العربية الخالدة
د. محمد حسان الطيان


«اللغة العربية الفصحى في سبيلها إلى الموت»..
كلمة قالها أحد أدعياء الثقافة والتنوير، وأحد الرموز المستعصية على الفهم والهضم.. بَـلْـهَ التذوقِ والخَضْمِ والقَضْمِ.. بدءا من لقبه الذي تلقَّفه من أسماء الآلهة المزعومة في أساطير اليونان، وانتهاء بنتاجه الذي ينضوي تحت ما يسمى شعر الحداثة وقصيدة النثر والشعر المنثور- بل النثر المشعور- وكروب أخرى جِسام بلينا بها في زمن الرويبضة، وهو الرجل التافه يتكلم في أمر العامة، كما خبَّر الصادق المصدوق "صلى الله عليه وسلم" .

نعم، زعم هذا المغرق في الموت أن العربية في سبيلها إلى الموت، وهو لعمري ميّت وابن ميّت.. وذو نسب في الهالكين عريق، على حين تتأبّى هذه العربية عليه وعلى أمثاله، بل تتأبّى على القرون، وتتحدى الزمان والمكان، وتعلو رايتها فوق كل راية، وهي تجبهه وتجبه كل منبهر بالآخرين إلى حدِّ كراهية الذات والتنكر للانتماء بأنها:
مخلّـدَةُ الشبابِ على الليالي
فلا يدنو مشيبٌ من حِماها
يشيخُ الدهرُ حالا بعدَ حالٍ
وما تنفكُّ تزهو في صِـباها
عجبتُ لها ومنبتها الصحارى
تُـغَذِّي إرْبـَةَ الدنيا لُغاها
حباها بارئُ الأصوات أحلى
وأعذبَ ما يرفُّ به صداها
مُـنـغـَّمـةٌ كأنَّ لها رباطا
مع الإيـقاعِ توقِعُهُ خطاها
هي الفصحى لنـا وَزَرٌ وحقٌّ
علينـا بـرُّها ومنى رضاها

هي باقية خالدة لأنها لغة القرآن.. وهو ميت زائل لأنه بقية إنسان.
هي قوية راسخة لأنها هوية أمة.. وهو ضعيف واهٍ لأنه انسلخ حتى عن أمِّه.
هي عزيزة أبية لأنها تأبى الذل والدنية.. وهو ذليل خانع لأنه تابع منقاد.
هي ماكثة في الأرض لأنها تنفع الناس.. وهو ذاهب جفاءً لأنه زبَد.
{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} (الرعد17).
أما أنت أيها الدعيُّ الجهول فقد هانت عليك نفسك، فهانت عليك لغتك، ولم تعلم أنَّ في تحقير لغتك تحقيرًا لذاتك. وفي عداء لغتك عداء لأمتك ووجودك، وفي كراهيتك لهذه اللغة كراهية لنفسك اللاقسة، وجبلَّتك الثقيلة.
ولا تنس، وما أخالك ناسيا، أن التي تطعن بها هي لغة القرآن، التي اصطفاها الباري سبحانه لتكون لغة وحيه وكلامه، وهو جل وعلا قد تكفل بحفظها حفظًا لذكره وقرآنه حيث يقول في محكم تنزيله:
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر9).
وحقًا.. كان الخير أن تصمت.. بدلًا من أن تهرف بما لا تعرف، وتتطاول على ما لا تحسن.

مُتْ بداءِ الصمتِ خيرٌ
لكَ عن داءِ الكلامِ
إنمـا السالمُ مَـنْ ألــجمَ فـاهُ بلجام