فضل الأم
إبراهيم عبد العزيز السمري




رِيَاضَ الشِّعْرِ جُودِي بِالْمَعَانِي *** وَبِاللَّفْظِ الْمُعَطَّرِ بِالْبَيَانِ



وَبِالبَحْرِ الطَّرُوبِ فَلاَ تَضِنِّي *** عَلَيَّ فَلَيْسَ يُسْعِفُنِي جَنَانِي


وَصُوغِي لِي مِنَ الأَفْكَارِ بِنْتًا *** أَفُضُّ بِهَا مَغَالِيقَ الأَمَانِي


وَهَاتِي لِي مِنَ الأَنْوَارِ فَيْضًا *** لِيُرشِدَنِي إِلَى دُرَرِ الأَغَانِي


لَعَلِّي يَا رِيَاضَ الشِّعْرِ أَحْظَى *** بِأُغْنِيَةٍ تَدُورُ مَعَ الزَّمَانِ


تُمَجِّدُ فِي البَرَايَا "فَضْلَ أُمٍّ" *** يُقَصِّرُ دُونَ رُتْبَتِهِ لِسَانِي


سَرَى مِنْ ذِكْرِهِ فِي الأُفْقِ لَحْنٌ *** فَهَيَّجَ قَلْبَ صَدَّاحِ الْمَغَانِي


وَغَرَّدَتِ البَلاَبِلُ صَادِحَاتٍ *** وَعَمَّ الكَوْنَ فَيْضٌ مِنْ أمَانِ


فَمَا عَجَبٌ إِذَا مَا قُمْتُ أَشْدُو *** بِأُغْنِيتي لِيَنْبُوعِ الْحَنَانِ


أَبُثُّ لَوَاعِجَ الأَشْوَاقِ فِيهَا *** وَأَبْنِي الشِّعْرَ مُؤْتَلِقَ الْمَعَانِي


أَلَيْسَ بِبِرِّهَا أَوْصَى إِلَهِي؟! *** أَلَيْسَتْ فِي الوَرَى رَمْزَ التَّفَانِي؟


وَفَضْلُ الأُمِّ يَعْلُو أَيَّ فَضْلٍ *** إِذَا أَحْصَيْتَهُ فِي كُلِّ شَانِ


أُسَائِلُ مُهْجَتِي عَنْهَا أَجَابَتْ: *** هِيَ الرَّحَمَاتُ لاَحَتْ لِلْعِيَانِ


هِيَ البَحْرُ الْمَلِيءُ بِكُلِّ غَالٍ *** نفِيسٍ غَارَ مِنْهُ الأَصْفَرَانِ


هِيَ البَدْرُ الْمُطِلُّ بِنَاظِرَيْهِ *** عَلَى الآفَاقِ يَلْمَعُ كَالْجُمَانِ


هِيَ الأَنْسَامُ رَقَّتْ فِي بَهَاءٍ *** وَزَانَتْ ثَوْبَهَا بِالأُقْحُوَانِ


هِيَ الْمَاءُ الزُّلاَلُ لِكُلِّ صَادٍ *** هِيَ الأَمَلُ الضَّحُوكُ لِكُلِّ عَانِ


أَرَاهَا نَخْلَةً بَسَقَتْ وَجَادَتْ *** وَلَمْ تَعْبَأْ بِأَغْيَارِ الزَّمَانِ


تَحَدَّتْ فِي شُمُوخٍ كُلَّ رِيحٍ *** وَآتَتْ أُكْلَهَا فِي كُلِّ آنِ


حَبَتْنِي عَطْفَهَا مُذْ كُنْتُ طِفْلاً *** وَفَاضَتْ بِالْمَحَبَّةِ وَالْحَنَانِ


وَرَغْمَ الفَقْرِ كَمْ جَادَتْ عَلَيْنَا *** يَدَاهَا بِالنَّدَى مَبْسُوطَتَانِ


وَكَمْ سَهِرَتْ تُهَدْهِدُنِي فَأَغْفُو *** عَلَى صَدْرٍ يَئِنُّ بِمَا يُعَانِي


بِجَوْفِ اللَّيْلِ كَمْ قَامَتْ تُصَلِّي *** صَلاَةَ الْخَاشِعِينَ بِلاَ تَوَانِ


تُنَاجِي رَبَّهَا وَالكَوْنُ يُصْغِي *** وَجَادَتْ بالدُّمُوعِ الْمُقْلَتَانِ


دَعَتْهُ فِي الدُّجَى يَرْعَى بَنِيهَا *** يُجَنِّبُهُمْ مَصَائِبَ كُلِّ جَانِ


وَيُرْشِدُهُمْ إِلَى سُبُلِ الْمَعَالِي *** وَيَمْنَحُهُمْ طَرِيقًا لِلْجِنَانِ


أَلاَ مَا أَعْظَمَ الشِّيَمَ العَوَالِي! *** وأَجْمِلْ بِالتَّحِيَةِ وَالتَّهَانِي!


صَبُورٌ لاَ تُزَلْزِلُهَا الدَّوَاهِي *** رَؤُومٌ قَدْ عَلَتْ فَوْقَ العَنَانِ


لَهَا مِنْ ذِي الجَلاَلِ عُهُودُ قُرْبٍ *** وَحَبْلٌ فِي الوِلاَيَةِ غَيْرُ وَانِ


تَرَاهَا حِينَ يَعْصِرُهَا حَنِينٌ *** عَلَى وَلَدٍ يَغِيبُ عَنِ الْمَكَانِ


تُكَتِّمُ حَسْرَةً بَلَغَتْ مَدَاهَا *** وَحِينَئِذٍ يَمِيدُ الْخَافِقَانِ


يَعُودُ لِوَكْرِهِ بَعْدَ اغْتِرَابٍ *** يَقُولُ لأُمِّهِ: مَاذَا دَهَانِي؟!


رَأَيْتُكِ فِي الفَضَاءِ الرَّحْبِ تَبْكِي *** نَ..صَوْتُكِ فِي ضُلُوعِي قَدْ دَعَانِي


أَتَيْتُكِ لاَهِثًا أَرْجُو رِضَاكِ *** وَأَدْنُو رَاغِبًا فِي ذَا التَّدَانِي


لَكِ العُتْبَى إِلَى أَنْ تَسْتَرِيحِي *** فَإِنَّ رِضَاكِ مَرْقًى لِلْجِنَان