التربية الإسلامية: تجليات ومحاور


السؤال:
ما الضوابط الشرعية لتفعيل التربية الإسلامية في ضوء معطيات ومتطلبات العصر ؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
التربية في المفهوم اللغوي تتجلى ثلاثة جوانب أساسية في المربي والعملية التربوية:
الأول: تميز المربي وتفوقه في ملكاته وقدراته.
الثاني: واجب المربي في تنمية من يربيه وتزكيته وزيادة خصاله حسناً ومهاراته صقلاً.
الثالث: من مهمات التربية الحماية والوقاية والقدرة والاستمرار في النماء والزيادة.
والتربية هي: "عملية تشكيل الشخصية السوية المتكاملة في جميع جوانبها روحياً وعقلياً ووجدانياً وخلقياً واجتماعياً وجسمياً".
التربية مفتاح التغيير: فالتربية والتهذيب الفكري والروحي والسلوكي هي سفينة النجاح، ومفتاح الصلاح، لأن تغييرها الإيجابي مؤذن بالتغيير العام: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
• استمرارية التربية: فهي مهمة مستمرة لا تتوقف عند زمن أو سن معين ولا عند مستوى محدد من العلم والإدراك. قال - تعالى -: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).
وفي حديث ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) الحديث.
فالطريق طويل والمهمة صعبة ومع ذلك "فبين العبد وبين السعادة والفلاح قوة عزيمة وصبر ساعة وتزكية نفس وثبات قلب والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم" [ابن القيم].
عناصر التربية:
أولاً: المربي: وهو أول المتأثرين بمتغيرات ومتطلبات العصر، والمربون في ذلك على أربعة أنواع:
• الأول استفاد من التغيرات واستثمرها، وبات تأثيره الإيجابي يصل إلى كل من استوعب واستخدم الوسائل العصرية بشتى أنواعها.
• الثاني لم يستفد من التغييرات، وبقي يعمل بأدواته القديمة، وبالتالي ظل تأثيره محدودا فيمن حوله هذا إن لم يكونوا قد انفضوا من حوله.
• الثالث لم يستوعب التغييرات الحاصلة فوقف موقف المتفرج إلى حين، أو أنه غير قادر على مواكبة متغيرات العصر.
• الرابع: من جرفه تيار التغيير السلبي فانتقل من صفوف المربين إلى صفوف المتربين مرة أخرى، وترك ما كان يقوم به من تربية من قبل.
ثانياً: المتربي
وهو محور العملية التربوية، وهو المستفيد الأخير من عملية التربية، ويظل تأثره مرهوناً بمدى قوة وضعف عناصر التربية الأخرى وتأثيرها عليه إيجاباً أو سلباً، إلا أن الفطرة السليمة تدفع بالمتربي ولو بعد حين لتلقي المنهج التربوي السليم.
ثالثاً: مادة التربية اللازمة حسب متطلبات العصر.
وهي الإسلام بكل معانيه وخصائصه وأصوله، وهي ثابتة لا تتغير بتغير الظروف والأحوال وإنما التغير يحصل من قبل المتربي لهذه المادة بمدى تشربه وقناعته والتزامه بها أو العكس.
رابعاً: بيئة التربية.
بيئات التربية المؤثرة بشكل أساس هي أربع بيئات ملازمة للفرد لا تنفك أن تؤثر عليه بعضها سلباً وبعضها إيجاباً، ويصرف جزءاً كبيراً من حياته فيها وهي:
• المنزل سواء كان فرداً في أسرة أو مكوناً لهذه الأسرة.
• ودائرة التعليم أو الوظيفة.
• والمجتمع الذي يعيش فيه ويتعامل معه.
• وأخيراً البيئة الذاتية للفرد والتي يتعايش فيها مع نفسه.
وكما نعلم فإن البيئة معينة للفرد ومحفزة له نحو الخير أو الشر، وبقدر تواجد الفرد في البيئة الإيجابية وقضائه أكبر الوقت فيها كلما ظهر أثرها الإيجابي على الفرد، ولا ننسى أن جميع هذه البيئات تتأثر باختلاف الزمان وأدوات التربية فيه.
خامساً: طرق ووسائل التربية.
تتنوع وسائل التربية فلكل مرحلة وسائلها وخطابها، وكل مرحلة تتأثر بالتغييرات الموجود في الواقع المعاصر، وبالتالي يكون لكل مرحلة خصائصها. وطرق ووسائل التربية متنوعة فمنها ما يناسب الفرد بصفة مباشرة، ومنها ما يناسب المجتمع بشكل عام.
عناصر نجاح التربية لتوافق متطلبات العصر ومتغيراته:
مهما تطور الزمن وتنوعت المتغيرات فهو لا يعدو أن يكون حلقة متجددة مما عاش عليه أسلافنا، وبالتالي علينا أن نعي أن هناك شرائح من المجتمع لا زالت تمارس التربية الصحيحة رغم المتغيرات، وأن وعيها بما تعيشه زادها إصراراً في المضي قدما نحو التربية الصحيحة.
ولنجاح فكرة التربية في هذا العصر فلابد من مراعاة ما يلي:
• تثقيف المربين واطلاعهم على متغيرات العصر، والاستفادة من أصحاب الخبرات والتجارب في هذا المجال.
• مراجعة المنهج التربوي، وإخضاعه للتغيير بما يتوافق مع المتطلبات الأساسية للهدف المنشود، مع مراعاة الثوابت والمتغيرات.
• العمق الإيماني الذي يمنح شفافية لا تسمح بالذوبان مهما عتت الظروف وكثرت العواصف.
• إن غرس معاني المراقبة الذاتية من أعظم المعاني التي على المربين أن يتقنوها في أنفسهم ويغرسوها في الآخرين فهي العاصم بإذن الله. وعدم المبالغة في تتبع الحركات والسكنات.
• المشاركة في المحاضن التربوية لأنها تمثل البيئة المشجعة للاستفادة من التربية وتواصلها.
• مراجعة أساليبنا التربوية المنغلقة والقائمة على الشدة والتسلط والتعالي والاستهانة بالمتربي واستبدالها بالأساليب الصحيحة التي تقوم على الحوار والمحبة والتقدير والتواضع والاحترام المتبادل.
• الاستفادة من المجتمع نفسه، حيث إنه يدخل في دائرة التثقيف من خلال مجالس الحوار والوعظ العام، حتى لا يقف في طرف المستغرب المستهجن.
• العناية التامة بتربية المرأة وإعطاؤها المكان اللائق وفق الحقوق الشرعية التي منحها الله إياها.
• البدء من بناء القناعات والاهتمام بالتأصيل وإيجاد قواعد ثابتة للناشئة يسيرون وفقها ويتعاملون مع المستجدات في ضوئها. (منهج العقل وتأسيسه على مفاهيم وضوابط) من خلال صياغة واضحة لما يجب أن تتسم به الشخصية المسلمة دون صرامة أو تنميط، فلا مجال في التربية لإكراه أو تغييب العقل.
• غرس مبدأ الثقة بالنفس عند الناشئ المسلم، وعدم النظر إليه بمنظار المتهم حتى تثبت له البراءة.
• السعي للتجديد في وسائل التربية وفق الضوابط الشرعية المرعية.
• مراعاة العرف والبيئة المحيطة.
• تشجيع العلاقات الأخوية والاجتماعية الطبيعية مع المربين والأوساط التربوية.
• الاستفادة من الوسائل العصرية وتسخيرها لصالح التربية لما لها من أثر إيجابي على مجموع الأمة.
• الوصول إلى التربية الصحيحة يستلزم البذل والعطاء وتربية النفس قبل تربية الآخرين والثبات على طريق التربية الصحيحة وإن ابتعد عنها الآخرون.
• إدراك حجم التحدي، وأن نعي أن ما هو قادم سيكون أكثر تغييراً و تطوراً وتأثيراً.
• البحث عن كوامن الخير في الفِطَر السليمة. لأن الفطرة السليمة تعود إلى أصلها ولو بعد حين.
• تربية المربي نفسه وتزكيتها مهم جداً ليكون قدوة للمتربين.
والله - تعالى - نسأل أن يوفق المربين ليقوموا بالتربية على الوجه الذي يحبه الله ورسوله، والحمد لله رب العالمين