تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 14 من 14

الموضوع: حقيقة الايمان بالقضاء والقدر

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    8,004

    افتراضي حقيقة الايمان بالقضاء والقدر

    الإيمان بالقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان - لا يتم إيمان أحد إلا به ففي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه بلغه أن بعض الناس ينكر القدر فقال : " إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني براء منهم وأنهم برآء مني ، والذي يحلف به عبد الله بن عمر ( أي : يحلف بالله ) لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا ثم أنفقه ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر" أن الإيمان بالقدر لا يصح حتى تؤمن بمراتب القدر الأربع وهي :

    1) الإيمان بأن الله تعالى علم كل شيء جملة وتفصيلا من الأزل والقدم فلا يغيب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض .
    2) الإيمان بأن الله كتب كل ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة .
    3) الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة فلا يكون في هذا الكون شيء من الخير والشر إلا بمشيئته سبحانه .
    4) الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله فهو خالق الخلق وخالق صفاتهم وأفعالهم كما قال سبحانه : ( ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء ) الأنعام/102
    ومن لوازم صحة الإيمان بالقدر أن تؤمن :
    - بأن للعبد مشيئة واختياراً بها تتحقق أفعاله كما قال تعالى : ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) التكوير/28 وقال : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) البقرة/286
    - وأن مشيئة العبد وقدرته غير خارجة عن قدرة الله ومشيئته فهو الذي منح العبد ذلك وجعله قادراً على التمييز والاختيار كما قال تعالى : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) التكوير/29
    - وأن القدر سر الله في خلقه فما بينه لنا علمناه وآمنا به وما غاب عنا سلمنا به وآمنا ، وألا ننازع الله في أفعاله وأحكامه بعقولنا القاصرة وأفهامنا الضعيفة بل نؤمن بعدل الله التام وحكمته البالغة وأنه لا يسأل عما يفعل سبحانه وبحمده .

    ومن مجمل اعتقاد السلف في هذا الباب

    أولاً : معنى القضاء والقدر في اللغة :
    القضاء لغة : هو إحكام الشيء وإتمام الأمر ، وأما القدر فهو في اللغة: بمعنى التقدير .
    ثانيا : تعريف القضاء والقدر في الشرع :
    القدَر : هو تقدير الله تعالى الأشياء في القِدَم ، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده وعلى صفات مخصوصة ، وكتابته سبحانه لذلك ، ومشيئته له ، ووقوعها على حسب ما قدرها ، وخَلْقُه لها .
    ثالثاً : هل هناك فرق بين القضاء والقدر؟ :
    من العلماء من فرق بينهما ، ولعل الأقرب أنه لا فرق بين ( القضاء ) و ( القدر ) في المعنى فكلٌ منهما يدل على معنى الآخر ، ولا يوجد دليل واضح في الكتاب والسنة يدل على التفريق بينهما ، وقد وقع الاتفاق على أن أحدهما يصح أن يطلق على الآخر ، مع ملاحظة أن لفظ القدر أكثر وروداً في نصوص الكتاب والسنة التي تدل على وجوب الإيمان بهذا الركن .

    رابعاً : منزلة الإيمان بالقدر من الدين :
    الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي وردت في قوله صلى الله عليه وسلم عندما سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " رواه مسلم ( 8 ) وقد ورد ذكر القدر في القرآن في قوله تعالى : ( إنا كل شئ خلقناه بقدر ) القمر/49 . وقوله تعالى: ( وكان أمر الله قدرا مقدورا ) الأحزاب/38 .
    خامساً : مراتب الإيمان بالقدر:
    اعلم وفقك الله لرضاه أن الإيمان بالقدر لا يتم حتى تؤمن بهذه المراتب الأربع وهي :
    أ ـ مرتبة العلم : وهي الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وأن الله قد علم جميع خلقه قبل أن يخلقهم ، وعلم ما هم عاملون بعلمه القديم وأدلة هذا كثيرة منها قوله تعالى : ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) الحشر/22 ، وقوله تعالى : ( وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ) الطلاق/12 .
    ب ـ مرتبة الكتابة : وهي الإيمان بأن الله كتب مقادير جميع الخلائق في اللوح المحفوظ . ودليل هذا قوله تعالى : ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) الحج/70 .
    وقوله صلى الله عليه وسلم : " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن تخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة " رواه مسلم ( 2653 ) .
    ج ـ مرتبة الإرادة والمشيئة : وهي الإيمان بأن كل ما يجري في هذا الكون فهو بمشيئة الله سبحانه وتعالى ؛ فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، فلا يخرج عن إرادته شيء .
    والدليل قوله تعالى : ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّه ُ) الكهف/23 ،24 وقوله تعالى : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) التكوير/29 .
    د ـ مرتبة الخلق : وهي الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء ، ومن ذلك أفعال العباد ، فلا يقع في هذا الكون شيء إلا وهو خالقه ، لقوله تعالى: ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) الزمر/62 . وقوله تعالى : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون ) الصافات/96 .
    وقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يصنع كل صانع وصنعته " أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد( 25 ) وابن أبي عاصم في السنة ( 257و 358 ) وصححه الألباني في الصحيحة ( 1637) .
    قال الشيح ابن سعدي ـ رحمه الله ـ : " إن الله كما أنه الذي خلقهم ـ أي الناس ـ ، فإنه خلق ما به يفعلون من قدرتهم وإرادتهم ؛ ثم هم فعلوا الأفعال المتنوعة : من طاعة ومعصية ، بقدرتهم وإرادتهم اللتين خلقها الله ) ( الدرة البهية شرح القصيدة التائية ص 18 )

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    8,004

    افتراضي رد: حقيقة الايمان بالقضاء والقدر

    قال الشيخ صالح آل الشيخ فى شرح الطحاوية
    قال: "وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه"، تحتها مسائل
    المسألة الأولى:
    في تعريف القدر، القدر يمكن أن يعرف بأنه تقدير الله للأشياء قبل وقوعها، وعلمه الأول بكل شيء , وكتابته لذلك , يعني للمقادير في اللوح المحفوظ , وأنه ما شاء كان , وما لم يشأ لم يكن , وعموم خلق الله للأشياء كلها، هذا لا ينطبق عليه حد التعاريف عند أهل التعريف , لكن هذا يعم ويضم كل مراتب الإيمان بالقدر الأربعة.
    المسألة الثانية:
    مراتب الإيمان بالقدر
    ، والإيمان بالقدر إيمان بما دل القرآن والسنة عليه , مما يتصل بالقدر , وذلك إيمان بأربع مراتب:
    المرتبة الأولى: العلم.
    المرتبة الثانية: الكتابة.
    المرتبة الثالثة: عموم المشيئة.
    والمرتبة الرابعة: خلق الله جل وعلا للأشياء كلها.
    أما المرتبة الأولى: (العلم). فأدلتها كثيرة ,
    المرتبة الثانية:(الكتابة)، الكتابة , ثم أدلة كثيرة عليها منها قوله تعالى: ] أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [ , وفي قوله تعالى: ] وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ [ ودل عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)).
    ومعنى أن الله سبحانه كتب كل شيء في اللوح المحفوظ , سواء ما يتعلق بالمكلفين أو ما يتعلق بغير المكلفين؛ وذلك لعموم قوله: ] إِنَّ ذلِكَ فِي كِتَابٍ [ يعني ما في السماء والأرض , والكتابة هذه المقصود بها الكتابة في اللوح المحفوظ، كتابة مقادير الأشياء في اللوح المحفوظ، ومن هذه الكتابة ثم أنواع من الكتابة تفصيلية لها؛ منها الكتابة العمرية، والكتابة السنوية، والكتابة اليومية، وأشباه ذلك مما دلت عليه الأدلة في القرآن والسنة.
    المرتبة الثالثة: (مرتبة المشيئة). ويعني بها أن ما شاء الله جل وعلا كان , لا ترد مشيئة الله جل وعلا , وأن الذي لا يشاؤه الله سبحانه ولو شاءه العبد ورغب فيه فإنه لا يقع , ودليلها قوله سبحانه: ] وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً [ , وقوله سبحانه: ] وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [، والمشيئة مرتبطة بالكون , يعني أن المشيئة كونية , فإذا شاء الله أن يقع هذا الشيء في هذا الوقت , على هذه الصفة , فإنه يقع على ما شاءه الله جل وعلا وأراده كونا، والمشيئة تساوي الإرادة الكونية , لهذا يبحث هنا في مرتبة المشيئة الفرق ما بين المشيئة والإرادة.
    وأهل السنة على أن مشيئة الله جل وعلا هي إرادته الكونية , وأن الإرادة منقسمة إلى إرادة شرعية دينية وإلى إرادة كونية , وأن الله سبحانه قد يشاء الشيء كوناً , يعني يريده كوناً فيقع , ولا يريده ديناً وشريعة , فيجتمع إذن في بعض الحالات إرادة وعدم إرادة , فيكون الفعل المعين مراد وغير مراد , شاءه الله فوقع , وأراده فوقع , ولكن لم يرده سبحانه ديناً وشريعة , وهذا فيما يكرهه الله ولا يرضاه ديناً , مثل كفر الكافر , معصية العاصي , ضلال الضال... إلى آخره؛ فإن الله سبحانه شاء الكفر من الكافر؛ لأنه ما دام وقع فإنه قد شاءه وأراده كونا؛ لأنه لا يحصل في ملكوته إلا ما أراده جل وعلا كوناً , ولكن لم يرضه ولم يرده ديناً؛ لأن الله نهى في كتابه وعلى ألسنة رسله عن الكفر والفساد , وبين أنه لا يرضى ذلك ولا يحبه , كما قال: ] وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [ , وقال: ] وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ [. وهذه هي المسألة المعروفة لدى كثير منكم بالفرق ما بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية , وسيأتي لها مزيد بيان عند ذكر الرد على المخالفين في القدر إن شاء الله تعالى.
    المرتبة الرابعة (عموم خلق الله تعالى للأشياء).
    وأن الله سبحانه خالق كل شيء , وأن طاعة المطيع خلقها الله , ومعصية العاصي خلقها الله، وأن صلاة المصلي خلقها الله , كما خلق ذاته , يعني ذات المصلي فإنه يخلق أعماله، وهذه يستدل لها بقول الله سبحانه: ] اللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [ وبنحو قوله سبحانه: ] وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً [ ونحو ذلك من الآيات , وفي خصوص عموم خلق الله للعمل استدلوا بقوله سبحانه: ] وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [ في هذه الآية , دليل على أن عمل العامل خلقه الله؛ وذلك أن كلمة ما في الآية ] وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [ الأصح فيها أنها مصدرية , بمعنى أنها تقدر مع ما بعدها بمصدر , يعني يكون سبك الآية: والله خلقكم وعملكم، والوجه الثاني أن ما هنا موصولة بمعنى الذي فيكون المعنى والله خلقكم والذي تعملونه , وهي على كل من الوجهين دالة على المراد في عموم خلق الله جل وعلا للعمل. ووضوح الدليل الأول يعني في كونها مصدرية , وقد يكون ثم بعض الاعتراض على الاستدلال بالوجه الثاني.
    سؤال: يجعل الله سره في أضعف خلقه، إذا رأى مثلاً شخصاً ضعيفاً؟
    جواب: هذا المقصود به حكمته تعالى في الخلق لا بأس به.
    سؤال: هل يدخل الغيب تحت القدر؟
    جواب: نعم. كل مغيب فهو مقدر.[شرح الطحاوية]

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    8,004

    افتراضي رد: حقيقة الايمان بالقضاء والقدر

    قال الشيخ صالح ال لشيخ --- وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال الله تعالى في كتابه {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}[الأنبياء:23]، فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.
    هذه الجمل من كلام العلامة الطحاوي رحمه الله فيها إشارة إلى القدر مع عدم ذكر معتقد أهل السنة والجماعة على وجه التفصيل فيه.
    وقد سبق أن ذكرنا بعض المسائل فيه؛ ولكن نعيد المسائل من أولها حتى يرتبط الموضوع لبعد العهد بما سبق.
    [قال (وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه)]
    يعني بقوله (أصل القدر سر) أن القدر من الأسرار في كمال درجاته ومراتبه فإن الله سبحانه وتعالى لم يكشف قدره على وجه التفصيل لأحد؛ بل هذا علمه عند الله - عز وجل -.

    لهذا قال بعدها (لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل)
    وإذا كان ملائكة الله المقربون لم يطلعوا على القدر على وجه التفصيل، وكذلك الأنبياء المرسلون الذين هم صفوة عباد الله لم يطلعوا على ذلك على وجه التفصيل فإن التعمق والنظر في ذلك ذريعة للخذلان.
    وذريعة الخذلان يعني وسيلة من وسائل سلب التوفيق؛ لأن الله منع العباد عن ذلك ولم يأمرهم بالبحث في هذا ولا بالتعمق فيه.
    وإذا كان الصفوة لم يطلعوا على ذلك ولم يطلعوا عليه فإذا الباب مغلق وإذا لا تحاول كشفا للقدر.
    ومعنى كشف القدر ما ذكره في جمله بأن يحذر المسلم من التفكير في تقدير الله - عز وجل - للأشياء نظرا في العلل وفكرا في الحكم ووسوسة في لم فعل ذلك؟ ولم حصل؟ ولم قدر كذا؟ ولم وفق هذا. ولم خذل ذلك؟ ولم حصل كيت وكيت؟
    فإن الله سبحانه طوى علم القدر عن أنامه، ولذلك نهاهم عن تطلبه قال {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}[الأنبياء:23].
    فإذا إذا تبين ذلك فإيماننا بقدر الله - عز وجل - إيمان بما جاء في النصوص من تفصيل ما يجب علينا أن نؤمن به.
    ثم إيمان إجمالي وهو ركن الإيمان؛ لأن كل شيء فإنه بتقدير الله - عز وجل -، لأن من أركان الإيمان، الإيمان بالقدر خيره وشره.
    يعني أن نؤمن بأن ما حصل من الخير والشر بالنسبة إلينا فإنه بتقدير الله - عز وجل -.
    يعني لم تحصل الأشياء ابتداء دون تقدير من الله وعلم وكتابة ومشيئة وخلق لله - عز وجل -، بل الله الذي علمها وكتبها وقدرها وشاءها، فلم يحصل شيء ولا يحصل شيء إلا بتقدير الله - عز وجل - وإذنه الكوني.
    إذا تبين ذلك فإن الإيمان الإجمالي لما ذكرت هذا ركن الإيمان، ما يصح إيمان أحد حتى يؤمن بهذا القدر، وهو أن كل شيء بقدر وأن الأشياء يقدرها الله - عز وجل - فيما سبق.
    ثم الإيمان التفصيلي بما علم تفصيلا من نصوص الكتاب والسنة بما يدخل في بحث القدر.
    فإذا جاءه الدليل أن من القدر علم الله السابق فإنه يؤمن بذلك، وإذا جاءه الدليل أن الله خالق كل شيء فيؤمن بهذا العموم؛ عموم خلق الله - عز وجل - للأشياء بما في ذلك طاعة المطيع ومعصية العاصي، إذا علم عموم مشيئة الله - عز وجل - وأن مشيئة العبد لا تستقل بإحداث الأشياء بل لابد من مشيئة الله - عز وجل - آمن بذلك على وجه التفصيل، فيكون ذلك من الإيمان الواجب لأنه علم الدليل الذي يجب عليه الإيقان به.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    8,004

    افتراضي رد: حقيقة الايمان بالقضاء والقدر

    [المسألة الأولى]:
    القدر في اللغة بمعنى ترتيب الشيء ليكون على وجه ما، فيقال قدرت أو تقول قدرت أن يكون الأمر كذا وكذا، إذا رتبت أن يكون الأمر على هذا المنوال.
    فإذا القدر في معناه اللغوي يدخل فيه الفعل، ويدخل فيه الإرادة والمشيئة، ويدخل فيه العلم، ويدخل فيه أيضا الحكمة بحسب من قدر.
    وأما في الشريعة فالقدر يجمع أربعة أشياء:
    - يجمع العلم السابق.
    - والكتابة السابقة.
    - وعموم مشيئة الله - عز وجل .
    - وعموم خلقه - عز وجل - للأشياء.
    ولهذا عرف بعض أهل العلم القدر بأن القدر: هو علم الله بالأشياء قبل وقوعها وكتابته لها في اللوح المحفوظ وعموم مشيئته لما يقع وخلقه - عز وجل - للأشياء كلها.
    وهذا في الواقع تعريف من باب ليس حدا، يعني على صناعة الحدود ولكنه تعريف يشمل مراتب الإيمان بالقدر الأربعة وليدخل ذلك في تعريف القدر عند أهل السنة والجماعة.



  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    8,004

    افتراضي رد: حقيقة الايمان بالقضاء والقدر

    [المسألة الثانية]:
    القدر مر بك تعريفه.
    وأما القضاء فإنه في اللغة بمعنى إنهاء الشيء، وقد يكون الإنهاء إنهاء عمل وقد يكون إنهاء خبر، ولهذا جاء في القرآن تنوع معنى القضاء إلى عدة معاني:
    1 - المعنى الأول أن القضاء يكون بمعنى الإنهاء كما قال سبحانه {فاقض ما أنت قاض}[طه:72]، وقال {فلما قضينا عليه الموت}[سبإ:14].
    2 - المعنى الثاني أن القضاء بمعنى الوحي وذلك إذا عدي بـ(إلى)، قضينا إلى، قضى إلى، يكون إنهاء الخبر بالوحي كما قال - عز وجل - {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين}[الإسراء:4] يعني أوحينا إلى بني إسرائيل وأعلمناهم وأخبرناهم، وقال أيضا - عز وجل - {وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين}[الحجر:66] {وقضينا إليه} يعني أوحينا إليه وأنهينا إليه ذلك الخبر بالوحي.
    3 - المعنى الثالث أن القضاء يكون بمعنى القدر كما قال - عز وجل - {فقضاهن سبع سموات في يومين}[فصلت:12]، يعني قدر ذلك وخلقه وفعله، وكما في قوله أيضا {فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته}[سبإ:14]، على أنه بمعنى القدر؛ لأن الإنهاء يدخل في القدر.
    ولهذا المعنى قال جمع من أهل العلم إن القضاء و القدر بمعنى واحد؛ لأجل أنهم لحظوا أن معنى القضاء داخل في معنى القدر، وأن القدر و القضاء لا فرق بينهما.
    ممن ذهب إلى ذلك جماعة من أهل العلم منهم ابن الجوزي وكثير من العلماء السابقين.
    * وأما فيما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة فإن القدر غير القضاء، وهذه الغيرية بمعنى أن القدر أعم من القضاء، والقضاء قد يكون بعض مراتب القدر من حيث الإطلاق.
    ولهذا قال بعض أهل العلم في تبيين ذلك: إن القضاء هو القدر إذا وقع، وقبل وقوع المقدر لا يسمى قضاء.
    ذلك لأن كلمة قضاء -كما رأيت في معناها في اللغة وفي استعمالات القرآن أنها بمعنى الإنهاء إنهاء الشيء إنهاء الخلق إلى آخره.
    و القدر إذا وقع وانتهى صار قضاء، قضي {قضي الأمر الذي فيه تستفتيان}[يوسف:41]، يعني انتهى {فاقض ما أنت قاض}[طه:72]، يعني أحكم بما شئت وأنهى الأمر على أي وجه شئت.
    فإذا يكون القضاء هو إنهاء القدر، وهذا يتبين بأن مراتب القدر الأربعة التي سيأتي بيانها منها مرتبتان سابقتان وهي مرتبة العلم والكتابة، ومنها مرتبتان -وهي عموم المشيئة وعموم الخلق لله - عز وجل -- هاتان المرتبتان مقارنتان لوقوع المقدر.
    ولهذا إذا نظر لوقوع المقدر من جهة عموم الخلق وعموم المشيئة فإنه حينئذ يكون قضاء لله - عز وجل - لهذا الشيء.
    قضى الله - عز وجل - الأمر على كذا وكذا بمعنى خلقه وشاءه.
    ولهذا نظر من نظر في أن القضاء داخل في القدر فلذلك قالوا القضاء والقدر بمعنى واحد.
    لكن على التحقيق ليس القضاء والقدر بمعنى واحد، وإنما القضاء هو وقوع المقدر، فإذا وقع القدر السابق وانتهى سمي قضاء، قضي وانتهى وهو المقدر، ولاشك أن الذي يقع مقدر ويكون قضاء.
    ولهذا نقول القضاء، و القدر بينهما فرق فإن:
    - القدر أعم، والقضاء أخص.
    - و القدر سابق، والقضاء لاحق.
    - والقدر فيه عدة صفات لله - عز وجل -: العلم والكتابة والمشيئة والخلق، وأما القضاء قضاء الله - عز وجل - للشيء في نفسه يدل على خلقه سبحانه وتعالى للشيء ومشيئته له.
    لهذا على الصحيح أن القضاء و القدر ليسا بمعنى واحد ولا يتواردان، يعني ما يستعمل أحدهما بمعنى الآخر؛ بل القدر أعم.




  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    8,004

    افتراضي رد: حقيقة الايمان بالقضاء والقدر

    [المسألة الثالثة]:
    الإيمان بالقدر يشمل أربع مراتب:
    أما مرتبتان فسابقتان قبل خلق السموات والأرض قبل خلق الأشياء وهما:
    1 - المرتبة الأولى: علم الله - عز وجل - السابق.
    2 - المرتبة الثانية: كتابه - عز وجل - للأشياء في اللوح المحفوظ.
    @ وعلم الله السابق بالأشياء: علم أزلي والله سبحانه وتعالى علمه صفة ذاتية له، فما شاء الله - عز وجل - أو أراد أن يوقعه في ملكوته موقتا بوقته مقدرا بزمان وصفتة فإنه سبحانه وتعالى علم ذلك على وجه التفصيل لكمال علمه وأنه سبحانه بكل شيء عليم.
    @ وأما كتابه - عز وجل - للأشياء: فإن الله كتب مقادير الخلائق مؤخرا؛ يعني قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم وغيره «قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء»(1).
    وقوله (قدر الله) يعني كتب لأن المرتبة السابقة للعلم هي قبل ذلك.
    علم الله - عز وجل - أول علم الله أزلي، يعني لم يزل.
    فإذا نقول إن مرتبة الكتابة هي كتابة الله - عز وجل - للأشياء على وجه الإجمال والتفصيل في اللوح المحفوظ كما قال سبحانه {وكل صغير وكبير مستطر}[القمر:53]، {إنا كل شيء خلقناه بقدر}[القمر:49]، وقال - عز وجل - {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير}[الحج:70]، ونحو ذلك من الأدلة.
    والأدلة لهاتين المرتبتين كثيرة في القرآن والسنة.
    3 - أما المرتبة الثالثة فهي مرتبة عموم مشيئة الله - عز وجل -:
    فإنه ما شاء الله كان وما لن يشأ لم يكن.
    فطاعة المطيع وقعت بمشيئة الله، ومعصية العاصي وقعت بمشيئة الله، إحياء النفس وقع بمشيئة الله، وقتل النفس وإزهاق روحها ظلما وعدوانا وقع أيضا بمشيئة الله - عز وجل -.
    فالله سبحانه شاء كل ما وقع، فما وقع في ملكوته لا يمكن أن يوقعه العبد إلا إذا شاءه الله - عز وجل - بما في ذلك الأمور المحمودة عند الإنسان والأمور المذمومة عند الإنسان، الخير بالنسبة للإنسان والشر بالنسبة للإنسان كل ذلك وقع بمشيئة الله - عز وجل -، ولا يخرج أحد عن مشيئته،قال سبحانه {وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما}[الإنسان:30]، وقال سبحانه {وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين}[التكوير:29]، وقال سبحانه {من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم}[الأنعام:39]، وقال سبحانه أيضا {إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء}[الأعراف:155].
    فإذا ما يقع من الإضلال هو بمشيئة الله؛ لكن وقع بمشيئة الله لحكمة لله - عز وجل - في وقوعها.
    فإذا الله سبحانه شاء الخير وشاء الشر وأذن بوقوع الخير، وأذن بوقوع الشر كونا.
    وأما من جهة الشرع، من جهة الدين فإن الله سبحانه نهى عن الشر، نهى عن الكفر، نهى عن الكبائر، نهى عن المعصية، نهى عن الظلم و أمر بالإيمان وأمر بالعدل وأمر بالطاعة وأمر بالعبادة.
    فإذا ثم فرق بين الإرادة الكونية وبين الإرادة الدينية.
    فالإرادة الكونية لا يشترط لها وهي المشيئة أن يكون الشيء وقع والله سبحانه وتعالى يحبه ويرضاه؛ بل قد يأذن الله - عز وجل - ويشاء بالشيء وهو لا يحبه ويرضاه، يأذن به كونا ويشاؤه ويقع وهو لا يحبه ويرضاه من عباده، وهو لا يحبه ويرضاه أن يقع؛ لكن أذن به وشاءه لحكمة له - عز وجل - في ابتلاء العباد؛ لكنه لم يرضه دينا، يعني ما أراده شريعة، ما أرده دينا، وهذا يحتم كما قال - عز وجل - {ولا يرضى لعباده الكفر}[الزمر:7] مع أنه {ومن يشإ الله يضلله}، ولكنه {لا يرضى لعباده الكفر}.
    فإذا دلت الأدلة على التفريق ما بين الإرادة الكونية والإرادة القدرية، والإرادة الكونية هي المشيئة.
    لأن الإرادة تنقسم إلى:
    - إرادة كونية.
    - وإرادة دينية
    وأما المشيئة فلا تنقسم، المشيئة هي الكونية يعني هي الإرادة الكونية.
    إذا تبين لك ذلك فمرتبة المشيئة هي المرتبة التي فيها الخلاف والضلال ما بين القدرية المتوسطة وبين أهل السنة والجماعة، هي في مسألة المشيئة.
    والقدرية الذين ينفون القدر كالمعتزلة والرافضة وأشباه هؤلاء والزيدية كل هؤلاء ينزهون ويقولون:
    إن المشيئة لا تدخل في معصية العاصي ولا في كفر الكافر، فإن كفر الكافر ومعصية العاصي هذه لم يشأ الله - عز وجل - أن تقع وإنما شاءها العبد وهي مكروهة لله - عز وجل - استدلالا بقوله {ولا يرضى لعباده الكفر}.

    والصواب في ذلك أنه ما من شيء يقع إلا بإذن الله، وإلا فيكون الله - عز وجل - يقع في ملكه ما لم يأذن به، وهذا وصف لله - عز وجل - بالنقائص.
    بل عموم قدرة الله - عز وجل - وقوته وملكوته وجبروته وقهره وملكه لهذا الملكوت أنه لا يحصل شيء إلا بعلمه سبحانه وبإذنه ومشيئته؛ لكن له حكمة في أن يقع هذا الشيء.
    فقتل القتيل ظلما وقع بمشيئة الله الكونية لكنه لم يأذن به شرعا بل نهى عنه، اقتحام الكعبة والمسجد الحرام وإسالة الدم فيه لم يقع بإذن الله الشرعي ولكنه وقع بإذن الله الكوني.
    فإذا يجتمع في إذن الله الكوني الطاعات والمعاصي، المحمود والمذموم، الشر والخير.
    وأما إذن الله الشرعي، إرادة الله الشرعية فهي ما أمر الله - عز وجل - به.
    وأما ما نهى عنه فإنه لم يرده شرعا.
    وهذا بيان مهم والمسألة معروفة لأكثر طلبة العلم في التفريق ما بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية، وسيأتي إن شاء الله مزيد بيان لهذه المسألة.
    4 - أما المرتبة الرابعة فهي مرتبة عموم خلق الله - عز وجل - للأشياء:
    وأما خلق الله للأشياء فجميع المنتسبين للإسلام بل وغير المسلمين يؤمنون بأن الله خالق الأشياء.
    لكن عموم خلق الله الأشياء بضابط و قيد العموم هذا مما تميز به أهل السنة والجماعة إعمالا وإيمانا بقول الله - عز وجل - {الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل}[الزمر:62]، وقوله سبحانه {وخلق كل شيء فقدره تقديرا}[الفرقان:2].
    فإذا الأشياء التي خلقها الله - عز وجل - داخلة في قدر الله سبحانه وتعالى.
    يدخل في عموم خلق الله - عز وجل - للأشياء الكفر، ويدخل في ذلك معصية العاصي، ويدخل في ذلك عمل الإنسان بجميع أنواعه من الخير والشر وذلك لقوله سبحانه {والله خلقكم وما تعملون}[الصافات:96]، يعني خلقكم والذي تعملونه.
    - فتكون {ما} بمعنى الذي، يعني اسم موصول بمعنى الذي.
    - أو تكون {ما} مصدرية يعني حرف مصدري تقدر مع الفعل بعدها بمصدر فيكون تقدير الآية (والله خلقكم وعملكم).(1)
    فما عمله الإنسان خلقه الله - عز وجل - كما خلق ذات الإنسان خلق عمله، والله خلقكم وعملكم، أو والله خلقكم والذي تعلمونه.
    وهذا ظاهر، ويأتي بيان شبه الفرق والرد عليها مزيد تفصيل لعموم خلق الله - عز وجل - للأشياء.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    8,004

    افتراضي رد: حقيقة الايمان بالقضاء والقدر

    [المسألة الرابعة]:
    منشأ الضلال في القدر، منشأ ضلال الفرق: الجبرية والقدرية يرجع إلى عدة أسباب:
    1- السبب الأول: قياس أفعال الله - عز وجل - وتصرفاته سبحانه بأفعال الخلق.
    فيجعلون ما كان محمودا في الخلق محمودا في فعل الله - عز وجل -، وما كان مذموما في الخلق فيكون مذموما في فعل الله - عز وجل -.
    فعندهم أن العدل محمود والظلم مذموم، فيجعلون العدل بتفسيره في الخلق والظلم بتفسيره في الخلق في حق الله، فما اقتضى العدل في المخلوق جعلوه لله وما اقتضى الظلم في المخلوق جعلوه منفيا عن الله - عز وجل -.
    ولذلك نفوا عموم المشيئة ونفوا عموم الخلق، لأنهم جعلوا أن إذن الله - عز وجل - بالكفر يقتضي الظلم؛ لأنه معناه الإلزام.
    وجعلوا خلق الله - عز وجل - لمعصية العاصي ولكفر الكافر جعلوا ذلك ظلما؛ لأنه في حق الإنسان إذا جعل غيره يفعل ذلك الشيء فإنه قهره عليه وأجبره عليه أو أنه أذن له به وهذا ظلم في حق الإنسان فيما بينهم.
    فيقولون: إذن ما كان عدلا في الإنسان فهو عدل في الله وما كان ظلما في الإنسان فهو ظلم في الله لأن تعريف العدل والظلم فيما جاء في النصوص هو التعريف اللغوي وهو الذي يشمل الإنسان ويشمل الله - عز وجل -.
    * وهذا في الحقيقة هو أعظم أسباب الضلال في هذه المسألة.
    2 - السبب الثاني: عدم التفريق ما بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية.
    فيجعلون الإرادة والمشيئة شيء واحد، فما نفي مما لم يرده الله - عز وجل - شرعا جعلوه منفيا كونا.
    فالله - عز وجل - لم يرد الكفر فجعلوه - عز وجل - لم يشأ الكفر؛ لأن الإرادة عندهم قسم واحد، لم يرد المعصية فجعلوه لم يشأ المعصية، لم يرد الكبيرة جعلوه لم يشأ الكبيرة.
    والإرادة كما ذكرنا منها إرادة شرعية ومنها إرادة كونية.
    و الإرادة الكونية هي المشيئة، وأما الإرادة الشرعية فهي التي تدخل فيها صفة المحبة والرضا لله - عز وجل -.
    3- السبب الثالث: دخول العقل في التحسين والتقبيح.
    فيجعلون الأفعال التي تقع في ملكوت الله وتقدير الله - عز وجل - للأشياء يدخل فيه العقل محسنا ومقبحا.
    وذلك لأن العقل عندهم أصل، فقالوا: العقل يعمل في أفعال الله فما حسنه العقل في أفعال الله صار حسنا وما قبحه العقل في أفعال الله - عز وجل - وجب نفيه عن الله - عز وجل -.
    وهذه هي المسألة المشهورة بالتحسين والتقبيح العقليين التي لها صلة بالأصول وبالفقه يعني بالتكليف ولها صلة أيضا بمبحث القضاء والقدر.
    4- السبب الرابع: الدخول في أفعال الله - عز وجل - وعدم التسليم لمراد الله - عز وجل -.
    يعني الخوض في أفعال الله سبحانه وتعالى.
    والخوض في أفعال الله - عز وجل - كما ذكر لك الطحاوي في ذلك (ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان).
    (ذريعة الخذلان) يعني وسيلة لأن يخذل العبد، لأنه معناه أنك تريد أن تصل إلى معرفة سر القدر وهذا لا يمكن.
    (سلم الحرمان) لا يمكن أيضا أن تدخل في أفعال الله فتحرم؛ ولأن هذا سلمه الحرمان فتصل إلى أن تكون محروما.
    وكذلك أنه (درجة -من درجات- الطغيان) لأن الإنسان رفع نفسه فوق ما لها، طغى وجاوز حده، فحده أن يتعبد الله - عز وجل - بالإيمان والتسليم {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}[الأنبياء:23].
    فإذا السؤال بـ(لم؟) هذا من منشأ الضلال فيمن ضل في الجبرية وفي القدرية وفي المتحيرين المتشككين الذين أنكروا الشريعة وضلوا وألحدوا بسبب الدخول في القدر.
    من المعلوم أن القدر فيه العلم، والعلم يتفاوت فيه الناس.
    والله - عز وجل - يعلم ما يوافق حكمته - عز وجل -.
    الحكمة أين هي؟
    ما يريده الله - عز وجل - من الابتلاء في خلقه.
    الله سبحانه وتعالى يعلم ذلك، فأوقع في خلقه ما يوافق الحكمة له؛ يعني ما يوافق مراداته في خلقه وحصول الابتلاء في ذاته، والإنسان قد ينظر فيكون علمه قاصرا فلا يصل إلى حقيقة الإدراك.
    ولهذا قال بعض السلف وتنسب إلى أبي بكر رضي الله عنه (العجز عن الإدراك إدراك)
    لم؟
    لأن إدراكات الذكي غير إدراكات البليد فإذا اعترض البليد على الذكي بأن هذا الشيء ليس كذلك لأن هذا ما يعقل وهذا ما يحصل فيكون هذا اعتراض لا عن علم وإنما عن جهل فيرد على صاحبه فيكون هو المحروم.
    مثل جهل بعض الناس مثلا ببعض الأجهزة.
    الكفار من النصارى أول ما اخترع المسلمون الساعة أنكروها وخافوا منها، ورجع الأمر إلى أن في بعض المخترعات للكفار في العصر الحديث رفضه بعض المسلمين وخافوا منه؛ وذلك لأن ذلك فيه عجزا عن إدراك حقيقته، فرفضوا لأنهم عجزوا عن إلادراك.


    وهذا إذا كان في المخلوق فالله - عز وجل - له العلم الكامل وله العلم بكل شيء سبحانه وتعالى يعلم الأشياء على تفاصيلها.
    والإنسان علمه قاصر، فإذا إذا خاض في القدر بعلمه القاصر فلاشك أنه سيعترض لأنه لا يعلم.
    وإذا اعترض على الله - عز وجل - فإنه سيخذل ويحرم ويتيه ويخذل ويضل الطريق كما حصل أن أناسا كثيرين ضلوا بسبب خوضهم في أفعال القدر.
    هذه وقد ذكرنا لكم كلمة شيخ الإسلام ابن تيمية في تائيته القدرية قال:
    وأصل ضلال الخلق من كل فرقة هو الخوض في فعل الإله بعلة
    فإنهمو لم يفهموا حكمة له فصاروا على نوع من الجاهلية
    هذه بعض أسباب ومنشأ الضلال في باب القدر.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    8,004

    افتراضي رد: حقيقة الايمان بالقضاء والقدر

    [المسألة الخامسة]:
    أن الناس في القدر الذين خالفوا أهل السنة والجماعة، لهم فرق كثيرة وهذه الفرق ترجع إلى فرقتين:
    1 - الأولى القدرية.
    2 - الثانية الجبرية.
    @ ويعنى بالقدرية: الذين أنكروا القدر، إما أنكروا كل المراتب، أو أنكروا بعض مراتب القدر التي ذكرنا لك.
    @ ويعنى بالجبرية: الذين يزعمون أن الإنسان لا اختيار له وأنه مجبور.
    & أولا: القدرية:
    القدرية فرق يلخص اختلافهم في أن:
    1- الفرقة الأولى: هم الغلاة الذين كانوا ينكرون علم الله - عز وجل - السابق فيقولون: إن الله - عز وجل - لا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه والأمر أنف، كما كان يقول معبد الجهني وغيلان الدمشقي وجماعة من الأولين.
    وهؤلاء هم الذين أنكروا علم الله السابق، فقالوا: إن الله لا يعلم الأشياء حتى تقع والأمر أنف؛ يعني مستأنف جديد غير معلوم وغير مقدر له قبل ذلك.
    وهؤلاء هم الذين كفرهم السلف وكفرهم الصحابة كابن عمر وابن عباس وغير أولئك، وذلك لأنهم أنكروا مرتبة العلم، والله - عز وجل - ذكر علمه، فمعنى ذلك أنهم ردوا حكم الكتاب ومن رد حكم الكتاب فهو من الكافرين.
    وهؤلاء هم الذين قال فيهم السلف (ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن جحدوه كفروا).
    وهذه الفرقة ذهبت ولا يعرف أنها عقبت وارثا في الأعصر المتأخرة.
    2 - الفرقة الثانية: وهم القدرية المتوسطة: المعتزلة والشيعة الرافضة والزيدية ومن نحا نحو أولئك.
    وهؤلاء لا ينكرون جميع المراتب؛ ولكن ينكرون بعض الأشياء في بعض المراتب.
    فيقولون: إن المشيئة ثابتة لكن ليست عامة.
    ويقولون: إن الخلق ثابت ولكن ليس عاما.
    وسموا بالقدرية لأنهم ينفون بعض مراتب القدر.
    وهذه الفرقة باقية إلى الآن المعتزلة موجودة الآن، الزيدية والرافضة والفرق موجودة في أمصار كثيرة من بلاد المسلمين، وهؤلاء هم الذين يأتي إن شاء الله ذكر بعض شبههم والرد عليها بإذنه تعالى.
    & ثانيا: الجبرية:
    أما الجبرية فهم أيضا فرق منهم:
    1- الفرقة الأولى: هم الغلاة، وهم الذين يقولون إن الإنسان مجبور على كل شيء، وحركاته كحركة الريشة في مهب الهواء، وكحركة الخشبة في البحر فإن الأمواج تتقاذفها وليس لها اختيار، وكذلك الريشة يقلبها الهواء وليس لها اختيار.
    العبد يقولون ليس له اختيار وإنما هو مفعول به في كل أحواله، سواء من ذلك الطاعات والمعاصي، فصلى مجبورا، وصام مجبورا، وسرق مجبورا، وغش مجبورا.
    ويقولون: إن أفعال الله - عز وجل - غير معللة، فقد يدخل الله - عز وجل - إبليس الجنة، وقد يدخل آدم النار؛ يعني من لازم مذهبهم، فإنه لا تعليل في أفعال الله، قد يعذب المطيع الصالح، وقد يعطي وينعم الكافر الطاغوت.
    لماذا؟
    لأنه يقول هؤلاء فعلوا بغير اختيارهم، فالله سبحانه وتعالى هو الذي أجبر هذا أجبر هذا، فله أن يقلب الأمور لأن هذا ما فعل الذنب باختياره، نعوذ بالله من الأقوال الضالة.
    وهؤلاء يمثلهم -يعني الجبرية- يمثلهم طوائف من الصلحاء في الزمن الأول ممن رأوا الفناء في شهود الأمر الكوني.
    وممن قال أيضا بهذا القول جهم ومن اتبعه، وأيضا قال به طوائف من غلاة الصوفية يرون أنهم ليس لهم فعل البتة، فأفعالهم الظاهرة كحركة أمعائهم لا اختيار لهم فيها.
    2- الفرقة الثانية: و هم الأشاعرة والماتريدية ومن نحا نحوهم ممن غلوا في إثبات المشيئة، مشيئة الله - عز وجل - وخلقه، وقالوا إن الإنسان ليس مجبورا على كل حال؛ ولكن هو مجبور باطنا لا ظاهرا؛ يعني في الباطن مجبور ما يتحرك بإرادته ولكن في الظاهر تصرفاته بإرادته، فيحاسب على تصرفاته الظاهرة، وأما الذي دفعه في الحقيقة فهو أمر باطن مجبر عليه من الله - عز وجل -.
    وهذا في الحقيقة قول بالجبر، ومشهور أن الأشاعرة جبرية.
    ولهذا لما عرضت هذا الاعتراضات، اعترض على الأشعري في الحساب والعقاب والثواب قال: إن الأفعال يحاسب عليها العبد وينعم ويعذب لأنه كسبها، وكسبه لها من فعله.
    فإذا يعاقب ويثاب على ما كسب، والله - عز وجل - يقول {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}[البقرة:286] فأخذ من لفظ (كسب) في القرآن أن الفعل الظاهر كسبه العبد، يعني عمله فهو يحاسب على ما ظهر.
    وهذا الكسب عنده في الواقع ابتدأه أبو الحسن الأشعري دون سابق في هذه الأمة، فلهذا نظر أصحابه في تعريف الكسب، إيش معنى الكسب هذا الذي أحدثه الأشعري لقاء قوله بالجبر الباطن؟
    يقول إن الإنسان يفعل به وهو يفعل، والأمر يحصل عند حركة الإنسان، مثل قطع السكين للخبزة، أو تكسير العصا للحجر، فإذا ضرب الإنسان الحجر بالعصا، يقول: إن الحجر تنكسر لا بالضرب؛ ولكن عند الضرب، يعني كسر الله الحجر لا بضرب الإنسان ولكن عند ضربه.
    يعني أن الحجر ليس له خاصية الانكسار بضرب العصا، والعصا ليست لها خاصية الكسر -كسر الحجر-، والإنسان ليس فيه خاصية أنه يحمل العصا على الحقيقة ويكسر على الحقيقة.
    ولهذا سماهم السلف نفاة التعليل ونفاة الأسباب، يعني ليس ثم شيء ينتج شيئا ليس ثم سبب ينتج مسببا
    عندهم كل شيء يحصل بخلق له منعزل عن غيره، لا بأسباب غيره.
    فالماء إذا نزل على الأرض نبت العشب لا بالماء، ولكن عند الإلتقاء.
    وما جاء في القرآن من ذكر حرف الباء {وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به}[النمل:60] يعني لفظ {به} هذا يفسرونه بعنده هذا كثير في التفاسير فتنتبه لهم.
    إذا خلصوا إلى أن الإنسان يكسب العمل.
    وتفسير الكسب، كيف يجمع ما بين الجبر الظاهر والجبر الباطن بالكسب اختلف فيه الأشاعرة على أقوال كثيرة وخلاصتها أنه لا محصل لها وأنه مجبور لا مختار.
    ولهذا قال القائل في البيت المعروف في بعض كتب العقائد المطولة قال:
    مما يقال ولا حقيقة تحته معقولة تدنو لذي الأفهام
    الكسب عند الأشعري والحال عند البهشمي وطفرة النظام(1)
    هذه ثلاثة أشياء لا حقيقة لها اخترعها أصحابها دون حقيقة.
    إذا تبين لك ذلك فلفظ الكسب له عدة استعمالات، أو الكسب عند الناس له ثلاث استعمالات، أو الناس في الكسب لهم ثلاثة أقوال -يعني بما تراه-:
    1- الأول: الكسب عند الأشاعرة هذا أوضحناه لك.
    2- الثاني: كسب بمعنى العمل، ما يعمله الإنسان باختياره ورغبته يكون كسبا له لأنه حصله.
    مثل ما تقول: كسبت مثلا كذا من المال لأنه.... عمل شيئا فحصل هذا المال.
    كذلك الأعمال الصالحة كسب له؛ لأنه بذل فيها وعمل فكسب.
    وكذلك الأعمال السيئة عليه لأنه كسبها بجهده.
    وهذا هو المعنى الذي جاء في الكتاب والسنة، فمن استعمل الكسب في هذا المعنى فهو صحيح؛ لأنه قد جاء في القرآن والسنة مثل {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}[البقرة:286]، ولفظ الكسب في القرآن كثير.
    فإذا هذا المعنى واضح وصحيح.
    ترجعون في تقسيم الكسب إلى الأقوال الثلاثة والحجج فيه؛ لأنه مهم إلى كتاب ابن القيم شفاء العليل.

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    8,004

    افتراضي رد: حقيقة الايمان بالقضاء والقدر

    [المسألة السادسة]:
    لفظ الكسب جاء في القرآن في ذكر ما للمكلف وما عليه، فقال سبحانه {ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}(1) وقال - عز وجل - {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}[البقرة:225] ونحو ذلك من الآيات.
    ولما جاء لفظ الكسب في القرآن وفي السنة أيضا جاء مذهب أهل السنة والجماعة بإثبات كسب المرء وتفسير الكسب بما دلت عليه النصوص وهو أن كسب المرء هو عمله.
    فالكسب هو العمل والفعل، فقوله سبحانه {لها ما كسبت } يعني لها ما عملت، فالعمل هو الكسب، ودل على ذلك أنه - عز وجل - قال {وتوفى كل نفس ما عملت}[النحل:111]، وفي الآية الأخرى {ما كسبت} فدل على أن الكسب هو العمل.
    والناس أعني المذاهب الثلاثة المشهورة في باب القدر وهي مذهب الجبرية والقدرية وطريقة أهل السنة والحديث كل فسر الكسب على حسب معتقده:
    1- مذهب القدرية:
    فسر القدرية -وهم نفاة القدر الذين يقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه وأن الله - عز وجل - لا يخلق فعل العبد من المعتزلة ومن شابههم- قالوا: إن معنى الكسب في هذه الآيات هو إيجاد العبد للفعل، وشبهوه بكسب التجارة فإن كسب التجارة فعل، كما قال - عز وجل - {أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض}[البقرة:267] فما كسب الإنسان من التجارة أنفقوا من طيبات ما كسبتم، {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}[البقرة:267]، فذكر الكسب في معرض التجارة فقالوا كذلك هو في فعله يكسب العمل الصالح كما يجتهد في كسب التجارة.
    فإذا جعلوا الكسب هو إيجاد العبد الفعل على مذهبهم في خلق أفعال العباد.
    وذلك أن لفظ الكسب فيه شيء من الاحتمال، ولهذا فسرته كل طائفة على مذهبها.
    2- مذهب الجبرية:
    والجبرية -كما ذكرنا لكم طرفا من مذهبهم في قول الأشاعرة والجهمية- الجبرية فسروا الكسب بأشياء كثيرة وبعبارات متنوعة لا حاصل معها على التحقيق، وذكرت لكم قول الشاعر أو قول أحد العلماء:
    مما يقال ولا حقيقة تحته معقولة تدنو لذي الأفهام
    الكسب عند الأشعري والحال عند البهشمي وطفرة النظام
    فحين اخترع الأشعري مذهبه الذي هو جبر باطن لا جبرا ظاهرا، لما [.....] ووجد في لفظ الكسب في الكتاب والسنة مخرجا له فقال الأعمال كسب.
    كيف يتوافق هذا مع قوله في القدر؟
    قال: الكسب عبارة عن تعلق القدرة بالحال أو غير ذلك من التفاسير.
    واختلف أصحابه في تفسير الكسب على هذا الاصطلاح الذي هو كسب الجبر.
    كيف يكون للإنسان كسب وهو مجبور؟
    اختلفوا في تفسير الكسب على أوجه كثيرة أكثر من عشرة أوجه، وكلها راجعة إلى نوع من التعلق ما بين القدرة والإرادة والعمل والتكليف، وهذا فيه صعوبة في الربط بينها.
    ولذلك أهل العلم حتى الأشاعرة قال محققوهم: إنه لا حصيلة تحت هذه العبارة التي هي عبارة الكسب على خلاف معنى العمل.
    3 - مذهب أهل السنة والجماعة:
    أما القول الثالث في الكسب فهو قول أهل العلم والسنة والحديث من الصحابة رضوان الله عليهم فمن بعدهم فإنهم قالوا إن الكسب هو العمل وهو الفعل، والله - عز وجل - قال {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}، وفرق ما بين الكسب والاكتساب مع أن كثيرا من أهل العلم يجعلون الكسب والاكتساب بمعنى واحد؛ لكن في الآية قال {لها ما كسبت} يعني في الخير، {وعليها ما اكتسبت} فجعل الاكتساب فيه زيادة في المبنى؛ لأن فيه نوع كلفة، فالخير موافق للفطرة فيكسبه الإنسان لموافقته لفطرته مع أنه تكليف، وأما الشر والردى والضلال فإنه مخالف لفطرته.
    لذلك إتيان المحرمات وإتيان الموبقات ونحو ذلك على ما في الإنسان ربما من الشهوة لبعض ذلك لكن يحتاج معه إلى أن يعمل نفسه، يعني أن يتعب نفسه ويخالف فطرته في أن يأتي تلك الموبقات.
    لذلك زاد المبنى ليدل على أنها فيها نوع كلفة ومشقة في ما يعمله المرء من الشر، قال {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} يعني من الشر.
    فجعل أهل السنة الكسب بمعنى العمل.

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    8,004

    افتراضي رد: حقيقة الايمان بالقضاء والقدر

    [المسألة السابعة]:
    وهذه المسألة متعلقة بمعنى خلق الله - عز وجل - لفعل العبد، وتحقيق مذهب أهل السنة والجماعة في ذلك.
    فقد قلنا: إن الإنسان عمله من خير أو شر يضاف إليه حقيقة، فهو الذي عمل الخير حقيقة وهو الذي عمل الشر حقيقة.
    ومع ذلك لا يقال: إنه خلق فعله، بل هو عمله ويضاف إليه لأنه كسبه وعمله.
    وأما خلق الفعل فالله - عز وجل - هو الذي خلق سبحانه وتعالى.
    وبيان ذلك في الفرق ما بين أهل السنة والجماعة وما بين مذهب القدرية و المعتزلة وأشباه هؤلاء:
    أن العبد كسب العمل وعمل العمل حقيقة؛ لأن ذلك العمل نتج عن شيئين فيه من الصفات لا يمكن له أن يحدث العمل إلا بوجود هاتين الصفتين:
    فالصفة الأولى: هي صفة القدرة التامة.
    والصفة الثانية: هي الإرادة الجازمة.
    فإذا كان عند العبد قدرة تامة وإرادة جازمة حصل له الفعل.
    توجهت قدرته التامة -يعني ليس بعاجز- وإرادته الجازمة -يعني ليس بمتردد- توجهت للشيء فعمله.
    فيكون الفعل حدث: بقدرة العبد وبإرادته.
    1 - بقدرته التامة.
    2 - وبإرادته الجازمة.
    فالذي تكون قدرته ناقصة لا يحدث الفعل.
    والذي تكون إرادته مترددة لا يحدث الفعل.
    مثلا الإتيان إلى المسجد للصلاة: شخص لا يستطيع أن يأتي إما لمرض أو لغير ذلك فهذا ربما عنده إرادة لكن ليس عنده قدرة، ولذلك لا يحصل منه (الفعل-العمل-الكسب) وهو إتيان المسجد.
    آخر عنده قدرة تامة ولكن ليس عنده إرادة البتة ليس عنده إرادة لإتيان المسجد فلا يمكن بالقدرة أن يحدث الإتيان.
    وقد يكون عنده إرادة لكن عنده تردد، ما جزم على الإتيان فلا تتحرك جوارحه وآلاته؛ لأن إرادته ليست جازمة.
    فإذا العمل -فعل العبد- عند أهل السنة والجماعة لا يمكن أن يحدث إلا بقدرة تامة وإرادة جازمة.
    وقدرة العبد صفة من صفاته لم يقدر هو نفسه باتفاق الناس.
    وإرادة العبد صفة من صفاته لم يحدث- إرادة نفسه ويختار الإرادة يعني أن يكون مريدا بنفسه-، وإنما الله - عز وجل - هو الذي خلق فيه القدرة وآلات القدرة وخلق فيه الإرادة وله الإرادة ومقتضيات الإرادة.
    فإذا ما نتج عن خلق الله - عز وجل - في الأمرين فهو مخلوق لله - عز وجل -.
    ففعل العبد نتج عن الإرادة والقدرة وهما مخلوقان.
    فنتج شيء عن خلق الله - عز وجل -، فإذا هو مخلوق لله - عز وجل - لأن الله سبحانه وتعالى جعل العمل نتيجة للقدرة والإرادة.
    مثل النبات: أنزل الله - عز وجل - من السماء ماء فأنبت به أزواجا من نبات شتى.
    الماء نزل، والأرض موجودة، فبسبب الماء وبسبب الأرض خرج النبات.
    فهل يقال: إن النبات خلقه الماء والأرض؟
    ليس كذلك باتفاق المسلمين، باتفاق الناس، لم؟
    لأنه نتيجة لنزول الماء الذي هو مخلوق باتفاق القدرية وأهل السنة، ونتيجة لنزول الماء على الأرض والتراب، والتراب والأرض مخلوق باتفاق أهل السنة والجماعة والقدرية والناس جميعا.
    فإذا كان كذلك كان ما ينتج عنهما وهو النبات مخلوق؛ لأنه نتج عن شيئين اجتمعا (الماء والتراب) وما نتج عن مخلوقين فإذا له نفس الحكم.
    إذا تبين ذلك فإذا نقول أهل السنة والجماعة في تقريرهم في خلق أفعال العباد استدلوا بالآية كما ذكرنا لكم من قبل {الله خالق كل شيء}[الزمر:62]، وبقوله تعالى {والله خلقكم وما تعملون}[الصافات:96]، وأيضا استدلوا بهذه القاعدة وهو أن عمل العبد لا ينتج إلا عن هاتين الصفتين.
    لهذا إذا لم يعط الله - عز وجل - العبد القدرة فإنه يرفع عنه التكليف «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا»(1) {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}[النور:61].
    وإذا لم يعطه الإرادة كأن يكون مجنونا لا يريد، أو كان صغيرا إرادته لا تتوجه إلى شيء بجزم مع عقل فإنه أيضا يكون التكليف مرفوعا عنه لأن الفعل لا يتوجه إليه.
    الحقيقة إذا أن العبد ابتلي بهذه الصفات التي فيه.
    ابتلي بالصفات الجسمانية هذه كلها ومنها صفة القدرة وصفة الإرادة.
    إذا فتحصل لك أن معنى خلق أفعال العباد والدليل عليها هو ما ذكرنا من الأدلة من القرآن.
    ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم «إن الله صانع كل صانع وصنعته»(2) يعني صنع الناس وصنع أيضا ما يصنعون.
    ولهذا نقول إن الدليل على خلق أفعال العباد واضح من الكتاب والسنة، وأيضا مما قررنا لك من صفات الإنسان وما ينتج عن ذلك من الدليل العقلي.
    وثم بسط كثير في الاستلال على هذه المسألة محله المطولات.
    هذه ألفاظ ترد معك في مباحث القدر لا بد أن تعرفها بوضوح ثم بعد ذلك إذا قرأت ما شئت من الكتب في باب القدر ستكون واضحة إن شاء الله تعالى لك.

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    8,004

    افتراضي رد: حقيقة الايمان بالقضاء والقدر

    [المسألة الثامنة]:
    معنى الاستطاعة التي وصف الله - عز وجل - بها المكلف ونفاها عن بعض فقال في النفي {وكانوا لا يستطيعون سمعا}[البقرة:267]، والعبد مستطيع:{فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا}[التغابن:16].
    فالعبد أثبتت له استطاعة ونفيت عنه استطاعة.
    والاستطاعة التي أثبتها ربنا - عز وجل - للعبد غير الاستطاعة التي نفاها.
    وهذه المسالة مسألة الاستطاعة فيها بحث طويل مع القدرية والجبرية معا، وسيأتي تفصيل الكلام عليها إن شاء الله تعالى في آخر شرح الطحاوية؛ لأنه تعرض لها الطحاوي في أواخر هذه العقيدة المختصرة.


    [المسألة التاسعة]:
    في معنى إضلال الله - عز وجل - من أضل، وهدايته من هدى.
    إذا كنا نقول إن الإنسان غير مجبور على الضلال وغير مجبور على الهدى.
    فما معنى قوله {يضل من يشاء ويهدي من يشاء}(1) وهذا من احتجاجات الجبرية؟
    ما معنى {ومن يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم}[الأنعام:39]؟
    ما معنى {من يهد الله فهو المهتد}[الكهف:17]؟
    ما معنى {من يهد الله فهو المهتدي}[الأعراف:178]؟
    ما معنى {من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون}[الأعراف:186]؟
    ونحو ذلك من الآيات التي فيها لفظ الإضلال والاهتداء لله - عز وجل - وفق مشيئته سبحانه وتعالى وإرادته.
    هذه المسألة ضل فيها الناس ومن أجلها ضلت الجبرية والقدرية.
    وهي مرتبطة في بيانها بمسألة التوفيق والخذلان.
    فالله - عز وجل - علق الإضلال بمشيئته وعلق الهداية بمشيئته.
    ونعلم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فما شاء الله - عز وجل - خلقه، الذي يشاؤه سبحانه وتعالىأن يكون فإنه يكون، والذي يشاء الله - عز وجل - ألا يكون فإنه لا يكون.
    إذا كان كذلك فإن حدوث الهداية وحدوث الضلال نتيجة لأشياء.
    ولذلك جاء لفظ التوفيق والخذلان في النصوص.
    جاء لفظ التوفيق في القرآن في قوله تعالى {وما توفيقي إلا بالله}[هود:88]، ونحو ذلك فالله - عز وجل - يوفق من يشاء ويخذل سبحانه وتعالى من يشاء.
    ما معنى وفق وخذل؟ وما صلتها بـ(يهدي الله من يشاء ويضل من يشاء)؟
    إذا تبين لك معنى التوفيق والخذلان فإنه سيتبين لك بوضوح معنى أن الله - عز وجل - يضل من يشاء ويهدي من يشاء سبحانه وتعالى.
    * التوفيق: عند أهل السنة والجماعة هو إمداد الله - عز وجل - بعونه، إمداد الله - عز وجل - العبد بعونه -يعني بإعانته- وتسديده وتيسير الأمر وبذل الأسباب المعينة عليه.
    فإذا التوفيق فضل لأنه إعانة.
    * وأما الخذلان: فهو سلب التوفيق، فهو سلب الإعانة.
    يعني التوفيق إعطاء، من، كرم.
    وأما الخذلان فهو عدل وسلب.
    لأن العبد أعطاه الله - عز وجل - القدر، أعطاه الصفات، أعطاه ما به يحصل الهدى، أعطاه الآلات، يسر له، أنزل عليه الكتب، فلذلك هو بالآلات التي معه قامت عليه الحجة.
    لكن الله - عز وجل - ينعم على من يشاء من عباده بالتوفيق فيعينهم ويسددهم ويفتح لهم أسباب تحصيل الخير.
    ويمنع من شاء ذلك فلا يسدده ولا يعينه ولا يفتح له أسباب الخير بل يتركه ونفسه.
    وهذا معنى أنه - عز وجل - يخذل؛ يعني لا يعين، يترك العبد وشأنه ونفسه.
    ومعلوم أن العبد عنده آلات يحصل بها الأشياء لكن هناك أشياء ليست في يده.
    هناك أشياء لا يمكن له أن يحصلها، فهذه بيد من؟
    بيد الله - عز وجل -.
    لأن الإنسان مرتبط قدره بأشياء كثيرة من الأسباب التي تفتح له باب الخير.
    مثل مثلا أن يكون ذا أصحاب أو أن ييسر له أصحاب يعينونه على الخير.
    مثل أن لا يكون في طبعه الخلقي مزيد شهوة، إما شهوة كبر من كبائر القلوب أو من كبائر البدن، هذه الأشياء موجودة فيه خلقا، خارجة عن اختياره وتصرفه.
    فالله - عز وجل - يوفق بعض العباد بمعنى يعينهم على الأمر الذي يريدونه، إذا انفتح له باب خير وأراده فيحس العبد أنه أعين على ذلك، إذا أراد فعل أمر ما من الخير يسر الله - عز وجل - له أسبابا تعينه فانفتح له طريق الخير.
    وآخر حضرته الشياطين وغلبته على مراده وأطاعها؛ لأنه لم يزود بوقاية، بإعانة، بتوفيق يمنعه من ذلك.
    فإذا صار عندنا أن مسألة إضلال الله - عز وجل - من يشاء هو بخذلان الله - عز وجل - العباد.
    وهداية الله - عز وجل - من يشاء بتوفيق الله - عز وجل - بعض العباد، يعني أعان هذا وترك ذاك ونفسه.
    كونه - عز وجل - أعان هذا هو بمشيئته.
    فإذا من يشأ الله يضلله يعني: يسلب عنه التوفيق فيخذله فينتج من ذلك أن الله - عز وجل - سلب عنه إعانته، سلب عنه تسديده، سلب عنه أسباب الخير، سلب عنه غلق أبواب الشر من الكفر وما دونه.
    فإذا يكون ضالا، لاه هو بفعل نفسه؛ لأنه وكل إلى نفسه، لأن الله - عز وجل - لم يمن على هذا بمزيد توفيق.
    فإذا مسألة الإضلال في كلام أهل السنة والجماعة عدل، ومسألة الهداية فضل.
    ولهذا أعظم الفضل والنعمة والإحسان نعمة التوفيق، الذي هو في الحقيقة نعمة الهداية.

    فإذا نقول: إن ربنا - عز وجل - من على عباده المؤمنين فوفقهم، أعانهم، سددهم، هيأ لهم الأسباب التي توصلهم إلى الخير، حبب لهم العلم، حبب لهم الجهاد، حبب لهم الحكمة، حبب لهم الأمر والنهي، حبب لهم أهل الخير إلى آخره، حبب لهم كتاب مثل ما جاء.
    وهذا التوفيق درجات أيضا ففي البداية يكون فتح باب:
    - وبعض الناس إذا انفتح له باب التوفيق نفسه فيها قبح فتنازعه للشر فيكون بين هذا وهذا.
    - وآخر نفسه فيها خير، فمن الخير الذي معه أنه ينتقل من توفيق إلى توفيق أعظم منه حتى يصل بسبب عمله أن الله - عز وجل - ينعم عليه بتوفيق زائد ثم بتوفيق زائد ثم بتوفيق زائد، مثل ما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه -يعني وفق في سمعه- الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها»(1) هذا كله توفيق، مزيد إعانة في هذه الجوارح، الجوارح هذه هي التي عليها الحساب والتي يحاسب العبد على ما صنعت جوارحه.
    إذا فحقيقة إضلال الله - عز وجل - من شاء ليست جبرا، وهداية الله - عز وجل - من شاء سبحانه وتعالى ليست جبرا.
    وإنما العبد عنده آلات، خوطب بالتكليف وعنده الآلات، ولو كانت جبرا لصارت التكاليف -بعث الرسل، إنزال الكتب، الأمر والنهي، الجهاد- لكان كل ذلك عبثا.
    والله - عز وجل - منزه عن العبث؛ لأن العبث سلب الحكمة وشر والله - عز وجل - الشر ليس إليه، لا في ذاته ولا في أفعاله ولا في صفاته - عز وجل - {لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين(17) بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق}[الأنبياء:17-18].
    فالله سبحانه وتعالى منزه عن العبث.
    يضل جبرا ويسلب العبد الاختيار بالمرة ثم يحاسبه وينزل عليه الكتب ويرسل الرسل ويأمره بالتكاليف كيف يكون ذلك؟
    يكون كالغريق الذي يقال له: إياك أن تبتل بالماء.
    وهذا العياذ بالله هو حقيقة قول الجبرية الذين قال قائلهم:
    ألقاه في اليم مكتوفا وقال له ****** إياك إياك أن تبتل بالماء
    وهذا ينزه عنه الحكيم الخبير - جل جلاله -.
    فمن عرف صفات الله - عز وجل - وعلم حكمته، فإن القول بالجبر في حقيقة الأمر إبطال للتكاليف أو رجوع إلى أفعال الله - عز وجل - بأنها لعب ولا حكمة فيها ولا توافق غايات محمودة، والله - عز وجل - منزه عن ذلك.

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    8,004

    افتراضي رد: حقيقة الايمان بالقضاء والقدر

    [المسألة العاشرة]:
    وهي في إثبات الأسباب، وأن أفعال الله - عز وجل - معللة، وأن الله سبحانه وتعالى يفعل الفعل لعلة، ويأمر بالأمر لعلة.
    وهذه العلة هي حكمته - عز وجل - لإيجاد ذلك الشيء.
    وهذا في الأمور الكونية وفي الأمور الشرعية.
    فما أحدثه الله - عز وجل - في ملكوته أمرا فحدث فله حكمة - عز وجل - من إيجاده.
    وما أمر الله - عز وجل - به في الشرع من الأحكام التشريعية أو نهى عنه فهو لعلة.
    فالله سبحانه يأمر في الشرع بما مصلحته راجحة أو تامة، وينهى في الشرع عن ما مفسدته تامة أو راجحة.
    فإذا أهل السنة والجماعة يثبتون التعليل في أفعال الله - عز وجل -، وأن أفعال الله سبحانه وتعالى الكونية وأوامره الكونية والشرعية كلها مرتبطة بحكم عظيمة كما قال سبحانه {حكمة بالغة فما تغن النذر}[القمر:5].
    إذا تبين ذلك ففي القرآن إثبات أفعال الله - عز وجل - معللة، وتنزيه الله - عز وجل - عن أن يفعل الفعل لا لعلة كما قال سبحانه {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين(16) لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين(17) بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق}[الأنبياء:16-18].
    وقال أيضا - عز وجل - للسموات والأرض {ما خلقناهما إلا بالحق}[الدخان:39]، وقال - عز وجل - {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير}[الحج:62]، وفي الأشياء الشرعية -الأوامر والنواهي- الأدلة على التعليل كثيرة جدا جدا.
    المقصود من هذا أن الله سبحانه وتعالى إذا كانت أفعاله معللة، فأفعاله - عز وجل - لم يفعلها في مخلوقاته مباشرة دون وسائط؛ بل جعل الله - عز وجل - إيصال الفعل إلى نهايته منوطا بأسباب، وكل سبب يحدث مسببا.
    ولهذا قال أهل السنة بإثبات التعليل في أفعال الله - عز وجل - والأسباب.
    وأما أهل البدع من الجبرية وغيرهم فإنهم ينفون العلل وبالتالي ينفون الأسباب.
    ولذلك يقال للجبرية -الأشاعرة ومن نحا نحوهم- يقال لهم نفاة الأسباب.
    وهم في الحقيقة نفاة التعليل، يقولون: أفعال الله - عز وجل - غير معللة.
    فإذا السبب لا ينتج المسبب؛ ولكن يحدث عنه المسبب عند الالتقاء.
    وهذا القول -يعني في نفي الأسباب والتعليل- قول ابن حزم وجماعة من الذين ظاهرهم متابعة الحديث.
    إذا تبين ذلك فإن حقيقة السبب؛ بأن الله - عز وجل - يخلق شيئا ويأمر بشيء أمرا كونيا ويكون ذلك سببا لأشياء كثيرة.
    فمثلا إنزال المطر من السماء، الله - عز وجل - أمر بإنزاله، وفي إنزاله حكمة لله - عز وجل -.
    وأمره سبحانه وتعالى بأن ينزل هذا الماء على الأرض مرتبط بعلة؛ لأن الأرض حياتها بالماء، وأيضا إنزال المطر على هذه الأرض المعينة مرتبط بعلة الله - عز وجل - يعلمها وكما قال في بعض حكمته {ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا}[الفرقان:50].
    إذا تبين ذلك فالماء ينتج عنه شيء آخر، الماء سبب، والله سبحانه وتعالى بين أنه أنبت النبات بالماء {فأنبتنا به حدائق ذات بهجة}[النمل:60]، {فأنبتنا به جنات وحب الحصيد}[ق:90]، {فأخرجنا به}، إذا صارت كلمة {به} هذه تدل على أن الإخراج بالماء، وأن الماء بسببه صار الإخراج؛ يعني الماء أنتج الإخراج.
    أما غير أهل السنة فما ذا يقولون؟
    يقولون عند التقاء الماء بالأرض حصل النبات، فيفسرون حرف (بـ) بنحو كلمة (عند) من الكلمات.
    فإذا عندهم عندية ولذلك ينفون السبب.
    يقولون: الماء لم ينبت إلا على المجاز العقلي، كما تقول: أنبت الماء البقل والمنبت هو الله - عز وجل -.
    ولذلك يذكرون هذه القاعدة في كتب العقائد وفي كتب البلاغة الذي يسمونه المجاز العقلي:أنبت الربيع البقل أو نحو ذلك.
    فإذا نقول: إن الله - عز وجل - من حكمته أنه خلق الأشياء وجعلها أسبابا لأشياء.
    خلق ماء الرجل وجعله سببا لحمل المرأة، خلق اللباس وجعله سببا للدفء، خلق السرابيل لعلة، خلق الأشياء لعلة، وهكذا فما من شيء تراه إلا وله حكمة، حتى في المؤذيات، حتى الهوام، حتى الحشرات، حتى ما تتأذى منه وتظن أنه لا حكمة فيه، فإن فيه حكمة بالغة لله - جل جلاله - وتقدست أسماؤه، هذه كلها أسباب والأسباب تحدث المسببات.
    إذا حقيقة قول نفاة الأسباب أنهم يقولون: إن السبب يحدث المسبب عند الالتقاء؛ لكن لا ينتجه بالإقتضاء، يعني لا ينتجه بما جعل الله - عز وجل - فيه من التأثير.


    ويمثلون لذلك بالسكين التي يحملها الحامل لقطع الخبز، فيقولون: هذه السكين لما أمرها الحامل على الخبز قطعت الخبز.
    فإذا الواقع السكين ما قطعت الخبز عندهم حسب ما يقررون -والعياذ بالله-.
    يقولون إن الذي قطع في الواقع هو الحامل الذي حمل السكين، لكن صارت هذه لما التقت السكين بالخبز انقطع لأجل أن الحامل أمرها.
    فيقولون لما التقى الرجل بالمرأة، جامع الرجل المرأة وأذن الله بالحمل حملت، سواء بماء أو بغير ماء، فالماء عنده حصل الحمل، لما نزل الماء على الأرض نبتت، فإذا عندهم عندية.
    وهؤلاء نفاة الأسباب وكثير من التفاسير مشحونة بهذا في مسائل القدر.
    * وأنا يعني أردت بمزيد من هذه التفاصيل إلى أنك تنتبه للتفاسير.
    كثير من الناس يحذر مسائل التأويل، ومعلوم أن مذهب أهل السنة والجماعة وما في النصوص ليست هي مسائل التأويل فقط، يعني المخالف خالف في التأويل.
    لكن مسائل القدر أهم، مسائل القدر في التفاسير أهم ليس لأنها أعظم من مسائل الصفات ولكن لأجل خفائها على الناس فهي خفية.
    الآيات: آيات الإضلال، الهداية، آيات الأسباب، آيات أفعال الله - عز وجل -، الصفات، كلها تجد في كتب التفاسير فيها خلط وخبط وخروج عن طريقة أهل السنة والجماعة، رفع الله مراتبهم.
    وأنت وبعد ذلك أقول تستفصل إن شاء الله وتزداد من هذه الأصول.

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    8,004

    افتراضي رد: حقيقة الايمان بالقضاء والقدر

    [المسألة الحادية عشر]:
    في أنواع التقدير.
    ذكرنا لك أن التقدير أربعة مراتب ومنها مرتبة الكتابة.
    ومرتبة الكتابة جاء في الحديث أنها التقدير كما في قوله صلى الله عليه وسلم «قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء»(1) يعني كتب، ولهذا نقول مراتب التقدير يعني مراتب الكتابة.
    فالله - عز وجل - جعل كتابته للأشياء لها خمس أحوال:
    1- الكتابة الأولى: وهي أولها وأقدمها وأعظمها كتابة الله - عز وجل - مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة في اللوح المحفوظ، وهذه هي الكتابة التي كانت قبل الخلق، وهذه الكتابة لا تتبدل ولا تتغير، رفعت الأقلام وجفت الصحف.
    فيجد العبد ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ من خير أو شر.
    وهذه مر معنا جمل الأدلة عليها وبعض التفصيل لها.
    2- الكتابة الثانية: كتابة لمقادير الخلق من حيث الشقاوة والسعادة، ونعني بالخلق خاصة المكلفين.
    وهذه التي تأتي فيها أحاديث الميثاق وأن الله - عز وجل - استخرج ذرية آدم من صلبه فنثرهم أمامه كهيئة الذر وأخذ عليه أن لا يشركوا به شيئا سبحانه وتعالى، وقبض قبضة إلى الجنة وقبضة إلى النار وكتب أهل الجنة وكتب أهل النار، ونحو ذلك مما جاء في السنة من بيان ذلك.
    هذا تقدير بعد الأول، وهو قبل أن يخلق جنس المكلفين أي من الإنسان.
    لما خلق الله - عز وجل - آدم حصل ذلك، حصل هذا التقدير العام لهم.
    3- الكتابة الثالثة: وهي التقدير العمري، والعمري هو الذي يكون والإنسان في بطن أمه فإن النطفة إذا صارت في الرحم وبلغت ثنتين وأربعين ليلة أتاها ملك، فأمره الله - عز وجل - بكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد.
    وهذه أيضا جاءت في حديث ابن مسعود المشهور الذي فيه (أن الملك يأتي بعد أربعين وأربعين وأربعين؛ يعني بعد عشرين ومائة، فيأتي فيكتب رزق الإنسان وأجله وعمله وشقي أو سعيد، يؤمر بكتب هذه الكلمات الأربع).(2)
    هذه الكتابة العمرية هي تفصيل لما في اللوح المحفوظ، لأن الذي في اللوح المحفوظ شامل لكل المخلوقات، وهذا متعلق بهذا المخلوق المعين وحده.
    لهذا قال العلماء: إن هذه تفصيل، فذاك فيه الجميع، وهذا للإنسان المعين بخصوصه، قالوا تفصيل ولك أن تقول تخصيص.
    4- الكتابة الرابعة: الكتابة السنوية، والكتابة السنوية هي التي تكون في ليلة القدر قال - عز وجل - {حم(1) والكتاب المبين (2) إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين(3) فيها يفرق كل أمر حكيم}[الدخان:1-4].
    وهذه تكتب فيها المقادير في تلك السنة.
    من السنة إلى السنة.
    إيش معنى ذلك؟
    معناها أن الله - عز وجل - يوحي إلى ملائكته بأن يكتبوا أشياء مما في اللوح المحفوظ فتكون بأيديهم مما سيحصل للناس.
    5- الكتابة الخامسة: هي التقدير الأخير وهي التقدير اليومي.
    واستدل له أهل العلم بقوله سبحانه {كل يوم هو في شأن}[الرحمن:29].
    إذا تبينت هذه المراتب فإنه قد ثبت في السنة أن الله - عز وجل - يزيد في العمر، ينسأ في الأثر، يبسط في الرزق، فقال صلى الله عليه وسلم «من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه»(3) يعني الرزق صار يتغير والأثر العمر صار يتغير، وقال أيضا في الحديث الآخر «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه»(4) فمعناه فيه حرمان لبعض الرزق.
    وهذا معنى قول الله - عز وجل - في آية سورة الرعد {يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}[الرعد:39].
    فنظر أهل العلم في ذلك فقالوا:
    إن المراتب الثلاث الأول هذه لا تتغير ولا تتبدل؛ يعني:
    - الأول السابق القديم الذي في اللوح المحفوظ.
    - وهؤلاء إلى الجنة وهؤلاء إلى النار.
    - وكذلك كتب الملك الكلمات الأربع.
    لهذا جاء في آخر الحديث مؤكدا صلى الله عليه وسلم على أنها لا تتغير «وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها»(5)، الثلاث الأول هذه ما تتغير.
    إيش الذي يتغير ويتبدل ويحدث فيه المحو والإثبات والزيادة إلى آخره ويؤثر فيه الدعاء وتؤثر فيه الأعمال الصالحة؟
    هذا التقدير السنوي.
    والتقدير السنوي في الحقيقة هو من التقدير الأول.
    هو من اللوح المحفوظ؛ لكنه في اللوح المحفوظ وجد معلقا فصار بأيدي الملائكة معلقا.

    وأما التقدير العمري فهو ما فيه النهاية؛ يعني ما كتبه الله - عز وجل - بما فيه نهاية العبد وما فيه نتيجة أثر الدعاء وأثر الأعمال إلى آخره مما قد يكون متغيرا.
    إذا فقوله - عز وجل - {يمحوا الله ما يشاء ويثبت} يعني مما في أيدي الملائكة من الصحف {يمحوا الله ما يشاء ويثبت} وكذلك من التقدير اليومي.
    إذا كان كذلك فهذا به تفهم الأحاديث التي فيها تغيير الرزق وتغيير العمر والنسء في الأثر أو حرمان الرزق بالذنب ونحو ذلك، ومنه أيضا تفهم قول عمر رضي الله عنه فيما جاء عنه (اللهم إن كنت كتبتني شقيا فاكتبني سعيدا؛ يعني بما يتعلق بتلك السنة من الإضلال والهداية).
    هذه إحدى عشرة مسألة لعل فيها بيانا لما تحتاج إليه في هذا الركن من أركان الإيمان.
    [شرح الطحاوية صالح ال الشيخ]

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    8,004

    افتراضي رد: حقيقة الايمان بالقضاء والقدر

    قال بعدها (فهذا جملة ما يحتاج إليه من هو منور قلبه من أولياء الله تعالى، وهي درجة الراسخين في العلم؛ لأن العلم علمان: علم في الخلق موجود، وعلم في الخلق مفقود)
    أراد بذلك أن ما ذكره في القدر وما ذكرناه لك من المسائل هذا من العلم الذي علمنا ربنا - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - مع أن الأصل أن القدر سر الله تعالى وغيبه الذي لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل.
    ولهذا أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه إذا ذكر القدر أمسكنا فقال صلى الله عليه وسلم «وإذا ذكر القدر فأمسكوا»(1) يعني أمسكوا
    عن الخوض فيه بما لم توقفوا فيه على علم.
    فعلم القدر نوعان:
    - علم في الخلق موجود.
    - وعلم في الخلق مفقود.
    وهذا التفسير أنسب عندي لأجل أن نعلق تقسيم العلم إلى علم موجود وعلم مفقود فيما يتصل بالقدر لا في أصل العلوم؛ لأنه أشار في ذلك إلى ما سبق فقال (فهذا جملة ما يحتاج إليه من هو منور قلبه).
    ومعلوم أنه لم يذكر كل ما يحتاج إليه من هو منور قلبه في مسائل العقائد؛ لأنه بقي كثير ستأتي في هذه الرسالة.
    فإرجاع قوله (فهذا جملة ما يحتاج إليه من هو منور قلبه) إلى مسائل القدر منضبط.
    أما إذا قيل إنه إلى علم العقيدة جميعا فإنه لم يذكر أشياء كثيرة وستأتي بعد الكلام على مسائل القدر كما ستراه إن شاء الله تعالى.
    فإذا نقول: إن الطحاوي رحمه الله أراد أن العلم بالقدر على نوعين:
    علم في الخلق موجود: وهو ما علمنا الله - عز وجل - إياه في - كتابه وما علمنا رسوله صلى الله عليه وسلم.

    (وهذا كما قال (فإنكار العلم الموجود كفر)
    إذا تبين أنه من عند الله - عز وجل - وليس ثم شبهة ولا تأويل فإن إنكار العلم الموجود كفر؛ لأنه تكذيب لله - عز وجل - ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
    والعلم الموجود في القدر كما رأيت مما جاء في الكتاب والسنة يعلمه الراسخون في العلم، وأما من ليس بذي رسوخ في العلم فإنه في مسائل القدر لا يزال على اشتباه وعلى عدم وضوح.
    فالواجب على من لم يكن من الراسخين في العلم من عامة أهل الإيمان أن يقول {آمنا به كل من عند ربنا}[آل عمران:7]، كما وصف الله - عز وجل - الراسخين مع علمهم أنهم قالوا ذلك ليقتدي بهم الناس فيما لم يعلموا، قال سبحانه {والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا}، يعني آمنا بالمحكم وآمنا بالمتشابه كل من عند الله - عز وجل - لا نفرق بين كلام الله - عز وجل -.
    {والراسخون في العلم} هم أهل الثبوت والقوة في العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم،لأن الرسوخ هو الثبات والاستقرار والقوة والتمكن.
    فهؤلاء يعلمون لأن وصفهم بكونهم راسخين يقتضي أنهم يعلمون؛ لأن الذي لا يعلم لا يوصف بالرسوخ في العلم، وهم متميزون عن غيرهم بالعلم والإيمان.
    والرسوخ في العلم هو الرسوخ في أنواع العلم الثلاثة:
    1 - العلم بالتوحيد.
    2 - العلم بالفقه.
    3 - العلم باليوم الآخر والغيبيات.
    فهؤلاء هم الراسخون في العلم، وقد يكون الرسوخ في العلم يتنوع أيضا ولكن من لم يصح علمه بالتوحيد فإنه ليس بذي رسوخ في العلم مهما كان، لأن أصل الأصول هو الاعتقاد، أصل الأصول هو التوحيد الذي معه يصح الفقه، يصح العمل، تصح العبادة، يصح الحكم والإفتاء إلى آخره.
    فإذا أهل الرسوخ في العلم يعلمون أن العلم-مما في القدر- علمان:
    علم في الخلق موجود، يعني جعله الله - عز وجل -
    موجودا في الخلق بما أنزل في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
    وشيء كثير من مسائل القدر حجبها الله - عز وجل -.
    لهذا فإن أهل الرسوخ في العلم يبسطون من مسائل القدر بما جاء في الأدلة، ويطوون من مسائل القدر ما لم يأت في الأدلة.
    ولذلك كل ما لم يكن مبسوطا عند أهل العلم الراسخين من أهل الحديث والسنة والجماعة، فإن هذا العلم -يعني الذي تكلم فيه الآخرون- ينبغي أن لا يتكلم فيه كل أحد.
    لأن ما طوى الله - عز وجل - عنا علمه فإن الخير في أن لا نبحث فيه، لهذا قال (والتعمق والنظر في ذلك) يعني في النوع الذي هو من العلم المفقود (ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه).

    قال الطحاوي رحمه الله (وادعاء العلم المفقود كفر)
    لأنه غيبي، ومن ادعى الغيب الذي اختص الله - عز وجل - به فإنه كافر، وذلك لقوله - عز وجل - {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا(26)إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا(27) ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا }[الجن:26-28]، - جل جلاله - وقال سبحانه {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}[الأنعام:59]. وقال - عز وجل - {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام(2) وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير}[لقمان:34]، فهذه الخمس اختص الله - عز وجل - بها.
    لهذا علم القدر من علم الغيب، وعلم الغيب عام يشمل القدر ويشمل غيره
    لهذا قال رحمه الله (ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود، وترك طلب العلم المفقود.)
    فالمؤمن الحق لا يخوض في القدر إلا بحثا عن العلم الموجود فيؤمن به - وأما العلم المفقود فيترك طلبه.[شرح الطحاوية - صالح ال الشيخ]

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •