فرضية النقاب بين الدعاة والأدعياء
سيد مبارك أبو بلال
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
حدثت صحوة مباركة بين نسائنا وفتياتنا، وأصبح رؤية المرأة المحجبة أمر شائع منتشر في الشوارع والمصالح والوزارات والمصانع والمواصلات.. إلخ.. ولله الحمد والمنة.
نعم.. أدركت المرأة أخيراً أن سلامتها وكرامتها وعفتها في الحجاب والآداب الإسلامية السامية.. وهذا ما أثار حفيظة أنصار التحرر والتبرج والمساواة وكشفوا عن وجوههم أقنعة الزيف والخداع والنفاق وقالوها دون مواربة.. لا للحجاب!.. لا لتسلط الرجل!.. لا للعودة إلى عصور التخلف والرجعية!.. في اعتقادهم الفاسد وعقولهم المريضة وقلوبهم الحاقدة.
وبدءوا حربهم وهجومهم على النقاب والسخرية منه ومن المنقبات.. أشعلوها ناراً وأرادوها فتنة واستغلوا في ذلك اختلاف العلماء والفقهاء في مسألة ستر الوجه بالنقاب أبشع وأسوأ استغلال. وحشدوا الأنصار ممن ينتسبون للعلم زوراً وبهتاناً، أو ممن لا يفقه شيئاً على الإطلاق ليفتي في دين الله بغير علم!.
والهدف واضح وضوح الشمس في كبد السماء لكل ذي لب وعقل.
** النقاب والحرية الشخصية:
وصدق أو لا تصدق!! خرج بعض المنتسبين للعلم على شاشة جهاز التلفاز يفتي بأن النقاب بدعة!!.. يا للعار و الشناعة في القول بلا علم.. النقاب بدعة هكذا بكل بساطة يفتي في دين الله -تعالى- رجل ينتسب للعلم زوراً في مسألة اختلف فيها جهابذة علماء الأمة وفقهائها سلفاً وخلفاً.
ومع ذلك لم يقل أحداً منهم البتة أن النقاب بدعة... إلا في عصر الاستنساخ الذي أصبحت فيه الفتوى في دين الله سداح مداح! وفي القراّن تحذير لمن يفتي بغير علم ولا فقه.
قال -تعالى-: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[سورة النحل 116-117)].
وفي السنة ترهيب شديد لمن يكذب على النبي -صلي الله عليه وسلم- بما لم يقله ويأمر به أمته أو ينهي عنه، فقد روي مسلم عن المغيرة -رضي الله عنه- إنه قال: سمعت رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يقول: ((إن كذباً علىّ ليس ككذب على أحدٍ فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار))[أخرجه البخاري في الجنائز(291) واللفظ له، ومسلم في المقدمة (4)].
فاربأ بنفسك أيها المسلم، ولا تقل في دين الله بغير علم أو فقه حتى لا يحل عليك غضب الله - تعالى - ورسوله -صلي الله عليه وسلم- وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وعموما من يفتي في الدين لإظهار الحق وكشف الغمة عن عيون الناس فريقين لا ثالث لهما.
الفريق الأول:
علماء أهل ثقة اجتهدوا حسب فهمهم للنصوص من قرآن وسنة وآثار السلف الصالح إضافة إلى القياس الصحيح من وجهة نظرهم، وهؤلاء العلماء رحم الله من مات منهم وبارك في عمر من هم على قيد الحياة لهم أدلة سوف نوضحها وندحضها بأقوال العلماء الثقات ممن يؤيدون ستر الوجه وهو الرأي الذي نستريح إليه وندين لله - جل وعلا - بإظهاره ونشره، ونرى أن الفريق الأول من العلماء قد جانبهم التوفيق في هذه المسألة ولهم منا ومن كل مسلم ومسلمة كل احترام وتقدير؛ لأن العالم الرباني إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر.. ثم أنهم أهل ذكر واختلافهم رحمة بالأمة ولرفع الحرج والمشقة.
فهم ولا نزكيهم على الله -تعالى- أهل صلاح وتقوى وورع، جزاهم الله عنا وعن الإسلام خيراً، وعلى كل حال كل إنسان يؤخذ منه ويرد إلا صاحب الرسالة الصادق المعصوم - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى، وأتذكر بإعجاب ومحبة واحترام ما روي أن كل فقيه من الفقهاء المشهورين - رحمهم الله تعالى - كان يقول بعدما يفتي في مسألة.. يقول بكل تواضع: هذا ما وصل إليه علمي فإن وجدتم في كتاب الله أو سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يخالف قولي فخذوا به وأضربوا بقولي عرض الحائط... الله أكبر، ويا للعظمة وللتواضع والخوف والغيرة على الدين من أن يطعن فيه أعدائه، وهكذا يكون العالم الرباني حقاً.
الفريق الثاني:
أدعياء علم وعلماء دنيا لا هم لهم إلا التشكيك في الدين وتحليل ما اتفق على حرمته جهابذة العلماء الثقات حفظاً لمقاعدهم أو من أجل لقمة العيش أو الاثنين معاً لا أدري!! يشاركهم في الإفتاء خطباء الفتنة ممن يدعون زوراً وبهتاناً إنهم مفكرون إسلاميون فيقلبوا القضايا رأساً على عقب وينبشوا في اختلافات العلماء ويطرحوها على السطح من جديد على صفحات الجرائد والمجلات لإغراق الأمة والعامة في سفسطة جدلية بلا علم أوفقه، وهذا الفريق لا نرد عليه ولا على أدلته لأنها أدلة إنسان قاصر العلم عقيم الفكر حاقد على الإسلام وأهله وأن قال غير ذلك، وكفى بهذا زجراً لهم وحسبنا الله ونعم الوكيل.
أدلة من أباحوا كشف الوجه من العلماء والرد عليها:
ولنطرح أدلة المبيحين لكشف الوجه من علمائنا ونرد عليها لنزيل الالتباس ونكشف الغمة في هذه المسألة والله المستعان.
الدليل الأول: قوله - تعالى -: (قُل لِّلْمُؤْمِنِين َ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)[النور 30)]. ثم ساقوا حديثاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: "سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظرة الفجاءة فأمرني أن اصرف بصري" [أخرجه مسلم في الأدب (2159)].
فهذه الآية وهذا الحديث حجة للمبيحين بكشف الوجه وقالوا: ما الداعي لغض البصر ما لم تكن المرأة مكشوفة الوجه وألا ما كان للأمر فائدة وللرد على هذا الدليل.
نقول بحول الله وقوته: إن من يريد الحقيقة بإخلاص يعلم أنه ليس هناك مجتمع ملائكي يخلو من المعاصي والذنوب حتى في العهد النبوي والرسول حي يرزق صلي الله عليه وسلم فكان هناك الزاني والسارق وشارب الخمر.. الخ، ولكنه كان مجتمع قائم على تعاليم الكتاب وسنته - صلى الله عليه وسلم - والخارجين عنهما فئة شاذة استحقت الزجر وأقامت الحدود عليهم لتطهيرهم لخروجهم ومعصيتهم.
فلا صلاح لمجتمع لا يطبق شرع الله وسنه رسوله -صلي الله عليه وسلم-، وبناء على ذلك فإن غض البصر لمثل هؤلاء وغيرهم ليحفظوا أنفسهم بغض البصر عن النساء من الوقوع في فتنتهن وهن أخطر الفتن الدنيوية على الرجال على الإطلاق ولو كانت المرأة منهن لا يظهر منها شيء حتى الوجه والكفان. فالرجل هو الرجل بميله الغريزي إلى الأنثى.. والمرأة هي المرأة بحبها الفطري للتزين والدلال وإظهاره للرجال لينظروا إليها وفي الحديث الذي رواه مسلم عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء))[أخرجه مسلم في الرقاق- باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأهل النار النساء (2740)].
.. دليل واضح على خطورة النساء وفتنتهن للرجال، ولهذا أمر الشارع المرأة بتغطية وجهها ويديها ورجليها إلا ما ظهر منها دون قصد أو تعمد لشدة ريح أو حركة لابد منها، أو ما لا تستطيع إخفاؤه من الثياب الظاهرة.. الخ.. هذا من جهة المرأة.
ومن جهة الرجل غض البصر عنها لأن النظرة سـهم مسموم من سهام إبليس وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال - صلى الله عليه وسلم -: ((كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة: العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطأ، والقلب يهوي ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه)) [أخرجه مسلم في القدر (2657)، والبخاري في الاستئذان (6243)].
وكما ذكرت أنفا ليس هناك مجتمع ملائكي كل أفراده على تقوى وورع.. لا هناك الخارجين عن حدود الله.. العاصيين والعاصيات لأوامره المخالفين لسنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- من ضعاف الإيمان والقلوب من الرجال والنساء، ومن ثم يأمر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- المؤمنين بغض البصر لخطورته عن هؤلاء النسوة المتبرجات من المسلمين فضلاً عن نساء اليهود غير المسلمات السافرات الوجوه والصدور وحماية للمسلمات العفيفات الملتزمات لما يظهر منهن دون قصد أو تعمد.
أما الاستدلال أن الأمر بغض البصر للمؤمنين دليل على أن المرأة مكشوفة الوجه واليدين فهذا ما لا يصح فليس في الآية ما يبين عن أي شيء يغض المؤمنين أبصارهم هل هو الوجه أم اليدين أم البدن كله لم تحدد الآية، والأمر مطلق.. إذن الأمر بغض البصر مأمور به عن كل ما يظهر من المرأة بقصد أو بدونه.. ثم إن فرضنا أنه الوجه والكفين فنحن أمام أمرين:
الأول: إن الأمر بغض البصر للمؤمنين عن التطلع إلى وجوه النساء وأيديهن يدل على أن وجه المرأة ويديها عورة وأشد فتنه للرجل ويحرم كشفه والواجب ستره سداً للذرائع ودرءاً للفتنة.
الثاني: إن لم يكن عورة وليس مشروعاً ستره.. فلماذا يأمرنا الله بغض البصر وحرم النظر إليهن.. تأمل.. ومجمل القول أن هذه الآية لا تدل على الإطلاق أن وجوه النساء كانت مكشوفة بل العكس هو الصحيح والله أعلم.
الدليل الثاني: ما جاء في سورة النور أيضاً ونفس الآية (31) عن قوله - تعالى -: (إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا). استدلوا بذلك أيضاً بأنه الوجه والكفان **ومن أدلتهم تفسير ابن عباس لمعنى.. (إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) قال: هو الوجه والكفان كما جاء في تفسير ابن كثير والقرطبي وغيرهما. ومن المعلوم أن قول الصحابي حجة يؤخذ به ما لم يعارضه صحابي أخر فيؤخذ بالأصل والأصول تدل على ستر الوجه كما سوف نثبت.
وقد عارض رأي ابن عباس تفسير ابن مسعود في معني: (إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) قال: كالرداء والثياب ولو تأمل القارئ الأدلة جيداً لتبين له الآتي:
1- ابن عباس - رضي الله عنهما -، وابن مسعود - رضي الله عنه - من الصحابة المشهود لهما بالعلم والورع والتقوى والأمانة.
2- إن الاختلاف بينهما في تفسير معنى إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا إنما هو اختلاف زمني والدليل على ذلك ما روي عن ابن عباس في سورة النور والأحزاب ولا بأس بعرض المسألة بالتفصيل لرفع الالتباس. في سورة النور في معنى إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قال ابن عباس - وجهها وكفيها والخاتم. ا. هـ.
وفي سورة الأحزاب في معنى قولة - تعالى -: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ).
فسرها ابن عباس بقوله: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً.
والاختلاف في التفسير واضح جلياً في سورة النور فسرها بكشف الوجه للمرأة وكفيها، وفي سورة الأحزاب فسرها بستر الوجه والجسد بالجلباب. وليس هذا تناقض من ابن عباس - رضي الله عنهما - وإنما هو العامل الزمني، ويرفع شيخ الإسلام" ابن تيمية "- رحمه الله - هذا الإشكال فيقول في الفتاوى: "وحقيقة الأمر أن الله جعل الزينة زينتين زينة ظاهرة وزينة غير ظاهرة ويجوز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوات المحارم وكانوا قبل أن تنزل آية الحجاب كان النساء يخرجن بلا جلباب يرى الرجل وجهها ويديها وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين وكان حينئذ يجوز النظر إليها لأنه يجوز لها إظهاره ثم لما أنزل الله آية الحجاب بقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)[الأحزاب/ 59)]. حجب النساء عن الرجال. ثم قال: والجلباب هو الملاءة وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره الرداء وتسمية العامة الإزار وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها ثم قال: - فإذا كن مأمورات بالجلباب لئلا يعرفن وهو ستر الوجه أو ستر الوجه بالنقاب كان الوجه واليدين من الزينة التي أمـرت أن لا تظهر للأجانب فمـا بقى يـحل للأجانب النظر إلى الثياب الظاهرة فأبن مسعود ذكر آخر الآمرين، وابن عباس ذكر أول الأمرين.
إلى أن قال: وعكس ذلك الوجه واليدان والقدمان ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب على أصح القولين بخلاف ما كان قبل النسخ بل لا تبدي إلا الثياب) [انظر فتاوى ابن تيمية (ج2 من الفقه و22 من المجموع)].
ومن لم يقتنع بما قدمناه للرد على هذا الدليل ويطلب زيادة التوضيح والبيان نذكر قول " ابن العثيمين"- رحمه الله - عن تفسير ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: محتمل أن مراده أول الأمرين قبل نزول آية الحجاب كما ذكره شيخ الإسلام وقد نقلنا كلامه أنفا.
الثاني: يحتمل أن مراده الزينة التي نهى عن إبدائها كما ذكره ابن كثير في تفسيره يؤيد هذين الاحتمالين تفسيره - رضي الله عنه - لقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لاَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) وقد ذكرناه أنفا.
الثالث: إذا لم نسلم أن مراده أحد هذين الاحتمالين فإن تفسيره لا يكون حجة يجب قبولها إلا إذا لم يعارضه صحابي آخر فإن عارضه صحابي آخر أخذ بما ترجحه الأدلة الأخرى وابن عباس - رضي الله عنهما - قد عارض تفسيره ابن مسعود حيث فسر
قوله: (إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) بالرداء والثياب وما لابد من ظهوره فوجب طلب الترجيح والعمل بما كان راجحاً في تفسير يهما).
الدليل الثالث: حديث مشهور واقصد به الحديث الذي رواه أبو داود عن عائشة - رضي الله عنها - أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها، وهاهو الحديث بإسناده كاملاً عن سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد قال يعقوب ابن دريك عن عائشة - رضي الله عنها - أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه)) [أخرجه أبو داود في اللباس باب فيما تبدي المرأة من زينتها (3580)].
قلت: وهذا دليل قوي جداً إن صح إسناده فهو لا يدع مجالاً للشك أنه يجوز كشف الوجه واليدين ولكن هذا الحديث ضعيف وفيه ثلاث علل قادحة مما يجعله غير ذي بال ولا يصح الاحتجاج به وإليك العلل الثلاثة:
1- الانقطاع بين عائشة وابن دريك وقال أبو داود عقبه: هذا مرسل خالد بن دريك لم يدرك عائشة.
2- في سنده سعيد بن بشير قال الحافظ ابن حجر في التقريب (1-292) ضعيف وضعفه أحمد وابن معين وغيرهما.
3- فيه قتادة وقد عنعنة ابن حجر لأنه كان يدلس، وللأسف الشديد تجد من العلماء الأفاضل من قواه واستشهد به، ثم على الرغم من ضعفه الشديد فهو أيضاً يخالف العقل والمنطق والأدلة الثابتة الصحيحة لذلك فهو ليس حجة ولا يصح وإليك الأسباب:
1- ما ذكره ابن العثيمين في رسالة الحجاب (ص 30) ما نصه: "إن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - كان لها حين هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - سبع وعشرين سنه فهي كبيرة السن فيبعد أن تدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثياب رقاق تصف ما سوى الوجه والكفين والله أعلم.. ثم على تقدير الصحة يحمل على ما قبل الحجاب لأن نصوص الحجاب ناقلة عن الأصل فتقدم عليه".
يتبع