هدايات سورة النساء
أحمد ولد محمد ذو النورين
بطاقة تعريفها:
- اسمها: سورة النساء[1]، واسمها سورة النساء الكبرى[2].
- عدد آياتها: مائة وخمس وسبعون في عدّ الكوفيين، ومائة وستّ وسبعون في عدِّ البصريين، ومائة وسبع وسبعون في عدّ الشَّاميين[3].
- ما اختلف نزولا عن السورة من الآيات: كل آيات السورة مدنية[4].
- ترتيبها نزولا: تعد الثالثة والتسعين نزولا؛ حيث نزلت بعد سورة الممتحنة وقبل سورة الزلزلة[5].
- فضلها: لقد تبوأت السورة مكانة سامقة ومنزلة رفيعة بين سور القرآن الكريم، ومما جاء في فضلها بشكل عام: قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأن السبع الأول التي اعتبر النبي -صلى الله عليه وسلم- آخذها حبرا: ((من أخذَ السبعَ الأُوَلَ من القرآنِ فهو حبرٌ))[6]، وسورة النساء من بين هذه السور. كما أنها من السبعِ الطِّوالِ التي أوتيها النبي -صلى الله عليه وسلم- مكانَ التوراة: كما ورد في حديث واثلةَ بنِ الأسقعِ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أُعطيتُ مكانَ التوراةِ السبعَ...))[7].
ومن الآثار الواردة في فضلها: قول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: ((خَمسُ آياتٍ ما يسرُّني أن لي بِهِنَّ الدنيا وما فيها إحداهنّ: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهونَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكم سيِّئَاتِكُمْ، وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً))(النسا : 31) و(إِنَّ الله لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وإن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ويُؤتِ مِنْ لَدُنْهُ أجْراً عظيماً)[النساء: 40)] و(وَلَوْ أَنْهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاؤوكَ فاستغفروا اللهَ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّاباً رَحِيماً)[النساء: 64) و(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، ويَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء)[النساء: 48)] و(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ، ثُمَّ يَسْتَغْفِر الله يَجدِ الله غَفُوراً رَحِيماً)[النساء: 110)]"[8].
- ظروف نزولها: لقد كانت حياة المجتمعات برمتها مهددة بالتدمير الكلي لما شهدته من ظلام الجاهلية الشرسة الدامس، ولما عرفته من غطرسة هذه الجاهلية التي أصّلت كل انحراف عقدي، ولما تميز به كابوس هذه الجاهلية من إشهاره في وجه مكارم الأخلاق، ولما اتسمت به عنجهية هذه الجاهلية من تكريس لأساليب الاستعلاء والتمييز، ولما طوقت به هذه الجاهلية المجتمع من فوضى فرضت هرجاً في كل أوجه الحياة، فجاء محمد -صلى الله عليه وسلم- بهذا القرآن الكريم لتصحيح العقائد، وإنقاذ الأخلاق، ونشر قيم العدل والمساواة، وضبط حياة الناس بنظام متكامل، فبدأ المجتمع الجديد في المدينة المنورة يجسد هذا التحول الجذري بتطبيقه أحكام القرآن واحتكامه إلى حامل الرسالة، فكان لابد من نزول أحكام تفصيلية شاملة تتناول كافة أوجه الحياة الأسرية والاجتماعية، وتحدد روابط المجتمع وتقيم أود التكافل بين مكوناته، فنزلت سورة النساء مناسبة للجو العام، بعدما بيّنت سورة الفاتحة الصّراط المستقيم، وقدمت سورة البقرة الردّ المفحم على أصحاب الجحيم من المغضوب عليهم، وعرت سورة آل عمران منهاج الضالين، فدعت النساء الجميع إلى الاجتماع على دين الحنيفيّة السّمحة مستهلة بقول الله - عز وجل -: (يَأيُّهَا النّاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُم الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا...)، للتذكير بهدايات السور التي سبقتها، ولتقديم إطار لا لبس فيه لحماية حقوق المستضعفين، وقيادة الناس كافة إلى سبيل مكارم الأخلاق من الصدق والأمانة والوفاء والعدل والتواضع ورعاية الحقوق، وتبصيرهم بحقائق وأحكام وغايات هذا القرآن، وشد عزائمهم لمد يد العون إلى الإنسانية المعذبة لتعبيدها لله وحده وإنقاذها من أتون الضلال ومستنقعات الرذائل بصلاح الأنفس، وأطرها على الحق أطراً لتستقيم على أمر الله- تبارك وتعالى -مسلكا ومنهجا وحياة وواقعا من غير استخفاء ولا مواربة؛ لهذه الأهداف وفي ذلك الظرف نزلت سورة النساء.
مقدمة عامة عن السورة:
تعتبر سورة النساء إحدى طوال السور المدنية التي وردت فيها باقة من الأحكام التشريعية، وقد سميت سورة النساء لكثرة ما جاء فيها من القضايا التي ترتبط بهن بدرجة لم توجد في غيرها من السور، ذلك أنها تحدثت عن أمور هامة تتعلق بالمرأة والبيت والأسرة والدولة والمجتمع، بل تركزت عنايتها لمعالجة كل صنوف الأواصر التي تربط بين مكونات المجتمع البشري كرّوابط القربى وصلات المحرمية التي تكون عن طريق أواصر النسب أو أثداء الرّضاعة أو وشائج المصاهرة أو عرى التّحالف.
وما تلزم مراعاته في كل ذلك من أخوّة الإسلام، أو ما تفرضه العهود في معاملة أهل الذمّة.
قال الإمام السّيوطي -رحمه الله-: "وأمّا سورة النّساء، فتضمّنت أحكامَ الأسباب والرّوابط الّتي بين النّاس على اختلافهم، وهي نوعان: مخلوقة لله ومقدورة لهم كالنسب والصهر ولهذا افتتحت بقوله: (اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) ثم قال: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) فانظر هذه المناسبة العجيبة في الافتتاح وبراعة الاستهلال حيث تضمنت الآية المفتتح بها ما أكثر السورة في أحكامه من نكاح النساء ومحرماته والمواريث المتعلقة بالأرحام، وأن ابتداء هذا الأمر كان بخلق آدم ثم خلق زوجه منه ثم بث منهما رجالا ونساء في غاية الكثرة" [9]، وقد جاءت شريعة الله -تعالى- لتجمعهم كافة على حفظ خمسة مقاصد؛ ألا وهي الدّين، والنّفس، والعرض، والعقل، والمال. على هذا افتتح -تعالى- هذه السورة بالأمر بالتقوى، والحث على العبادة في إخلاص، والأمر بصلة الأرحام، وبيَّن الأسباب الداعية لإقامة ورعاية تلك العلاقات على أسس متينة من التقوى والعدل، حيث إنه -وإن بث البشر في أقطار المعمورة- فقد خلقهم قبل ذلك من نفس واحدة، فهم يرجعون إلى أصل واحد، مما يستدعي عطف بعضهم على بعض، و يستوجب حنو بعضهم على بعض لإشاعة المودة وإفشاء التعاون والمحبة تحت مظلة الدين الخاتم، فجاء الأمر بالتقوى مقرونا بصلة الأرحام والنهي عن قطيعتها، لتأكيد أن لزوم تلك الحقوق، كلزوم القيام بحق الله -تعالى-، ففي هذه السورة يتم تجسيد ملامسة الفطرة الإنسانية في وشائجها وعلاقاتها الفطرية، رسما لمنهج مجتمع فاضل، تحكمه روابط أصيلة وتسيره أوامر رب العالمين بمقتضى الفطرة، قطعا لدابر أي انحراف شهوي، وعلاجا لأي انزلاق شبهي تتقاذفه الأهواء أو تتعاطاه النفوس المريضة؛ لإنقاذ البشر من بهيمية الجاهلية وظلمها المهين وعسفها الجائر، فبينت السورة الكريمة في إطار ذلك ما لليتامى والنساء من حقوق على الأولياء والأوصياء، وما لهم من أهلية التملك والتكسب والحق في الميراث والمسؤولية الزوجية في محيط مجتمع الأسرة الصغير، لتنتقل بعد إحكام وتسديد العلاقات الداخلية للمجتمع الإسلامي إلى آفاق قضاياه الكبرى وعلاقاته مع غير المسلمين من داخل محيطه أو من خارجه، سواء كانوا من طابور النفاق أو كانوا من أهل الكتاب والمشركين، وفي تلك الدائرة كشفت السورة نبذة من تاريخ اليهود مع المرسلين، مبينة ديدنهم في نبذ العهود وتحريف الحقائق والترويج للباطل، لتكشف تهافت ادعائهم فيما زعموه من قتلهم لعيسى -عليه السلام-.
وبنظرة شاملة إلى السورة يتبين أنها سلكت سبيل التدرج في التغيير عندما يتعلق الأمر أو النهي بعادة أو تقليد، أو بوضع اجتماعي معقد؛ لأن الإسلام في مثل ذلك طابعه التريث وأخذ المسائل باليسر والرفق والتدرج، وتهيئة الظروف الواقعية التي تيسر التنفيذ والطاعة، فالإصلاح المتعلق بالعادات والتقاليد كمعاقرة الخمر ومزاولة الميسر ينهج القرآن فيه مبدأ تحريك الوجدان الديني والمنطق التشريعي في نفوس مستقبلي الخطاب، كما يستثير عقولهم لتقارن بين المضار والمفاسد، فيتضح لها أن الإثم في الخمر والميسر أكبر من النفع فتقتنع أن تركهما هو الأولى، وتلك هي طبيعة الرسالة المتدرجة في تعاليمها من الأسهل إلى السهل، ومن السهل إلى الصعب، ومن الكليات العامة إلى التفصيلات الجزئية.
أما إذا كانت المسألة مسألة توحيد وشرك فإن القضية يمضي أمرها منذ اللحظة الأولى، في ضربة جازمة لا تردد فيها، ولا مجاملة ولا لقاء في منتصف الطريق. لأن الأمر متعلق بقاعدة أساسية للمنهج، لا يصلح إيمان إلا بها ولا يقوم إسلام إلا عليها.
من أهم محاور السورة:
- في إطار تنظيفها للمجتمع من أدران الشرك بينت السورة أن الدينونة لله وحده لا شريك له: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة...).
ثم تعرضت لقضايا المرأة فأعلت شأنها وصانت كرامتها، وأوجبت حقوقها في الرعاية بإحسان والتربية بعناية، وفرضت لها المهر والميراث والعشرة بعدل: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن... ميثاقا غليظا)، ولكنها أبقت ما كان معمولاً به في المجتمع العربي من مكارم الأخلاق كالتكافل والعَقْل وفداء الأسير وحفظ الجوار، مواكبة للفطرة والطبع البشري في مختلف العصور والبيئات.
- واعتبارا منها لروافد العلاقات الاجتماعية وتقوية منها لروابط القربى فصلت السورة نظام المواريث بشكل يحقق عدالة الإسلام ويقيم أسس المساواة، ويراعي وشائج المجتمع: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين...)، وبينت في الموضوع نفسه سبل المحرمية والتحريم من رضاع ومصاهرة ونسب: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم...).
- إن فهمنا للقرآن يجعلنا نتبين مسيرة هذه الحياة و نواميسها، ذلك أن القرآن هو الدستور الشامل الذي ارتضاه الله -تعالى- للناس كافة حتى قيام الساعة، ذلك ما نجده في هذه السورة التي سمت بالعلاقات الزوجية إلى أرقى المستويات بعيدا عن البهيمية الشهوانية، لتجعل منها رباطا يجمع القلوب قبل الأجساد، وميثاق عشرة تحتضنه المحبة، ووشيجة تناصح وعطاء، تقوم على قوامة مبناها على أداء الحقوق من غير استعلاء ولا استعباد.
- لقد قدمت السورة نمطا فريدا للإحسان، موضحة أن أعظم أسبابه دلالة وأكثرها تأثيرا وديمومة تعاون يحيطه التكافل، وتراحم يطبعه التسامح والتناصح، وأمانة يقودها العدل: (وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه...)(واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا...)، فإن شيدت علاقات المجتمع على هذا المنوال لم تعرف عُراها تصدعاً ولم تشهد مواثيقه انفكاكاً، ولم تجد الشحناء إليه سبيلا، رغم زخم وتنوع الأحداث وتجدد الوقائع..
- تضمنت السورة تربية جادة للمؤمنين تجعلهم مجبولين على تلقي شريعة الله -تعالى- بكل استسلام وقبول: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)، فليست كليات الشريعة أجدر بالاتباع ولا أصولها أولى بالتطبيق من فروعها وجزئياتها، إذ هي كل لا يتجزأ، لا تستثني نصوصها شيئاً لا يدخل في الاستسلام، الذي هو شعار المؤمنين: (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا... ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين...)، وتجسيداً لتلك الشمولية أتبعت معالجتها للقضايا الداخلية للمسلين بنموذج للإصلاح الخارجي بما يكفل حفظ الأمن لأمة الإسلام ويبث في ربوعها الهدوء والاستقرار، ويجعلها مؤهلة لصد عدوان أعدائها متى ما توجست منهم خطراً: (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثباتا أو انفروا جميعا...).
وفي إطار ذلك قدمت السورة جملة من القواعد المحددة لنظام تعامل الجيش والدولة الإسلاميين مع الأعداء والأصدقاء في السلم والحرب: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا..... وترجون من الله ما لا يرجون..).
- حرضت السورة على الجهاد في سبيل الله -تعالى- لقطع دابر المشركين واستئصال شأفة المجاهرين بالعداوة والوقوف في وجه الدعوة الإسلامية: (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب...)، وفي مقابل ذلك شنت السورة هجوماً لاذعاً على نابتة السوء ومحور الشر ممثلاً في أهل النفاق، الذين طفقت تحذر من مكائدهم ودسائسهم: (ألم تر إلى الذين قيل كفوا أيديكم... ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا... فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول...)(الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم... إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا)، كما فعلت بأسيادهم من اليهود الذين أعلنوا الحرب على الله ورسله: (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك... وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما).
- وجهت السورة بعضا من اللوم والعتاب والوعيد لمن رضوا بالمهانة والمذلة؛ إذ لم يُظهروا ما يكفي من صدق الاستجابة والاستعداد والصبر أثناء وجودهم في الأماكن التي استوطنوها كما لم يسعوا على الأقل إلى مغادرتها، للتخلص من العسف والظلم الواقع عليهم، ومن مقاصد السورة في ذلك التأنيب أن تشرح بوضوح أن الإسلام بعزته لا يرضى لأتباعه الضعة والنذالة، بل لابد للمؤمن من نفس كريمة وشخصية أبية وروح عزيزة من غير استكبار ولا غطرسة: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها...)، فكان هذا النقد الداخلي لمراجعة المسلمين لأنفسهم ومحاسبتهم لها ومكاشفتهم بما ينبغي أن يكون: (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة...).
- وتعرية من السورة لضلالات وإفك النصارى، وإبطالا منها لما كان منهم من عبادة المسيح ابن مريم واتخاذه إلها من دون الله، وإحقاقا منها للحق بشأنه بينت السورة زيف وتناقض العقيدة النصرانية، التي أله أصحابها المسيح -عليه السلام- ثم ادعوا أنهم قتلوه وصلبوه، فهل يكون إلها من يقتل أو يصلب ؟ وعلى أي -ورغم كونه عبدا لله تعالى- فقد نفى القرآن عنه القتل والصلب: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)؛ لتعرف به وتبين من هو (إنما المسيح عيسى... لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله..).
من هدايات السورة(فوائدها):
* افتتح الله -تعالى- هذه السورة بتذكير الناس بأصل خلقتهم من نفس واحدة: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة...)، ليكون ذلك أدعى لتعاونهم وتراحمهم حين تتشابك وشائج النكاح والإرث وتترتب الحقوق، فاتحاد أصلهم من شأنه أن يرسخ المعاني الشرعية لأحكام الأسرة من رضاع ونسب ومصاهرة، وفي الإطار التطبيقي لذلك نوهت السورة الكريمة بقيمة التكافل داخل منظومة المجتمع الإسلامي، حتى أضافت أموال اليتامى إلى الأوصياء: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم..)؛ لتبين أنهما مشمولان بدائرة المجتمع الواحد وأن تبذير تلك الأموال وإضاعتها يعود ضرره على المجتمع بصفة عامة، كما أوضحت السورة أن الله -تعالى- أرحم بعباده من أمهاتهم وآبائهم، وتجلى ذلك في مطلع السورة عند ربط تقوى الله -تعالى- بالأرحام: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام)، كما اتضح في وصيته جل شأنه للوالدين بالأولاد: (يوصيكم الله في أولادكم...).
* وتربية من الله -تعالى- لهذه الأمة على الخلق الرفيع والأدب الكامل تكني السورة عن الجماع بالإفضاء: (وقد أفضى بعضكم إلى بعض)، والاستمتاع: (فما اسمتعتم به منهن)، على خلاف ما ذهب إليه الشيعة من استحلال الفاحشة بتأويل هذه الآية لتسويغ نكاح المتعة الذي ثبت تحريمه بالسنة، كما جاء في حديث علي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحُمر الإنسية [10].
وعلى ذلك انعقد الإجماع [11]، ولا يستغرب مثل هذا الشطح من الإمامية الجعفرية الذين دأبوا على معارضة النصوص وتكذيبها، كما جبلوا على حب الشذوذ عقيدة ومعاملة، وألفوا مصادمة الفطرة السليمة، إذ يـأتون النساء في الأدبار من طريق الغائط، ويوصلون الطلاق تسعا والزواج عند بعضهم تسع [12].
* سعياً منها إلى تمتين الروابط الأسرية وتقوية العلاقات الاجتماعية جعلت السورة الكريمة الإصلاح مطلبا والتوافق هدفاً: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما)، ولم تشر الآية هنا إلى التفريق لما فيه من شتات وخراب، ولما يتوجب على الحكمين من لزوم بذل الجهد لتحقيق الإصلاح؛ بل جعلت السورة الصلح قرين الخيرية: حيثما وجد وجدت: (والصلح خير).
يتبع