خطيبي الذي أكرهه
بدر عبد الحميد هميسه
من المفترض أن تكون فترة الخِطبة أو (الخطوبة) من أهنأ وأسعد الفترات في حياة الإنسان، فهي الفترة التي يجد فيها شريك حياته، ويلتقي بمن يشاركه ويقاسمه رحلته في هذه الحياة، وبمن يجالسه ويؤانسه وتحصل به الطمأنينة والسكن والمودة والرحمة، قال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [21 سورة الروم].
وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا: المرأة الصالحة)). أخرجه أحمد2/168(6567) و"مسلم" 4/178(3634) و"ابن ماجة" 1855 و"النَّسائي" 6/69.
من هنا فقد حثنا الإسلام على التحقيق والتدقيق في اختيار شريك الحياة، قال - تعالى -: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [221 سورة البقرة].
وقال: (فَالصَّالِحَات قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ) [النساء 34]، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((تُنْكَحُ النِّسَاءُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَجَمَالِهَا، وَحَسَبِهَا، وَدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)) أخرجه أحمد 2/428(9517). و"الدرامي" 2170 و"البُخاري" 5090 و"مسلم" 3625.
قال رجل للحسن: قد خطب ابنتي جماعة فمن أزوَّجها؟ قال: "ممَّن يتقي الله فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها".
قال الشاعر:
وإن تزوجت فكن حـاذقــاً *** واسأل عن الغصن وعن منبته
واسأل عن الصهر وأحواله *** من جـيـرة وذي قربتــه
وقال آخر:
لا خير في حسن الفتاة وعلمها *** إن كان في غير الصلاح رضاؤها
فجمالها وقف عليها إنما *** للناس منها دينها ووفاؤها
لكن الحاصل الآن إلا من رحم الله - تعالى - يحولون فترة الخطوبة إلى فترة للصراعات والخلافات بدل أن تكون فترة للتعارف والتراحم والمودات.
وهناك شكاوى كثيرة من الفتيات المخطوبات تقول أنا في خلاف مع خطيبي، وقد يكون ذلك الأمر طبيعياً نظراً لاختلاف الطباع أحياناً أو اختلاف العادات والتقاليد أو غيرها من الأسباب، لكن أن يصل الأمر إلى حد الشكوى من أنني في خلاف دائم معه، أو أنني أصبحت أكره خطيبي، أو أصبحت لا أطيقه، فتلك شكوى تستحق التوقف والتأمل، وبخاصة أن الأمر قد صار أشبه بظاهرة.
فكراهية الفتاة لخطيبها له أسبابه الكثيرة والمتشعبة فمن هذه الأسباب:
1- عدم مشاورة البنت وأخذ رأيها:
فبعض الآباء لا يأخذون رأى البنت فيمن تقدم لخطبتها، بل قد يجبرونها ويضغطون عليها بشتى السبل لكي تقبل هذا الشاب زوجاً لها، وهذا الأمر مخالف لهدي الإسلام الحكيم الذي أمر بمشاورة البنت وأخذ رأيها فيمن يكون شريكاً لها في حياتها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: ((لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ))، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: ((أَنْ تَسْكُتَ)). أخرجه "أحمد" 2/250(7398) و"البُخاري" 5136 و"مسلم" 3457.
كما حث الإسلام على أخذ رأي الأم فهي أقرب للبنت من الأب، وربما قالت للأم ما لا تستطيع البنت ان تقوله له، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ خَطَبَ إِلَى نَسِيبٍ لَهُ ابْنَتَهُ قَالَ فَكَانَ هَوَى أُمِّ الْمَرْأَةِ في ابْنِ عُمَرَ وَكَانَ هَوَى أَبِيهَا في يَتِيمٍ لَهُ قَالَ فَزَوَّجَهَا الأَبُ يَتِيمَه ذَلِكَ فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: ((آمِرُوا النِّسَاءَ في بَنَاتِهِنَّ)). - لفظ مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ: ((آمِرُوا النِّسَاءَ في بَنَاتِهِنَّ)). أخرجه أحمد 2/34(4905) و"أبو داود" 2095.
فكل ذلك يكون سبباً للنفور والشقاق الذي يؤدي في النهاية إلى الكراهية والبغض.
2- منع البنت من رؤية خطيبها:
بعض الآباء ممن لا فقه لديهم ولا عقل يعتقدون أن مجرد رؤية البنت لمن تقدم لخطبتها أمر قد منعه الشرع ويأباه العرف، وأنه ليس لها حق في ذلك، فما عليه إلا تقبل ما اختاره الأبوان لها دونما رأي ولا رؤية، وهذا مخالف كذلك لهدي الإسلام الحكيم الذي أباح التعرف والرؤية بين المخطوبين، فعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: خَطَبْتُ امْرَأَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا))؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: ((فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا)). أخرجه أحمد 4/244(18317) و"الدرامي" 2172 و"ابن ماجة"1866 و"التِّرمِذي"1087 وقال: هذا حديثٌ حَسَنٌ.
فالتعارف والرؤية إذن مطلوبان للخطبة، ولكن بقيود وضوابط وبعيداً عن الحرج وجرح المشاعر، ولذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يتخبأون لمن يريدون خطبتها فإن أعجبتهم وإلا فلا حرج، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا، فَلْيَفْعَلْ))، قَالَ: فَخَطَبْتُ جَارِيَةً مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا تَحْتَ الْكَرَبِ، حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا بَعْضَ مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا، فَتَزَوَّجْتُهَ ا". أخرجه أحمد 3/334(14640).
فكيف تحصل المودة والتآلف بين البنت ومن خطبها وهي لم تره ولم تبدي رأيها فيه.
3- الكذب وعدم الصراحة:
الخطبة لا بد أن تقوم من بدايتها لنهايتها على الصراحة والوضوح والبعد عن الغش والتدليس، فلا يمكن لحياة زوجية سليمة أن تقوم على الكذب والخداع، خطب بلال - رضي الله عنه - لأخيه امرأة من قريش، فقال لأهلها نحن من قد عرفتم، كنا عبدين فأعتقنا الله - تعالى -، وكنا ضالين فهدانا الله - تعالى -، وكنا فقيرين فأغنانا الله - تعالى -، وأنا أخطب إليكم ابنتكم لأخي، فان تنكحوها له فالحمد لله - تعالى -، وإن تردونا فالله أكبر، فأقبل بعضهم على بعض، فقالوا: بلال ممن عرفتم سابقته، وعلمتم مكانته من رسول الله، فزوجوا أخاه فزوجوه، فلما انصرفوا قال له أخوه: يغفر الله لك يا بلال، أما كنت تذكر سوابقنا ومشاهدنا مع رسول الله، وتترك ما عدا ذلك؟ فقال: مه يا أخي، إنما صدقتُ فأنكحك الصدق. إحياء علوم الدين 2/39.
وإن مما تحصل به الكراهية والنفور بين المخطوبين أن يكتشف أحدهما كذب الآخر وخداعه له، تقول إحدى الفتيات: تقدم لي شاب وخطبني..ثم عقدنا العقد..لكنني اكتشفت أن أفكاره وكلماته كلها مصحوبة بالكذب.. كما أنه لا يفكر إلا في الجنس وفقط، ويعتبر المرأة لم تخلق إلا للفراش، وقد حاول الاعتداء علىً ومن ساعتها أحسست أنني أكره كل الرجال.
وقد يكون من كذب الشاب على مخطوبته أنه يحب فتاة أخرى وعلى علاقة بها فإذا ما اكتشفت هذه العلاقة فمن الطبيعي أن تنفر منه وتكرهه.
وقد تكتشف الفتاة أن خطيبها لم يكن جاداً في خطبته لها، وأن الأمر لديه لا يعدو إلا أن يكون نزوة من نزوات الشباب، أو إثباتاً لنفسه ولمن حوله أنه قد وصل إلى مرحلة الرجولة، فيحاول بعد الخطبة التنصل من عهوده ومواعيده ويبدأ في الهرب من كل ما من شأنه أن يسير بالخطبة في مسارها الطبيعي الذي ينتهي بإتمام الزواج، فتبدأ الخلافات والمشاكسات بينه وبين خطيبته وبينه وبين أهلها، حتى تصل الأمور إلى طريق مسدود، والسبب تلاعبه وعدم جديته.
4- سوء المعاملة والعصبية الزائدة:
المرأة لا تحب الرجل الذي تكون لديه عصبية زائدة، وسوء في التعامل والتصرفات، وقد تكره المخطوبة خطيبها بسبب هذه العصبية، يقول الإمام الغزالي - رحمه الله تعالى -: "ومن زوج ابنته ظالماً أو فاسقاً أو شارباً للخمر فقد جنى على دينها وتعرض لسخط الله - عز وجل –".
فالفاسق أو شارب الخمر لا شك أنه سيكون عصبي المزاج سيء التصرفات، عنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ بْنِ صُخَيْرٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ تَقُولُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي فَآذَنَتْهُ فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ، وَأَبُو الْجَهْمِ بْنُ صُخَيْرٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو الْجَهْمِ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ، وَلَكِنْ أُسَامَةُ))، فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا: أُسَامَةُ أُسَامَةُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((طَاعَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ خَيْرٌ لكِ))، قَالَتْ: "فَتَزَوَّجْتُه فَاغْتَبَطْتُ بِهِ". المسند 6/412، تعليق شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
فحذرها النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن تتزوج من أبي جهم لأنه عصبي ضرَّاب للنساء.
5- انعدام الشخصية:
قد تكتشف الفتاة أن خطيبها إنسان ضعيف الشخصية، يتصف بالإمعية، ويعجز عن اتخاذ قراره بنفسه، فهو يعيش ذنباً لغيره، وقد يكون هذا الغير والديه وقد يكون أحد أصدقائه، وهذه من الأسباب التي تتسبب في النفور من هذا الشاب لأن المرأة تحب الرجل صاحب الشخصية القوية حتى تعيش في كنفه وتأمن في ظله، ويكون له القوامة عليها، ولا ترتبط الشخصية القوية للرجل بالمال أو بالجاه، فالمرأة تفضل الرجل القوى حتى ولو كان فقيراً، ولا تفضل الرجل صاحب الشخصية الضعيفة حتى ولو كان غنياً، وقد قص لنا القرآن الكريم قصة ابنة شعيب التي قالت لأبيها عن نبي الله موسى - عليه السلام -: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [26 سورة القصص]، فهي هنا كما تقصد قوة الجسم قصدت معها قوة الشخصية بوصفها له بالأمين.
وعن سهل بن سعد الساعدي، قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم –، فَقَالَ النبي: ((مَا تَقُولُونَ في هَذَا))؟ قَالُوا: رأيك في هذا، نقول: هذا من أشرف الناس، هذا حَرِيٌّ، إِنْ خَطَبَ، أَنْ يخطب، وَإِنْ شَفَعَ، أَنْ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْمَعَ لقوله، فسَكَتَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وَمَرَّ رَجُلٌ آخر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَا تَقُولُونَ في هَذَا))؟ قَالُوا: نقول: والله يا رسول الله، هذا من فقراء المسلمين، هذا حَرِيٌّ، إِنْ خَطَبَ، لمَ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ، لاَ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْمَعَ لقوله، فَقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لهَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا)). أخرجه البخاري 7/9(5091) و"ابن ماجة" 4120.
6- البخل:
في بعض الإحصائيات سئلت النساء عن أكثر الصفات التي تحبها المرأة في الرجل، فاتفقن على صفتين أساسيتين هما: العطف والكرم؛ فالمرأة تحب الرجل الحنون والعطوف، وتحب الرجل السخي الكريم، َخَطَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَفَتًى مِنْ الْعَرَبِ امْرَأَةً، وَكَانَ الْفَتَى جَمِيلًا، فَأَرْسَلْت إلَيْهِمَا الْمَرْأَةُ: لَا بُدَّ أَنْ أَرَاكُمَا، وَأَسْمَعَ كَلَامَكُمَا، فَاحْضُرَا إنْ شِئْتُمَا، فَأَجْلَسَتْهُم َا بِحَيْثُ تَرَاهُمَا، فَعَلِمَ الْمُغِيرَةُ أَنَّهَا تُؤْثِرُ عَلَيْهِ الْفَتَى، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَقَدْ أُوتِيتَ حُسْنًا وَجَمَالًا وَبَيَانًا، فَهَلْ عِنْدَك سِوَى ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَعَدَّدَ عَلَيْهِ مَحَاسِنَهُ، ثُمَّ سَكَتَ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: فَكَيْفَ حِسَابُك؟ فَقَالَ: لَا يَسْقُطُ عَلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنِّي لَأَسْتَدْرِكُ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ الْخَرْدَلَةِ، فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ: لَكِنِّي أَضَعُ الْبَدْرَةَ فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ، فَيُنْفِقُهَا أَهْلُ بَيْتِي عَلَى مَا يُرِيدُونَ، فَمَا أَعْلَمُ بِنَفَادِهَا حَتَّى يَسْأَلُونِي غَيْرَهَا، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: وَاَللَّهِ لَهَذَا الشَّيْخُ الَّذِي لَا يُحَاسِبُنِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الَّذِي يُحْصِي عَلَيَّ أَدْنَى مِنْ الْخَرْدَلَةِ، فَتَزَوَّجَتْ الْمُغِيرَةَ. ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 7/384.
وبالرغم أن الإسلام نهى عن المغالاة في المهور ففي حديث عمر - رضي الله عنه -: " خير النكاح أيسره". صحيح أبي داود برقم (1859).
وروى عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أعظم النكاح بركة أيسره مَؤونةً)) أحمد (6/82).
إلا أن المرأة تضع الرجل خلال فترة الخطبة موضع الاختبار لترى هل سيكون كريماً معها أم سيكون بخيلاً، فإذا بدت عليه آفة البخل والشح بدأت في النفور منه، ذلك النفور الذي قد يصل إلى حد الكراهية.
7- الغيرة القاتلة:
الغيرة مطلوبة بين الزوجين وبالطبع بين المخطوبين، ولكنها كالملح للطعام له مقداره المحدد الذي يجب أن لا يزيد أو ينقص عنه، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرَّم الله عليه)).. البُخاري" 7/45(5222) و"مسلم" 8/101.
لكن بعض الناس تكون غيرتهم زائدة عن الحد، وتصبح غيرة مدمرة قاتلة.. نعم الفتاة لا شك تحب من خطيبها أن يغار عليها، ولكنها تكره منه الغيرة التي تصل إلى حد التجسس والشك والاتهام، فإذا ما وصل الأمر إلى ذلك استحال الاستمرار في مشروع الزواج بينها، وفي النهاية يتم الانفصال.
قال الشاعر:
ما أَحْسَنَ الغَيْرَةَ في حينِها *** وأقبح الغَيْرَةَ في كُلِّ حِينْ
مَنْ لم يَزَلْ مُتَّهِماً عِرْسَهُ *** مُنَاصِباً فيها لِرَيْبِ الظُّنُونْ
أَوْشَكَ أَنْ يُغْرِيهَا بالذي *** يَخَافُ أَنْ يُبْرِزَها للعُيُونْ
حَسْبُكَ من تَحْصِينِها وَضْعُها *** منك إِلى عِرْضٍ صَحِيحٍ ودِينْ
لا تَطَّلِعْ مِنْكَ على رِيبَةٍ *** فيَتْبَعَ المَقْرُونُ حَبْلَ القَرينْ
يتبع