أسباب تأخر الزواج


د. محمد محمود العطار



إن من المشكلات الاجتماعية العويصة التي يعانيها مجتمعنا مشكلة العنوسة أو تأخر سن الزواج لدى الشباب والشابات، ويرجع تأخُّر سن الزواج إلى أسباب عديدة، منها المادي، الاجتماعي، ونستعرض هذه الأسباب من خلال هذه المقالة.

الرغبة في رجل غني

رغبة الفتاة أو أهلها في الزواج من رجل غني، فترفض هي أو وليها كل خاطب فقير أو متوسط الحال؛ لأنها تحلم بأن تسكن بيتًا أنيقا، وتركب سيارة فارهة، وتلبس الأزياء الراقية، وأنتم تعلمون أن الفقر ليس بعار ولكن العار كلَّ العار في الكسل والركون إلى الراحة والدعة، وغالبا ما تنشأ هذه المشكلة من تعدية الأنظار إلى حالات مادية لدى أسرة أخرى من أخوات هذه الفتاة أو من جيرتها، وهؤلاء الأولياء من جهلهم لا يدركون أن المقارنة في باب الأرزاق مسألة غير واردة؛ لأن لله شؤونا في أمر الرزق وسننا لا يدركها كثير من الناس،، قال -تعالى-: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (طه:131).
المغالاة في المهر
المغالاة في المهر المعجل منه والمؤجل، وأنتم تعلمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن من يمن المرأة تيسيرَ خطبتها، وتيسيرَ صداقها، وتيسيرَ رحمها»، قال عروة: «يعني تيسير رحمها للولادة، وقال: وأنا أقول من عندي: «من أول شؤمها أن يكثر صداقها».
إرهاق الزوج
إرهاق الزوج باشتراط فخامة الأثاث وغيره، فيكتب الوليُّ قائمة طويلة بكل ما كان يحلم به من متاع الدنيا، من كنوز الذهب والفضة، ومما غلا من الثياب والأسرة ولوازمها، والبيت وجهازه وأثاثه، إلى جانب ما يلزم من أجهزة مسموعة ومرئية، وثابتة ومحمولة، كما يلزمه ألا ينسى حظوظ الأقرباء من أعمام الفتاة وعماتها، وأخوالها وخالاتها، كما أن عليه أن يقيم حفلا بهيجا يليق بالمقام، ينافس به حفلات أغنياء العالمين! فأنى لشاب ناشئ فقير يسعى لكسب قوته اليومي بهذه الكماليات وهذه التكاليف التي لا يطيقها إلا القلة القليلة من أثرياء الأمم.
فقر الشباب
فقر الشباب، فهناك الكثير من الشباب الذي لا يمتلك مالا، ولا وظيفة، ولا ميراثًا، ولا غير ذلك من مصادر الدخل، فينتظر حتى تتهيأ له سُبُل الزواج.
إتمام التعليم
انتشار الاعتقاد بضرورة إتمام الفتاة أو الفتى مراحل التعليم، فلا يتزوج أحدهما حتى يتم المرحلة الجامعية، وقد يؤخر بعضهم التفكير في الزواج حتى يحصل على درجة الماجستير أو الدكتوراه، مع أنه يمكن أداء حقوق الزوج والزوجة مع متابعة التعليم، إذا انحصر واجب كل منهما على القيام بمطالب التعليم وبيت الزوجية، أما إذا انضم إلى تلك التكاليف المطلوبة شرعا تكاليف تحتمها العادة والعرف كضرورة أن تكون الزوجة خادمة لأم زوجها فيصعب في هذه الحالة الجمع بين مهام البيت وواجبات التعليم.
الظروف الاقتصادية
ظروف الدولة الاقتصادية، ومدى توفيرها لفرص العمل، فإذا انتشرتْ البطالة في الدولة أحجم الشباب عن الزواج؛ لعجزهم عن الوفاء بتكاليفه.
انتشار الرذيلة والفساد
انتشار الرذيلة والفساد؛ حيث يلجأ بعض الشباب في المجتمعات الفاسدة إلى تصريف شهواتهم بطريق غير مشروع، ويترتب على هذا زهدهم في الزواج؛ نتيجة لفهمهم الخطأ لأهداف الزواج السامية.
قلة المؤسسات الخيرية
انعدام المؤسسات الخيرية التي تعنى بجانب تزويج الشباب ورعايتهم، وهي مؤسسات جُرب نفعُها في بعض البلاد الإسلامية؛ حيث إن من فوائدها: التقليل من العنوسة لدى الجنسين، وإحياء روح المسؤولية لدى الشاب فينشط للعمل؛ إذ بغير العمل لن يجد قوت أهله، ومحاربة الفساد الخلقي بتزويج كل بالغ راغب في الزواج، مع دعمه بالأساسيات اللازمة لإقامة أسرة مسلمة، والإسهام في التنمية الوطنية بتدريب من تم تزويجهم وتشغيلهم.
الجهل بفوائد النكاح
جهل كثير من الشباب بفوائد النكاح: التي منها: إعفاف النفس والبعد عن الفتن، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «... فإنه أحصن للفرج...»، ومنها أنه سبب لجلب الرزق: فقد قال -تعالى-: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (النور:32)، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: «عجباً لمن لم يلتمس الغنى في النكاح، والله يقول: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» ومما يوضحه أن تحمل أعباء الأسرة حافزٌ قوي على الكسب والعمل.