الكيد للنبي – صلى الله عليه وسلم - والصد عن دعوته



سالم الناشي

- تحلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بصفات كريمة أهلته لأن يحمل رسالة الإسلام إلى الناس كافة، قال -تعالى- واصفًا نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم-4)، أي إنك يا محمد لعلى أدب عظيم، هو أدب القرآن وأدب الإسلام، كما قالت عائشة -رضي الله عنها-: «فإن خُلُق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان القرآن».

- كما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أكرم الناس وأشجعهم وأرقهم قلبًا، ويراعي أصحابه ويشاورهم في الأمر، وكان يأمر باليسير من العمل، ولا يشق على أمته، وكان في الشجاعة لا يدانيه أحد؛ فهو المثل الأعلى في الأخلاق الحميدة جميعها، أما في العبادة فحدث ولا حرج.

- نعم، كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قدوة في كل شيء، قال -تعالى-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:21)؛ فهو قدوة في كل ما ثبت عنه من أقوال وأفعال وتقريرات -عليه الصلاة والسلام-، قال الله -تعالى-: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم:1-4)؛ فهو -عليه الصلاة والسلام- معصوم فيما يبلغه عن الله -عز وجل.

- لذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مستهدفا من أعداء الدين الحق، على الرغم من وصفهم إياه قبل بعثته بالصادق الأمين، ولكن لم يمنعهم هذا من الكيد له، والنيل منه ومن أصحابه -رضوان الله تعالى عليهم- والتشكيك في دينه.

- ومن ذلك ما رواه عبد الله بن مسعود قال: «بيْنَا رَسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- سَاجِدٌ وحَوْلَهُ نَاسٌ مِن قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ؛ إذْ جَاءَ عُقْبَةُ بنُ أَبِي مُعَيْطٍ بسَلَى جَزُورٍ؛ فَقَذَفَهُ علَى ظَهْرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حتَّى جَاءَتْ فَاطِمَةُ -رضي الله عنها-؛ فأخَذَتْ مِن ظَهْرِهِ، ودَعَتْ علَى مَن صَنَعَ ذلكَ؛ فَقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ المَلَأ مِن قُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ أَبَا جَهْلِ بنَ هِشَامٍ، وعُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وشيبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وعُقْبَةَ بنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وأُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ، أَوْ أُبَيَّ بنَ خَلَفٍ؛ فَلقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَومَ بَدْرٍ؛ فَأُلْقُوا في بئْرٍ غيرَ أُمَيَّةَ، أَوْ أُبَيٍّ؛ فإنَّه كانَ رَجُلًا ضَخْمًا؛ فَلَمَّا جَرُّوهُ تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ قَبْلَ أَنْ يُلْقَى في البِئْرِ».(صحيح البخاري).

- وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: «يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال؛ فلم يجبني إلى ما أردت؛ فانطلقت وأنا مهموم على وجهي؛ فلم أستفق إلا بقرن الثعالب؛ فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني؛ فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم؛ فناداني ملك الجبال، فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؛ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله -تعالى- وحده لا يشرك به شيئًا»، وكان يقع للنبي - صلى الله عليه وسلم- من الشدة والخوف ما لم يحصل لأحد؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «لقد أُخِفْتُ في اللهِ وما يُخافُ أحدٌ، ولقد أُوذِيتُ في اللهِ وما يُؤذَى أحدٌ، وقد أتت عليَّ ثلاثون من بينِ يومٍ وليلةٍ ما لي ولبلالٍ طعامٌ يأكلُه ذو كبدٍ إلَّا شيءٌ يواريه إبِطُ بلالٍ» ( إسناده صحيح).

- وقال محمد بن إسحاق‏:‏ وحدب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمُّه أبو طالب ومنعه وقام دونه، ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمر الله مظهراً لدينه، لا يرده عنه شيء‏.‏

- لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ}، صَعِدَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - علَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: «يا بَنِي فِهْرٍ، يا بَنِي عَدِيٍّ -لِبُطُونِ قُرَيْشٍ- حتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يَخْرُجَ أرْسَلَ رَسولًا لِيَنْظُرَ ما هُوَ?؛ فَجَاءَ أبو لَهَبٍ وقُرَيْشٌ؛ فَقالَ: أرَأَيْتَكُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلًا بالوَادِي تُرِيدُ أنْ تُغِيرَ علَيْكُم، أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: نَعَمْ، ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إلَّا صِدْقًا، قالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيد؛ٍ فَقالَ أبو لَهَبٍ: تَبًّا لكَ سَائِرَ اليَومِ، ألِهذا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وتَبَّ ما أغْنَى عنْه مَالُهُ وما كَسَبَ}» (صحيح البخاري).