زوجي غير صادق معي

الشيخ خالد عبدالمنعم الرفاعي


السؤال
أنا متزوجة من 6 أشهر، ومن يوم تزوجنا، وهو يكذب عليَّ، ولقد اكتشفتُهُ أكثر من مرة، وفي مرة من المرات، كَذَبَ عليَّ؛ كان عليه دَين لأخيه، وأخذنا قرضًا لأجل أن نسدد الدَّين، ولما سألتُهُ، قلت: أعطيتَ أخاك؟ قال لي: نعم، وسكتُّ؛ صدقتُهُ، ولكن استغربْتُ من أخيه؛ ظل فترة لا يدخل بيتنا، وإذا سألتُهُ، قال: متكبر، ظَلَّ فترة، وبعد ذلك اتَّضَحَ لي أنه مختلف مع أخيه بسبب المال، علمًا بأنَّ أخاه قد سامَحَهُ في الدَّين ولا يريده؛ لأنه اعتبره مساعدة لأخيه في الزواج، لكنَّ زوجي لم يُقَدِّرْ هذا الجميل، إلاَّ بالإساءة، أيضًا زوجي لا يحب أهلي، وخصوصًا أمي، علمًا بأنها خالتُهُ، وقد ساعَدَتْهُ في أمور زواجنا كثيرًا، أيضًا أتمنى من اللهِ العلي القدير أن يكون زوجي من الذين يذهبون إلى المسجد؛ فزوجي من يوم تزوجنا يصلِّي في البيت، ونادرًا ما يذهب إلى المسجد، وأنصحه، ولكن يغضب، ويأمرني ألاَّ أكلِّمَهُ؛ فهو يعرف حقَّ الله، ويطالبني كثيرًا أن نفتحَ قنوات الأفلام، وأنا لا أريد ذلك، فهو عصبي جدًّا، علمًا بأنَّ زوجي كان مسجونًا، وأهله لا يسألون عنه؛ بمعنى أنهم متبرئون منه، فهل هذه تعتبر حالة نفسية؟ وَجِّهُوني للطريقِ الصحيح الذي أتعامل به مع زوجي.

الجواب
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن ما سردتِهِ عن زوجِكِ هي أخطاءٌ - بلا شكٍّ - ولكن بدايةً: ينبغي أن تضبطي نفسك، ومواقِفَكِ مع زوجِكِ، وقد ذكرت أنه كان مسجونًا، وأن أهله تبرؤوا منه، وهذا يتَطَلَّبُ منك معاملةً خاصةً تراعين فيها نفسيَّتَهُ، وطريقَةَ المحاوَرَةِ مَعَهُ، فلا تُواجِهيهِ بالمكاشَفَةِ والمتابَعَةِ، حتى تضطريه للكذب، أو العناد، وربما يلجأُ إلى ما هو أَشَدُّ، ولا تُحْرِجِيهِ؛ فالمرأة العاقلة من تبحث عن أسبابِ تقصيرِ زوجها، وتحرِصُ على عدم معاندته في تصرفاتها، ولا تقصِّر في طاعَتِهِ، ولا تُهمل في بيتها، وغير ذلك من الأسباب التي تَجَنُّبُها والتحلِّي بضدها يجذب الزوجَ لزوجته، وتصبر على ما يَفْعَلُهُ زوجُها، مع مداومة النصح له، وتذكيرِهِ بالتي هي أحسن، دون تعنيف في الكلام.

ولا تَعْبَسِي في وجهِه، بل تلطَّفي في اللفظِ والمعاملة، مع الحرص على الدعاء له بالهداية في أوقاتِ الإجابة؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت : 34]، فإن كان لزوجِكِ صحبةُ سوءٍ، فحاولي إبعادَهُ عنهم، وإن أمكنَ الاستعانةُ على ذلك برفقة صالحة من أهله تغنيه عن رفقاء السوء، فبها ونعمت واستعيني بالله في تعويضِه عنهم بالسكن والمودة والرحمة التي تشيعينها في بيتك.

ويمكنُكِ أن تُسْمِعِيه موعظةً لأحَدِ الدعاة أو العلماء، بشأن صلاة الجماعة، ووجوبها وجوبًا عينيًّا على من يسمع النداء، من الرِّجال القادرين، ويأثَمُ تارِكُهَا؛ وأنَّ من صلَّى في بيته من غير عذر، فقد فاتَهُ أجرٌ عظيمٌ، وارتكَبَ إثمًا مبينًا؛ لأنَّ الله - جل وعلا - يقول في كتابه: ﴿ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ﴾ [النساء : 102]؛ فأمر الله - تعالى - بالجماعةِ حال الخوف - الحرب - ففي غيره أولى.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ أثقلَ صَلاةٍ على المنافقين صلاةُ العشاءِ وصلاةُ الفجرِ، ولو يعلمون ما فيهما، لأتوهُما، ولو حبْوًا، ولقد هممتُ أن آمُرَ بالصَّلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالنَّاسِ، ثم أنطلق معي برجالٍ، معهم حزمٌ من حَطَبٍ إلى قومٍ لا يشهدون الصَّلاةَ؛ فأحرِّق عليهم بُيُوتَهُم بِالنَّارِ))؛ متفق عليه.

وما دام الرجل يسمع النداء، فعليه أن يجيب؛ حيث لم يُرَخِّص النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - للرجلِ الأعمى أن يصلي في بيته، بل قال له: ((هل تسمع النداء بالصلاة؟)) قال: نعم، قال: ((فأَجِب))؛ رواه مسلم.

وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من سمع النداء فلم يأته، فلا صلاةَ له؛ إلا من عذر))؛ رواه ابن ماجه، عن ابن عباس- رضي الله عنهما.

وفي "صحيح مسلم": أنَّ ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "من سَرَّه أن يلقى الله - تعالى - غدًا مسلمًا، فليحافظ على هؤلاء الصَّلوات، حيث يُنادى بهنَّ - أي: في المسجد - فإنَّ الله شرع لنبيكم سُنَنَ الهُدَى، وإنهنَّ من سنن الهدى، ولو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم، لضللتم، ولقد رأيتُنا، وما يتخلف عنها إلا منافقٌ معلومُ النفاقِ، ولقد كان يُؤتى بالرجل يُهادى بين الرجلين، حتى يقام في الصف".

وإنه لا يُخِلُّ بصلاةِ الجماعة إلا من ضَعُف إيمانُه، وحَرم نفسَه خيرًا عظيمًا، وليعلمْ أنَّ الأجرَ على قدرِ المشقة؛ ففي الصحيحين، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((صلاةُ الجميع تزيدُ على صلاتِه في بيته، وصلاته في سوقه خمسًا وعشرين درجة؛ فإنَّ أحدكم إذا توضَّأَ فأحسن، وأتى المسجد؛ لا يريدُ إلا الصلاة، لم يَخطُ خطوةً إلا رفعه الله بها درجة، وحُطَّ عنه خطيئة، حتى يدخل المسجد، وإذا دخل المسجد، كان في صلاة ما كانت تَحبسُه، وتصلي عليه الملائكة، ما دام في مجلسِه الذي يصلِّي فيه: اللهمَّ اغفر له، اللهمَّ ارحمه؛ ما لم يُحدِثْ فيه)).

وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ أعظمَ الناس أجرًا في الصلاةِ أبعدُهم إليها ممشى، فأبعدُهُم))؛ رواه مسلم.

وعن أُبَي بن كعب - رضي الله عنه - قال: ((كان رجل من الأنصار لا أعلم أحدًا أَبْعَدَ من المسجد منه، وكان لا تُخْطِئُه صلاة، فقيل له: لو اشتريتَ حمارًا؛ تركَبُهُ في الظلماء، وفي الرمضاء، قال: ما يسرني أنَّ منزلي إلى جنب المسجد؛ إني أريدُ أن يكتبَ لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعتُ إلى أهلي؛ فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: قد جمع الله لك ذلك كلَّه))؛ رواه مسلم.

وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: ((أراد بنو سلمةَ أن يتحوَّلوا إلى قُرْبِ المسجد، فبلغ ذلك رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا بني سلمة، دياركم تكتب آثاركم))؛ رواه مسلم.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفعُ به الدرجات؟))، قالوا: بلى، يا رسولَ الله، قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطَى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرِّباط))؛ رواه مسلم.

قال الإمام الشوكاني في "السيل الجرار": "ولكن المحروم من حُرِم صلاة الجماعة؛ فإن صلاة يكون أجرها أجر سبع وعشرين صلاة، لا يعدل عنها إلى صلاةٍ ثوابُها جزءٌ من سبعةٍ وعشرين جزءًا منها؛ إلا مغبون، ولو رضي لنفسِه في المعاملات الدنيوية بمثل هذا، لكان مستحقًّا لحجره عن التصرف في ماله؛ لبلوغِهِ من السَّفَهِ إلى هذه الغاية، والتوفيق بيد الربِّ - سبحانه". اهـ.

فيمكنك أن تذكري له تلك الأدلة بطريقةٍ سهلة، والله أسأل أن يجعله قرة عين لك، آمين.