الاختيار الأمثل لقضاء إجازة أفضل
سعيد سيف




إن فترات الفراغ هي فرصة لن تعوض وأوقات ثمينة أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باستثمارها والاستفادة منها، وعدم إهدارها في كسل أو في سفاسف الأمور، خاصةً مرحلة الشباب، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)) [حديث صحيح على شرط الشيخين].
والإجازة نعمة كبيرة، وللأسف أن كثيرًا منا لا يقدرها حق قدرها فيهدرها في نوم وكسل أو في أمور تافهة لا تفيد بقدر ما تضر، وكفى بها وزرًا أن تسلبك أغلى ما تملك؛ ألا وهو عمرك.
وهل أعمارنا إلا أيام وساعات وثوان تنقضي، فإذا مضى جزء من عمرنا فلن نستطيع تعويضه أو إرجاعه إلى قيام الساعة.
فعليك أن تبدأ الإجازة بإمساك ورقة وقلم، وتحديد قائمة الأعمال التي تريد القيام بها في فترة الإجازة، وحبذا لو وضعت لتلك الأعمال جدولاً يحدد أوقاتها حتى لا يطغى وقت أحدها على الآخر.
فلتضعوا خطة مشتركة يدلي فيها الجميع بأفكارهم:
دع الجميع يدلون بدلوهم في اختيار المكان الذي ستقضون فيه الإجازة، وكيف ستقضونها سوياً.
إن التشاور فيما بينكم سيعمل على خلق مزيد من الحب والتفاهم فيما بينكم، وعليك أن تدون كل المقترحات مراعيا في ذلك تسجيل الأولويات لدى كل مشارك بالرأي، ثم يتم الأماكن والأنشطة التي حازت أكثر الأصوات، وبذلك ينعدم التخاصم فيما بينكم بخصوص أمر الإجازة، وما يتعلق بها، ويكون الجميع راضين عن برنامج الإجازة.
إذا كان أطفالك ما يزالون صغاراً فلك أن تتشارك في وضع برنامج الإجازة مع الزوجة، ثم اعرضا الخيارات المتعددة على الأطفال، وكلما كبر سن الأطفال لابد من العمل على زيادة نصيب الصغار من المشاركة، وإبداء الرأي في ذلك.
من خلال مشاركة الجميع في إعداد برنامج الإجازة يحس كل فرد منهم أن له كياناً معتبراً ودوراً مؤثراً، فكل يختار ما يروق له من نشاط تاركاً لغيره الفرصة ليختار ما يروق له، استمتع بوقتي وأترك غيري يستمتع أيضا بوقته، وهكذا يتعلم الجميع احترام الآخرين وتقدير آرائهم.
الإجازة الصيفية كنز ثمين لا يدرك قيمته الكثيرون، وتستطيع من خلال هذا الكنز أن تربح الكثير جداً في حياتك، وفي آخرتك تخيلوا ما تملكون من وقت الأجازة.
3 شهور= 90 يوم =2160 ساعة =129600 دقيقة.
فيجدر بنا كآباء أن نولي هذا الموضوع اهتماماً بالغاً، فنخطط لمثل هذه البرامج التي نريد إلحاق أولادنا بها.
لاشك أننا نرغب من خلال هذه البرامج الصيفية أن نعالج جوانب القصور، ونعزز جوانب القوة في أولادنا.
من هنا كان لزاماً على كل أب حريص أن يجلس مع زوجته ويتباحثان في أهم الجوانب التي يريدان علاجها في ابنهم أو ابنتهم، دون إغفال لجوانب القوة التي يريدون تطويرها، وكلما كان التركيز على الاحتياجات العقلية والذهنية أكثر كلما كان تأثير البرامج أقوى.
والبحث عن الفرص المتاحة بحثاً تفصيلياً، فلا يكتفي الوالدان بالأسماء الرنانة، ولا بالشعارات البراقة للبرامج الصيفية، بل لا بد أن يتعرفوا على محتواها، وما سيقدم فيها، ومدى ملاءمته لاحتياجات وميول ابنهما.
أيضاً تحديد الخيار الأنسب من هذه الفرص المتاحة، ومقارنة الاحتياجات والميول، ومدى مناسبتها للميزانية المرصودة لمثل هذه البرامج.
فالأولاد بحاجة ماسة لأن يدلفوا إلى هذه البرامج عن قناعة ورضا حتى تتحقق أعلى نسبة من الفائدة المرجوة، وهنا يحتاج الوالدان إلى المزيد من وسائل الإقناع، واختيار التوقيت المناسب لمناقشة هذه الأمور، مع التركيز على التحفيز والتشويق.
وكلما كان البرنامج يراعي ميول الابن سواء التقنية أو المهارية، فلا شك أن قبوله ورضاه سيكون أسرع.
فلا ينتهي دور الوالدين عند دخول ابنهما في البرنامج الصيفي، بل لابد من المتابعة اليومية سواء عن طريق الابن أو الجهة المنفذة، إما بالحضور أو المهاتفة أو المراسلة.
ولا شك أنه ليست كل أسرة تستطيع أن تشرك ولدها في برنامج مدفوع الثمن، لكني أجزم أنه ليست هنالك من أسرة تعجز عن أن تجدول هذه الإجازة، وتفيد من مصادرها الميسورة لترتقي بأبنائها وبناتها.
فعليك أن تضع برنامج إجازة يتواءم ودخلك وإمكانياتك ولا يتعداها، فكلما قل المال زاد الضغط النفسي الذي يواجهه المرء، فإذا راق لك برنامج إجازة معين، ولم تكن الظروف المادية الحالية تسمح به فلم لا تؤجل تنفيذه إلى حين يتيسر الحال، ويتشارك الجميع في توفير المبلغ المطلوب؟ وليكن الأمر واضحاً لجميع أفراد الأسرة أن برنامج الإجازة سيكون بحسب ما تسمح به الحالة المادية الراهنة للأسرة، وهذا من شأنه أن يعمل على تنمية المسؤولية المالية لدى الأطفال، وبالتالي يتعلمون كيف يدخرون لعمل أمور يرغبون في القيام بها أو لشراء ما يحتاجونه.
كلما كان سن أطفالك صغيراً كلما زادت أهمية التزامك بالنظام الذي اعتادوه.
ففي الإجازة يحتاج الأطفال الذي هم دون سن العاشرة أن يناموا ويستيقظوا ويأكلوا في ذات الأوقات التي اعتادوا أن يمارسوا فيها تلك الأشياء، فإن أجسام هؤلاء الصغار لا تستطيع أن تتواءم مع التغيير المصاحب للإجازة، وكلما زادت نسبة التعديلات التي تطرأ على ذلك النظام المعتاد كلما ساءت الحالة المزاجية للأطفال، فلكي نتجنب مثل هذه التقلبات المزاجية ينبغي أن نجعل التغيير في هذا الشأن في أضيق الحدود.
مهما كان البرنامج الذي وضعته للأجازة جميلا ً ورائعا ً لابد وأن تسمح بالتعديل فيه وفق ما يطرأ من أمور لم تكن في الحسبان عند وضع الخطة الأصلية للبرنامج.
وهذه المرونة تكسب الإجازة تنوعاً لطيفاً، وتضفي لوناً من الحيوية على برنامج الإجازة، وعلى الجانب الآخر فإن الإصرار المستميت على تنفيذ الخطة الأصلية دون إجراء أي تعديل عليها مهما حدث يوقع الجميع تحت ضغط نفسي وتوتر نحن في غنى عنه.
لا تحاولوا أن تضغطوا أنفسكم فتحاولوا جاهدين أن تفعلوا كل شيء خلال الإجازة، وعليكم بالتؤدة والتأني في إنجاز ما اتفقتم عليه من برنامج الإجازة، ولا ينبغي أن ننسى أن الإجازة إنما هي وقت لطيف نقضيه بعيداً عن متاعب الحياة اليومية وضغوطها، فلا ينبغي أن نجعل منها سبباً إثارة تلك المشاكل.
حين تسافرون بالسيارة عليكم باصطحاب عدد من الألعاب المنوعة، والكتب وأشرطة الفيديو لشغل وقت الفراغ أثناء الرحلة.
وعليك بأن تكون مبدعاً في ذلك، فلابد من أن نتفادى الوقوع في الملل، وذلك بالتغيير من نشاط لآخر، فمثلا قد يكون الوقت قد حان للتوقف والخروج من السيارة للركض قليلاً أو للتوقف لدخول مطعم على الطريق لم يسبق لكم دخوله من قبل.
لابد من إعطاء نفسك وأطفالك فرصة للاستجمام، واستعادة النشاط بعد كل يوم مشحون بالأنشطة.
فاعمل على أن يتبع اليومَ المشحون بالأنشطة يومٌ آخر به القليل منها، ففي الأول يبذل الجميع مجهوداً كبيراً يناسب استعداداتهم البدنية والنفسية في حين يكون الآخر مناسباً بعد ما بذل من جهد وطاقة والنفوس محتاجة إلى الاستجمام وعدم بذل كبير جهد في اليوم الذي يليه.
تتسم الإجازات بتناول وجبات سريعة ومشروبات ذات سعرات حرارية مرتفعة، ومع مرور أيام الإجازة ينشأ تحد بين قابلية الجسم للتحكم في الضغط النفسي والتوتر ونظام المناعة الخاص بالجسم. فلابد للإنسان من أن يحرص على تناول الطعام الصحي وشرب الماء بدلاً من هذه المشروبات الجاهزة والتي تحتوي على نسبة عالية من السكر.
فتناول الطعام الصحي يساعد المرء على أن يظل بصحة جيدة، ويكون مليئاً بالطاقة والحيوية.
فلابد من مناقشة أفراد العائلة عن السلوكيات التي يجب أن يحرصوا عليها في المواقف المختلفة أثناء الإجازة فإذا كان المرء منتظراً في طابور لشراء شيء ما مثلاً لابد أن يتحلى بالصبر، وأن يكون بشوشاً مع الآخرين لا أن يكون مكفهراً في وجوههم متضجراً متأففا طول الوقت من طول الانتظار ثرثاراً مزعجاً لغيره، هناك مواقف تتطلب أن يكون الإنسان جاداً وهناك مواقف تتطلب إدخال شيء من السرور والمرح والفكاهة، هذا مما سيجعل الإجازة تجربة مثرية لك ولغيرك يتعلمون منها الكثير عن الحياة.
وإذا ما انتهت الإجازة تجمعوا معاً أنت وأفراد أسرتك، وتناقشوا كيف كانت الإجازة، وما انطباع كل واحد منهم حولها، حاولوا أن تستعيدوا معاً ذكريات الإجازة، وحاولوا أن تجدوا ما الذي نجحتم في عمله، وما الذي فشلتم في تحقيقه أثناء تلك الإجازة، وانظروا كيف تعدلون هذا البرنامج ليكون أكثر نجاحاً في الصيف القادم، ابدؤوا في التخطيط للإجازة التالية واضعين نصب أعينكم ما مر بكم في هذه التجربة من محاسن ومساوئ، وبذلك تكونون على الطريق لجعل كل إجازة خيراً من سابقتها.
احذر أيها الجاد من البطالين ولصوص الأوقات فإنهم من أعظم الأسباب لضياع العمر وقتل الأوقات، وهم ينشطون ويكثرون في الإجازات الصيفية، وهم معك في كل شيء إلا الحرص على الوقت ولاستفادة منه، وهؤلاء قد شكا منهم ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -كثيراً فقال في صيد الخاطر: "فصلٌ في أهل الفراغ بلاء" ثم قال: "أعوذ بالله من صحبة البطالين، لقد رأيت خلقاً كثيراً يجرون معي فيما اعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويسمون ذلك التردد خدمة، ويطلبون الجلوس ويجرون فيه أحاديث الناس، ومالا يعني وما يتخلله غيبة، وهذا شيءٌ يفعله في زماننا كثير من الناس".
إلى أن قال: "إن أنكرت عليهم وقعت وحشة تقطع المألوف، وإن تقبله منهم ضاع الزمان، فصرت أدفع اللقاء جهدي، فإذا غلب قصرت في الكلام لأتعجل الفراق، ثم أعددت أعمالاً تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم، لئلا يمضي الزمان فارغاً فجعلت من المستعد للقائهم قطع الكاغد، وبري الأقلام وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لابد منها ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم لئلا يضيع شيء من وقتي"، أرأيت كيف يستغلون الأوقات -رحمة الله عليهم-؟ نسأل الله - عز وجل - أن يعرفنا شرف أوقات العمر وأن يوفقنا لاغتنامه.
فالقراءة من أفضل الوسائل لقضاء الإجازة الصيفية، وأعني بها القراءة المركزة والتي يتبعها تقييد للفوائد والشوارد، فاجعل لنفسك من الآن وقتاً مخصصاً للقراءة، واجعلي لنفسك أيتها الأخت وقتاً مخصصاً للقراءة، وليختر كل منكم من الآن الكتب التي ترغب أو ترغبين بقراءتها، واعلم أن هناك فرقاً كبيراً بين القراءة المركزة وبين الإطلاع العابر، كما أنه لابد لحفظ المتون والقصائد والكتابة والتأليف وقرض الشعر وكتابة المقالات وغيرها من الهوايات والمهارات الفردية من تخصيص وقت مناسب لها في هذه الإجازة.
إن الإجازة الصيفية فرصة لا تعوض وهي أيام من العمر فيجب أن نحرص على اغتنام الفرص، واللحظات فيها، ونحاول جاهداً أن تخرج من إجازة هذه السنة بمكاسب ونتائج طيبة