الوحي الإلهي


نخبة من العلماء





الوحي في اللغة : هو الإعلام السريع الخفي .

ويطلق الوحي على : الإشارة ، والكتابة ، والرسالة ، والإلهام . وكل ما ألقيته على غيرك حتى علمه فهو وحي كيف كان وهو لا يختص بالأنبياء ولا بكونه من عند الله تعالى .
والوحي بمعناه اللغوي يتناول :
1 - الإلهام الفطري للإنسان كالوحي لأم موسى . قال تعالى : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ } (القصص : 7) .
2 - الإلهام الغريزي للحيوان كالوحي إلى النحل . قال تعالى : { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا } (النحل : 68) .

3 - الإشارة السريعة على سبيل الرمز والإيحاء ، كإيحاء زكريا لقومه . قال تعالى { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا } (مريم : 11) .
4 - وسوسة الشيطان وتزيين الشر في نفوس أوليائه . قال تعالى : { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُم ْ } (الأنعام : 121) .
5 - ما يلقيه الله تعالى إلى ملائكته من أمر ليفعلوه . قال تعالى : { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا } (الأنفال : 12) .
التعريف الشرعي :
هو " إعلام الله أنبياءه بما يريد أن يبلغه إليهم من شرع أو كتاب بواسطة أو غير واسطة " .
أنواع الوحي :
لتلقي الوحي من الله تعالى طرق بينها الله تعالى بقوله في سورة الشورى : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } (الشورى : 51) . فأخبر الله تعالى أن تكليمه ووحيه للبشر يقع على ثلاث مراتب :

المرتبة الأولى : الوحي المجرد وهو ما يقذفه الله في قلب الموحى إليه مما أراد بحيث لا يشك فيه أنه من الله . ودليله قوله تعالى : { إِلَّا وَحْيًا } (الشورى : 51) . ومثال ذلك ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إن روح القدس نفث في روعي لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب » أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي وابن ماجه في سننه وغيرهم (1) . وألحق بعض أهل العلم بهذا القسم رؤى الأنبياء في المنام كرؤيا إبراهيم عليه السلام على ما أخبر الله عنه في قوله : { قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ } (الصافات : 102) . وكرؤى النبي صلى الله عليه وسلم في بداية البعثة على ما روى الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : « أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح » (2) .
المرتبة الثانية : التكليم من وراء حجاب بلا واسطة كما ثبت ذلك لبعض الرسل والأنبياء كتكليم الله تعالى لموسى على ما أخبر الله به في أكثر من موضع من كتابه . قال تعالى : { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } (النساء : 164) . وقال : { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } (الأعراف : 143) . وكتكليم الله لآدم . قال تعالى : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ } ( البقَرة : 37) . وكتكليم الله تعالى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء على ما هو ثابت في السنة . ودليل هذه المرتبة من الآية قوله تعالى : { أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } ( الشورى : 51) .
المرتبة الثالثة : الوحي بواسطة الملك . ودليله قوله تعالى : { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ } (الشورى : 51) . وهذا كنزول جبريل عليه السلام بالوحي من الله على الأنبياء والرسل .

والقرآن كله نزل بهذه الطريقة تكلم الله به ، وسمعه جبريل عليه السلام من الله عز وجل ، وبلغه جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم . قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ }{ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ }{ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ } (الشعراء : 192- 194) . وقال تعالى : { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ } (النحل : 102) .
ولجبريل عليه السلام في تبليغه الوحي لنبينا صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحوال :
1 - أن يراه الرسول صلى الله عليه وسلم على صورته التي خلق عليها ولم يحصل هذا إلا مرتين كما تقدم تقريره في الفصل السابق .

2 - أن يأتيه الوحي في مثل صلصلة الجرس فيذهب عنه وقد وعى الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال .
3 - أن يتمثل له جبريل في صورة رجل ويخاطبه بالوحي كما مر في حديث جبريل السابق في سؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن مراتب الدين .

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الحالتين الأخيرتين في إجابته للحارث بن هشام لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « يا رسول الله كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده علي ، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال . وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول » (البخاري (2) ، مسلم 2333) . ومعنى فصم : أي أقلع وانكشف .




(1) موارد الظمآن (1084 ، 1085) ، والمستدرك (2 / 4) ، وسنن ابن ماجه (2144) ، وابن أبي الدنيا في القناعة ، والبيهقي في شعب الإيمان (المغني عن حمل الأسفار : 419 ، 895) والبغوي ج14 / 304 برقم (4112) .
(2) صحيح البخاري برقم (3) ، وبنحوه في صحيح مسلم برقم (160) .




كتاب أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة
المؤلف : نخبة من العلماء
الطبعة : الأولى
منقول