المتشابه اللفظي ذو الجذر اللغوي الواحد في القرآن الكريم وعلاقته بعلم الدلالة

نحمد الله ونصلي ونسلم على أنبيائه ورسله ، نستفتح بالذي هو خير ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، وبعد:
يختار الباري سبحانه هذه اللغة من بين لغات العالم؛ لتكون وعاءً لكتابه العظيم، ويُحمَّل الأمةَ أمانةَ الحفاظ على هذه اللغة وعاء القرآن]وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ[ [سورة الزخرف:44]؛ ذلك لجعله حياتها ونورها، أليس هو القائل:]أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا[(2) [سورة الأنعام:122].
وإذا كان هذا شأن وعاء القرآن - اللغة العربية- كان لزاماً علينا أن نرعى هذه اللغة وأن نعطي الدراسات اللغوية للقرآن مزيداً من العناية والحفاوة والاهتمام.
ومما يتصل بالمحافظة على لغة القرآن ووعائه: دراسة المتشابه اللفظي ذي الجذر اللغوي الواحد في القرآن؛ إذ إن هذا العلم -من علوم القرآن- يدخل ضمن "علم الدلالة"؛ لأنه يبحث في العلاقات الدلالية التي تربط بين تلك الألفاظ المتشابه، وتجعلها في حقل دلالي خاص يتقارب فيها المعنى العام، ويفترق في الدلالات الخاصة.
ولمّا كان المتشابه اللفظي ذي الجذر اللغوي الواحد يعتني بالدرجة الأولى بكشف الفروق اللغوية الطفيفة بين تلك الألفاظ المتشابه، وعلم الدلالة يبحث في أصول المعنى والدلالات؛ دخل علم المتشابهات في إطار علم اللغة؛ لكونه مظهراً من مظاهر علم الدلالة، بل هو من أعقد مسائل الدلالة؛ كونه يبحث في أصول المعنى، ويحاول الكشف عن الفروق الطفيفة بين كلماته.
وقد نبه الإمام الراغب الأصفهاني رحمه الله (ت:503) إلى ضرورة الاشتغال بالعلوم اللفظية اللغوية في القرآن الكريم فقال:
(وذكرتُ أن أوّل ما يُحتاج أن يُشتغل به من علوم القرآن: العلوم اللفظية. ومن العلوم اللفظية: تحقيقُ الألفاظ المفردة؛ فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاوِن لمن يريد أن يُدرك معانيه، كتحصيل اللَّبِنِ في كونه من أوَّل المعاوِن في بناء ما يريد أن يبنيه.
وليس نافعا في علم القرآن فقط بل هو نافعٌ في كل علم من علوم الشرع، فألفاظ القرآن هي لُبُّ كلام العرب وزُبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحِكمهم، وإليها مفزع حذَّاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم، وما عداها وعدا الألفاظ المتفرِّعات عنها والمشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور والنَّوى بالإضافة إلى أطايب الثَّمَرَةِ، وكالحُثالة والتبن بالإضافة إلى لُبوب الحنطة)(3) [مُعجم مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني: 8، بعناية إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية في بيروت،ط1(1997). ويسمى أيضاً (المفردات في غريب ألفاظ القرآن)].



الدكتور أنس العمايرة
دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن