دور المدرسة في غرس القيم الأخلاقية





د. شيرين لبيب خورشيد


تُعد المدرسة مؤسسةً اجتماعية متخصصة، وهي تؤدي دورًا لا يمكن إغفالُه في ترسيخ القيم التربوية؛ حيث تستخدم طرقًا مباشرة ومقصودة، وذلك بتناول هذه القيم صراحة في مواد الدراسة وشرحها، مع تأكيد ضرورة التمسك بها، ويمكن استخدامُ القصص ومناقشة ما جاء فيها، وأخذ العبر منها، ومعرفة السلوك الحسن الذي جاء فيها والسلوك السيئ للاستفادة من السلوك الطيب، وتجنُّب السلوك السيئ، كما قد تمارس المدرسة الثواب والعقاب والترغيب والترهيب في تعليمها للقيم، كما تستخدم المدرسة العديد من الأساليب لتثبيت بعض أنواع السلوك المرغوب فيه، مثل إظهار الموافقة وتقديم الجوائز، وقد يحدث العكس فيما يتصل بالسلوك والقيم المرغوبة، ومن الأفضل التبكير في غرس القيم والمُثل والمبادئ في نفوس الأطفال، وذلك بضرب الأمثال والقدوة العلمية، وبيان ثمرات القيم، وبيان أضرار مخالفتها وإثارة الطاقات الخيِّرة، ولا بد من التعاون بين الأسرة والمدرسة والمسجد في تحصين الطلاب بالقيم الأخلاقية، ولا يمكن إغفال دور المعلم في غرس القيم بين الطلاب لِما له من أثر عظيم يمكِّنه من إحداث تغيير في سلوكياتهم، بالإضافة إلى أن الطلاب يتأثرون بالسمات البارزة والسلوك المتميز للمعلم، ويتعلمون منه القيم والأفكار، فهو مثلهم الأعلى يقلِّدونه ويحتذون به في سلوكه وتصرُّفاته، فمسؤولية القيم الخلقية وغرسها وتنميتها، تقع على عاتق جميع القائمين على شؤون التربية في المدرسة، بل هي مسؤولية المجتمع بمؤسساته المتعددة، ويمكن للمدرسة أن يكون لها دورٌ بارز في مواجهة انحراف بعض الشباب خلال معالجة هذه الانحرافات، من خلال التربية الخلقية لهؤلاء الشباب التي تهدف إلى إصلاح النفس وسلامة تكوينها، وذلك بتعزيز إيمانهم وفَهمهم الصحيح للإسلام، والتحلي بالأخلاق الحميدة، ويجب على المدرسة أن تحثَّ تلاميذها على ضرورة التمسك بالقيم الخلقية عامة، وأن تؤكد ذلك من خلال برامجها المختلفة وأنشطتها المتنوعة، وجميع الخبرات التي تُقدَّم من خلالها[1]، وأن يتضمَّن محتوى بعض المقررات الدراسية أنواع القصص المختلفة، وذلك من خلال سنوات الدراسة في المراحل التعليمية المتعددة [2].
إن دور المدرسة مكمِّل لدور المسجد ودور الأسرة، وينبغي أن يكون هناك تكامل وتعاون وتنسيق.
إذًا المدرسة تقوم بترسيخ هذه القيم، ويمكن لها أن تقدم نماذجَ حية للسلوك وعرض الأنماط السلوكية المقبولة والاقتداء بها.
وللمعلم دورٌ كبير؛ حيث يحتل مكان الصدارة بين القوى المؤثرة على الناشئين، فهو نموذج حي مؤثر متحرك بينهم، وهنا تبرز أهمية القدوة في التربية، وللمعلم دور كبير في غرس القيم الخلقية، وليس ذلك من وظيفة مدرس التربية الإسلامية فقط، ولا تدرس إلا في حصته، بل إن تنمية القيم الخلقية وغرسها مسؤولية جميع القائمين على شؤون التربية في المدرسة وخارجها، بل مسؤولية المجتمع كله ومؤسساته المختلفة [3].
هل حقَّقت مدارسنا في الوقت الحاضر هدفَ التربية الإسلامية في بناء الأفراد بناءً متكاملًا؟ وإلى أي مدًى تحقَّقت رسالة المسجد الشاملة في مدارسنا الحالية؟ وما الدور الفعلي للمدرسة الإسلامية لتحقيق أهدافها؟
إن المدرسة بوصفها مؤسسة تربوية منظمة لتحقيق التربية الإسلامية بأُسسها الفكرية والعقدية والتشريعية - تهدف إلى تحقيق عبادة الله وتوحيده والخضوع لأوامره وشريعته، وتنمية كل مواهب النشء وقدراته على الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها؛ أي: صون هذه الفطرة من الزلل والانحراف، حذرًا مما حذرنا منه رسول الله عندما قال: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجسِّانه»[4]، وأراد بذلك أن يحذر المربين من انحراف الناشئ عن فطرته، ومن التردي في ضلالات النصرانية، أو المجوسية، والوثنية والإلحاد[5].


[1] علي عبدالحليم محمود، تربية النشء المسلم، المنصورة، دار الوفاء للطباعة والنشر ط2و 1992 م، ص416

[2] سمير عبدالقادر خطاب، التربية الخلقية وأهميتها في حمل الأبناء على البر بالوالدين، دراسة تحليلية لقصص بعض الأنبياء والصالحين، مجلة التربية، كلية التربية، جامعة القاهرة، عدد 52، أكتوبر 1995م، ص274.

[3] سمير عبدالقادر حطب، التربية الخلقية وأهميتها ص274.

[4] رواه البخاري، كتاب: الجائز، باب: إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه، حديث رقم (1358).

[5] عبدالرحمن النحلاوي، أصول التربية الإسلامية وأساليبها، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1399هـ 1979م، ص134 ـ 144.