أخذ في الخطبة (رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1109 )، وربما وثبا علي ظهره وهو ساجد صلى الله عليه وسلم؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي؛ فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره؛ فإذا منعوهما أشار إليهم أن دعوهما؛ فلما قضى الصلاة وضعهما في حجره».رواه ابن خزيمة في صحيحه، وحسنه الألباني.
    حمله صلى الله عليه وسلم لأمامة
    وصلّي صلى الله عليه وسلم حاملاً أمامة بنت ابنته زينب -رضي الله عنها-؛ فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمامة بنت العاص -ابنة زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم على عاتقه؛ فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها». رواه البخاري ومسلم.
    إدخال الصبيان المساجد
    من هذه الأحاديث أخذ العلماء جواز إدخال الصبيان المساجد، ولو كانوا صغاراً يتعثرون في سيرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ ذلك ولم ينكره، بل شرع للأئمة تخفيف القراءة لصياح صبي، خشية أن يشق على أهله، ومن الحكمة في ذلك تعويدهم على الطاعة ، وحضور الصلاة منذ نعومة أظفارهم؛ فإن لتلك المشاهد التي يرونها في المساجد وما يسمعونه من قراءة القرآن، والتكبير، والتحميد، والتسبيح، ورؤية المصلين، أثراً قوياً في نفوسهم لا يزول حين كبرهم ، ودخولهم في أعباء الحياة.
    فتوى الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -
    - سئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - : هل يجوز للرجل أن يذهب إلى المسجد ومعه أطفاله الصغار دون الرابعة؟
    - فأجاب: «الأطفال الذين دون الرابعة في الغالب لا يحسنون الصلاة؛ لأنه لا تمييز لهم، والسن الغالب للتمييز هو سبع سنين، وهو السن الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نأمر أولادنا بالصلاة إذا بلغوه؛ فقال -عليه الصلاة والسلام-: «مروا أولادكم أو أبناءكم بالصلاة لسبع»، وإذا كان هؤلاء الأطفال الذين في الرابعة لا يحسنون الصلاة؛ فلا ينبغي له أن يأتي بهم في المسجد، اللهم إلا عند الضرورة، كما لو لم يكن في البيت أحد يحمي هذا الصبي؛ فأتى به معه بشرط ألا يؤذي المصلين؛ فإن آذى المصلين؛ فإنه لا يأتي به، وإذا احتاج الطفل أن يبقى معه في البيت فليبق معه، وفي هذه الحال يكون معذوراً بترك الجماعة؛ لأنه تخلف عن الجماعة لعذر، وهو حفظ ابنه وحمايته» انتهى من «فتاوى نور على الدرب».
    العناية بالمساجد
    ولصيانة المسجد من هذا التخوف؛ فعلى الآباء إذا جاؤوا بأولادهم إلى المسجد أن يحثوهم على العناية به، والحفاظ على نظافته واحترامه، ومراعاة الهدوء فيه ، ويحذروهم من اللعب والعبث بأثاثه وما فيه؛ لأنه بيت الله -تعالي- ومن جاءه فهو زائر الله، وحق على المزور أن يكرم الزائر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا كنا نعتني بنظافة بيوتنا؛ فبيوت الله أحق أن يُعتنى بها، ولا يجوز رفع الصوت فيها، ولا التشويش، حتى لا يذهب الخشوع والطمأنينة من قلوب المصلين.
    التعرف على المجتمع
    ولأنه في المسجد يتعرف تدريجيًا على المجتمع من ناحية قيمه وعاداته، وأنماط سلوكه وأخلاقياته، وطريقة تعامله، ومستوياته المختلفة، كما يحدث التفاعل والتعاون بين عموم المسلمين في المسجد بعد صلاتهم؛ ففيه يلتقي المسلمون كلَّ يومٍ خمس مرَّاتِ؛ فتتوثقُ بينهم الصلةُ، ويتعاونون فيما بينهم على البر والتقوى.
    تنظيف المسجد
    وحبذا ثم حبذا مشاركته معنا في تنظيف المسجد، وهذا فيه ما فيه من تعظيم بيت الله، وتعويده على العمل والبذل لدين الله، والمشاركة المجتمعية مع غيره، وبغير المسجد لا يمكن أن يتربي الطفل إيمانياً، وأن يتكّون خلقيًا واجتماعيًا، ويتعلم أحكام دينه؛ فعلى الوالد أن يحرص على اصطحاب ولده معه إلى المسجد – بشرطه - حرصاً شديداً، والله المستعان.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة

    التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة (3)


    عصام حسانين

    تكلمنا في المقال السابق عن السنة بوصفها وسيلة ثانية يستقي منها المربون -ولاسيما الأبوين - التربية الاجتماعية لأطفالهم، وتكلمنا عن أسس اجتماعية جاءت بها السنة، منها: اصطحاب الطفل إلى المسجد، وفي هذا المقال نتكلم علي أساس مهم في التربية الاجتماعية، وهو اصطحاب الطفل لمجالس الكبار الفضلاء من أهل العلم والفضل، وهو ما يعرف حديثاً بالتربية عن طريق المخالطة بأصحاب الخبرة.
    جاءت أحاديث عنه صلى الله عليه وسلم تبين أن الصغار كانوا يحضرون مجالسه صلى الله عليه وسلم بصحبة آبائهم، وكانت مجالسه صلى الله عليه وسلم مجالس علم وحلم، وأدب، ووقار، يجلسون حوله كأن على رؤوسهم الطير، حريصين على العلم والاهتداء، وكان صلى الله عليه وسلم يعلمهم مما علمه الله بوسائل التعليم كلها؛ فعنْ مُجَاهِد، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ: «أَخْبِرُونِي عَنْ شَجَرَةٍ، مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ»؛ فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَذْكُرُونَ شَجَرًا مِنْ شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأُلْقِيَ فِي نَفْسِي أَوْ رُوعِيَ، أَنَّهَا النَّخْلَةُ؛ فَجَعَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهَا؛ فَإِذَا أَسْنَانُ الْقَوْمِ؛ فَأَهَابُ أَنْ أَتَكَلَّمَ؛ فَلَمَّا سَكَتُوا، قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «هِيَ النَّخْلَةُ». رواه مسلم.
    فوائد من الحديث
    قال النووي -رحمه الله-: في هذا الحديث فوائد: منها استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه؛ ليختبر أفهامهم، ويرغبهم في الفكر والاعتناء، وفيه: ضرب الأمثال والأشباه، وفيه: توقير الكبار، كما فعل ابن عمر، لكن إذا لم يعرف الكبار المسألة؛ فينبغي للصغير الذي يعرفها أن يقولها .
    سرور الإنسان بنجابة ولده
    وفيه: سرور الإنسان بنجابة ولده، وحسن فهمه، وقول عمر رضي الله عنه : «لأن تكون قلت هي النخلة أحب إلي، أراد بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو لابنه، ويعلم حسن فهمه ونجابته». اهـ. من شرح مسلم، و«استحباب الحياء ما لم يؤد إلى تفويت مصلحة؛ ولهذا تمنى عمر أن يكون ابنه لم يسكت، وفيه توقير الكبير وتقديم الصغير أباه في القول وأنه لا يبادره بما فهمه، وفيه أن العالم الكبير قد يخفى عليه بعض ما يدركه من هو دونه؛ لأن العلم مواهب والله يؤتي فضله من يشاء» اهـ من (فتح المنعم).
    مخالطة الصغار وملاعبتهم
    وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخالط الصغار ويُلاعبهم؛ فعن أنس رضي الله عنه ، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالطنا، حتى يقول لأخ لي صغير: يا أبا عمير، ما فعل النغير؟». رواه أحمد، وكان من عادة العرب أن يُحضروا أبناءهم مجالس الكبار، ولاسيما مجالس العز والشرف، ليمهدوا لهم طريق السيادة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شهدتُ حلفَ المُطَيَّبين وأنا غلامٌ معَ عمومتي؛ فما أحبُّ أنَّ لي حُمْرَ النَّعَمِ وأني أَنكُثُه». رواه أبو يعلى، وابن جرير بسند صحيح ، «وحِلْفُ المُطيِّبِين كان قبلَ الإسلامِ، وقد حضرَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو صغيرٌ مع أعمامِهِ؛ حيثُ تحالفَتْ قريشٌ -ومنهم بَنو هَاشمٍ، وبنو زُهرةَ، وَبنو تَمِيمٍ، ورؤساءُ الناسِ- على نُصرةِ المظلومِ، وكفِّ الظالمِ، ووَضَعوا أيديَهُم في قَصْعَةٍ ممْلوءةٍ بالطِّيبِ والعِطْرِ؛ ولذلك سُمِّيَ حِلْفَ المطيِّبينَ؛ فهذا إذا وقَعَ في الإسلامِ كان تأْكيدًا لموجِبِ الإسلامِ، وتقْويةً له».
    حضور المسجد
    وكان الأطفال يحضرون إلى المسجد بصحبة آبائهم، حريصين على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتعلموا منه؛ فعن محمود بن الربيع رضي الله عنه : قال: «عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجّة مجّها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو». رواه البخاري، وجاءت أحاديث كثيرة رواها صغار الصحابة عنه صلى الله عليه وسلم ، كأحاديث ابن عباس، والحسن، والحسين، وعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهم-، وتنظر أحاديثهم في مسند الإمام أحمد -رحمه الله.
    مجلس شورى عمر رضي الله عنه
    وكان عمر- رضى الله عنه – يُحضر ابن عباس مجلس شورته، ولما قال له شيوخ المهاجرين في ذلك قال: «ذاكم فتى الكهول، إن له لساناً سؤولاً ، وقلباً عقولاً». رواه الحاكم في المستدرك، ومرّ عمرو بن العاص رضي الله عنه على حلقة من قريش؛ فقال: «ما لكم قد طرحتم هذه الأُغَيْلِمَة؟ لا تفعلوا، أوسعوا لهم في المجلس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه؛ فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا كبار قوم، وقد كنتم صغار قوم؛ فأنتم اليوم كبار قوم». شرف أصحاب الحديث. وقال يوسف بن الماجشون: قال لي ابن شهاب الزهري ولابن عمٍّ لي ولآخر معنا: «لا تستحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم؛ فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا أعياه الأمر المُعْضل دعا الأحداث؛ فاستشارهم لحِدَّة عقولهم». جامع بيان العلم وفضله.
    تعليم الأطفال
    وكذلك كانوا يجالسون أطفال التابعين يعلمونهم؛ فعن ابن سيرين قال: جلس إلينا رجل، ونحن غلمان؛ فقال: «كتب إلينا عمر بن الخطاب زمن كذا وكذا، أن اتزروا، وارتدوا، وانتعلوا، وقابلوا النعال، وعليكم بعيش معدّ، وذروا التنعم، وزىّ الأعاجم». أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، ومعنى «قابلوا النعال»: اجعلوا لها قبالاً أي سيراً بين الإصبعين، وكان السلف يُحضرون أولادهم مجالس إقراء القرآن والحديث.
    الإمام البخاري
    قال الإمام البخاري: «ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكُتّاب، قيل له: كم أتى عليك إذ ذاك؟ فقال: عشر سنين أو أقل، ثم خرجت من الكتاب؛ فجعلت أختلف إلى الدِّاخلي وغيره، فقال يوماً: فيما كان يقرأ الناس سفيان عن أبي الزبير، عن إبراهيم؛ فقلت: إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم؛ فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك؛ فدخل فنظر فيه ثم رجع، فقال: كيف هو يا غلام؟ فقلت: هو الزبير وهو ابن عدي عن إبراهيم؛ فأخذ القلم وأصلح كتابه».
    وقال الحسن البصري: «قدّموا إلينا أحداثكم؛ فإنهم أفرغ قلوبًا، وأحفظ لما سمعوا؛ فمن أراد الله أن يُتِمّه له أتمّه». (الجامع لأخلاق الراوي). وقال أبو بكر بن عياش: «كنا عند الأعمش ونحن حوله نكتب الحديث؛ فمرّ به رجلٌ فقال: يا أبا محمد، ما هؤلاء الصبيان حولك؟ فقال: «هؤلاء الذين يحفظون عليك دينك».
    وقال هشام بن عروة: كان أبي يقول: «أي بني، كنا صغار قومٍ فأصبحنا كبارهم، وإنكم اليوم صغار قوم ويوشك أن تكونوا كبارهم؛ فما خير في كبيرٍ ولا علم له؛ فعليكم بالسنة». قال الحافظ السيوطي :« تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام؛ فينشؤون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة، قبل تمكن الأهواء منها، وسوادها بأكدار المعصية والضلال».
    أخلاق الكبار
    من هدي هذه الأحاديث والآثار، يصطحب الأب ابنه إلى مجالس الكبار التي يختارها بدقة وعناية، تلكم المجالس التي يُنتقى فيه أطايب الكلام، كما يُنتقى أطايب الثمر؛ فيتعلم الطفل من أخلاق الكبار : أدب حوارهم، واحترام بعضهم بعضاً، ومن تجاربهم وخبراتهم في الحياة؛ فيزداد تهذيباً لنفسه، وتنبهاً لنواقصه، وتوجهاً نحو الكمال.
    أدب المجلس
    وينبغى قبل اصطحابه إليها أن يعلمه أدب المجلس، وأدب احترام الكبير مخاطبةً ولقاءً ومجالسة، من إلقاء السلام، ومصافحة باليد، وتوقير للكبير بمخاطبته بلقبه، وجلوسٍ حيث ينتهى به المجلس، وأن يكون جلوسه للاستفادة لا للجدال والمغالبة، وألا يتدخل في الكلام، ولا يسارع في الجواب إلا إذا استأذن أو طُلب منه ذلك، وألا يحتقر نفسه؛ فإذا رأى فائدة أو جواباً عن سؤال، سكت عنه القوم؛ فليتكلم بأدب وحجة دون إشارة لأحد أو تجريح .
    وعلى الأب - أيضاً - أن يُحضره مجالس العلم المناسبة له، وأن يؤدبه بأدب هذه المجالس الطيبة.
    فلا يتكلم مع أحد أثناء الدرس، أو يعبث بحاجياته، بل ينتبه ويُنصت مستفيداً، ويكون معه الكتاب والكراس يكتب فيه الفوائد.
    وبعد الدرس يذاكره ما حضره وكتبه، مع الاهتمام والمراجعة؛ فإن أحسن كافأه، وإن قصّر حثّه على الانتباه في الدرس القادم ، ولا يهمل ، ولا يلجأ إلى العقاب إلا بعد استنفاد الوسائل الممكنة.ِ
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •