الإمام الشعبي وكتبة الصحف
زاهر بن محمد الشهري




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
كنت أقرأ في تفسير ابن كثير -رحمه الله- حول تفسير قول الله -عز وجل-: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [(19) سورة الذاريات] تبادر إلى ذهني أن هذه الآية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار لا تحتاج إلى كثرة كلام أو نقاش، لكنني تفاجأت بإسهاب ابن كثير -رحمه الله تعالى- حول من هو المحروم؟
لما سئل التابعي الجليل الإمام الشعبي -رحمه الله- عن المحروم قال: أعياني أن أعلم ما المحروم؟
والشعبي -رحمه الله- من أئمة الزمان في الفقه والحديث، رافق الصحابة وجلس إليهم، بل وكان يلقي الدروس في الكوفة وهي مليئة بالصحابة، قال ابن سيرين: قدمت الكوفة وللشعبي حلقة عظيمة والصحابة يومئذ كثير، قال عبد الملك بن عمير -رحمه الله-: مر ابن عمر بالشعبي وهو يقرأ المغازي فقال كأن هذا كان شاهدًا معنا ولهو أحفظ لها مني، وأخيراً قال عنه ابن عيينة -رحمه الله-: علماء الناس ثلاثة، ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والثوري في زمانه.
عندها تخيلت لو أني في مجلس مكتظ بعدد من كتاب الأعمدة ومن يُسمون بالكتاب والإعلاميين وسألتهم عن معنى "المحروم" لرأيت تسابق كل واحد منهم على الجواب كما يتسابقون على الحديث في دين الله بما لا يعلمون بدءاً بالاختلاط مروراً بصلاة الجماعة وانتهاءً بعقيدة الولاء والبراء، ولا ننسى أحكام عدة الأرملة واستئجار الأرحام والغناء ومعاهد الموسيقى وزواج المرأة بأربعة رجال.. الخ.
أخيراً: فإن كثيراً من هؤلاء المتجرئين على دين الله -عز وجل- لا يعلمون أن التقول على الله بغير علم أشد من الشرك بالله -عز وجل- نجد ذلك واضحاً للعيان في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [(33) سورة الأعراف].
فبدأ سبحانه بالفواحش ظاهرها وباطنها، ثم بالأشد منها حرمةً وهي الذنوب المتعدية على الغير وهما الإثم والبغي ثم بالأشد منها وهي الشرك بالله ثم بالأشد حرمة وهي القول على الله بغير علم، فهل أنتم منتهون