آثار الذنوب والمعاصي
عمر بن محمد عمر عبدالرحمن


الحمد لله ولي كل نعمة، والصلاة والسلام علي نبينا محمد صلي الله عليه وسلم المبعوث بالرحمة، وعلي كل آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين.
وبعد:
أيها الإخوة الأحباب: (آثار الذنوب والمعاصي) هذا هو عنوان لقاءنا في هذه الليلة المباركة.
أيها الأحبة: كيف لا نكره ذنوب كانت سبباً في سقوطنا من عين الله؟ كيف لا نكره ذنوب كانت سبباً في كراهية الناس لنا؟ كيف لا نكره ذنوب هي التي حجبت التوفيق عنا، ومنعت الإحسان إلينا، وفتحت الأحزان علينا؟! هذه الرسالة أقدمها إلي المؤمنين من أهل التقوى والصالحين الذين يبتغون الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة: إليكم بعض من آثار الذنوب والمعاصي التي تصيبنا: الذنوب والمعاصي سبب في الحرمان من العلم والرزق.
فإن العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفئ ذلك النور، ولما جلس الشافعيّ الإمام بين يدي شيخه وأستاذه الإمام مالك أُعجب الإمام مالك بذكاء وفطنة الشافعيّ فقال له: إن الله قد قذف في قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية، وقد قال الشافعيّ:
شكوت إلي وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلي ترك المعـاصي
وأخبرني بأن العــــلم نور *** ونور الله لا يُهدي لعـاصي
وهذا المعني هو الذي جعل الصحابيّ الجليل أبو الدرداء - رضي الله عنه - يبكي حينما فتح المسلمون قبرص فقيل له: ما يُبكيك في يوم أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله وأذل الشرك وأهله؟! فقال: ما أهون الخلق علي الله - عز وجل - إذا تركوا أمره، بينما هم أمة قاهرةٌ قادرةٌ إذا تمسّكوا بأمر الله - عز وجل -.
إذا كنت في نعمة فارعها *** فإن الذنوب تزيل النعم
وحُطها بطاعة رب العباد *** فرب العباد سريع النقم
وقد يقول قائل كيف هذا وأنا أري نعم الله - عز وجل - تنزل علي أهل الفسق والفجور والعصيان وربما تجد أهل الإيمان والطاعة يعانون الفقر والذل والضعف والضيق؟! فيرد عليك رسول الهدي محمد صلي الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -: "إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ ثُمَّ تَلَا "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ".
نعم أيها الإخوة فلا تظن أن هذا النعيم الذي يعيش فيه من عصي الله أنه حب من الله له كلا فليحذروا علي أنفسهم من استدراج الله لهم. ومن آثار الذنوب والمعاصي تعسير الأمور.
فلا تجد العاصي يتوجه إلي أمر إلا ويجده مُغلقاً في وجهه أو متعسراً عليه: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم).
أما الطائع لربه فإن الله ييسر له كل صعب ويذلل عليه كل عسير ألم تقرؤوا قوله جل جلاله: (ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً) مخرجاً من كل ضيق: (ومن يتقِ الله يجعل له من أمره يسراً)، (ومن يتق الله يُكفر عنه سيئاته ويُعظم له أجراً)، وروي الإمام الترمذيّ من حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((لا يُصيب عبداً نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنبٍ، وما يعفوا الله عنه أكثر)).
ومن آثار الذنوب والمعاصي العداوة والبغضاء. لأن العاصي أفسد ما بينه وما بين الله فأفسد الله ما بينه وبين الناس قال الله - عز وجل -: (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة َ والبغضاءَ إلي يوم القيامة).
ومن آثار الذنوب والمعاصي موت القلب. قال أحد السلف [الذنب علي الذنب يميت القلب]
ولهذا لما قيل لسعيد بن المسيب: إن عبد الملك بن مروان قال: قد صرتُ لا أفرح بالحسنة أعملها ولا أحزن علي السيئة ارتكبتها. فقال [الآن موّت قلبه].
ومن علامات موت القلب أيضاً:
- الفرح بالذنب والمجاهرة به.
- الفرح عند لقاء أهل المعاصي.
- الانقباض والحرن للقاء أهل الطاعة.
- الإصرار علي الذنب دون التعجيل بالتوبة.
- عدم الحزن علي فوات الطاعة.
- عدم إنكار المنكر باليد أو باللسان أو بالقلب.
ومن أخطر آثار الذنوب والمعاصي هوان حقُ الله علي العباد.
ولهذا كان يقول أنس بن مالك - رضي الله عنه - لأصحابه: "إنكم لتعملون أعمالاً هي في أعينكم أدق من الشعر كنا نعدها علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم من الموبقات يعني من المهلكات". ويقول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "إن المؤمن يري ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يري ذنوبه كذباب وقع علي أنفه فقال له هكذا فطار".
هذا هو ميزان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وقد أمرنا النبي صلي الله عليه وسلم بإتباع عبد الله بن مسعود فقال كما في الحديث الصحيح الذي رواه أبو يعلي من حديث حذيفة - رضي الله عنه - ((وما حدَّثكم به ابن مسعود فاقبلوه)).
ومن آثار الذنوب والمعاصي وأختم بها لقاءنا تضيع أجور العبادات.
تدبر حديث النبي صلي الله عليه وسلم الذي رواه ابن ماجه والنسائي بإسناد حسن من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وللأمانة العلمية من أهل العلم من ضعف إسناد الحديث ولكن الحافظ المنذري - رحمه الله - حسن إسناده في الترغيب والترهيب (3488) قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ((ربَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وربَّ قائم ليس له من قيامه إلا التعب والسهر)).
وتأمل حال هذا الصائم الذي ضاع صيامه بذنب اقترفه كلمة غِيبة أو افتراء كذب أو نظرة حرام أو رشوة فخسر آخرته وضيع دينه وأتعب جسده من غير فائدة لا في دينه ولا في دنياه.
قال يحيي بن كثير - رحمه الله -: "يصوم الرجل عن الحلال الطيب، ويفطر علي الحرام الخبيث لحم أخيه يعني اغتيابه".
وتأمل حال هذا القائم لله في الظاهر أمام الناس ولكنه نوى بقيامه نظر الناس فحبط عمله وضاع ثوابه فإن من تظاهر للناس بما ليس فيه سقط من عين الله - عز وجل -.
اللهم تب علينا لنتوب، اللهم باعد بيننا وبين الحرام كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم اجعلنا دعاه للخير دالين عليه له فاعلين..يا رب العالمين.أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..