الاستمـــراء ، إلى متى ؟!




بقلم / أ. رقية سليمان الهويريـني .



يرفع الآذان وأنت منشغل بمكالمة هاتفية ترى أهميتها أو تحسبها كذلك ، فتتابع مكالمتك، اعتقادا منك أن الوقت لا يزال معك وفي صفك ! فيصلي الناس وقد يقضون نافلتهم ,وأنت منهمك في مكالمتك حتى؛ ليصبح الوقت خصما لك ! ولازال يخيل لك أنك بصدد إنهاء المكالمة، إلا أنك إما تجامل الشخص أو تستمرئ الحديث معه بحجة أن الموضوع مهم للغاية.
تغرق في عمل مهم جدا، وكلما فكرت بإنهائه لتؤدي صلاتك ،ويهمس لك الشيطان من خلال نفسك بأنك قد شارفت على الانتهاء؛ بل لم يتبق لك إلا القليل وينتهي العمل، وتغريك نفسك المسوفة بمتابعته؛ لتتمكن بعده من التفرغ لصلاتك والخشوع فيها،دون تفكير بذلك العمل، وتركن لهذا الرأي الذي يوافق هواك،وتتلذذ بإتباعه.
تتابع برنامجاً تلفزيونياً ممتعاً يداعب اهتماماتك،ويلقى عنايتك،وتؤجل بسببه فروضاً شرعية أو واجبات اجتماعية ملحّة,وربما يتبع الأمر من التهاون الذي قد لا يصل إلى المساس بالحدود الشرعية،ولكنه يظل أحد أنواع التسويف, والمتعة والاستمراء.
الشخص المدخن يستمرئ ممارسة التدخين ويجد فيه الاستمتاع ،وهو يعلم أن في ذلك مخالفة شرعية بحسب أضراره على النفس, والجسم ,والمجتمع ,والمال, وتراه يؤجل قرار التوقف عن التدخين سنة بعد أخرى ، وكأنه يستمرئ التدمير الذي يشعره بتحقيق هوى النفس, وإثبات هويتها.
أشخاص ابتلوا بالمعاكسات,والم المات الهاتفية الفارغة، فتجدهم أسرى لهذه المحادثات الخاوية،وقد يعيدون كلاماً سبق أن قيل واستهلك حتى الملل ، ويلوكون عبارات أعيدت ورُددت حتى الطفش،ولكنهم أبداً لا يرعوون أو يتوقفون للتفكير؛ فهم يمارسون استمراءً للخطأ وتأجيلاً لاتخاذ قرار لا رجعة فيه ! وهم يغفلون عن أهم شروط هذا القرار, وهو حضور النفس اللوّامة وتواجدها، وتلك النفس الحازمة التي لا تكتفي بقرع الأجراس فوق الرؤوس؛ بل تدق الطبول لتوقظ النفوس حتى يفزع المرء فيرى فساد الفعل، وسوء المصير،وشر العاقبة والمنقلب!
وإن حدثتكم عن استمراء الغيبة،وتوق النفس لمضغ هذا الفعل ,والسلوك المحرَّم الذي شبهه الله عز وجل بأكل لحم الإنسان الميت ؛فإنه حديث ذو شجون،حتى أشار لذلك صلى الله عليه وسلم؛ كنوع من الحث,وهو ضمان الجنة لمن ضمن مابين لحييه، ويقصد حفظ اللسان من الغيبة والنميمة.
إن استمراء الخطأ أيا كان شكله أو مبرراته ، ما هو إلا عجز عن أخذ زمام النفس ، وقبض عنان القلب ، وجذب لجام الضمير، وشد رسن العقل, وبالمقابل يلزم ترويض الروح على نهج الطريق السليم ، ونبذ الاستمراء،وكراه ية السير فيه ، ومقت الاستمتاع بغير ما أحله الله من قول السوء أو فعل المنكر أو سلوك الباطل,والأخذ بما يقبله الشرع ، وما يوافق الفطرة السليمة، وما يعارض الهوى؛فما رأيت مثل الهوى قاتلا ً، وما شاهدت مثل الانحراف عن الصراط مهلكاً.
______________________________ ____