لا تهمزوا المشايخ
بدر بن علي العبد القادر



مما حفزني للكتابة في هذا الموضوع كثرة الأشباه والنظائر واتخاذ (بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) على الرغم من اللغط، وعدم تكافؤ الدعاوى والدعاوى إن لم يقيموا عليها * بينات أصحابها أدعياء
يمتد الغمز واللمز والهمز وبخاصة إذا قوي المرتاب بارتيابه، فرد المسيئين لغيرهم يتصل، والأذية تمتد لتصل إلى المبادئ، ولذلك يجب على صاحب اليقين ألا يضعف بيقينه، وإذا كان المُجادِل صاحب علم وحق، لم يهتد إليه، فمن واجب المُجادَل أن (يهديه سواء السبيل) وإذا كان مغرضاً ومتربصاً ومنتهزاً للفرص، ومستغلاً للأوضاع، وعاشقاً للأضواء فالواجب الأخذ على يديه حتى لا يَضِلَّ ويُضل، إن من يغمز في العلماء، أو يستهزئ بهم لا يخلو من كونه يستعذب إثارة الرأي العام، وشد الانتباه، والخوض في المسلمات دون مصلحة مرجوة، والخطورة أنهم كالمستهمين على السفينة، إن تركوا يخرقون في نصيبهم غرق الجميع، وما أكثر الذين يخوضون في قضايا الدين، ويتجرؤون على الفتيا، وينصبون من أنفسهم قادة فكر، وأهل ذكر، وهم حقيقة لا يعرفون النص واحتمالاته وقواعده، فنجدهم أقل الناس وعيّا بالنواقض والنوازل، ومقتضيات الحياة التي يعيشون فيها، والعصر الذي ولدوا فيه، وما أن تناصحهم وتبين لهم أن الذي قالوه محض افتراء وفرضيات مؤذية، وحكم سريع، وتعد على الثوابت، وتغليب للعاطفة على الحكمة، يحيدون إلى عبارات منمقة، وجمل مرتبة، ومقولات جاهزة كالتجهيل والمداهنة، معولين على رغبتهم في الإصلاح، وما هم بمصلحين، اجتهدوا في تلمس الحكم دون أن يملكوا شرط الاجتهاد ومن اجتهد وهو خالٍ من معرفة، وأعزل من ورع (فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً) ومع أن الدعوة إلى الله سبيل المؤمنين، وأحسن القول، ونعم العمل، فإننا نسمع من يجازف بتقولات غير مسؤولة، وتعميمات غير محددة، ولذلك نراهم يخلطون جاهلين بين المبدأ والتطبيق، فالدعوة مبدأ، والتطبيق ممارسة فعلية لها (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) بعيداً عن التعالي والفلسفة والجدل بعبارات نابية، واتهامات سافرة، ومعلومات ضحلة، وتأويلات بعيدة، والاختلاف في الرأي لا يسوغ القطيعة، مثلما أنه لا يسوغ الوقيعة، والإسلام دين لا يتحقق إلا بالمودة والأخوة والرحمة والتناصح بين المسلمين.
إن الغمز في العلماء حُرِّم بآيات صريحة، وأحاديث فصيحة، وأقوال محكمة لعلماء الأمة الذين يجمعون بين العلم والتجربة، ويمتازون بحسن التصرف وبعد النظر، ويغلبون درء المفاسد على جاب المصالح، وكل ذلك تحت مظلة الاجتماع والاعتصام والتناصح.
أرى خلل الرماد وميض نار * وأخشى أن يكون لها ضرام
وإذا كان الاختلاف بين العلماء حول الأحكام والمفهومات والمقتضيات فكل مجتمع تتعدد فيه الفئات والرغبات والمسلمات، ويقوم بين فئاته اختلاف، والواجب توجيه ذلك الوجهة السليمة، دون استحكام للفوضى، وتغليب للسفهاء (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).
إذا كنا في السابق أوجزنا القول في عدم الخوض في غمز المشايخ وهمزهم، فإن أهل اللغة، وحرسة اللسان لا يجيزون هَمْزَ كلمة (المشايخ) أيضاً؛ لأن حرف الياء أصليٌّ في الكلمة فهي من (شَيَّخ، يُشَيّخ، والجمع: مشايخ ومشيخة، ومشيوخاء و....) وإذا أتينا بالكلمة على وزن (مِفْعَلة) ظهرت (الياء) جلية واضحة (مِشْيخَة) فلا تهمزوا المشايخ وفقكم الله وأغناكم، وأسعدكم ولا أشقاكم.