تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: فوائد من كتاب الوابل الصيب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي فوائد من كتاب الوابل الصيب

    فوائد من كتاب الوابل الصيب (1-4)


    فهد بن عبد العزيز الشويرخ


    الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فلذكر الله عز وجل فضائل وفوائد كثيرة, وقد صنف العلامة ابن القيم رحمه الله في ذلك كتاباً, سماه" الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب" ذكر فيه أكثر من سبعين فائدة للذكر وذكر فوائد ولطائف في فنون متعددة وقد يسّر الله الكريم لي فانتقيتُ شيئاً منها أسأل الله أن ينفع بها ويبارك فيها
    محبطات الأعمال ومفسداتها:
    محبطات الأعمال ومفسداتُها أكثر من أن تحصر,...فالرياء– وإن دقَّ– محبط للعمل, وهو أبواب كثيرة لا تحصر, وكون العمل غير مقيد باتباع السنة أيضاً موجب لكونه باطلاً, والمنُّ به على الله تعالى بقلبه مُفسد له, وكذلك المنُّ بالصدقة والمعروف والبر والإحسان والصلة مُفسد لها كما قال سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ [البقرة:264]
    وأكثر الناس ما عندهم خبر من السيئات التي تحبط الحسنات وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } [الحجرات:2] فحذر سبحانه المؤمنين من حبوط أعمالهم بالجهر لرسول صلى الله عليه وسلم كما يجهر بعضهم لبعض, وليس هذا بردّة, بل معصية يحبط بها العمل وصاحبها لا يشعر
    فما الظن بمن قدم على قول الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه وطريقه قول غيره وهديه وطريقه ؟ أليس هذا قد حبط عمله وهو لا يشعر ؟
    استقامة القلب:
    استقامة القلب بشيئين:
    أحدهما: أن تكون محبة الله تعالى تتقدم عنده على جميع المحاب فإذا تعارض حب الله تعالى وحب غيره سبق حُبُّ الله تعالى حبَّ ما سواه..وما أسهل هذا بالدعوى, وما أصعبه بالفعل! وما أكثر ما يُقدم العبد ما يحبه هو ويهواه أو يحبه كبيره.أو شيخه أو أهله على ما يحبه الله تعالى فهذا لم تتقدم محبة الله تعالى في قلبه جميع المحاب.وسنة الله تعالى فيمن هذا شنه أن يُنكد عليه محابه ويُنغصها عليه, فلا ينال شيئاً منها إلا بنكد وتنغيص, جزاءً له على إيثاره هواه وهوى من يعظمه من الخلق أو يحبه على محبة الله تعالى...قد قضى الله عز وجل قضاءً لا يُردّ ولا يُدفع, أن من أحب شيئاً سواه عذبه به ولا بد, وأن من خاف غيره سلطه عليه, وأن من اشتغل بشيء غيره كان شؤماً عليه, ومن آثر غيره لم يُبارك له فيه, ومن أرضى غيره بسخطه أسخطه عليه ولا بد
    الأمر الثاني الذي يستقيم به القلب: تعظيم الأمر والنهي وهو ناشئ عن تعظيم الآمر الناهي...فإن الرجل قد يتعاطى فعل الأمر لنظر الخلق, وطلب المنزلة والجاه عندهم, ويتقى المناهي خشية سقوطه من أعينهم, وخشية العقوبات الدنيوية..فهذا ليس فعله وتركه صادراً عن تعظيم الأمر والنهي, ولا عن تعظيم الآمر الناهي.
    علامة التعظيم للأوامر:
    رعاية أوقاتها وحدودها, والتفتيش على أركانها وواجباتها وكمالها, والحرص على تحسينها, وفعلها في أوقاتها, والمسارعة إليها عند وجوبها, والحزن والكآبة والأسف عند فوات حق من حقوقها, كمن يحزن على فوت الجماعة, ويعلم أنه لو تُقُبلت منه صلاته منفرداً, فإنه قد فاته سبعة وعشرون ضعفاً.
    علامات تعظيم المناهي:
    الحرص على التباعد عن مظانها وأسبابها وما يدعو إليها, ومجانبة كل وسيلة تُقربُ منها كمن يهرب من الأماكن التي فيها الصور التي تقع بها الفتنة خشية الافتتان بها, وأن يدع ما لا بأس به حذراً مما به البأس, وأن يجانب الفضول في المباحات خشية الوقوع في المكروهات, ومجانبة من يجاهر بارتكابها ويحسنها ويدعو إليها, ويتهاون بها, ولا يبالي ما ركب منها, فإن مخالطة مثل هذا داعية إلى سخط الله تعالى وغضبه, ولا يخالطه إلا من سقط من قلبه تعظيم الله تعالى وحرماته.
    ومن علامات تعظيم النهي: أن يغضب لله عز وجل إذا انتهكت محارمه, وأن يجد في قلبه حُزناً وكسرةً إذا عُصى الله تعالى في أرضه, ولم يطع بإقامة حدوده وأوامره, ولم يستطيع هو أن يُغير ذلك.
    ومن علامات تعظيم الأمر والنهي: أن لا يسترسل مع الرخصة إلى حدٍّ يكون صاحبه جافياً غير مستقيم على المنهج الوسط.
    ومن علامات تعظيم الأمر والنهي: أن..يُسلم لأمر الله تعالى وحكمه, ممتثلاً ما أمر به, سواء ظهرت له حكمة الشرع في أمره ونهيه أو لو تظهر. فإن ظهرت له حكمة الشرع في أمره ونهيه حمله ذلك على المزيد الانقياد بالبذل والتسليم لأمر الله.
    من أراد الله به خيراً:
    إذا أراد الله بعبده خيراً فتح له باباً من أبواب التوبة, والندم, والانكسار, والذل, والافتقار, والاستغاثة به, وصدق اللجأ إليه, ودوام التضرع, والدعاء, والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات....ورؤية عيوب نفسه, وجهلها, ظلمها, وعدوانها, ومشاهدة فضل ربه, وإحسانه, ورحمته, وجوده, وبره, وغناه, وحمده.
    ما أمر الله عز وجل بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما تفريط, وإما إفراط:
    ما أمر الله عز وجل بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما تقصير وتفريط, وإما إفراط وغلو, فلا يبالي بما ظفر من العبد من الخُطتين, فإنه يأتي إلى قلب العبد فيُشأمُه, فإن وجد فيه تقصيراً وفتوراً وتوانياً وترخيصاً أخذه من هذه الخطة, فثبطه وأقعده, وضربه بالكسل والتواني والفتور, وفتح له باب التأويلات والرجاء وغير ذلك, حتى ربما ترك العبد المأمور جملة.
    وإن وجد عنده حذراً وجداً, وتشميراً ونهضة, وأيس أن يأخذه من هذا الباب أمره بالاجتهاد الزائد,وسوَّل له أن هذا لا يكفيك, وهمتك فوق هذا, وينبغي لك أن تزيد على العاملين, وأن لا ترقد إذا رقدوا, ولا تفطر إذا أفطروا, وأن لا تفتر إذا فتروا,...فيحمله على الغلو والمجاوزة وتعدي الصراط المستقيم, كما يحملُ الأول على التقصير دونه, وأن لا يقربه.
    ومقصوده من الرجلين إخراجهما عن الصراط المستقيم, هذا بأن لا يقربه ولا يدنو منه, وهذا بأن يتجاوزه ويتعداه.
    وقد فتن بهذا أكثر الخلق, ولا يُنجي من ذلك إلا علم راسخ, وإيمان, وقُوَّة على محاربته, ولزوم الوسط, والله المستعان.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فوائد من كتاب الوابل الصيب

    فوائد من كتاب الوابل الصيب (2-4)


    فهد بن عبد العزيز الشويرخ

    من فوائد الصدقة وثمارها الطيبة:

    للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء, ولو كنت من فاجر أو ظالم, بل من كافر, فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء, وهذا أمر معلوم عند الناس.
    والمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه, وانفسح بها صدره,...فكلما تصدق اتسع وانفسح وانشرح, وقوي فرحه, وعظم سروره, ولو لم يكن في الصدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان العبد حقيقاً بالاستكثار منها والمبادرة إليها.
    دواوين الظلم عند الله عز وجل ثلاثة:
    والظلم عند الله عز وجل يوم القيامة له دواوين ثلاثة, ديوان لا يغفر الله منه شيئاً, وهو الشرك به, فإن الله لا يغفر أن يشرك به, وديوان لا يترك الله تعالى منه شيئاً, وهو ظلم العباد بعضهم بعضاً, فإن الله تعالى يستوفيه كله.
    وديوان لا يعبأ الله به شيئاً, وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه عز وجل, فإن هذا الديوان أخف الدواوين وأسرعها محواً, فإنه يُمحي بالتوبة والاستغفار, والحسنات الماحية, والمصائب المكفرة, ونحو ذلك, بخلاف ديوان الشرك, فإنه لا يمحى إلا بالتوحيد, وديوان المظالم لا يُمحى إلا بالخروج منها إلى أربابها, واستحلالهم منها.
    الالتفات المنهي عنه في الصلاة: التفات القلب, والتفات البصر:
    الالتفات المنهي عنه في الصلاة قسمان:
    أحدهما: التفات القلب عن الله عز وجل إلى غير الله تعالى
    والثاني: التفات البصر.
    وكلاهما منهي عنه, ولا يزال الله مقبلاً على عبده ما دام العبد مقبلاً على صلاته, فإذا التفت بقلبه أو بصره, أعرض الله تعالى عنه.
    ومثل من يلتفت في صلاته ببصره أو قلبه, مثل رجل قد استدعاه السلطان, فأوقفه بين يديه, وأقبل يناديه ويخاطبه, وهو في خلال ذلك يلتفت عن السلطان يميناً وشمالاً أو قد انصرف قلبه عن السلطان فلا يفهم ما يخاطبه به, لأن قلبه ليس حاضراً معه, فما ظن هذا الرجل أن يفعل به السلطان ؟! أفليس أقل المراتب في حقه أن ينصرف من بين يديه ممقوتاً مُبعداً وقد سقط من عينيه ؟! فهذا المصلي لا يستوي والحاضر القلب, المقبل على الله تعالى في صلاته, الذي قد أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه, فامتلأ قلبه من هيبته, وذلت عنقه له, واستحيي من ربه تعالى أن يقبل على غيره, أو يلتفت عنه, وبين صلاتيهما كما قال حسان بن عطية: إن الرجلان ليكونان في الصلاة الواحدة, وإن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض....وذلك أن أحدهما مقبل بقلبه على الله عز وجل, والآخر ساهٍ غافل, فإذا أقبل العبد على مخلوق مثله وبينه وبينه حجاب لم يكن إقبالاً ولا تقرباً فما الظن بالخالق عز وجل.
    وإذا أقبل على الخالق عز وجل, وبينه وبينه حجاب الشهوات والوساوس, والنفس مشغوفة بها, ملأى منها, فكيف يكون ذلك إقبالاً وقد ألهته الوساوس والأفكار, وذهبت به كل مذهب ؟!

    الشيطان يغار من الإنسان إذا قام في الصلاة:
    العبد إذا قام في الصلاة غار الشيطان منه, فإنه قد قام في أعظم مقام, وأقربه, وأغيظه للشيطان, وأشدِّه عليه, فهو يحرص ويجتهد كل الاجتهاد أن لا يقيمه فيه, بل لا يزال به يعدهُ ويُمنيه ويُنسيه, ويجلب عليه بخيله ورجِلِه حتى يهوِّن عليه شأن الصلاة, فيتهاون بها, فيتركها.
    فإن عجز عن ذلك منه وعصاه العبد وقام في ذلك المقام, أقبل عدو الله تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه ويحُول بينه وبين قلبه, فيذكره في الصلاة ما لم يكن يذكر قبل دخوله فيها حتى ربما قد نسي الشيء والحاجة, وأَيِس منها, فيُذكره إياها في الصلاة ليشغل قلبه بها ويأخذه عن الله عز وجل فيقوم فيها بلا قلب, فلا ينال من إقبال الله تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبلُ على ربه عز وجل الحاضرُ بقلبه في صلاته فينصرف من صلاته مثل ما دخل فيها, بخطاياه وذنوبه وأثقاله لم تخفَّ عنه بالصلاة
    فإن الصلاة إنما تُكفرُ سيئات من أدى حقها, وأكمل خشوعها, ووقف بين يدي الله عز وجل بقلبه وقالبه, فهذا إذا انصرف منها وجد خفَّة من نفسه, وأحسّ بأثقال قد وضعت عنه, فوجد نشاطاً وراحةً وروحاً, حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها, لأنها قرة عينه, ونعيم روحه, وجنة قلبه, ومستراحه في الدنيا, فلا يزال في سجن وضيق حتى يدخل فيها, فيستريح بها, لا منها.
    عناوين السعادة:
    الله سبحانه وتعالى المسئول المرجو الإجابة...أن يجعلكم ممن إذا أنعم الله عليه شكر, وإذا ابتلى صبر, وإذا أذنب استغفر, فإن هذه الأمور الثلاثة هي عنوان سعادة العبد, وعلامة فلاحه في دنياه وأخراه.

    مراتب الناس في الصلاة:
    الناس في الصلاة على مراتب خمسة:
    أحدها: الظالم لنفسه, وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها.
    الثاني: من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها, لكنه قد ضيع مجاهدة نفسه في الوسوسة, فذهب مع الوساوس والأفكار.
    الثالث: من حافظ على حدوها وأركانها, وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار, فهو مشغول بمجاهدة عدوه, لئلا يسرق منه صلاته, فهو صلاة وجهاد.
    الرابع: من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها, واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها, لئلا يضيع منها شيئاً, بل همُّه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي وإكمالها...قد استغرق قلبه شأن الصلاة وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها.
    الخامس: من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك, ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه عز وجل, ناظراً بقلبه إليه, مراقباً له, ممتلئاً من محبته وعظمته, كأنه يراه ويشاهده, وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطرات, وارتفعت حُجُبُها بينه وبين ربه, فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أعظم مما بين السماء والأرض, وهذا في صلاته مشغول بربه عز وجل, قرير العين به.
    فالقسم الأول: معاقب, والثاني: محاسب, والثالث: مُكفَّر عنه, والرابع: مُثاب, والخامس: مُقرب لأن له نصيب ممن جعلت قرة عينه في الصلاة, فمن قرت عينه بصلاته في الدنيا قرَّت عينه بقربه من ربه عز وجل في الآخرة وقرَّت عينه أيضاً به في الدنيا, ومن قرَّت عينه بالله قرَّت به كلُّ عين, ومن لم تقرَّ عينه بالله تعالى تقطعت نفسه على الدنيا حسرات.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فوائد من كتاب الوابل الصيب


    فوائد من كتاب الوابل الصيب (3-4)


    فهد بن عبد العزيز الشويرخ

    القلوب ثلاثة:

    قلب خالٍ من الإيمان وجميع الخير, فذلك قلب مُظلم, قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه, لأنه قد اتخذه بيتاً ووطناً, وتحكَّم فيه بما يريد, وتمكن منه غاية التمكن.
    القلب الثاني: قلب قد استنار بنور الإيمان وأوقد فيه مصباحه, لكن عليه ظلمة الشهوات وعواصف الأهوية, فللشيطان هناك إقبال وإدبار ومجاولات ومطامع, فالحرب دُول وسِجال, وتختلف أحوال هذا الصنف بالقلة والكثرة, فمنهم من أوقات غلبته لعدوه أكثر ومنهم من أوقات غلبة عدوه له أكثر, ومنهم من هو تارة
    القلب الثالث: قلب محشو بالإيمان, قد استنار بنور الإيمان, وانقشعت عنه حجب الشهوات, وأقلعت عنه تلك الظلمات, فلنوره في قلبه إشراق, ولذلك الإشراق إيقاد, لو دنا منه الوسواس احترق به, فهو كالسماء التي حُرست بالنجوم, فلو دنا منها الشيطان ليتخطاها رُجِم فاحترق, وقد مُثِّل ذلك بمثال حسن وهو ثلاثة بيوت:
    بيت للملك فيه كنوزه وذخائره وجواهره, وبيت للعبد فيه كنوز العبد وذخائره وجواهره, وليس فيه جواهر الملك وذخائره, وبيت خال صفر لا شيء فيه.
    فجاء اللص ليسرق من أحد البيوت, فمن أيها يسرق ؟ !
    فإن قلت: من البيت الخالي, كان محالاً, لأن البيت الخالي ليس فيه شيء يسرق.
    وإن قلت: يسرق من بيت الملك, كان ذلك من كالمستحيل الممتنع, فإن عليه من الحرس...ما لا يستطيع اللص الدنو منه, كيف وحارسه الملك نفسه ؟!.
    فلم يبق للصِّ إلا البيت الثالث, فهو الذي يشُنُّ عليه الغارة.
    فليتأمل اللبيب هذا المثال حق التأمل, ولينزله على القلوب, فإنها على منواله.
    من عامل الخلق بصفة عامله الله تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة:
    في الصحيح: ( إن الله تعالى وتر يحبُّ الوتر )
    وهو سبحانه وتعالى رحيم يحب الرحماء, وإنما يرحم من عباده الرحماء, وهو ستير يحب من يستر على عباده, وهو عفو يحب من يعفو عنهم, وغفور يحب من يغفر لهم ولطيف يحب اللطيف من عباده, ويبغض الفظ الغليظ القاسي الجعظري الجواظ, ورفيق يحب الرفق, وحليم يحب الحلم, وبر يحب البرّ وأهله, وعدل يحب العدل, وقابل للمعاذير يحب من يقبل معاذير عباده, ويجازي عبده بحسب هذه الصفات فيه وجوداً وعدماً, فمن عفا عفا عنه, ومن غفر غفر له, ومن سامح سامحه, ومن حاقق حاققه, ومن رفق بعباده رفق به, ومن رحم خلقه رحمه, ومن أحسن إليهم أحسن إليه, ومن صفح عنهم صفح عنه, ومن جاد عليهم جاد عليه, ومن نفعهم نفعه, ومن سترهم ستره, ومن تتبع عوراتهم تتبع عورته, ومن هتكهم هتكه وفضحه, ومن منعهم خيره منعه خيره, ومن شاق الله شاق الله تعالى به, ومن مكر مكر به, ومن خادع خادعه, ومن عامل خلقه بصفةٍ عامله الله تعالى بتك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة, فالله تعالى لعبده على حسب ما يكون العبد لخلقه.
    الصوم المشروع:
    الصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام, ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور, وبطنه عن الطعام والشراب, وفرجه عن الرفث, فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه, وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه, فيخرج كلامه كله نافعاً صالحاً, وكذلك أعماله. فهي بمنزلة الرائحة التي يشمها من جالس حامل المسك, كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته له, وأُمِن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم, هذا هو الصوم المشروع, لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب.
    من فوائد ذكر الله تعالى:
    في الذكر نحو من مائة فائدة:
    إحداها: أنه يطرد الشيطان ويقمعُه ويكسره.
    الثانية: أنه يُرضي الرحمن عز وجل.
    الثالثة: أنه يزيل الهم والغم عن القلب.
    الرابعة: أنه يجلب الفرح والسرور والانبساط.
    الخامسة: أنه يقوي القلب والبدن.
    السادسة: أنه يُنور الوجه والقلب.
    السابعة: أنه يجلب الرزق.
    الثامنة: أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة.
    التاسعة: أنه يورثه المحبة التي هي روح الإسلام, وقطبُ رحى الدين, ومدار السعادة والنجاة, وقد جعل الله لكل شيء سبباً, وجعل سبب المحبة دوام الذكر, فمن أراد أن ينال محبة الله عز وجل فليلهج بذكره.
    العاشرة: أنه يورثه المراقبه فيدخله في باب الإحسان, فيعبد الله كأنه يراه.
    الحادية عشرة: أنه يورثه الإنابة, وهي الرجوع إلى الله عز وجل...فيبقى الله عز وجل مفزعه وملجأه, وملاذه ومعاذه, وقِبلة قلبه, ومهربه عند النوازل والبلايا.
    الثانية عشرة: أنه يورثه القرب منه, فعلى قدر ذكره لله عز وجل يكون قُربه منه.
    الثالثة عشرة: أنه يفتح له باباً عظيماً من أبواب المعرفة, وكلما أكثر الذاكر ازداد من المعرفة.
    الرابعة عشرة: أنه يُورثه الهيبة لربه عز وجل, لشدة استيلائه على قلبه.
    الخامسة عشرة: أنه يورثه ذكر الله تعالى له, كما قال تعالى: { فاذكروني أذكركم} [البقرة:152] ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلاً وشرفاً.
    السادسة عشرة: أنه يورث حياة القلب.
    السابعة عشرة: أنه قوت القلب والروح.
    الثامنة عشرة: أنه يورث جلاء القلب من صداه.
    التاسعة عشرة: أنه يحط الخطايا ويُذهبها.
    العشرون: أنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى.
    الحادية والعشرون: أن العبد إذا تعرَّف إلى الله تعالى بذكره في الرخاء عرفه في الشدة.
    الثانية والعشرون: أنه منجاة من عذاب الله تعالى.
    الثالثة والعشرون:أنه سبب نزول السكينة وغشيان الرحمة وحفوف الملائكة بالذاكر
    الرابعة والعشرون: أنه سبب اشتغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش
    الخامسة والعشرون: أن مجالس الذكر مجالس الملائكة.
    السادسة والعشرون: أنه يسعد الذاكر بذكره, ويسعد به جليسه.
    السابعة والعشرون: أنه يؤمّن العبد من الحسرة يوم القيامة.
    الثامنة والعشرون: أنه مع البكاء سبب لإظلال الله تعالى العبد يوم الحر الأكبر في ظل عرشه.
    التاسعة والعشرون أن الاشتغال به سبب لعطاء الله الذاكر أفضل ما يعطى السائلين
    الثلاثون: أنه أيسر العبادات, وهو من أجلها وأفضلها.
    الحادية والثلاثون: أنه غراس الجنة.
    الثانية والثلاثون: أن العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال
    الثالثة والثلاثون: أن دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يُوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده
    الرابعة والثلاثون: أن الذكر يُسير العبد وهو قاعد على فراشه, وفي سوقه, وفي حال صحته وسقمه, وحال نعيمه ولذته, ومعاشه, وقيامه وقعوده واضطجاعه, وسفره وإقامته, فليس في الأعمال شيء يعُم الأوقات والأحوال مثله.
    الخامسة والثلاثون:أن الذكر نور للذاكر في الدنيا ونور في القبر, ونور له في معاده, يسعى بين يديه على الصراط, فما استنارت القلوب والقبور بمثل ذكر الله تعالى
    السادسة والثلاثون: أنه ينبه القلب من نومه, ويوقظه من سِنته, والقلب إذا كان نائماً فاتته الأرباح والخسائر.
    السابعة والثلاثون: أن الذكر يعدلُ عتق الرقاب, ونفقة الأموال, والحمل على الخيل في سبيل الله عز وجل, ويعدلُ الضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل.
    الثامنة والثلاثون: أن الذكر رأس الشكر, فما شكر الله تعالى من لم يذكره.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فوائد من كتاب الوابل الصيب

    فوائد من كتاب الوابل الصيب (4-4)


    فهد بن عبد العزيز الشويرخ

    بسم الله الرحمن الرحيم


    التاسعة والثلاثون: أن في القلب قسوةً لا يُذيبها إلا ذكر الله تعالى, فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى...لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة, فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار.

    الأربعون: أن الذكر شفاء القلب ودواؤه, والغفلة مرضه, قال مكحول: ذكر الله تعالى شفاء, وذكر الناس داء.
    الحادية والأربعون: أن الذكر أصل موالاة الله عز وجل ورأسها, والغفلة أصل معاداته وأُسُّها, فإن العبد لا يزال يذكر ربه عز وجل حتى يحبه فيواليه, ولا يزال يغفل عنه حتى يبغضه ويعاديه.
    الثانية والأربعون: أنه ما استجلبت نعم الله عز وجل واستُدفعت نقمه بمثل ذكر الله تعالى, فالذكر جلاب للنعم, دفاع للنقم.
    الثالثة والأربعون:أن الذكر يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر ومن صلى الله تعالى عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح وفاز كل الفوز قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّـهَ ذِكْرًا كَثِيرً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِين َ رَحِيمًا} [ الأحزاب:41-43] فهذه الصلاة منه تبارك وتعالى ومن ملائكته إنما هي على الذاكرين له كثيراً.
    الرابعة والأربعون: أن من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا فليستوطن مجالس الذكر, فإنها رياض الجنة.
    الخامسة والأربعون:أن أفضل أهل كل عمل أكثرهم فيه ذكراً لله عز وجل, فأفضل الصُّوَّام أكثرهم ذكراً لله عز وجل في صومهم, وأفضل المتصدقين أكثرهم ذكراً لله عز وجل, وأفضل الحجاج أكثرهم ذكراً لله عز وجل, وهكذا سائر الأعمال.
    السادسة والأربعون: أن ذكر الله عز وجل من أكبر العون على طاعته, فإنها يُحببها إلى العبد, ويُسهلها عليه, ويُلذذها له, ويجعل قرة عينه فيها, ونعيمه وسروره بها, بحيث لا يجد لها من الكلفة والمشقة والثقل ما يجد الغافل, والتجربة شاهدة بذلك.
    السابعة والأربعون: أن ذكر الله يُسهل الصعب ويُيسر العسير ويُخفف المشاق, فما ذكر الله عز وجل على صعب إلا هان وعلى عسير إلا تيسر, ولا مشقة إلا خفت, ولا شدة إلا زالت ولا كربة إلا انفرجت فذكر الله تعالى هو الفرج..بعد الغم والهم
    الثامنة والأربعون: أن ذكر الله تعالى يُذهب عن القلب مخاوفه كلها, وله تأثير عجيب في حصول الأمن, فليس للخائف الذي اشتد خوفه أنفع من ذكر الله عز وجل, فإنه بحسب ذكره يجد الأمن ويزول خوفه..والغافل خائف مع أمنِه.
    التاسعة والأربعون: أن عُمال الآخرة في مضمار السباق, والذاكرون هم أسبقهم في ذلك المضمار, ولكن القتر والغبار يمنع من رؤية سبقِهم, فإذا انجلى الغبار وانكشف رآهم الناس وقد حازوا قَصَبَ السِّبق.
    الخمسون: أن دُور الجنة تُبنى بالذكر, فإذا أمسك الذاكرُ عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء.
    الحادية والخمسون: أن الملائكة تستغفر للذاكر كما تستغفر للتائب.
    الثانية والخمسون: أن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق, فإن المنافقين قليلو الذكر لله عز وجل, قال الله عز وجل في المنافقين: {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:142] قال كعب: من أكثر ذكر الله عز وجل برئ من النفاق.
    الثالثة والخمسون: أن للذكر من بين الأعمال لذة لا يشبهها شيء, فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا اللذة الحاصلة للذاكر, والنعيم الذي يحصل لقلبه لكفى به, قال مالك بن دينار: ما تلذَّذ المُتلذِّذون بمثل ذكر الله عز وجل.
    الرابعة والخمسون: أنه يكسو الوجه نُضرة في الدنيا, نوراً في الآخرة, فالذاكرون أنضر الناس وجوهاً في الدنيا, وأنورهم في الآخرة.
    الخامسة والخمسون: أن في دوام الذكر في الطريق, والبيت, والحضر, والسفر, والبقاع, تكثير الشهود للعبد يوم القيامة, فإن البقعة, والدار, والجبل, والأرض تشهد للذاكر يوم القيامة.
    السادسة والخمسون: وهي التي بدأنا بذكرها, وأشرنا إليها إشارة, فنذكرها ها هنا مبسوطة لعظيم الفائدة بها, وحاجة كل أحدٍ, بل ضرورته إليها, وهي أن الشياطين قد احتوشت العبد, وهم أعداؤه, فما ظنك برجل قد احتوشه أعداؤه المُحنقُون عليه غيظاً, وأحاطوا به, وكُل منهم يناله بما يقدر عليه من الشِّر والأذى ؟!
    ولا سبيل إلى تفريق جمعهم عنه إلا بذكر الله عز وجل.
    فالشيطان لا يُحرزُ العباد أنفسهم منه إلا بذكر الله عز وجل.
    قراءة القرآن أفضل من الذكر:
    قراءة القرآن أفضل من الذكر, والذكر أفضل من الدعاء, هذا من حيث النظر إلى كل كل منهما مجرداً, وقد يعرض للمفضول ما يجعله أولى من الفاضل.
    الصلاة أفضل من كل من القراءة والذكر والدعاء بمفرده:
    لما كانت الصلاة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء, وهي جامعة لأجزاء العبودية على أتم الوجوه كانت أفضل من كُلّ من القراءة والذكر والدعاء بمفرده, لجمعها ذلك كله مع عبودية سائر الأعضاء.
    أنواع الذكر:
    الذكر نوعان:
    أحدهما: ذكر أسماء الرب تبارك وتعالى وصفاته, والثناء عليه بها, وتنزيهه وتقدسيه عما لا يليق به تبارك وتعالى.
    وهذا أيضاً نوعان: أحدهما: إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر, وهذا النوع هو المذكور في الأحاديث, نحو: ( سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر ) فأفضل هذا النوع أجمعه للثناء, وأعمُّهُ, نحو: ( سبحان الله عدد خلقه ) فهذا أفضل من قولك: ( سبحان الله ) وقولك: ( الحمد عدد ما خلق في السماء, وعدد ما خلق في الأرض, وعدد ما بينهما, وعدد ما هو خالق ) أفضل من مجرد قولك: (الحمد لله) الثاني: الخبر عن الرب تبارك وتعالى بأحكام أسمائه وصفاته, نحو قولك: ( الله عز وجل يسمع أصوات عباده, ويرى حركاتهم, ولا تخفى عليه خافية من أعمالهم, وهو أرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم, وهو على كل شيء قدير, وهو أفرح بتوبة عبده من الفاقد راحلته الواجد, ونحو ذلك.
    النوع الثاني من الذكر: ذكر أمره ونهيه وأحكامه, وهو أيضاً نوعان:
    أحدهما: ذكره بذلك إخباراً عنه بأنه أمر بكذا, ونهى عن كذا, وأحب كذا, وسخط كذا, ورضي كذا.
    والثاني: ذكره عند أمره فيُبادر إليه, وعند نهيه فيهرُبُ منه.
    فذكر أمره ونهيه شيء, وذكره عند أمره ونهيه شيء آخر, فإذا اجتمعت هذه الأنواع للذاكر فذكره أفضل الذكر, وأجلُّه, وأعظمه فائدة..ومن ذكره سبحانه وتعالى: ذكرُ آلائه وإنعامه وإحسانه وأياديه, ومواقع فضله على عبيده.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •