استدل الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشهير بابن ناصر الدين الدمشقي (ت ٨٤٢ هـ) - رحمه الله تعالى - في كتابه مورد الصادي في مولد الهادي (ص٢٥) استدل بمرسل عروة عند البخاري في تخفيف العذاب عن أبي لهب لإعتاقه ثويبة فرحا بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بشرته ثويبة على جواز الاحتفال بالمولد النبوي!
ثم أنشد قائلا:

إذا كان هـذا كافرا جـاء ذمـه * وتبت يـداه في الجحـيم مخـلدا

أتى أنـه في يـوم الاثنين دائـما * يخفف عنه للسـرور بأحــمدا

فما الظن بالعبد الذي طول عمره * بأحمد مسرورا ومات موحـــدا


قلت: والرد على ذلك من وجوهين:

أولها: أنه مرسل لا يصح الاستدلال به، وما علقه البخاري بصيغة الجزم يفيد صحة الإسناد إلى من ذكره البخاري في التعليق ولا يفيد صحة الخبر مطلقا كما قرره ابن حجر في مقدمته على شرحه في هدي الساري.

الثاني: بفرض ثبوت الأثر - تنزلا - في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقر الرؤيا بأنها رؤيا حق - تنزلا -؛ فإن الأثر ليس فيه أن التخفيف بسبب عملٍ عمله الكافر، ﻷن ذلك مخالف لظاهر القرآن كما أوضحه ابن حجر في شرحه (٤٩/٩)، في باب: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم)، فقال:
وفي الحديث دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة، لكنه مخالف لظاهر القرآن، قال الله تعالى وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ......

ثم ذكر وجوها ارتضى منها آخرها فنقل عن ابن المنير في حاشية أنه قال:

هنا قضيتان: إحداهما: محال؛ وهي اعتبار طاعة الكافر مع كفره، لأن شرط الطاعة أن تقع بقصد صحيح، وهذا مفقود من الكافر.

الثانية: إثابة الكافر على بعض الأعمال تفضلا من الله تعالى، وهذا لا يحيله العقل، فإذا تقرر ذلك لم يكن عتق أبي لهب لثويبة قربة معتبرة، ويجوز أن يتفضل الله عليه بما شاء كما تفضل على أبي طالب، والمتبع في ذلك التوقيف نفيا وإثباتا.

قلت - ابن حجر -: وتتمة هذا: أن يقع التفضل المذكور إكراما لمن وقع من الكافر البر له ونحو ذلك، والله أعلم.

قلت - العبد الفقير -: وهذا الذي ذكره ابن حجر أخيرا هو الصواب المتعين المصير إليه لظاهر القرآن، وأن أبا طالب وأبا لهب - إن صح في الأخير - إنما يخفف عنهما إكراما من الله لنبيه في قبول شفاعته في عميه، وهي من شفاعته الخاصة صلى الله عليه وآله وسلم.

فتبين بذلك أن الاستدلال بهذا الأثر على أن من فرح في يوم ١٢ من ربيع الأول بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بشتى المظاهر المباحة - لأن ذلك من القربات التي يثيب الله عز وجل عليها فاعلها وإن كان كافرا - استدلال متهافت، وتخريج مشروعية الاحتفال في يوم ١٢ من ربيع الأول بهذا الأثر - على ما فيه من وهن - لهو أوهن من بيت العنكبوت.

فالله نسأل أن يرزقنا العلم النافع والعمل به.