أغار على خطيبي

الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي



السؤال
أنا مخطوبة منذ فترة وأحب خطيبي جدًّا، وهو كذلك، لكننا الاثنين عصبيان، وكل منا يريد تنفيذ رأيه، لكنه يريدني أن أسمع كلامه في كل شيء – دون أن أناقشه - أحيانًا أفعل ذلك، هو يغار علي جدًّا، لا يحبُّني أن أكلم أي شخص مهما كان، قطع علاقتي بأقاربي، وأنا نفذت كلامه، ولم أعد أتحدث مع أي شخص، ولكنني أعمل وأحيانًا أتكلم مع أشخاص لكن في حدود، لكني أعلم أنه على حق، وسمعت كلامه، لكن عندي مشكلة: أن زوجات إخْوتِهِ يتكلمن معه بأسلوب وطريقة لا تعجبني أنا، وأغار عليه منهم جدًّا، وطلبت منه ألا يتحدث مع زوجات إخوته إلا للضرورة؛ لأنهم - بصراحة - معتادون على هذا بطريقة لا تصح أن يتكلموا بها معه، وأنا كل ما قلته له، أن يتكلم معهن في حدود، ولا يعودهم على هذا؛ حتى لا يزددن في هذا الأمر؛ لأني مستاءة من هذا الأمر جدًّا، وأشعر - أحيانًا – أنهن أهم لديه مني، وهو يريدني أن أكون مثلهن في تصرفاتي وعلاقتي بالناس، وأنا لا أحب أن أكون مثلهن؛ فهن مغرورات ومنبوذات من الناس، ومن أهله، أما أنا فيحبني الناس، فلا أدري ماذا أفعل، هل الواجب أن لا يكون بينه وبينهن علاقة، ولا يكلمهن إلا للضرورة؟ أم أني بذلك أقطع صلته بأهله كما يظن هو؟ ولكن هؤلاء زوجات إخوته ولسن أخواته، وأنا أغتم وأحزن لغيرتي عليه، أليس من الواجب عليه مراعاة شعوري؟ أريد أن أعرف: هل عليه أن يوافقني في هذا الطلب ويراعي مشاعري ولا يعاندني في هذا؟ ولكم جزيل الشكر.

الجواب
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن كنتِ تقصدين بالخطبة مجرد الوعد بالزواج والاتفاق عليه، من غير حصول العقد الشرعي، فأنت ما زلت أجنبية عن خطيبك حتى يتم زواجكما؛ لأن الخِطبة ما هي إلا وعد بالزواج، ولا يترتب عليها أيُّ حقوقٍ خاصةٍ لأحد من الخاطبين، فلا يجوز لخطيبكِ أن يَراكِ أو تَرَيْهِ، إلا النظر الذي يسبق الخِطبة، حتى يركن كل منكما لصاحبه، ويرغب فيه، فإذا حصلت الرغبة حرم النظر بعدها، كما لا يَجوزُ لَكما الخلوة، ولا الخروجُ، ولا التَّكلُّم بِعباراتِ الغَزَل والحُبِّ، ولا تتحدثان سويًّا إلَّا لحاجة، ويكون ذلك بِحضرة أحَدِ مَحارِمِك، مع الالتزام بالضوابط الشرعية، من غض البصر، والتزامك بالحجاب الشرعي، ويكون الكلام بالمعروف.

أما إن كان مرادك بالخطبة أنه عقد عليك، كما يسمي كثير من الناس الفترة التي بعد العقد وقبل البناء خطبة، فيجوز لكما ما يجوز للزوجين إلا ما يمنع منه شرع، أو عرف معتبر، أو يشترطه ولي.

وأما بشأن تعامل خطيبك مع زوجات إخوته بالطريقة المذكورة، فلا يجوز لخطيبك؛ ففي "الصحيحين" من حديث عقبة بن عامر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إياكم والدخول على النساء))، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: ((الحمو الموت))، والمراد بالحمو في الحديث: أقارب الزوج كالأخ.

فالإسلامُ قد سدَّ كُلَّ المنافذ التي قد تؤدِّي إلى الحرام، ولو كانتْ مُباحةً في أصلها؛ سدًّا لذريعةِ الفَساد، وهذا أصْلٌ ثابتٌ في كتاب الله – تعالى - وفي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

وقد أخرجَ الشَّيخانِ من حديثِ أُسامةَ بْنِ زيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما تركْتُ بعدي فتنةً أضرَّ على الرِّجال من النِّساء))، وروى أبو سعيدٍ الخُدْرِي - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((فاتَّقوا الدُّنيا واتَّقوا النِّساء، فإنَّ أوَّل فتنةِ بَنِي إسرائيلَ كانتْ في النِّساء))؛ أخرجَهُ مسلمٌ والترمذي وابنُ ماجه وأحمد.

فيجب أن تُوَجَّهَ إليه النصيحة، حتى وإن استعنتِ ببعض الأشخاص الذين لهم تأثير عليه، ويبين له خطورةَ التَّهاونِ بالاختِلاط مع النِّساء، وأنه ذريعةٌ إلى الوُقُوع في الفِتْنَةِ بِهِنَّ، وأنه من أعظمِ الأبواب الَّتِي يَلِجُ منها الشَّيطانُ لِقَلْبِ المؤمن، فيُلْقِي فيه الخطرات حتَّى يُوقِعه في المُوبقات، ويَحرمهُ لذَّة الطاعات.

وهذا الحكم يشمل تعامله مع جميع النساء الأجنبيات عنه، سواء زوجات إخوته، أو خطيبته إن لم يكن عاقدًا عليها، أو غيرهن من النساء.

وعلينا جميعًا لزوم أوامر الله، والوقوف عند حدوده – سبحانه – كما قال – تعالى -: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229].