لا تحديد في الإسلام لبدء سن الزواج ولا لانتهائه
عبد المحسن بن حمد العباد البدر




الحمد لله الذي خلق الناس من نفس واحدة، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، وأكمل أقسام خلق الناس الأربعة بخلق عيسى - عليه الصلاة والسلام - من أنثى وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وكل من كان على هديه يسير.
وبعد، فإن الزواج سنة المرسلين، وقد أمر الله به في كتابه المبين، قال الله - عز وجل -: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً) [الرعد: 38]، وقال: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) [النساء:3]، وقال: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النور:32)، وقصر النكاح على الزوجات وملك اليمين، ومن تركه رغبة عنه ولو كان انقطاعاً للعبادة فهو مذموم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فمن رغب عن سنتي فليس مني)) [رواه البخاري (5063)، ومسلم (1401)]، ومن تجاوزه إلى غيره فهو عاد ملوم؛ لقوله - تعالى - في سورتي المؤمنون والمعارج: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)، وجاء في السنة المطهرة الترغيب فيه والحث عليه، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) [رواه البخاري (5066)، ومسلم (3398)].
ولم يأت في الشرع تحديد سن الزواج ابتداءً وانتهاءً، فللرجل أن يتزوج الصغيرة، وله أن يتزوج الكبيرة ولو تباعد ما بينهما في السن، والرجال والنساء يتفاوتون في البلوغ سرعةً وتأخراً، ومن بلغ منهم خمس عشرة سنة فهو بالغ؛ لحديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: "في عَرْضه للجهاد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يُجزه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعَرْضه وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه" [رواه البخاري (2664)، ومسلم (4837)]، وفي صحيح البخاري عقب الحديث: قال نافع: "فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فحدثته هذا الحديث فقال: إن هذا لحدٌّ بين الصغير والكبير، وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة"، وكذا في صحيح مسلم وزاد: ((ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال))، والمعنى أن بلوغ خمس عشرة سنة علامة ظاهرة للبلوغ والحد بين الصغير والكبير، ولا ينافي ذلك أن يقع حد بين الصغير والكبير قبل ذلك بعلامات خفيه، وهي الاحتلام ونبات شعر خشن حول القبل والحيض كما سيأتي، ومن كان دون الخامسة عشرة ونبت له شعر خشن حول قبله فهو بالغ؛ لحديث قصة بني قريظة والتفريق بنبات الشعر بين البالغ وغيره، [رواه أبو داود (4404) بإسناد صحيح على شرط الشيخين]، وكذا من حصل له الاحتلام قبل هذه السن فهو بالغ، قال الحافظ ابن حجر في الفتح (5/277): "وقد أجمع العلماءُ على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام، وهو إنزال الماء الدافق سواء كان بجماع أو غيره سواء كان في اليقظة أو المنام، وأجمعوا على أن لا أثر للجماع في المنام إلا مع الإنزال"، وتزيد المرأة علامة رابعة للبلوغ وهي الحيض؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) [رواه أبو داود (641) بإسناد صحيح على شرط مسلم]، قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في الفتح (5/277): "وقد أجمع العلماء على أن الحيض بلوغ في حق النساء"، ومن أمثلة حصول البلوغ المبكر بالاحتلام والحيض ما أورده البخاري في صحيحه قبل حديث (2664) عن المغيرة بن مقسم الضبي قال: "احتلمت وأنا ابن اثنتي عشرة سنة" قال الحافظ في شرحه: "جاء مثله عن عمرو بن العاص، فإنهم ذكروا أنه لم يكن بينه وبين ابنه عبد الله بن عمرو في السن سوى اثنتي عشرة سنة"، وقال البخاري أيضاً: "وقال الحسن بن صالح: أدركت جارةً لنا جدةً بنت إحدى وعشرين سنة"، وقال الحافظ في شرحه: "وقد ذكر الشافعي أيضاً أنه رأى جدةً بنت إحدى وعشرين سنة وأنها حاضت لاستكمال تسع ووضعت بنتاً لاستكمال عشر ووقع لبنتها مثل ذلك"، وقد بلغني عن بعض من أعرفهم أن من بناتهم من حصل لهن الحيض وهن في مرحلة الدراسة الابتدائية، لم يتجاوزن سن الثانية عشرة، ومنهم من ذهب بهن لأداء فريضة الحج.
وقد دل كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع أهل العلم على جواز نكاح الكبير الصغيرة ولو كانت دون سن البلوغ، أو بلغت وتباعد ما بينهما في السن، ومن ذلك:
(1): قول الله - عز وجل -: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) [الطلاق:4]، أي فعدتهن ثلاثة أشهر - وهذا من أمثلة حذف المبتدأ والخبر لدلالة السياق عليه - ففي الآية الكريمة أن المرأة التي لم تحض إذا طُلقت فعدتها ثلاثة أشهر، وهي دلالة واضحة على جواز تزويج البنت الصغيرة قبل حصول حيضها.
(2): وقوله - تعالى -: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً) [التحريم: 5]، فقد دلت الآية على أن من صفات النساء اللاتي يجعلهن الله بدلاً من أزواجه إن طلقهن الثيبات والأبكار، وهو دليل على زواج الكبير بالصغيرة.
(3): قوله - تعالى -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) [النساء: 3]الآية، وقوله - تعالى -: (وَيَسْتَفْتُون كَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) [النساء:127]، روى البخاري في صحيحه (4574) عن عروة: "أنه سأل عائشة عن قول الله - تعالى -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى)، فقالت: يا ابن أختي! هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنُهوا عن ذلك إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن، قال عروة: قالت عائشة: وأن الناس استفتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هذه الآية فأنزل الله: (وَيَسْتَفْتُون كَ فِي النِّسَاءِ)" الحديث، وفي ذلك دلالة على أن ولي اليتيمة إذا أقسط لها في صداقها وأعطاها ما تستحقه كمثيلاتها جاز له زواجها، واليتيمة هي التي لم تبلغ، قال في القاموس المحيط: "وهو يتيم ويتمان: مالم يبلغ الحلم".
(4): حديث عائشة - رضي الله عنها -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهي بنت ست سنين، وأُدخلَت عليه وهي بنت تسع، ومكثت عنده تسعاً" [رواه البخاري (5133)، ومسلم (3479)]، ولا يقال إن هذا من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الأصل عدم الخصوصية، بل يدل لعموم الحكم الإطلاق في آية سورة الطلاق المتقدمة.
(5): حديث جابر - رضي الله عنه - في قصة زواجه بعد وفاة أبيه وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هل تزوجت بكراً أم ثيباً؟ فقلتُ: تزوجت ثيباً، فقال: هلا تزوجت بكراً تلاعبها وتلاعبك؟ فقلت: يا رسول الله! توفي والدي أو استشهد ولي أخوات صغار فكرهت أن أتزوج مثلهن فلا تؤدبهن ولا تقوم عليهن، فتزوجت ثيباً لتقوم عليهن وتؤدبهن)) [رواه البخاري (2967)، ومسلم (3636)]، ففي الحديث تنبيه النبي - صلى الله عليه وسلم - جابراً إلى أولوية زواجه من بكر، لكنه - رضي الله عنه - لم يكن فعل ذلك إيثاراً لمصلحة أخواته على مصلحته.
(6): أثر عمر - رضي الله عنه - في عَرضه ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان - رضي الله عنهما - وهما أكبر منه سناً، [رواه البخاري (5122)].
(7): قول عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في زمان خلافته لعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "هل لك -يا أبا عبد الرحمن- في أن نزوجك بكراً تذكِّرك ما كنت تعهد؟" [رواه البخاري (5065)، ومسلم (3398)]، ففيه عرض عثمان على ابن مسعود -وهو كبير- الزواج من بكر تذكِّره ما كان يعهد في شبابه.
(8): زواج عمر - رضي الله عنه - بأم كلثوم بنت علي من فاطمة - رضي الله عنهم - رغبة في مصاهرة أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أكبر من أبيها بسنين كثيرة، وقد كان عمره عام الهجرة أربعين سنة، وزواج علي بفاطمة إنما كان بعد الهجرة.
وأما الإجماع على تزويج الأب ابنته الصغيرة فقد حكاه جماعة من العلماء، قال محمد بن نصر المروزي في اختلاف الفقهاء (ص125): "وأجمع أهل العلم على أن نكاح الأب جائز على ابنه وابنته الصغيرين، ولا خيار لهما إذا أدركا"، وقال ابن المنذر في الإجماع (ص91): "وأجمعوا أن نكاح الأب ابنته الصغيرة جائز إذا زوَّجها بكفء"، وقال النووي في شرح مسلم (9/206): "وأجمع المسلمون على جواز تزويجه بنته الصغيرة لهذا الحديث" يعني حديث زواج الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعائشة - رضي الله عنها -، وحكاه أيضاً ابن رشد في بداية المجتهد (2/6)، وابن قدامة في المغني (9/398) وغيرهما.
وكما دلت الأدلة المتقدمة على جواز نكاح الكبير الصغيرة ولو كانت دون سن البلوغ أو بلغت وتباعد ما بينهما في السن، فإنه الذي عليه عمل الناس قديماً وحديثاً، ومن أمثلة ذلك في عصرنا أن شيخ مشايخنا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - مفتي المملكة العربية السعودية ورئيس قضاتها في زمانه تزوج وهو في كبره اثنتين من الأبكار إحداهما بعد الأخرى، وقد مات عن الثانية منهما، وتزوج شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه وهو كهل في سن الإمام الشافعي - رحمه الله - زوجته الثانية، وولدت له ابنين وثلاث بنات، وفي ترجمة الشيخ فوزان السابق - رحمه الله - في الأعلام للزركلي (5/162) أنه كان معتمَداً للملك عبد العزيز - رحمه الله - في دمشق ثم في القاهرة، وأنه رزق بابن وهو في نحو الثمانين من عمره فأبرق له الملك عبد العزيز - رحمه الله -: "سبحان من يحيي العظام وهي رميم!"، وأنه وُلد سنة 1275هـ، وتوفي سنة 1373، وعلى هذا فعمره ثمانية وتسعون عاماً والسنة التي توفي فيها هي السنة التي توفي فيها الملك عبد العزيز - رحمه الله -، وفي برقية الملك عبد العزيز له مداعبة لطيفة، وقد حصل للملك عبد العزيز قريب من هذا؛ فقد ولد له آخر أبنائه وهو في سن الرابعة والسبعين - رحمه الله -، ومن المعلوم أن النساء يلدن قبل انقطاع الحيض عنهن، وانقطاع الحيض عنهن في الغالب عند بلوغ خمسين سنة.
وفي تحديد سن الزواج بحدِّ لا تزوج الفتاة إلا بعد بلوغه كما حصل في بعض البلاد خارج المملكة محاذير، منها:
(1): أن فيه تفويت الكفء الخاطب على المخطوبة.
(2): أن فيه تعريضاً للوقوع في الكذب والتحايل على السلامة من هذا التقييد غير المشروع، وقد بلغني أن رجلاً خطب فتاة سنّهُ أضعاف سنها، فعمل أهلها على استخراج بطاقة لها لم يكن فيها بينهما في السن سوى عقد واحد، وقد تزوجها وأنجبت منه.
(3): أن فيه تقييداً لما أطلقه الله في آية سورة الطلاق وتضييقاً لما وسعه الله، ولا يقال: إن مثل ذلك التقييد تنظيم في أمر مباح؛ فإن الزواج بأكثر من زوجة واحدة مثل ذلك، وليس لأحد أن يصدر تنظيماً يمنع من ذلك أو يمنع من الزواج بالثانية أو الثالثة أو الرابعة؛ لأن في ذلك اعتراضاً على شرع الله وليس مع الذين ينادون بما زعموه تنظيماً إلا وجود بعض حالات شاذة من زواج الصغيرات لم يحالفها التوفيق وانتهت بالطلاق مع أن الزواج بالصغيرات قليل، فلا تتخذ ذريعة إلى المنع من زواج الصغيرات، فإن فشل النكاح يوجد بكثرة في نكاح غير الصغيرات.
وأما زواج الرجل ممن هي أكبر منه في السن فيدل له زواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخديجة رضي الله عنها؛ لأنه تزوجها وهو في الخامسة والعشرين من عمره وهي في الأربعين من عمرها، وولدت له أولاده كلهم إلا إبراهيم، ويدل له أيضاً أمره - صلى الله عليه وسلم - فاطمة بنت قيس بعد أن طلقها زوجها أبو حفص بن المغيرة آخر تطليقة لها أن تنكح أسامة بن زيد - رضي الله عنه - وهو دون العشرين من عمره كما في صحيح مسلم (3702) (3704).
ولا عبرة بكون زواج الكبير من الصغيرة الذي دل عليه الكتاب والسنة والإجماع لا يروق لهيئة حقوق الإنسان الأممية التي تستند إلى ديمقراطية الغرب الزائفة ولا لمن قلدها تقليداً أعمى؛ لأن المسلمين يستندون في أحكام دينهم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، وأما ديمقراطية الغرب فهي تستند إلى اتباع الأهواء، والمسلمون مأمورون باتباع الكتاب والسنة ومنهيون عن اتباع الأهواء، قال الله - عز وجل -: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) [الجاثـية:19]، وقال: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) [البقرة:120]، وقال: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة: 145]، وقال: (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) [المائدة: 48]، وقال: [وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) [المائدة:49]، وقال: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ) [القصص:50]، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) [آل عمران: 150].
وقد كتبت رسالة بعنوان: "العدل في شريعة الإسلام وليس في الديمقراطية المزعومة"، طُبعت مفردة عام 1426هـ، وطُبعت ضمن مجموعة كتبي ورسائلي (6/329ــ377) عام 1428هـ، أوردت فيها مبحثاً بعنوان: "شمول عدل الإسلام حقوق الإنسان"، قلت في آخره: "ومع سبق الإسلام إلى بيان حقوق الإنسان وغيرها حتى حقوق الحيوان، فقد وُجد في هذا الزمان ممن لهم صولة وجولة من يتشدَّقون بتَبَنِّي حقوق الإنسان والدِّفاع عنها، وكأنَّ ذلك من منجزات هذا العصر، وقد نصَّبوا أنفسَهم للدِّفاع عن هذه الحقوق ولكن على حسب أهوائهم، فيُهدرون ما يشاؤون إهداره من تلك الحقوق، ويُدافعون بزعمهم عمَّا يشاؤون الدفاع عنه منها، وهكذا يفعل القويُّ مع الضعيف، والمتسلِّطُ مع من يتسلَّط عليه، وما وضعوه من حقوق للإنسان فهو ناقص لنقصهم، وما جاءت به الشريعة من حقوق الإنسان فهو كامل وافٍ لكمال الشريعة ووفائها بكلِّ ما يحتاجه الناس؛ لأنَّها تنزيل من الحكيم العليم".
وأسأل الله - عز وجل - أن يوفق المسلمين للتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - والسلامة من الأهواء المضلة ومن كل ما يعود عليهم ضرره في الدنيا والآخرة، وأن يحفظ على بلاد الحرمين أمنها وإيمانها وسلامتها وإسلامها، وأن يوفقها حكومةً وشعباً لما فيه السعادة في الدنيا والآخرة، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه