منهج السنة النبوية في محاربة التقليد الأعمى
دراسة موضوعية في ضوء السنة النبوية
د. خالد بن أحمد بن محمد الخطيب[*]
ملخص البحث:
إنّ التقليد الأعمى آفة العصر في زماننا الأمر الذي دفعني إلى كتابة هذا البحث، لبيان معالجة النبي e لهذا المرض الذي استشرى في الأمة, والمقصود بالتقليد هنا: المذموم الذي يتضمن المحاكاة والتّشبه لا التقليد عند الفقهاء والأصوليين, وقد عرفت في هذا البحث التقليد والفرق بينه وبين الاتباع، وأقسامه، وأسبابه، وأثره على الفرد والمجتمع، وذم القرآن الكريم والسنة النبوية له، وبيان منهجهما في محاربته, وقد توصلت في هذا البحث إلى عدة نتائج، كان من أهمها: أن التقليد ومحاكاة الغير من النصارى واليهود والمشركين سبب من أسباب ضعف الأمة. وأن من أسبابه عدم وجود القدوة الحسنة.
Abstract:
The blind imitation scourge in our nation, which prompted me to write this research to address the Prophet for this disease, which flourishes in the nation. What is meant by tradition here: reprehensible that includes simulation and imitation not tradition by scholars. Defined in this research tradition and the difference between him and a henchman, divisions, its causes, its impact on individuals and society, and disparaging the Holy Qur'aan and Sunnah, and the statement of their method in fighting it. In this research I found several results, including: that imitation and simulation of non-Christians and Jews and the Pagans because of a weak nation. And that causes a lack of role models.
المقدمة:
الحمد لله القائل في كتابه: ﴿وكَذلِكَ مَا أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣], والصلاة والسلام على سيد الخلق محمد e, القائل: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ »، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى قَالَ: «فَمَنْ»([1]), وعلى آله وصحبه, الذين بادروا إلى امتثال أوامره, والانتهاء عن نواهيه, وتحرروا من قيود التقليد, وعلى من تبعهم من المجتهدين من أئمة المسلمين الذين ذموا التقليد, واتبعوا الدليل، أما بعد: فإنه لمن المؤسف في هذا العصر التقليد الأعمى لليهود والنصارى والمشركين في لبسهم, وكلامهم, وأعيادهم، وأكلهم وشربهم, الذي نهانا عنه النبي e.
وقد جاء البحث في مقدمة، وخمسة مباحث، وخاتمة:
أما المقدمة، فقد اشتملت على خطة البحث, وأهميته, وأسباب اختياري له.
المبحث الأول: تعريف التقليد.
المبحث الثاني: الفرق بين التقليد والاتباع, وأقسام التقليد.
المبحث الثالث: أسباب التقليد الأعمى.
المبحث الرابع: أثر التقليد على الفرد والمجتمع.
المبحث الخامس: منهج القرآن الكريم والسنة النبوية في ذم التقليد ومحاربته.
الخاتمة: وتشتمل على أهم النتائج والتوصيات.
وفي الختام أسأل الله تعالى أن ينفع بما كتبت, وأن يلهمني الصواب فيه, وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم, ويدخر لي أجره, إنه خير مسئول, ومجيب.
المبحث الأول
تعـريف التقليـد
تعريف التقليد لغة:
التقليد من قلادة الإنسان والحيوان, قال الخليل بن أحمد([2]): وتقول: هي قلادة الإنسان والبدنة, والكلب, ونحوه, وتقليد البدنة أن يعلق في عنقها عروة مزادة, ونصل خلق, فيعلم أنها هدي([3]), وقال الفيروزآبادي([4]): والقلادة: ما جعل في العنق, وتقلد لبسها([5]), ومنه: وتقلدت السيف والأمر, ونحوه: ألزمته نفسي, وقلدنيه فلان, أي ألزمنيه، وجعله في عنقي([6]), ومنه التفويض, قال الفيروزآبادي: وأعطيته قلد أمري, فوضته إليه, ومنه: تقليد الولاة الأعمال([7]), ومنه المحاكاة والمشابهة, يقال: قلد القرد الإنسان([8]), مما تقدم يتبين لنا أن التقليد له عدة معان في اللغة, منها: الإحاطة بالعنق, والشعار, والتفويض, والمحاكاة والمشابهة, والانقياد.
تعريف التقليد في الاصطلاح:
- عرفه الشوكاني قائلا: "وأما التقليد, فأصله في اللغة مأخوذ من القلادة, التي يقلد غيره بها, ومنه تقليد الهدي, فكأن المقلد جعل ذلك الحكم الذي قلد فيه المجتهد كالقلادة في عنق من قلده"، ثم قال: "وفي الاصطلاح: هو العمل بقول الغير من غير حجة"([9]).
- وقال الشنقيطي([10]): في اصطلاح الفقهاء قبول قول الغير من غير معرفة دليله([11]).
- وقال ابن اللحام([12]): التقليد شرعا: قبول قول الغير من غير حجة([13]).
- وقال الكلوذاني([14]): التقليد سمى بذلك لأن المقلد يقبل قول المقلد بغير حجة([15]).
من هذه التعاريف نجد أن التقليد: هو قبول قول الغير من غير معرفة الدليل, والتقليد الأعمى هو المحاكاة والمشابهة والانقياد للآخر وموافقة اليهود والنصارى والمشركين ممن أمرنا بمخالفتهم, ولست بصدد الكلام عن التقليد عند الفقهاء والأصوليين, لأن موضوعي عن التقليد الذي يعني التبعية, الذي نهينا عنه في الآيات والأحاديث.
- يقول الدكتور. ناصر العقل في كتابه التقليد والتبعية: "والمقصود بالتقليد الأعمى بالنسبة للمسلم: ما سلكه المسلمون من غير إدراك ولا وعي, ولا تمحيص من اتباع الكفار, والأخذ منهم, والتشبه بهم في شتى ألوان الحياة, وأنماط السلوك والأخلاق, وأشكال الإنتاج في الاعتقاد والتصور, والفكر, والفلسفة والسياسة, والاقتصاد, والأدب, والفن, والثقافة, والنظم والتشريع, من غير اعتبار للعقيدة والشريعة, والأخلاق الفاضلة, ومن غير إلزام للمنهج الإسلامي الأصيل"([16])
المطلب الثاني
الفرق بين التقليد والاتباع وأقسام التقليد
أولا: الفرق بين التقليد والاتباع:
الاتباع أن تأخذ وتعمل بحجة ودليل, والتقليد أن تعمل بقول الغير من غير دليل ولا حجة, فيتفقان أن كلا منهما أخذ وعمل بقول الغير, ويفترقان في أن التقليد أخذ وعمل بغير دليل وحجة, والاتباع أخذ وعمل بدليل وحجة.
- يقول الشنقيطي: فالأخذ بقول النبي e أمر بالإجماع لا يسمى تقليدا, لأن ذلك هو الدليل نفسه, ولم يخالف في جواز التقليد للعامي إلا بعض القدرية, والأصل في التقليد قوله تعالى: ﴿ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾ (التوبة: ١٢٢), وقوله تعالى:" ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾(ال نحل:٤٣("([17]).
- وقد بوب ابن عبد البر([18]) في جامع بيان العلم وفضله بباب: فساد التقليد ونفيه, والفرق بين التقليد والاتباع, وقال: "ذم الله تبارك وتعالى التقليد في غير موضع من كتابه، فقال: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 31] ([19]).
- وقال أبو عبد الله بن خويز منداد البصري المالكي([20]): التقليد معناه في الشرع الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه, وهذا ممنوع منع في الشريعة, والاتباع ما ثبتت عليه حجة([21]).
- وقال المزني([22]) رحمه الله: "يقال لمن حكم بالتقليد: هل لك من حجة فيما حكمت به ؟, فإن قال: نعم, أبطل التقليد, لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد, وإن قال: حكمت فيه بغير حجة, قيل له: فلم رقت الدماء, وأبحت الفروج, وأتلفت الأموال, وقد حرم الله ذلك, قال الله عز وجل: ﴿قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [يونس: 68] ([23]).
- وقال أبو عبد الله بو خويز في موضع آخر: والاتباع في الدين مسوغ, والتقليد ممنوع" ([24]).
- وقال ابن قيم الجوزية([25]): "وقد فرق أحمد بن حنبل بين التقليد والاتباع, فقال أبو داود: سمعته يقول: الاتباع أن تتبع الرجل ما جاء عن النبي e, وعن أصحابه, ثم هو من بعد في التابعين مخير"([26]).
وهذا يبدوا واضحا في العالم الإسلامي من التقليد للغرب في أكلهم وشربهم, ولباسهم, وأعيادهم مع الأسف دون مراعاة للقيم الإسلامية, حتى صار المتبع لسنة النبي e في نظر هؤلاء متخلف ومتحجر وغير ذلك من الألفاظ والعبارات التي يقولونها, ولا حولا ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
ثانيا: أقسام التقليد:
قسم العلماء التقليد إلى قسمين هما:
أولا: التقليد المذموم, أو الأعمى, أو المحرم, والذي نحن بصدده.
ثانيا: التقليد المحمود, أو الجائز.
أما التقليد المحرم, فينقسم إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول: تقليد الآباء إعراضا عما أنزل الله تعالى, كحال المشركين في زمن النبي e, قال الله تعالى: ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﴾ [البقرة: 170]", وروى ابن عباس م قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ e الْيَهُودَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَرَغَّبَهُمْ فِيهِ، وَحَذَّرَهُمْ عِقَابَ اللَّهِ وَنِقْمَتَهُ، فَقَالَ لَهُ رَافِعُ بْنُ خَارِجَةَ وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ: بَلْ نَتْبَعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ وَخَيْرًا مِنَّا! فأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتِّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أُولَو كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ ([27]), "يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ: فَكَيْفَ أَيُّهَا النَّاسُ تَتَّبِعُونَ مَا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ فَتَتْرُكُونَ مَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ رَبُّكُمْ، وَآبَاؤُكُمْ لَا يَعْقِلُونَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْئًا، وَلَا هُمْ مُصِيبُونَ حَقًّا، وَلَا مُدْرِكُونَ رُشْدًا؟, وَإِنَّمَا يَتَّبِعُ الْمُتَّبِعُ ذَا الْمَعْرِفَةِ بِالشَّيْءِ الْمُسْتَعْمَلَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، فَأَمَّا الْجَاهِلُ فَلَا يَتَّبِعُهُ- فِيمَا هُوَ بِهِ جَاهِلٌ- إِلَّا مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا تَمْيِيزَ"([28]).
النوع الثاني: تقليد من تجهل أهليته للأخذ بقوله.
النوع الثالث: التقليد بعد ظهور الدليل على خلاف قول المقلد([29]).
ودليل النوع الثاني: قول الله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ [الإسراء: 36], ودليل النوع الثالث: قول الله تعالى: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 31]
وهذا القسم من التقليد سنذكر الأدلة على ذمه ومحارته من السنة النبوية.
القسم الثاني: التقليد المحمود.
المبحث الثالث
أسباب التقليد الأعمى
يظهر التقليد الأعمى جليا في بعض أفراد الأمة في عصور ضعفها ووهنها, وذلك أن الإعجاب والانبهار بالقوي وحضارته, كما حدث للمسلمين في عصر التتر, وما أشبه اليوم بالبارحة, فقد ضعفت الأمة في إيمانها, ووهنت قوتهم, فهزموا أمام عدوهم, فبرز نجم التقليد الأعمى لهم.
أهم أسباب التقليد الأعمى:
أولا: الإعجاب والانبهار بالغرب, والكفار في أعيادهم وحضارتهم:
ومثال ذلك ما يقع اليوم من احتفال عيد ما يسمى (بالكريسماس) عيد رأس السنة الميلادية من توزيع للهدايا والاحتفال في شجرة عظيمة عليها أنوار, ولبس ما يسمى باب نويل, الذي يوزع الهدايا على الأطفال لكسب قلوبهم.
سئل ابن تيمية : عمن يفعل من المسلمين مثل طعام النصارى في النيروز وسائر المواسم مثل: الغطاس والميلاد وخميس العدس وسبت النور, ومن يبيعهم شيئا يستعينون به على أعيادهم, أيجوز للمسلمين أن يفعلوا شيئا من ذلك أم لا؟.
فأجاب: "الحمد لله, لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم, في شيئ مما يختص بأعيادهم, لا من طعام، ولا لباس, ولا اغتسال, ولا إيقاد نيران, ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة, (كجعله يوم عطلة) أو غير ذلك, ولا يحل فعل وليمة, ولا الإهداء, ولا البيع بما يستعان به على ذلك, لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان, ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد, ولا إظهار زينة"([30]).
وروى البيهقي بإسناد صحيح في باب كراهية الدخول على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم, والتشبه بهم يوم نيروزهم, ومهرجانهم عن عطاء بن دينار عن عمر بن الخطاب t قال: لا تعلموا رطانة الأعاجم, ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخط يتنزل عليهم"([31]).
وعليه فإن ما يفعله الشيعة من الاحتفال بالنيروز, وأنه يوم مقتل عثمان t, وتقررت الخلافة في هذا اليوم لعلي t, أمر منهي عنه, وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو، قَالَ: "مَنْ بَنَى فِي بِلَادِ الْأَعَاجِمِ فَصَنَعَ نَوْرُوزَهُمْ وَمِهْرَجَانَهُ مْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ([32]), وأما ما يروى أنه جاء رجل إلى علي t وقال: يا أمير المؤمنين, هذه هدية, فقال ما هذه الهدية ؟ قال: هذا يوم النيروز, فقال علي: فاصنعوا كل يوم فيروزا([33]).
حيث غير الاسم, ولم يرض أن يشابههم, حتى في الاسم, وقال: فاصنعوا كل يوم فيروزا, وأراد بذلك: أي حتى تنتفي المشابهة, والمشاركة في عيدهم, لا كما يظنه الجهال أنه إقرار منه, يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "مشابهتهم في بعض أعيادهم, توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل, وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص, واستذلال الضعفاء"([34]).
ثانيا: عدم وجود القدوة (المثل الأعلى):
ينظر الناس في هذه الأيام إلى قدوة بعد هجر السنة واتباع أهل الجحيم من النصارى, واليهود والمشركين, فالقدوة الحسنة هي الركيزة في المجتمع وهى عامل التحول السريع الفعال, فالقدوة عنصر مهم في كل مجتمع, فلقد أمر الله نبيه محمدا e بالاقتداء, فقال: أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده. فالقدوة هي إحداث تغيير في سلوك الفرد في الاتجاه المرغوب فيه عن طريق القدوة الصالحة, وذلك بان يتخذ شخصا ن او أكثر يتحقق فيهم الصلاح ليتشبه بهم, ويصبح ما يطلب من السلوك المثالي امرا واقعيا ممكن التطبيق, قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.(الأح اب: ٢١)
ومما يدل على القدوة الحسنة قوله e: "اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ".
ثالثا: الجهل بالدين وظهور رؤوس جهال يفتون دون علم:
من أهم الأسباب التي تؤدي إلى التقليد الأعمى الجهل بالدين, واتباع رؤوس جهال يفتون بغير علم, فيضلون, ويضلون.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"([35]).
رابعا: الإعلام:
مما لاشك فيه أن الإعلام يسمى بالسلطة الرابعة, بل إن شئت أن تقول: إنه السلطة الأولى في هذا الزمن, حيث يلبس على الناس, ويضلهم, فيظهر المعروف منكرا, والمنكر معروفا, ويزخرف لهم عملهم, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ e: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ»([36]).
خامسا: الفراغ:
الفراغ قاتل للإنسان، ذلك أن يفسده ويهلكه, فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ م، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ e: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ"([37]), ولله در أبي العتاهية حين قال: إن الشباب, والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
يتبع