دين إبراهيم عليه السلام هو التوحيد والبراءة من الشرك [ وأهله] - وإخلاص العمل والدين لله جل جلاله، وهو الذي بعث الله به محمدا - صلى الله عليه وسلم -، كما قال جل وعلا - ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين- [النحل:128]، وكما قال جل وعلا - أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده[الأنعام:90]
المقصود من ذلك أن العرب قامت عليهم الحجة، وبين لهم الأمر ببعثة إبراهيم عليه السلام، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - بعث مجددا لهم دين أبيهم إبراهيم، ولكن الشريعة مختلفة فإبراهيم عليه السلام جاء بدين الإسلام العام، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - جاء بدين الإسلام الخاص.

قال (ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله، لا يصلح منه شيء[لغير الله] لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل فضلا عن غيرهما) يخبرهم محمد - صلى الله عليه وسلم - أن هذا التقرب وهو التقرب إلى الأرواح، التقرب إلى الصالحين، التقرب إلى الأنبياء، التقرب إلى الملائكة، سؤال أولئك الشفاعة، هذا التقرب والاعتقاد فيها، قال (والاعتقاد) يعني والاعتقاد في تلك الأرواح أنها تنفع أو أنها تضر أو أنها تملك شيئا من الأمر، قال ذلك( محض حق الله)، محض حق الله يرجع إلى المسألتين:
الأولى: التقرب.
والثانية: الاعتقاد.
لأن هناك من يعتقد ولا يتقرب، وهناك من يتقرب ويعتقد، فكل المسألتين محض حق الله جل جلاله، فنفهم من هذا أن من اعتقد الشرك ولم يفعله فإنه مشرك كالذي فعله؛ لأن الاعتقاد لا بد أن يكون -الاعتقاد بأن هذه الروح تنفع أو تضر أو أن أحدا يغيث فيما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا- هذا يجب أن يكون في الله جل وعلا - لا يعتقد في أحد أنه يملك من الأمر شيئا، ولا أنه يملك الشفاعة كما قال جل وعلا ?قل لله الشفاعة جميعا?[الزمر:44]، الذي يشفع الشفاعة ملك لله جل وعلا هو الذي يتكرم بها وهو الذي ينيلها من يرضى عنه جل وعلا.
(لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل فضلا عن غيرهما)
هذه رسالة محمد عليه الصلاة والسلام أن العبادة لله وحده، وأن التقرب إنما هو لله وحده -- لا استغاثة فيما لا يقدر عليه إلا الله إلا بالله، لا استغاثة بالأموات لا استغاثة بالأرواح لا استغاثة بالغائبين كذلك لا عبادة بأي نوع من أنواع العبادة إلا لله جل جلاله، فتتعلق القلوب بالله وحده، ويبطل أمر الجاهلية بالتعلق بغير الله جل جلاله.


قال (وإلا فهؤلاء المشركون يشهدون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له، وأنه لا يرزق إلا هو، ولا يحيي إلا هو، ولا يميت إلا هو ولا يدبر الأمر إلا هو، وأن جميع السموات ومن فيهن والأراضين ومن فيها كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره) كما ذكرنا مرارا وتعلمون أن المشركين يقرون بالله جل وعلا بالربوبية؛ يعني أكثر أفراد الربوبية يثبتها المشركون لله جل جلاله، فإذا سألت المشرك من العرب من أهل الجاهلية أو من غيرهم من الذي يحيي؟ فسيقول الله، من الذي يميت؟ فسيقول الله، من الذي يدبر الأمر؟ فسيقول الله، من الذي يرسل الغيث؟ فسيقول الله، من الذي يجير ولا يجار عليه؟ فسيقول الله، من الذي يعافي من المرض؟ فسيقول الله، فإذن هذه الأفعال على جهة الحقيقة إنما هي لله جل وعلا، المشركون يعتقدون ذلك، ومع هذا الاعتقاد وكونهم يتصدقون ويدعون ويتقربون إلى بأنواع من القربات ويغتسلون من الجنابة تغتسل المرأة من الحيض ويصلون الأرحام ويتفاخرون بذلك،مع ذلك لم يكونوا مؤمنين ولا مسلمين لم ؟ لأن هذا لم يبتلوا به - إنما ابتلوا بأن يكون الله جل جلاله هو المعبود وحده، وهم عبدوا مع الله غيره - فمن عبد الله غيره لم تنفعه صلاته ولم ينفعه صيامه، وإن كان زاهدا متعبدا - ولم ينفعه إقراره لله بالربوبية، وقد قال جل وعلا عن أكرم الخلق محمد - صلى الله عليه وسلم - ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت? يا محمد ?لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين[الزمر:65] الله جل وعلا ليس بينه وبين عباده نسب، وليس بينه وبين عباده مجاملة، وليس بينه وبين عباده رعاية، وإنما هو جل جلاله القهار الجبار سبحانه الذي يستحق العبادة وحده، فلو أشرك أكرم الخلق عليه لحبط عمله ولكان من الخاسرين، فكيف بمن هو دونه ؟ كيف بمن هو دون محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ لاشك أنهم لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ولبطل ما كانوا يعملون


قال جل وعلا عن المشركين -وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا[الفرقان:23]، لهم أعمال ولهم طاعة ولهم أنواع خير، ولكن لما لم يوحدوا الله جل وعلا؛ لم يعبدوا الله وحده دونما سواه، لما توجهوا إلى تلك الأرواح، لما لم يجعلوا الأمر كله لله جل جلاله، فإنهم صاروا مشركين لم ينفعهم ذلك لم يعصم دماءهم ولا أموالهم، وإنما كانوا مشركين مكذبين للرسل جميعا.
وهذه في الحقيقة مسألة عظيمة وهذا الأمر، والله المستعان .... أن كثيرين إذا سمعوا من يقول لا حول ولا قوة إلا بالله، أو سمعوا من يقول ما شاء الله، أو سمعوا من يقول الحمد لله سموه مؤمنا ولو كان على غير عمل أصلا، بل لو رأوه مجاهدا في سبيل الله كما يقولون، رأوه يقارع المشركين في الميدان، رأوه يقرع الكفار، رأوا عنده من الأعمال والصالحات أمرا عظيما، ونظروا في أمره بهذا الاعتبار عظموه تعظيما وجعلوه من الأئمة ومن المقتدى بهم، وقد يكون في حقيقة الأمر مشركا بالله جل وعلا، إما من جهة الاعتقاد يعتقد في أولئك الصالحين أو لا يكفر بالطاغوت ، أو أنه يشرك في الحقيقة؛ يتوجه للموتى بأنواع القربات.


المسألة هذه فيها غربة في هذا الزمن وفي كل زمن، وأصبحت مسألة التوحيد وأصبح هذا الأمر في هذا الزمن محل نظر عند الأكثرين، وصار الشرك إنما هو نفي وجود الخالق جل جلاله، - من هو الكافر؟ عند طائفة - هو الملحد الذي لا يؤمن بوجود الله - وجعلت طائفة - النصارى من المؤمنين، والصابئين من المؤمنين؛ لأنهم يعبدون الله على طريقتهم، وآخرون قالوا بتوحد الأديان السماوية، وآخرون يردون على من قال بتوحيد الأديان السماوية، ولكنهم إذا نظروا إلى شرك المشرك وتعلقه بالصالحين وما يحصل عند المشاهد والقبور من أنواع عبادة غير الله، أو ما يفعله الضالون من تحكيم القوانين واعتقاد أنها جائزة أن يحكم بها - لم يجعلوا ذلك من المخرج عن دين الإسلام - وهذا من الغربة المتحققة في هذا الزمن والله المستعان.[شرح كشف الشبهات للشيخ صالح ال الشيخ]