السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أ. أريج الطباع، أرجو أن تجيبيني أنتِ على سؤالي:
أنا طالبةٌ جامعيَّة، أحبُّ أستاذةً مِن أستاذاتي، تَشغل بالي كثيرًا كثيرًا، هي تعلم أنِّي أُحبُّها مع أنَّني لم أُخبرْها بذلك إلاَّ مرَّة واحدة في رسالة على جوال، أخبرتها: إنِّي أُحبُّكِ في الله.

ردَّتْ عليَّ: أحبَّك الله الذي أحببتني فيه.

نتبادلُ أنا وهي رسائلَ الجوال، دِينيَّة، دعاء أو ما شابه ذلك، بنسبة 3 : 2؛ يعني: في كلِّ 3 رسائل أرسلها تردُّ عليَّ برسالتَين، ليس في يوم؛ ولكن النسبة مجملة في عدَّة أيَّام، مثلاً في الشَّهر لو أرسلت لها 30 تردُّ عليّ بـ20، مع العِلم أنَّها لم تدرس لي، ولن تُدرِّس لي.

وأشعر أنَّها تعرف أنِّي أُحبُّها لأنِّي دائمًا أصافحها، ومرَّة أحضرت لها هدية، ودائمًا أقضي لها حوائجَها، أو أحبُّ أن أقضيَ لها حوائجَها؛ لكن الذي تعرفه عني أنِّي إنسانة محترمة؛ لأنِّي معها رسميَّة، حتى لو اشتقتُ إليها، فمستحيل أن أقول لها.

باختصار، لا أُخبرها بمشاعري، ولكن ما أَتصرَّف به أحسُّ أنَّه واضح، كنت أحسبُ أنَّ حبِّي لها في الله؛ ولكنِّي أرى من نفسي تصرُّفاتٍ غير ذلك، فمثلاً دائمًا أُفكِّر أنَّها تُقبِّلني، أنَّها بجانبي، أنَّها تحضنني، ومِن قَبيل هذه الأفكار الضالة، لكن أحسُّ أنَّ هذا عيبٌ، ولكن ليس عندي رادعٌ، لا أدري ماذا أفعل؟! مع أنَّها إنسانةٌ محترمة جدًّا، ومع أنَّها ليست متزوِّجة، إلاَّ أنِّي أحسُّ أنَّها مؤدَّبة جدًّا جدًّا.

الذي أبغيه منك إخباري ما الحل؟ حتى أنتبه لنفسي، تصرفاتي، صلاتي، لا أريد أن أفكِّر فيها مطلقًا، لكن لا أقدر، وما أدري لماذا أحسُّ إحساسًا غريبًا؟

مع أنِّي أدعو لها في كلِّ صلاتي، هي ووالدي ووالديها، وأن يجمعني الله بها في الفردوس الأعلى.

لكن إذا لم أرَها، وأمزح معها، أبكي، واللهِ أموت من القهر، حتى حينما أعلم أنَّها خارجة من الجامعة، قد انتهى دوامها، أحزن حزنًا شديدًا، فأشعر أنَّ وجودَها مصدرُ أمان، فلا أدري ما العلَّة؟

مع العِلم أن أبي وأمي على قيد الحياة، ويُشعراني بالدِّفء والحنان، وأعيش معهما في رفاهية، ولكن!!!

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
أشكرك على ثقتك بي، وأرجو أن تجدي ضالتَك بين سطوري.
رائعٌ أنَّك لمستِ المشكلة، وحريصة على البحث عن حلٍّ لها.

هذا يدلُّ على أنَّك إنسانةٌ ناضجة، حريصة على نفسها، وواعيةٌ أيضًا بما يجري بداخلك، وإن كنت لا تَملكين له تفسيرًا بعدُ، وأتوقع أنَّ هذا ما يحيِّرك إضافة لقوَّة مشاعرك الغريبة.

عزيزتي، أنت تَمُرِّين الآن بمرحلة تحتاج فيها أيُّ فتاة شكلاً جديدًا من أشكال العاطفة، مهما كانت مستقرَّة ببيت أهلها، ومهما كانت محبَّتُهم لها، إضافةً لمشاعر الصداقة والحبِّ التي نَحظَى بها في حياتنا بشكلٍ تلقائي.

لكن كلُّ فتاة تحلم بفارس أحلام، تُكمل حياتَها معه ولا يُفارقها، وتستمد أمانَها من حضنه وقُرْبه، فهل أنت ككلِّ فتاة في مثل عُمرك؟ أو أنَّ لديك أسبابًا تُعيقكِ عن هذه الأحلام؟

كوني صادقةً مع نفسك؛ لنصلَ لعُقدة المشكلة معًا، فما تُعانينه يعني أنَّك سددتِ منفذَ عاطفة تحتاجها كلُّ فتاة، وقد لا تكونُ الفرصة قد أتتكِ، فهذا طبيعي؛ قد تتأخَّر الفُرص على كثيرات، لكن يظهر أنَّك سددتِ المنفذَ أصلاً، ولا تفكِّرين في الزَّواج بطريقة إيجابيَّة أو بالشباب حاليًّا، فهل أنا مصيبة في اعتقادي؟

عزيزتي، حينما نخافُ من انحراف مشاعرنا، فعلينا أن نبحثَ عن السبب الحقيقيِّ عوضًا عن التركيز عليها؛ لأنَّ التركيز عليها سيجعلها تأخذُ أكبرَ من حجمها.

وللحبِّ أشكالُه الرائعة، وكلُّها نحتاجها في حياتنا.

نحتاج بدايةً حبَّ الله، والثِّقةَ به، واستشعار ما يَعنيه ذلك من خضوع وخشوع وطاعة.

ونحتاج أن نحبَّ أُسرتَنا، ونحبَّ أهلنا، ونحبَّ مَن ينتمون لنا حبًّا يُشعرنا بالدفء والحنان والسَّكن، ونشعر بالأمن لوجودنا معهم.

ونحتاج أن نحبَّ الصديقاتِ، ونمسكَ بأيديهنَّ لننطلقَ معًا، ونشعرَ بقوة دعمهنَّ وتعاطفهنَّ معنا، ونبنيَ للحياة بهجتها معًا، ونشعر بالأمن أنَّ بالدنيا مثلَهم.

ونحتاج أن نحبَّ قدوةً حكيمة، نثق بها ونستشيرها في أمورنا، ونشعرَ باهتمامها بنا، وحِرْصها علينا، ونَشعر بالأمن أنْ وجدنا مَن يُعيد لنا ثقتَنا.

ونحتاج أن نحبَّ أزواجًا تندمج حياتُنا بحياتهم، ويرتبط مستقبلُنا معًا، ونشعر بالأمن لقُرْبهم منَّا، وامتزاجنا معهم، ويُصبحون جزءًا منَّا، ونصبح جزءًا منهم.

لا تُركِّزي كثيرًا على مشاعرك مع مُعلَّمتك هذه – حبيبتي - ركِّزي على الإيجابي منها، ووظِّفيه إيجابيًّا، بأن توجِّهيه بحبٍّ يرضيك، وتساعدي نفسَك لتَرْقَي وتُعبِّري عن حبِّك بتلقائية.

لكن قبلَ ذلك فكِّري في نفسك: هل لك حلم بزوج؟ وكيف تتمنينه أن يكون؟ وهل أنت من النَّوع الذي يُغلِق منافذَ الأحلام حينما تتأخَّر؟

حينما نُغلقه لا يَعني ذلك أن نُدخل أحدًا آخرَ من هذا المنفذ؛ يعني: فقط أن نبقيَه مغلقًا رَيْثما يأتي صاحبُه لدخوله، هل فهمتني، عزيزتي؟

ويَبقى الأمرُ الآخر، وهو مشكلة التعلُّق، فأحيانًا لا تكون مشاعرُنا منحرفةً بالشكل، لكن يكون ارتباطنا بالشَّخص مبالَغًا يفوق ارتباط البَشر؛ ولذلك يُتعبنا، هنا عليك أن تنتبهي كثيرًا، وأن تَستعيني على نفسِك بقُربك من الله، فحينما تتعلَّق قلوبُنا به، فلن يكونَ هناك مكان للتعلُّق بأحدٍ من خلقه، أليس كذلك؟!

لم تُخبريني عن طبيعتك، وعن نظرتك لنفسِك، وهل تُحبِّينها وتهتمين بها أيضًا؟

أرجو أن تفعلي ذلك، وأن تكونَ نفسك أوَّلَ الناس الذين تفكِّرين فيهم.

ليس تفكيرًا أنانيًّا بالطبع ما قصدته؛ لكن ما قصدتُه هو أن تفكِّري في نفسك؛ ما الذي ينفعها بآخرتِها قبلَ دُنياها؟ وكيف تزرع بالدنيا لتحصدَ بالآخرة؟

فلا تجعلي شعورًا واحدًا يُسيِّطر عليك، بل وزِّعي مشاعرك، واهتمِّي أن تضعي خطَّة لنفسك؛ لتَصلِي بها لطموحك ولأهدافك التي تُوصلك للجَنَّة - بإذن الله.

وأثق - بإذن الله - أنَّك وقتَها ستجدين لذَّةً مختلفة، وستجدين الحبَّ يتفجَّر بداخلك بطريقة مريحة لا تُتعبك، وتفيض لتملأَ الدنيا ضياء - بإذن الله.

المهمُّ، أعيدي ترتيب حياتك، ولا تركِّزي كثيرًا على هذه المشاعر، وسيأتي اليوم الذي تخفُّ به - بإذن الله - المهمُّ أن تعالجي الأسبابَ التي أدَّت لتأجُّجها من سدٍّ للمنافذ الأخرى، وعدم شُغل لقلبك، فالغُرف الفارغة يسهُل السيطرة عليها، بعكس الغُرف الممتلئة؛ تَفيض حبًّا، وتحبُّ الجميع؛ لكنَّها لا تتعلَّق بسهولة.

واملئي قلبَكِ وحياتك بذِكْر الله وحبِّه، استعيني على ذلك بكثرة الاستغفار والدعاء، والمحافظة على الوضوء، ومارسي التشتيتَ كلَّما عرضتْ إليك أفكارٌ لا تُريحك، لا تركِّزي عليها وشتِّتي تفكيرك، تمامًا كما نفعل مع الأطفال حينما نحتاج أن نَصرِف نظرهم عن أمرٍ ما.

وبالتأكيد مع معلَّمتِكِ حاولي أن تركِّزي على الجانب الرائع الحقيقي في حبك لها، وعبِّري عنه بتلقائية، واحرصي أن تكون علاقةً مثمرة إيجابيَّة، تستفيدين بها من خبراتها وحِكمتها، وتشاركينها دونَ أن تشوبَ علاقتُك بها ما يُعكِّر صفْوَها.

وفَّقك الله، وأسعدك في الدارين.