أهمية مهارة الإقناع في الدعوة إلى الله
د. الجوهرة بنت محمد العمراني




لمهارة الإقناع أهمية كبيرة في حياة الدعاة لعدة أسباب أهمها:
- ورود عدد من النصوص في القران الكريم والسنة النبوية والتي تبين أهمية الإقناع وضرورته للتأثير والاستجابة ومنها نصوص المحاجة والتفكر ونحوها .
- توظيف فن مهارة الإقناع التي استخدمها الصحابة رضي الله عنهم في الدعوة المعاصرة بما يتناسب مع أحوال المدعوين .
- تعدد أنواع الإقناع وطرقه فهو مهارة تحتاج إلى تعلم وتدريب وتفهم وإدراك.
فإن مخاطبة العقول والقلوب فن يجدر الاعتناء به تدرباً وتعلماً لتحقيق مهارة الإقناع والتي لها تأثير بالغ في إيضاح الدعوة الإسلامية وبيانها؛ فهي تساعد على تلمس حاجات الوجدان والتأثير فيه ؛ قال تعالى : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ) وهذا النص القرآني صريح وواضح في أهمية الإقناع والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، لا بالإكراه والإجبار، يقول الله تعالى في محكم التنزيل : {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ} ؛ أي: لا تكرهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه ، وقال تعالى : {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} .



وعلى هذا النمط المستقيم الذي فرضه الله تعالى ليكون وسيلة للهداية قام الرسل ـ عليهم الصلاة و السلام ـ بتبليغ رسالاتهم بالحسنى لإقناع أقوامهم بصدق الدعوة إلى الله تعالى ، فكان عاملا مهما من عوامل نجاح دعوة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام- مما أدى إلى استجابة عدد من الناس برسالاتهم عن قناعه ورضا، والمتأمل في سنة الرسول  وسيرته النبوية يستلهم منهما مهارة الإقناع والتأثير في المدعوين، حيث خاطبت الدعوة الإسلامية عقول المدعوين وأثرت في نفوسهم ، ولهذا أثره الفاعل في انتشار الدعوة الإسلامية والتأثر بها؛ فالإقناع يبنى على الود والألفة ويقود للتغيير والتقويم بيسر ورضا غالبا بخلاف الإجبار والإكراه واللذان يوجبان المقاومة ويورثان النزاع .



ولأهمية العمل على تحقيق أهداف الدعوة إلى الله تعالى فإنه يحسن الاعتناء بمهارة الإقناع وفنونه، ومعرفة طرق تأثيره ووسائله لاسيما في هذا العصر الذي تعددت فيه وسائل الإعلام وطرائق الإقناع بالأفكار والمشارب المتنوعة والتي تؤثر على العقول وتغير العديد من القيم والثوابت،
التعريف بالإقناع :
الأصل في معنى هذه الكلمة له عدد من الاستعمالات اللغوية ومنها :
الإقناع : مد البعير رأسه إلى الماء ليشرب، قال يصف الناقة : تقنع للجدول منها جدولا : شبه حلق الناقة وفاها بالجدول تستقبل به جدولا في الشُّرْب .
" الإقناع : الإقبال بالوجه على الشيء ومنه مد اليد عند الدعاء, وسمي بذلك عند إقباله على الجهة التي يده إليها.



والإقناع: إمالة الإناء للماء المنحدر، والقانع : السائل , وسمي قانعاً لإقباله على من يسأله " . "ويجوز أن يكون السائل سمي قانعاً لأنه يرضى بما يعطى قل أو كثر، ويقبله ولا يرده " .
و" القناعة : الرضا بالقسم، وبابه سلم فهو قنع و قنوع، وأقنعه الشيء أي أرضاه " ، و" قنعت به قنعاً من باب تعب وقناعة : رضيت وهو قنع , وقنوع , ويتعدى بالهمزة فيقال: أقنعني " " و " أقنعه الشيء أي : أرضاه" . ويتفق ابن فارس مع هذا المعنى بقوله : " قنع قناعة : إذا رضي وسميت قنـاعة لأنـه يقبـل على الشيء الذي له راضياً " .
وجاء في المعجم : " اقتنع : قنع وبالفكرة أو الرأي قبله واطمأن إليه " .
وعرف الإقناع في الاصطلاح بعدد من التعريفات منها :
أنه " عمليات فكرية و شكلية يحاول فيها أحد الطرفين التأثير على الآخر، و إخضاعه لفكرة ما " .




وعرف بأنه: ( تأثير سليم ومقبول على القناعات لتغييرها كلياً أو جزئياً من خلال عرض الحقائق بأدلة مقبولة وواضحة) .
ويقال : أقنعني أي: أرضاني ويقصد به أن يصبح السامع لك وقد اقتنع بفكرتك .
ويعرف بأنه :
" فعل متعدد الأشكال يسعى لإحداث تأثير أو تغيير معين في الفرد أو الجماعة " .
وقد شمل هذا التعريف ثلاث جمل :
الجملة الأولى: " فعل متعدد الأشكال" : يعني أنه فعل يتم بأكثر من شكل، وإن كانت الفكرة الأساسية أو الأسلوب واحداً .
الجملة الثانية : " يسعى لإحداث تأثير أو تغيير معين " : ويعني هذا أن الإقناع يسعى للتأثير في الآخر بشكل عام أو جزئي سواء كان ذلك في الفكر والسلوك أو في أحدهما .



الجملة الثالثة : " في الفرد أو الجماعة " :
ويعني أن ممارسة الإقناع والتأثير قد يكون موجهاً إلى فرد بعينه, أو تكون موجهة إلى مجموعة تمثل مجتمعاً نوعيّاً، أو أمة ونحو ذلك .
التعريف الإجرائي لمهارة الإقناع: هي خبرات عملية موجهه للفرد أو الجماعة لقبول فكرة ما .
ومن هنا فإن المعنى هو اعتماد المهارة على إتقان مبادئ أساسية معينة , لا يعني بالضرورة أنها جديدة ومبتكرة بل إن الكثير منها قد يكون موجوداً ومعلوماً, ولكن مع وجود فارق واحد وكبير وهو أن لا يتم تطبيقها بصورة سطحية و معتادة بل بحرفية وإتقان وهذا هو المعنى المقصود .



ومهارة الإقناع إحدى المهارات القيادية التي تسمو بالإنسان وترفع من قيمته وتجعل منه مؤثراً إيجابياً في مجتمعه، ولا يستغني عن الإقناع من يود التأثير في الآخرين ، وقيادتهم وتغيير آرائهم وأفكارهم وقناعتهم وسلوكهم ، ومن هؤلاء الدعاة إلى الله تعالى فهم أولى الناس بضرورة الاعتناء بهذه المهارة علماً وممارسة لعظم أثرها في التأثير على المدعو، من هنا فإن تعلم هذه المهارة يعد أمراً مهما للدعاة لاسيما وأن للإقناع أصوله وقواعده وأساليبه وطرقه التي يمكن اكتسابها بالتعلم والممارسة وتنوع الأساليب والطرق أمراً مهما في الإقناع والتغيير فما يناسب هذا المدعو لا يناسب الأخر، وهكذا فتنوع الطرق وتغيرها من حال لحال ومن وقت لأخر من متطلبات نجاح الإقناع الذي ينشده الداعية إلى الله تعالى في دعوته لتحقق ثمارها المرجوة منها.
ومما يشار إليه هنا أن الإقناع الدعوي، يقوم على بناء الرسالة التي تبث أو تنشر على الجمهور وعلى أسلوب تقديمها؛ فالرسالة وخصائصها تظل هي المتغير الأساس والحاسم في تحقيق هدف الإقناع، الذي يتم من خلال التخطيط السليم والناجح للرسالة الدعوية وبناؤها عبر مداخل تستهدف البناء الوجداني والبناء المعرفي.
وعند التأمل في المنهج القرآني نجد انه استخدم الحروف والكلمات التي يستخدمها العرب، وفي هذا إشارة إلى ضرورة استخدام الدعاة وأهل الإعلام اللغة السائدة في المجتمع من غير مبالغة أو تكلف حتى تنساب رسائلهم إلى مسـتقبليهم من غير عنت أو مشقة، فتحقق بذلك أهدافها ومراميها.





ومن "الأساليب" الإقناعية التي استخدمها القرآن الكريم: جذب الانتباه للمستقبل، والقابلية للتصديق، والتكرار، والتشخيص، والاعتماد على المصادر الموثوقة، والتجاهل المتعمد لبعض المواقف، إضافة إلى الوضوح، وكلها "أساليب وطرق" يحتاج إليها الدعاة في عالم اليوم، الذي أخفق فيه بعض المسلمون في طرح وجهات نظرهم وتعريف الآخرين بحضارتهم وتاريخهم الإسلامي.
والمسلمون الآن بحاجة إلى إحسان التعامل مع وسائل الإعلام، فهناك حاجة ملحة لوجود إعلام إسلامي فاعل ، يقدم المسلمون من خلاله المقالات والكتب والأبحاث والمعارض والندوات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية على مستوى يتغلب على عقول وأقلام الفكر الغربي، وهذا يتحقق بالإقناع والعمل والمجاهدة - يقول تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} .




ومن خلال هذه الوسائل يعمل الدعاة على نشر الإسلام والإقناع به بمختلف أساليب الإقناع وطرقه.