تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: اسم الله العليم في فواصل آيات التشريع- دراسة قرآنية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي اسم الله العليم في فواصل آيات التشريع- دراسة قرآنية

    اسم الله العليم في فواصل آيات التشريع- دراسة قرآنية



    أ. سامي فلاح محمد طنش[*]

    ملخص البحث:

    تناولت في هذا البحث دراسة اسم الله العليم في فواصل آيات تتضمن أحكام شرعية عملية, وهدفي من ذلك بيان الدور الذي يؤديه هذا الاسم في موقعه دون غيره, وبيان ارتباط الفاصلة بمعنى الآية أو موضوع الآيات في سياق التي وردت فيه, وأثر وجود هذا الاسم لله تعالى على وجدان وسلوك المؤمن بالله تعالى, وقد توصلت من خلال هذه الدراسة؛ أن ملحوظة اسم العليم الدال على ذاته وصفة علمه سبحانه في فاصلة الآية يشعر العبد بعناية الله تعالى بتشريعه الأحكام, وبمراقبة الدائمة له, وتذكره بالثواب والعقاب, ليفعل ما طلب منه حبا لله تعالى وخوفا من عقابه وطمعا بجنته, وأرجو الله أن أكون قد أشرت في هذا البحث إلى صورة من صور التناسق في كتاب الله تعالى بين المعاني والألفاظ, وتأثيرها العجيب على وجدان وسلوك الإنسان المؤمن بالله تعالى.
    Abstract:
    In this research I was study the **** of Allah all-knowing (alim) in the end of verses that include the provisions of the legitimacy, my goal of this statement to explain the role played by this **** in his position without any other, and the relation between the end of verse with the subject of the verses in the context of which contained there in, and the effect of this **** in the behavior of the Muslim. The findings of this study; the note of the **** of Allah all-knowing (alim), cause the Muslim to feel provisions, and permanent control, and remember the punishment and reward, asked him to do the due loving Allah and to reach the paradise and warding off the punishment. I ask God that I have already referred in this search to pictures of coherence in the Quran between meanings and the wording, and the effect of that in the Muslim behavior.
    المقدمة:


    إن من الظواهر القرآنية لمن قرأ وتدبر القرآن الكريم محاولا اكتشاف أسرار المعـــاني للنظـــم القرآني, ومدى التوافق والترابط في المعنى والمبنى في نظمـــه, يرى أن
    كثيرا من الآيات الكريمة اختتمت بأسماء الله الحسنى, وأن من ما يسترعي الانتباه تكرار ذكر اسم الله العليم في عدد ليس بالقليل من الآيات التي تتضمن أحكاما شرعية, فلقد جاء اسم الله العليم كفاصلة قرآنية في ثلاث وعشرين آية, في مواضع وسياقات يتحدث عن أحكام شرعية عملية, فقد ورد اسم الله العلم في آيات تتضمن أحكام تخص النظم الأخلاقية والمالية والأسرية وعلاقة المسلمين بغيرهم وغيرها من الأحكام وهذا يقودنا إلى طرح عدة أسئلة منها:
    ما الدور الذي يؤديه وجود اسم الله الدال على صفة العلم لله في فاصلة آيات الأحكام؟
    ما العلاقة بين الفاصلة القرآنية: اسم الله العليم, ومعنى الآية التي جاءت فيها ؟
    وما أثر الفاصلة القرآنية: اسم الله العليم, ودلالاتها على وجدان وسلوك المؤمن؟
    وللإجابة عن تلك الأسئلة قمت بما يلي:
    1- جمع الآيات القرآنية التي ورد فيها: اسم العليم, والتي تتضمن أحكاما شرعية, وترتيبها حسب موضوعها.
    2- بيان المعنى الإجمالي للآية في سياقها, والإشارة إلى دلالة وجود اسم الله العليم في الفاصلة.
    3- الإشارة إلى الأثر المترتب على وجود اسم الله العليم في فواصل الآيات التي تتضمن أحكاما عملية في وجدان وسلوك المسلم.
    وللإجابة على تلك الأسئلة وتحقيقا لذلك الهدف, فقد قسمت بحثي إلى مقدمة ومبحثين وخاتمة؛ تناولت في المقدمة فكرة الموضوع وإشكالية الدراسة وهدفها, أما المبحث الأول: ففيه مطلبان, الأول في تعريف اسم العليم, والثاني في تعريف الفاصلة القرآنية وبيان أهميتها, أما المبحث الثاني: ففيه تمهيد وأربعة مطالب تحت بعضها مسائل؛ الأول في دراسة اسم الله العليم, في آيات تتضمن توجيهات أخلاقية في سورة النور, والثاني في دراسة اسم الله العليم, في آيات أحكام تشريعية تختص بالأسرة المسلمة, والثالث في دراسة اسم الله العليم في آيات تتضمن أحكاما تشريعية تختص بالمال, وأما آخرها وهو الرابع فهو لدراسة اسم الله العليم في آيات تتضمن أحكاما شرعية تختص بالتعامل مع الكافرين, وبعد ذلك جاءت الخاتمة التي أودعت بها ما توصلت إليه من نتائج ودلالات وملحوظات.
    وأخيرا وليس آخرا فإني لا أدعي العصمة والكمال فهذا جهد بشري, فقد يصيب صاحبه وقد يخطئ, فما كان من خير فبتوفيق الله تعالى وفضله, وما كان من نقص أو خطا فمن نفسي ومن الشيطان, والله تعالى أسأل أن يكون العمل خالصا لوجهه, وأن ينفع الله تعالى به, وأن يلقى القبول, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين.
    المبحث الأول

    تعريف اسم الله العليم وتعريف الفاصلة القرآنية
    وبيان ارتباطها بالآية وبيان أهميتها
    المطلب الأول: تعريف اسم الله العليم
    وقبل تناول تعريف اسم الله العليم, أشير إلى أنه ورد اسم الله العليم في القرآن الكريم مائة وسبعة وخمسين مرة([1]), ومما يجدر ذكره والإشارة إليه أنه ورد أحيانا منفردا, وأحيانا مقترنا بغيره من الأسماء الحسنى في فواصل الآيات, فقد ورد مقترنا مع اسم الله الحكيم ستا وثلاثين مرة, ومع اسم الله الواسع سبع مرات, ومع اسمه السميع ثمان وعشرين مرة, ومع الشاكر مرتين, ومع اسمه الحليم والقدير ثلاث مرات لكل منهما, ومع العزيز خمس مرات, ومع الخبير أربع مرات, ومع اسم الله الفتاح مرة واحدة, ومع الخلاق أيضا مرة واحدة, وهي أسماء لا بد لها من العلم, وهي من جنسه, وجاء مفردا فيما تبقى من العدد([2]).
    وحتى لا أستطرد, فالمقام لا يتسع لمعرفة جميع أقوال اللغويين والمفسرين والمتكلمين, أقتصر على عالم في اللغة وآخر في التفسير, واثنين من المتكلمين:
    التعريف اللغوي: قال ابن منظور: "علم: من صفات الله عز وجل العليم والعالم والعلام؛ قال الله عز وجل: ﴿وهو الخلاق العليم﴾ [سورة يس: الآية ٨١], وقال: ﴿عالم الغيب والشهادة﴾ [سورة التوبة: الآية ١٠٥], وقال: ﴿علام الغيوب﴾ [سورة المائدة: الآية ١٠٩], فهو الله العالم بما كان وما يكون قبل كونه, وبما يكون ولما يكون بعد وقبل أن يكون, لم يزل عالما ولا يزال عالما بما كان وما يكون, ولا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء, سبحانه وتعالى, أحاط علمه بجميع الأشياء باطنها وظاهرها, دقيقها وجليلها على أتم الإمكان. وعليم, فعيل: من أبنية المبالغة"([3]).
    أما تعريف اسم العليم عند شيخ المفسرين, قال ابن جرير: "إنك أنت يا ربنا العالم من غير تعليم بجميع ما قد كان وما هو كائن, والعالم للغيوب دون خلقك"([4]), وقال أيضا:" إن الله ذو علم بما أخفته صدور خلقه من إيمان أو كفر, وحق وباطل, وخير وشر, وما تستجنّه مما لم تجنه بعد"([5]).
    أما عن تعريف اسم الله العليم عند المتكلمين في العقائد, فنختار تعريفا عند علمين منهم:
    الأول: الإمام الخطابي حيث قال: "هو العالم بالسرائر والخفيات التي لا يدركها علم الخلق, كقوله تعالى: ﴿إن الله عليم بذات الصدور﴾ [سورة لقمان:الآية 23], وجاء على بناء فعيل للمبالغة في وصفه بكمال العلم", ولذلك قال سبحانه: ﴿وفوق كل ذي علم عليم﴾ [سورة يوسف:الآية 76]"([6]).
    والثاني: الإمام الغزالي, فقد قال: "معناه ظاهر, وكماله أن يحيط علما بكل شيء ظاهره وباطنه, دقيقه وجليله, أوله وأخره, عاقبته وفاتحته, وهذا من حيث الوضوح والكشف على أتم ما يمكن فيه, بحيث لا يتصور مشاهدة وكشف أظهر منه, ثم لا يكون مستفادا من المعلومات, بل تكون المعلومات مستفادة منه"([7]).
    ومما سبق, وباستعراض تعريف اسم الله العليم الدال على صفة العلم, يظهر لنا جملة من النتائج منها ما يلي:
    إثبات العلم التام الكامل الشامل لله وحده, فالله سبحانه يعلم الأمور الماضية كيف وقعت والأمور المستقبلية كيف ستقع, ويعلم الأمور التي لم تقع, أنها لو فرض لها أن تقع كيف ستقع.
    دقة كشفه سبحانه تعالى, فالأمر في السر والعلن والباطن والظاهر عنده سبحانه سواء ولا تختلف دقة كشفه من حال إلى حال.
    إن علمه سبحانه قديم, فالموجودات إما قديمة أو حادثة؛ والقديم ذاته سبحانه, والحادث ما سوى ذلك, فعلم البشر حادث تابع للأشياء وحاصل بها, وعلمه سبحانه غير مستفاد من الأشياء, بل الأشياء مستفادة منه.
    قلة معلومات البشر مقارنة بعلم الله, فمع كثرة المعلومات التي يعلمها بنو آدم وتشعبها, إلا أنها وإن اتسعت محصورة قليلة, مقارنة بعلم الله الواسع غير المتناهي, قال تعالى: ﴿وما أوتيتم من العلم إلا قليلا﴾ [سورة الإسراء: الآية 85]([8]), وقد جاء في الصحيحين من قصة الخضر مع سيدنا موسى عليهما السلام: (فلما ركبا في السفينة, جاء عصفور فوقع على حرف السفينة, فنقر في البحر نقرة أو نقرتين, قال الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر...) ([9]).
    المطلب الثاني


    الفاصلة القرآنية (تعريفها- وارتباطها بمعنى الآية- أهميتها)
    تعريف الفاصلة في القرآن الكريم:

    الفاصلة لغة: قال ابن فارس:" الفاء والصاد واللام كلمة صحيحة تدل على تمييز الشيء من الشيء وإبانته عنه. يقال: فصلت الشيء فصلا. والفيصل: الحاكم. والفصيل: ولد الناقة إذا انفصل عن أمه. والمفصل: اللسان, لأن به تفصل الأمور وتميز. قال الأخطل: وقد ماتت عظام ومفصل والمفاصل: مفاصل العظام. والمفصل: ما بين الجبلين, والجمع مفاصل".([10])
    الفاصلة اصطلاحا: "هي أواخر الآيات في كتاب الله عز وجل, والفواصل بمنزلة قوافي الشعر, جل كتاب الله, واحدتها فاصلة".([11])
    ارتباط الفاصلة بالنص القرآني:
    حري بنا أن نستشرف هذا الارتباط بشيء من التفصيل, لنرى أن علاقة الفاصلة بالنص القرآني وما تؤديه من معان تنحصر في أربعة أشياء, اصطلح البلاغيون على تسميتها([12]):
    التمكين: وهو أن يمهد للفاصلة قبلها تمكينا تأتي به ممكنة في مكانها, متعلقا معناها بمعنى الكلام كله تعلقا تاما, بحيث لو طرحت الفاصلة جانبا اختل المعنى واضطرب, مثاله: قوله تعالى: ﴿قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء انك لأنت الحليم الرشيد﴾(هود: 87), لما ذكر تقدم العبادة والتصرف في الأموال, كان ذلك تمهيدا لذكر الحلم والرشد, فكان آخر الآية مناسبا لأولها مناسبة معنوية.
    2-التصدير: وهو أن يتقدم لفظة الفاصلة بمادتها في أول صدر الآية, أو في أثنائها, أو في آخرها, كقوله تعالى: ﴿ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب﴾ (آل عمران: 8).
    3- التوشيح: وهو أن يرد في الآية معنى يشير إلى الفاصلة, حتى تعرف منه قبل قراءتها, كقوله تعالى: ﴿وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون﴾ (يس: 37).
    4- الإيغال: أن يكون معنى الآية تاما, وتأتي الفاصلة بزيادة في ذلك المعنى, كقوله تعالى: ﴿إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولو مدبرين﴾(النمل:48) , فالمعنى تم عند قوله: ﴿ولا تسمع الصم الدعاء﴾, ثم أراد أن يعلمنا تمام الكلام بالفاصلة, فقال سبحانه: ﴿إذا ولّوا مدبرين﴾, فأراد الله تتميم المعنى بذكر توليهم حال الخطاب, لينفي عنهم الذي يحصل من الإشارة, فإن الأصم يفهم الإشارة كما يفهم السميع العبارة.
    مما تقدم نجد أهمية كبيرة للفاصلة القرآنية, في بيان معنى الآية ومعرفته بتمامه, وأهميتها لاكتشاف وبيان أسرار المعاني للنظم القرآني ومدى التوافق والترابط والاتساق بين المعنى والمبنى لآيات القرآن الكريم, وما اثر الإيمان بهذه المعاني للآيات ودلالاتها على السلوك الإنساني.
    أهمية الفاصلة:

    الفاصلة في القرآن الكريم لها مزية مهمة, فهي ترتبط بما قبلها من الكلام, بحيث تنحدر على الأسماع انحداراً, وكأن ما سبقها لم يكن إلا تمهيدا لها, فإذا حذفت اختل معنى الآية, ولو سكت عنها القارئ لاستطاع السامع أن يختمها انسياقا مع الطبع والذوق السليم, فلا عجب إذا سمعنا أن بعض الأعراب سمع قارئا يقرأ: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ﴾, وختمها القارئ ﴿والله غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾, فقال الأعرابي, ما هذا فصيح, فقيل له: ليست التلاوة كذلك, وإنما هي: ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (المائدة:38), فقال الإعرابي: بخ بخ, عز, فحكم, فقطع.
    بناء على ما تقدم نقول: إن فواصل الآيات في القرآن الكريم ليست مجرد توافق للألفاظ والأوزان فقط, بل إن لها علاقة وثيقة بما قبلها من بقية الآية أو الآيات بحسب تمام المعنى لآية واحدة أو عدة آيات, ولذا نجدها مستقرة في أماكنها, مطمئنة في مواضعها, غير قلقة ولا نافرة, ولو استبدل بها غيرها لتغير المعنى وفسد الغرض, بل ولو طرحت الفاصلة لاختل المعنى, ولو سكت عنها لشعر السامع بها قبل نطقها([13]), روي عن زيد بن ثابت t انه قال: أملى علي رسول الله e هذه الآية: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَر﴾, فقال معاذ بن جبل t: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾( المؤمنون: 14) فضحك النبي e, فقال معاذ: مم ضحكت يا رسول الله ؟ َقال بها ختمت.([14])
    مما تقدم يظهر لنا بوضوح أهمية الفاصلة وارتباطها بمعنى الآية.
    المبحث الثاني


    اسم الله العليم في فواصل آيات التشريع
    تمهيد:
    قال تعالى: ﴿للَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾ (النور: 64).
    جاءت هذه الآية تقرر حقيقة خالدة ظاهرة لكل لبيب وهي أن الخلق كلهم لله, ومالك الخلق هو العالم بخلقه وما يصلحهم وما يصلح لهم, خلق الأحياء ونظم حياتها بعناية وإتقان, وسير الجماد بدون عقلٍ ولا إرادة, بنظام غاية في الدقة والإتقان, وفي ذلك آية لناظر اللبيب, وبرهان للإيمان.
    ومع ما نرى من إبداع للسموات والأرض وما فيهن, نرى أن الإنسان اعتد بعقله المحدود, واتبع هواه, وأخذ ينازع الله في حق التشريع, وأخذ يسوغ لنفسه الخطيئة, ومن هؤلاء الناس من يدعون إيماناً بالله راسخا, وأن لهم عقلا راجحا, ويقّر بأن الخالق هو الله, ومع ذلك يدّعي أن الحاكم والمشرع هم البشر, حجته في ذلك التأخر الحضاري للمسلمين, وتخلفهم عن ركب الحضارة كان بسبب تشريعاتهم المستمدة من قرآنهم وسنة نبيهم e, وقد كثرت دعواتهم في الواقع المعاصر, منها مثلا قولهم: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله, وبعضهم بالغ حتى قال ما قاله الملحدون: الدين أفيون الشعوب, وتغافل هؤلاء حقيقة هذا الدين الذي نظم علاقة الإنسان بخالقه وبأخيه الإنسان مسلم وكافر وبموجودات الكون, فشريعة الإسلام شملت جميع نواحي الحياة تنظيماً, وهل تأخر المسلمون إلا بسبب إقصاء الدين عن الدنيا, أو لسوء الفهم أو لسوء التطبيق لتلك التشريعات؟!.
    إن تشريع الله تعالى شامل كامل, صالح لكل زمان ومكان, فوحي الله قرآناً وسنة وضع أسسا وقواعد تحكم السلوك الإنساني في جميع أشكاله وصوره, قال تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ (الأنعام:38) وحكم الله فرض لازم وهو من اخص خصائص الإلوهية, قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف:40).
    وإن من أعظم النعم التي أنعم الله بها على العباد, تشريعات الله وأحكامه وتوجيهاته التي جاءت في كتابه, وقد جاء الامتنان بالأحكام والتوجيهات والمواعظ الربانية في سورة النور, بقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ + اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (النور: 34-35).
    الملحوظ في هاتين الآيتين أن الله تعالى يمتن على عباده بهذا التشريع الهادي للخير والفضيلة, فالآية تصف هذه التشريعات والأحكام بأنها مبينة, جاءت لهداية الناس, وفيها نور من الله, فهذه التشريعات من الحلال والحرام والأوامر والنواهي, جاءت لتحفظ المسلم من الفواحش والرذائل, فهي نور من الله وموعظة للمتقين.
    فإذا اجتمع نور التوحيد مع نور التشريع في حياة المسلمين أضاء لهم طريقهم ليسيروا على صراط الله المستقيم حتى يدخل العبد إلى جنات النعيم, فبنور الإيمان والقرآن تكون الهداية والسعادة ويكون التمكين والرضا فيحيا العبد عزيزا سعيداً في الدنيا ويدخل كذلك عزيزاً سعيداً دار النعيم, كل ذلك ثمرة الإيمان الصادق, والعمل بمقتضى هذا الإيمان.
    ومع إشراق النور في حياة المسلمين وأمام الناس قد يتعجب المؤمن من كفر الناس أمام ذلك النور, فجاءت فاصلة الآية بجمل ثلاث معترضة لدفع التعجب من عدم اهتداء كثير من الناس بالنور الذي أنزله الله, فإن الله إذا لم يشأ هداية أحد من خلقه جبله على العناد والكفر, والله بكل شيء عليم, لا يعزب عن علمه شيء, يعلم من هو قابل للهدى ومن هو مصر على غيه, وسيجازي كل بعمله. ([15])
    المطلب الأول


    اسم الله العليم في آيات تتضمن أحكاما وتوجيهات أخلاقية
    في سورة النور
    هذه -سورة النور- يذكر فيها النور بلفظه متصلا بذات الله: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالأرْضِ﴾ ويذكر فيها النور بآثاره ومظاهره في القلوب والأرواح, ممثلة هذه الآثار في الآداب والأخلاق التي يقوم عليها بناء هذه السورة. وهي آداب وأخلاق نفسية وعائلية وجماعية, تنير القلب, وتنير الحياة, ويربطها بذلك النور الكوني الشامل أنها نور في الأرواح, وإشراق في القلوب, وشفافية في الضمائر, مستمدة كلها من ذلك النور الكبير".([16])
    لقد جاءت سورة النور بنور التشريع والتوحيد لتستنير القلوب, وتسعد النفوس, ويستقيم السلوك, كل ذلك هدفه بناء مجتمع الفضيلة في الدنيا, بضبط سلوك الأفراد بتشريع أخلاقي رشيد. وإن الناظر والمتأمل في هذه السورة يجد أن الله تعالى فرض فيها عدة أحكام وتوجيهات لضبط الغريزة, ومحاربة الرذيلة, ومنع وقوع الفواحش, وهذه الأحكام التي جاءت في آيات كريمة من سورة النور, ختم بعضها بفاصلة ذكر فيها اسم الله العليم, وفيما هو آت نتناول ما تضمنته تلك الآيات من دلالات وهدايات.
    مسألة:أحكام تشريعية تقي من خطر الفاحشة:
    أولا: الدعوة إلى غض البصر, وعدم إبداء المرأة زينتها أمام الرجال الأجانب عنها, والأمر بالزواج, باعتبار أن من الأمور المهمة لحماية الفضيلة في المجتمع هي ضبط الغريزة الجنسية وتفريغها بالطريقة الشرعية المثمرة, وتبدو هذه الحماية من خلال آيات ختمت باسم الله العليم تتضمن أحكاما وتوجيهات وهي: قول الله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ + وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنّ َ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ + وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ (النور: 30-32).
    حيث تدعو الآيات الكريمة إلى ضبط الغريزة وترشيد السلوك, من خلال عدة أحكام وتوجيهات وهي:
    أ.الدعوة إلى غض البصر, وعدم إبداء زينة المرأة.
    ب.الدعوة إلى الزواج, والحث عليه, والوعد بالسعة والرزق, وفاصلة الآية تشير ذلك قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
    ثانيا: أحكام وآداب الاستئذان على البيوت, والاقتصاد في رخصة الوضع من الثياب للقواعد من النساء: يقول ابن عاشور: "من أكبر الأغراض في هذه السورة تشريع نظام المعاشرة والمخالطة العائلية في التجاور".([17])
    وفيما يلي آيات فيها بيان لأحكام التزاور وتعليم آداب الاستئذان ختمت باسم الله العليم:
    أ. قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾(النور:2 7-28).
    في الآيات تحريم لدخول البيوت إلا بوجود أصحابها واستئذانهم, وذلك مظنة كشف العورات, وفي الفاصلة في نهاية الآيات تعريض بالوعيد على مخالفة الأمر, قال ابن عاشور في تفسيره لهذه الآية: "ذكرنا أن من أكبر الأغراض في هذه السورة تشريع نظام المعاشرة والمخالطة العائلية في التجاور. فهذه الآيات استئناف لبيان أحكام التزاور وتعليم آداب الاستئذان, وتحديد ما يحصل المقصود منه كيلا يكون الناس مختلفين في كيفيته على تفاوت اختلاف مداركهم في المقصود منه والمفيد. والله بما تعملون عليم, تذييل لهذه الوصايا بتذكيرهم بأن الله عليم بأعمالهم, ليزدجر أهل الإلحاح عن إلحاحهم بالتثقيل, وليزدجر أهل الحيل أو التطلع من الشقوق ونحوها. وهذا تعريض بالوعيد لأن في ذلك عصيانا لما أمر الله به. فعلمه به كناية عن مجازاته فاعليه بما يستحقون"([18]).
    ب. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْك ُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِن ُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (النور: 58-59).
    في الآيات الكريمة أمر للأطفال والخدم والعبيد, بالاستئذان على أهل البيت في أوقات الراحة والنوم, وذلك مظنة رؤيا العورات أيضاً, وإذا بلغ الأطفال مبلغ الرجال يحرم عليهم الدخول بغير استئذان ولو كانوا أرحاما, وفاصلة الآية قول الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ دعوة إلى التطبيق والالتزام دون تهاون, ففي ذكر اسم العليم والحكيم إشارة إلى أساس يقوم عليه التشريع الرباني, والى سمة يتسم بها, يقول الدكتور محمد محمد أبو موسى: "أن هذا التوجيه...إذا كان صادرا من عليم يحيط علمه بكل ما تكنه الصدور وتستره الضمائر والقلوب, وإذا كان صادرا عن حكيم لا يوجد الأشياء إلا بغاية الحكمة والإتقان فانه حري أن تستجيب له ذوي البصائر".([19])
    ج. قال تعالى: ﴿وَالْقَوَاعِد مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(النور: 60).
    في الآية دعوة إلى الاقتصاد في رخصة تخفيف الملابس مع عدم الزينة للقواعد من النساء, وفيها أيضا إرشاد إلى أن عدم الأخذ بالرخصة قد يكون أفضل وأسلم, لأن الله عليم بما في النفوس وما يدور فيها, ويشرع ويوجه المرأة نحو السلوك الأسلم, يقول ابن عاشور: "وجملة: ﴿والله سميع عليم﴾ مسوقة مساق التذييل للتحذير من التوسع في الرخصة أو جعلها ذريعة لما لا يحمد شرعا, فوصف «السميع» تذكير بأنه يسمع ما تحدثهن به أنفسهن من المقاصد, ووصف «العليم» تذكير بأنه يعلم أحوال وضعهن الثياب وتبرجهن ونحوها". ([20])
    المطلب الثاني


    اسم الله العليم في آيات تتضمن أحكاما تشريعية
    تختص بالأسرة المسلمة
    وردت آيات في عدة سور, ضمن سياقات لها موضع يتعلق بشئون الأسرة, تتضمن أحكاما عملية تحفظ تماسك الأسرة المسلمة, وقد ختمت تلك الآيات باسم الله العليم, نستعرضها فيما يلي:
    أ) قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا + وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾(النسا ء34-35).
    من خلال الآيتين نلحظ إرشاد القرآن لأحكام تأديب الزوجة, وختامها اللجوء للحكمين لإصلاح ذات بينهما وهذا من شأنه حفظ الأسرة, فالأسرة المتماسكة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع الفاضل, وباستقرارها تستقر الفضيلة وبتماسكها يتماسك المجتمع, وعلى الغالب فأن الخلاقات الزوجية تصدر من المرأة, وذلك لأنها مخلوقة تغلبها العاطفة, ولعلمه سبحانه بذلك شرع عدة وسائل لتأديب الزوجة مرتبتة, أولها الموعظة, ثانيها الهجر بالفراش, ثالثها الضرب غير المبرح, ولا يلجأ إلى وسيلة إلا بعد استخدام سابقتها, على أحكام مفصلة في كتب الفقه, فأن لم تفلح تلك الوسائل ارشد القرآن الكريم إلى وسيلة للإصلاح من خارج الأسرة وهي اللجوء إلى حكمين من أولي القرابة معروفين بصلاح السيرة ورجاحة العقل والسعي لإصلاح ذات البين, وختام الآيات اثبت الله لنفسه صفة العلم, تأكيداً على أن هذه الأحكام صادرة عن إله عليم, يعلم الصالح لعباده ويشرع لهم ما يحقق لهم مصلحتهم, ثم ذكر اسمه الخبير تأكيداً لذلك المعنى السالف, وأشعارا بعلمه بنوايا الحكمين والزوجين ولذلك أثره في نفوسهم وسلوكهم([21]).
    ب) قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ + وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 226-227).
    في الآية منع الإيلاء؛ "وحقيقة الإيلاء: الحلف المقتضي لتقصير في الأمر الذي يحلف عليه, وجعل الإيلاء في الشرع للحلف المانع من جماع المرأة,.."([22])
    وما وضع هذا الحكم إلا لمنع الإضرار بالزوجة, وذلك بمنعها حقا شرعيا, ولرد الزوج إلى السلوك القويم, بعدم استعمال حقه في الهجر للإضرار بالزوجة, وهذا السلوك الخاطئ قد يفضي إلى مفاسد تعود على الأسرة والمجتمع, وفي مثل هذه الحالة لا يجوز للزوج الامتناع عن جماع زوجته أكثر من أربعة أشهر, فإما أن يكفر عن يمينه ويعود لزوجته فيعاشرها معاشرة الأزواج, وإما أن ترفع الزوجة أمرها إلى القاضي ليفرق بينهما([23]), وختمت الآية بأسمائه سبحانه "السميع العليم", وفي ذلك إشعار بالحساب والجزاء([24]), ولكي يستشعر المسلم مراقبة الله, ويستقيم سلوكه باتباع شريعته وعدم استغلال تشريعه في إيذاء المرأة أو التعدي والإسراف في استعمال حقه.
    ج) قال تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنّ َ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 231).
    نلحظ في الآيات منع إمساك الزواج لزوجته وعدم تطليقها بقصد الأضرار, ففي الآية أمر بإبقاء النساء إذا أراد الزوج المعروف والخير بإبقائها, ونهي عن إبقاء المرأة في عصمة زوجها بعد تطليقها للإضرار بها, ويحذر الله من الظلم, وأن من يفعل ذلك فكأنه يستهزئ بأحكام الله وتشريعاته, لأنه يتعسف في استعمال حقه, بل ويجعل الحكم الشرعي الذي شرع لتحقيق المصلحة, يستخدم للظلم وجلب المفسدة, بالتعدي في استعمال الحق, وقد ختمت الآية بالتذكير بنعمة التشريع, والأمر بالتقوى, لاستشعار المراقبة وللإشارة إلى الوعد بالثواب والوعيد بالعقاب, من خلال التذكير بعلم الله الشامل والمحيط.
    د) قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ + قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَولاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم﴾(التح ريم: 1-2).
    في الآيات مشروعية الزواج بالنساء الحرائر وملك اليمين, وقد جاءت الإباحة بصورة عتاب لطيف لنبيه e, وعلى سبيل الامتنان بهذا التشريع الحافظ للفضيلة في المجتمع المسلم, وجاء التأكيد على أن التشريع الرباني هو التشريع الحكيم, الذي فيه جماع الخير, ولا يجوز الإعراض عنه, وختمت الآية بفاصلة اشتملت على اسمين لله عز وجل هما العليم والحكيم, ودلالة ذلك أنه تشريع حكيم قائم على علم الله الشامل والمحيط, ففي التشريع الرباني تحقيق للمصلحة ودفع للمفسدة, لذلك كله كان العتاب اللطيف لنبيه e أنه حرم على نفسه أمرا مشروعا شرعه العليم الحكيم([25]).
    و) قال تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَ تُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ولا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا + وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ + يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (النساء: 23-26).
    نلحظ في هذه الآيات عدة أحكام تختص بالزواج بالنساء الحرائر وملك اليمين نعرضها فيما يلي:
    جاء في سياق الآيات إباحة الزواج بملك اليمين, بأحكام خاصة بهذا الزواج وهي: أن لا يجد المال للتزوج بحرة, وأن يخاف على نفسه الزنا, وأن تكون الأمة مؤمنة عفيفة طاهرة, وأن يعطى مهر الأمة لسيدها عوضاً عن منافع تملكها, وقال البعض: تعطى للأمة, وقد وردت الإشارة إلى أن عقوبة الأمة على جريمة الزنا نصف ما على الحرة, المتزوجة وغير المتزوجة خمسون جلدة, ورأى البعض أنها على المتزوجة لا على غيرها.([26])
    وتجدر الإشارة إلى توجيه النص القرآني المستفاد من الآيات الكريمة, هو أن الترخص بالزواج بالإماء جاء لحاجة ملحة أو لضرورة, وهي خشية الوقوع بجريمة الزنا, وقد ذكر في الآيات الحث على الصبر وضبط الغريزة وانه أفضل للمؤمنين من الزواج بالإماء, فالزواج بالمرأة الحرة وبناء الأسرة القوية المتماسكة بثمارها الخيرة خير من الزواج بالإماء, وكأن القرآن الكريم يخاطب المسلم ويحثه على الزواج بالنساء الحرائر, لما فيه مصلحة كبيرة على الأسرة والمجتمع, فان لم يستطع الزواج بالحرائر فليصبر, فقد تكون نتيجة الزواج بالأمة أسرة ضعيفة مفككة, تنتج آثارا سلبية على أفرادها وعلى المجتمع ككل, وقد لا يكون ذلك, وعلى أي الأحوال ليست تلك الأسرة بقوة أسرة بنيت على الزواج بالحرة, وليست الثمرة كالثمرة, فإن خاف المسلم العنت تزوج بملك اليمين جلبا للمنفعة ودرءا للمفسدة.
    وقد ختمت الآيات المتضمنة تلك الاحتكام الشرعية بقوله سبحانه: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾, وهي خطاب للمؤمنين فيه بيان لامتنان الله سبحانه وبيان فضله عز وجل على عباده بهذه الأحكام, فقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾, استئناف مقدر لما سبق من الأحكام, فمعنى الخطاب القرآني: أي أن الله تعالى بما شرع من أحكام, وبما ذكر من المحرمات والمباحات, يريد أن يبين لكم ما فيه خيركم وصلاحكم وسعادتكم, وأن يميز لكم الحلال والحرام والحسن والقبيح.. ([27])
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: اسم الله العليم في فواصل آيات التشريع- دراسة قرآنية

    اسم الله العليم في فواصل آيات التشريع- دراسة قرآنية



    أ. سامي فلاح محمد طنش[*]

    المطلب الثالث

    اسم الله العليم في آيات تتضمن أحكام التشريع المالي
    المال قوام حياة الناس وأحد الضرورات الخمس, وقد جاءت الآيات بتشريعات الربانية للنظام المالي, وقد جاءت عدة فواصل من هذه الآيات تذكر بالعلم الرباني وبحكمته سبحانه, وفيما هو آت نتناول المسائل والدلالات والهدايات التي احتوتها:
    مسألة: اسم الله العليم في آية الدين:
    قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ + وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 282-283).
    وقبل أن نشرع في بيان الأحكام المستمدة من الآيات, نلحظ عدة دلالات لآية الدين, فهي أطول آية في كتاب الله, ولهذا دلالاته وهي: أهمية وكثرة التعاملات المالية بين الناس, ونلحظ أن القرآن الكريم وضع أسسا وقواعد لبناء تشريع اقتصادي, وهذا التشريع جزء من منظومة تشريعات تشمل كافة نواحي الحياة, وفي ذلك دلالات على أن الشريعة الإسلامية أولت المال أهمية كبيرة, فحفظه ضرورة من الضرورات الخمس, فهو قوام العيش ووسيلة لنمو والتطور أذا أحسن استغلاله, وفي هذه الأمور السالفة الذكر تأكيد على شمولية الشريعة, وصلاحيتها لكل زمان ومكان, وأن أحكامها جاءت بالصلاح للفرد والمجتمع المسلم, بل للناس جميعاً, ونلحظ التأكيد على صفة العلم الشامل المحيط لله عز وجل, للإشارة إلى أن التشريع الرباني قائم على علم الله الشامل والمحيط, مما يجعل ذلك التشريع متسم بالحكمة, وبذلك التأكيد دعوة لذوي الألباب للامتثال والتطبيق.
    *جاءت الآية بعدة أحكام تختص بالدين, وهي([28]):
    مشروعية الدَّين.
    مشروعية واستحباب كتابه الدَّين, وبتفصيل يبين كيفية الكتابة, وصفات الكاتب, والنهي عن الامتناع عن كتابة الدَّين, والإشهاد عليه, وصفات الشهود, وغيرها من التعديلات والأحكام التي تخص الكتابة والإشهاد على الدين.
    استثناء التجارة الحاضرة من الكتابة والإشهاد وأحكامها.
    مشروعية الرهن في ظروف معينة.
    مشروعية الدَّين من غير كتابة والرهن في حال الائتمان بين المدين والدائن.
    الدعوة للشهادة بالحق على الديون, وعدم كتمان الشهادة إذا طلبت من الشاهد.
    ونلحظ أن نهاية الآيتين, اختتمت باسم الله العليم الدال على صفة العلم, ففي الآية الأولى جاء التأكيد على علم الله الشامل المحيط, وفي الآية الثانية جاء التأكيد على أن هذا التشريع قائم على هذه الصفة, وأن هذه الحكمة سمة لهذه الأحكام الشرعية, ونلحظ أيضا أن فاصلة الآية الثانية مناسبة لموضوعها وهي الدعوة إلى الشهادة, ومضمونها الحث على التقوى والالتزام وذلك بالتعريض بالثواب والعقاب بالتذكير بصفة العلم لله عز وجل في فاصلتها, وهذا من شأنه استقرار القلوب المؤمنة وطمأنينتها وسرعة الاستجابة والامتثال.
    *مسألة: اسم الله العليم في آية فرضية الزكاة وآية الأصناف المستحقين لها:
    إن من أحكام التشريع المالي أحكام الزكاة, ونظام الزكاة يهدف إلى بناء مجتمع قوي متماسك ومتراحم كالجسد الواحد, وان للمال أهمية كبيرة, فهو عصب الحياة وبه تقوم, وبتوفره ووجوده يكون الرخاء والأمن والاستقرار, وبقلته يظهر الفقر وتتشكل طبقتان فقراء والأغنياء, وقد تتكون العداوة بين الفئتين, ويحدث الخلل فيسود الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع, مما يؤدي إلى مفاسد عظيمة تعصف بالمجتمع وتزلزل أركانه, وقد تؤدي إلى انهياره, فلذا شرع نظام الزكاة ليقلص الفوارق بين الطبقات, ويدفع للاستثمار, ويقضي على البطالة, وينمو الشعور بمعاني الأخوة الإسلامية, من الحب والإخاء والرحمة, من خلال السلوك العملي الذي تترجمه الزكاة, ببذل المال من المسلم لأخيه المسلم, لذلك كله يعدّ نظام الزكاة حلاً لعلاج كثير من الأزمات التي تعصف بالمجتمع, وقد تؤدي إلى تفكك وانهيار المجتمع بقيمة وأخلاقه.
    *مشروعية الزكاة:

    قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(لتوبة:1 03), في الآية عدة دلالات ومعانٍ منها([29]):
    أن الذي يأخذ الزكاة هو النبي e, أو من يقوم مقامه في السلطان, وبأمره يتم التحصيل وأخذ الزكاة.
    إخراج الزكاة دليل عملي على الإيمان, فالعبد يخرج الزكاة لإيمانه باليوم الآخر وبالثواب على الطاعة, والعقاب على المعصية.
    وردت الإشارة في الآية لعبادة الدعاء, وهذه دلالة على أهميتها, وردت الإشارة أيضا إلى الأمر بالدعاء لمن اخرج الزكاة, وفي ذلك إشارة عظم ثواب الزكاة.
    الختام باسم الله العليم الدال على صفة علمه سبحانه دلالة على أن هذا التشريع حكيم قائم على العلم الشامل الصادر من الخالق الآمر, قال تعالى: ﴿ألا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾(الأ عراف: 54), وقال تعالى: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾(الم لك: 14).
    وفي الآية إشعارُ بالجزاء على الأعمال الصالحة, بذكر الله العليم الدال على صفة علمه سبحانه في ختام الآية.
    في الآية دلالة على وجوب الزكاة في الأموال النامية, كعروض التجارة والزروع والماشية المعدة لدر النسل.
    في الآية دلالة أن العبد لا يمكنه أن يتطهر من الذنوب أو أن تزكى نفسه حتى يخرج زكاة ماله.
    في الآية دلالة أن الاستجابة لدعاء الإمام لمخرج الزكاة, دليل رضا الله عز وجل.
    * أصناف المستحقين للزكاة:

    قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَة ِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾(التوبة : 60).
    مع وجود سبب نزول هذه الآية, وهو أن المنافقين لمزوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمته الصدقات والغنائم, ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب, وأصناف المستحقين للزكاة هي([30]):
    الفقراء, والفقير أشد حاجة من المسكين.
    المساكين, وهم الذين لا يجدون ما يكفيهم.
    العاملون عليها, الذين يجمعونها ويعملون فيها.
    المؤلفة قلوبهم, لأنه يرجى من إسلامهم نفع الإسلام وخدمته.
    في الرقاب, والمقصود به: عتق الأرقاء وفك الأسرى, بتحريرهم من الأسر وذل العبودية.
    الغارمون, المدينين العاجزين عن الأداء, وأن يكون دينهم لغير معصية.
    في سبيل الله, في إعداد المجاهد بما يعينهم على الجهاد, وما يتصل بأبواب الخير ووجوه البر.
    ابن السبيل, وهو المسافر الذي انقطعت به أسباب اتصاله بأمواله وأهله.
    وختمت الآية بقوله تعالى: ﴿والله عليم حكيم﴾, فجاءت هذه الفاصلة تؤكد على أن الله سبحانه هو العليم بمصالح خلقه, والحكيم في تشريعه, قال تعالى: ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأعراف: 54).
    *مسألة: اسم الله العليم في آية كفارة القتل الخطأ:
    قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ (النساء: 92).
    تتضمن الآية الحكم بتحريم قتل المؤمن لأخيه المؤمن, وإذا حدث خطأ فإنه يترتب على ذلك عدة أحكام, هي([31]):
    تحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة لورثته, إلا أن يعفوا أهل المقتول, فلا دية وتبقى الكفارة "تحرير رقبة".
    إن كان المقتول مؤمناً من قوم كفار فعلى تفصيل: إذا كان من قوم كفار أعداء, فتحرير رقبة دون ديّة لورثته, ولأهله الدية إذا كان من قوم كفار معاهدين, والدّية تكون على العاقلة.
    إن عجز القاتل عن تحرير رقبة, فصيام شهرين متتابعين.
    إن الناظر في الآيات والمتدبر لهذه الأحكام يجد أنّ من شأنها تعظيم الأخوة الإيمانية والحفظ لدماء المسلمين والإصلاح بين المسلمين في حال القتل الخطأ, فأهل القاتل عليهم الدية, مما يجعلهم حريصين على تربية أبنائهم وتوعيتهم وتحذيرهم من ارتكاب الأخطاء, وأما الرقبة فهي إحياء لنفس مؤمنة, بتحريرها من رق العبودية إلى حياة السيادة والحرية, وفي ذلك تأديب للنفس بالمال وإرضاء للضمير بالبذل وعمل الصالحات, تكفيرا وتعويضا عن ذلك الفعل الضار وإن لم يكن مقصوداً, كل هذا وغيره من حكم الإصلاح بالمال له نتائجه الطيبة على الفرد والمجتمع ككل, وهذا يؤكد أن هذه التشريعات وضعت لأهداف سامية نبيلة, تتحقق من خلال المال, فالتشريع صالح ومصلح ومعالج ومستثمر للمال في قيم سامية, تنعكس ثمارها على صلاح الفرد والجماعة.
    وقد جاءت فاصلة الآية تذكر بصفة العلم الشامل المحيط والحكمة, التي هي سمة الأحكام الشرعية, للتأكيد على أن أحكام الشريعة مصدرها هو الله الخالق ذو العلم الواسع, وأنها حكيمة جاءت لصلاح الفرد والجماعة محققة للمصلحة, وهذا التأكيد للأهمية ولإقناع العقول, وشحذ الهمم وإلهاب النفوس وتهيجها للعمل, والتطبيق والالتزام بتلك الأحكام.
    مسألة: اسم الله العليم في آيات المواريث:
    * اسم الله العليم في آية تقرير أولوية ذوي الأرحام في الميراث, قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (الأنفال: 75).
    جاءت هذه الآية تقرر أولوية ذوي الأرحام في الميراث, هذا الحكم موافق للفطرة, فالإنسان يحب أن يؤول ماله إلى أقرب الناس إليه, وقد جاء في بعض التفاسير أن هذه الآية جاءت ناسخة للإرث بالحلف والإخاء, وهما من الأسباب التي كانوا يتوارثون بهما, وقد جاء ختام الآية -وهي ختام سورة الأنفال- بيانا بأنّ الله مطلع على ما في الكون وما يجري فيه, ولا يجري شيء إلا وفق علمه, ولا يأمر بشيء ولا يحكم به إلا وفق علمه الشامل الكامل, فيشرع ما يكون بعلمه مناسباً, وفي هذه الفاصلة أيضا تعريض بالجزاء على الأعمال([32]).
    * اسم الله العليم في آيات تقسيم المواريث:
    قال تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا+ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ (النساء: 11-12).
    تعد هذه الآيات دستوراً في بيان قسمة الله لميراث المسلم, فهذه الآيات تؤكد على قاعدة شرعية أساسية هي: أنّ هذه التشريعات تأتي وفق علمه الشامل, وأن سمة التشريع الحكمة. وتبين فاصلة هذه الآيات الجزاء على الامتثال أو الإعراض, وتؤكد أيضاً على شمول علم الله, وأنه العالم بالأحق بالفرائض من الأقارب, وتبين الآيات أنّ قسمة المواريث فرض من الله, لا مجال لتحكيم الأهواء بها, فالواجب على المسلم التسليم والرضا بحكم الله تعالى([33]).
    يقول صاحب الظلال في مدلول فواصل الآيات: ﴿إن الله كان عليما حكيما﴾.. وهي اللمسة.. في هذا التعقيب تجيء لتشعر القلوب بأن قضاء الله للناس -مع أنه هو الأصل الذي لا يحل لهم غيره- فهو كذلك المصلحة المبنية على العلم والحكمة. فالله يحكم لأنه عليم -وهم لا يعلمون- والله يفرض لأنه حكيم- وهم يتبعون الهوى"([34]), ويقول أيضا في التعقيب بعد قوله تعالى في: "وهكذا يتكرر مدلول هذا التعقيب لتوكيده وتقريره.." ([35])
    أما في مناسبة ذكر وصفي العلم والحكمة في ختام الأحكام المواريث في الآيتين الكريمتين, فقد قال ابن عاشور: "وذكر وصف العلم والحلم هنا لمناسبة أن الأحكام المتقدمة فيها إبطال لكثير من أحكام الجاهلية, وقد كانوا شرعوا مواريثهم تشريعا مثاره الجهل والقساوة"([36])
    * اسم الله العليم في آية الكلالة:
    قال تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَ َ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (النساء: 176).
    إن معنى الكلالة ظاهر في الآية؛ وهو أن لا يكون للميت أصل وارث وإن علا أو فرع وارث وإن نزل, وقد جاءت أحكامها متممة لأحكام المواريث, ففي الآية بيان نصيب أصحاب الحقوق في بعض حالات الميراث, وقد جاء التعقيب في نهاية الآية وهي ختام سورة النساء, قوله تعالى: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾, ففاصلة الآية وما قبلها تؤكد على فضل الله سبحانه وامتنانه ببيان بين جميع الحقوق والواجبات التي تنظم علاقات المسلمين على مستوى الفرد والجماعة, ومنها أحكام المواريث.
    * اسم الله العليم في آية الوصية:

    قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ + فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ + وَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (البقرة: 180-181).
    هذه الآية وضعت للحث على الإحسان وكثرة البر ورد الجميل والرحمة بالأرحام, هدفها تحقيق المصلحة وسد العوز بالمال للأقارب غير الوارثين على القول المختار عندي, فجمهور المفسرين يرون أنها في الأقارب الوارثين ومنسوخة بآيات الميراث, والبعض من أهل العلم قال بأنها غير منسوخة, والرد على ادعاء النسخ, بأن لم يرد عليه دليل صحيح صريح, وقول النبي e: "لا وصية لوارث"([37]), جاء لبيان منع الوصية للوارثين من الأقارب, أما غير الوارثين فقد تأول هذه الآية بعض العلماء, وقال: إنها في الوالدين الممنوعين من الميراث, كأن يكونا كافرين أو أرقاء, والآية عامة تشمل كل قريب لا يرث, فقد يكون القريب غير الوارث ذا حاجة وله فضل ومعروف على صاحب الوصية, أوقد يكون ذلك القريب غير الوارث ممن مات سبب ميراثهم منه كأحفاده, ففي هذه الآية حل لكثير من المسائل, وقد اشترط المعروف في الشريعة وهو حد الثلث, وأن تحقق الوصية العدالة, فلا يعطى غني ويترك فقير, ولا تعارض بين منع الوصية للوارثين, وبين وصية المسلم لقريبه غير الوارث, ومع دفع التعارض والإجماع على القول بالبر للقريب غير الوارث, يظهر لنا حكما محققا للمصلحة متمما لأحكام الميراث, يساهم في تحقيق العدالة ببر الأرحام وصلتهم([38]). جاءت فاصلة الآية ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾, تنزل العالم بصفتي السمع والعلم لله عز وجل منزلة الجاهل, تعريضا بالوعيد على تبديل الوصية ومخالفة الأمر([39]).
    المطلب الرابع

    اسم الله العليم في آيات تتضمن أحكام التعامل مع الكافرين
    من سمات الشريعة العالمية الشمول, فقد شملت تشريعاتها جميع الناس بكافة معتقداتهم في كل الظروف والأحوال, وقد جاءت عدت آيات فاصلتها اسم الله العليم الدال على علمه سبحانه تتضمن أحكام التعامل مع الكافرين وفي ما يلي تلك الآيات ودلالاتها وهداياتها:
    مسألة:اسم الله العليم في آيات الأمر بقتال الكافرين المعادين:
    قال تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ + وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة:14-15).
    سورة براءة فيها أحكام ومظاهر للبراءة من الشرك والكفر, ومن هذه الأحكام التي يظهر به المسلم ولاءه لله عز وجل وبراءته من الكفر وأهله قتال المعتدين من الكفار, ففي الآيات أمر بالقتال وتشريف للمؤمنين بجعلهم أداة للنصر ولتعذيب الكافرين, ففي الآيتين أيضا وعد بالنصر والشفاء لما في الصدور, وختام الآية فاصلة تذكر أسماء الله تعالى العليم الحكيم, وكأنه إعلام وبيان بأن تشريع الله حكيم قائم على علم الله المحيط, وهو الذي يأتي بالمصلحة على أكمل وجوهها, وإشعار أيضا بأن الله حكيم في تدبير شؤون خلقه, يجازي بحسب النوايا وما في القلوب, إن خيرا فخير وإن شرا فبما يترتب عليه من جزاء وفاقا, وفي الآيات كذلك إخبار عن الغيب في المستقبل, وهو حصول النصر للمؤمنين وإسلام كثير من المشركين المعادين([40]).
    وفي وحصول ما أخبر به رسول الله e دليل من دلائل صدق نبوته e.
    مسألة:اسم الله العليم في آية المنع للمشركين من دخول البيت الحرام:
    قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة: 28).
    في الآية مظهر من مظاهر البراءة من الشرك والمشركين وهو الأمر بتطهير البقاع المقدسة من الشرك, وذلك بمنع المشركين من دخول مكة المكرمة, والمنع هو منع لأي عبادات أو شعائر شركية في البقاع الطاهرة, فقد كان المشركون يحجون إلى البيت ويرافق حجهم إشراكا بالله سبحانه, وقد كان لحجهم أيضا فوائد تجارية تعود على أهل الحرم, لذلك وعد عباده بأنه سيغنيهم من فضله إن شاء, وجاءت فاصلة الآية إشعارا بأن الله عز وجل عليم, لا يشرع إلا تشريعا حكيما يحقق المصلحة, وقد كان المنع في السنة التاسعة للهجرة, وأغنى الله تعالى أهل الحرم بفضله, ودخل الناس أفواجا في الإسلام, وجاءوا إلى البيت حجاجا ومعتمرين, وقد ظهر الإسلام في الجزيرة العربية وما اجتمع فيها معه دين آخر([41]).
    مسألة:اسم الله العليم في آيات تتضمن أحكام النساء المهاجرات:
    قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُن َّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنّ َ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنّ َ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ + وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ + يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ ولا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (الممتحنة:12-13).
    جاءت أحكام القرآن الكريم غاية في العدل والإحسان مع الكافرين, فدعا القرآن الكريم إلى برهم والإحسان بكل ما تحمله الكلمة من معاني ودلالات, فالمسلمون دعاة مقصدهم إدخال الناس في دين الله تعالى دون أكراه, ونحن نتعبد الله بالإحسان إليهم وبرهم, وفي ذلك دعوة لهم للدخول في دين الإسلام, أما من قاتلنا وأخرجنا من ديارنا وساعد على ذلك, فهذا مما جاءت الآيات في سورة الممتحنة بقتاله, وبعض الأحوال قد يحدث سلم وهدنة مع الكافرين, ويحصل هجرة لنساء مؤمنات من جانب الكافرين, وقد يحدث العكس وهو أن ترتد نساء من المسلمات إلى الكفر ويهربن إلى ديار الكفار, لذلك وردت عدة أحكام في هذه السورة تعالج موضوع هجرة النساء هي([42]):
    النهي عن موالاة المشركين ومصافاتهم, وهذا النهي يقتضي مهاجرة النساء المؤمنات من ديار الشرك إلى ديار الإسلام, وقطع أقوى أسباب الموالاة وهو النكاح بترك الأزواج المشركين.
    استحباب امتحان المؤمنات المهاجرات, ويكون ذلك بالحلف أمام إمام المسلمين.
    عدم رد المؤمنات المهاجرات لأزواجهنّ الكفار.
    أعطاء الزوج المشرك المهر المدفوع للزوجة المؤمنة المهاجرة.
    يحل الزواج بالمؤمنة المهاجرة بمهر جديد.
    لا يحل للمسلم أن يبقي في عصمته زوجة مشركة.
    إذا ارتدت المرأة عن الإسلام وفرت إلى ديار الكفر, فللزوج المسلم المطالبة بمهرها من بلاد الكفر, وعليهم أن يدفعوا له مهرها.
    إذا منع المشركون المرأة المرتدة ولم يردوها على المسلمين, فعليهم غرامة مهرها.
    إذا امتنع الكفار عن دفع مهر المرأة المرتدة للزوج المسلم, وانتصر المسلمون وظفروا بهم, فيعطى الأزواج مهر نسائهم المرتدات من رأس الغنائم وقبل توزيعها, ويرى البعض أن تكون المعاملة بالمثل, بأن لا يعطى الزوج الكافر مهر زوجته المؤمنة المهاجرة إذا لم يعط المسلم مهر زوجته المرتدة الفارة قصاصاً, والذي جاء عن النبي e أنه طبق الرأي الأول بعد فتح مكة, بأن أعطى مهور النساء المرتدات من رأس الغنيمة ولم يعمل بالقصاص بالمثل.
    أحكام متممه: أمر النبي e بمبايعة النساء المهاجرات بالمعروف, على أن لا يقترفن أعظم المعاصي وهي الإشراك بالله, وقتل الأولاد وارتكاب فاحشة السرقة والزنا ونسب الأولاد لرجال ليسوا بإبائهم, وجاء ذكر هذه الإحكام للأهمية وانتشار تلك الفواحش في مجتمع الجاهلية.
    وجاء قوله تعالى:﴿وَاللَّه ُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾,فاصلة للآية العاشرة من السورة, للدلالة على أن الله تعالى يعلم ما يصلح لكم من الأحكام, ويشرع لكم ما تقتضيه الحكمة.([43])
    مسألة:اسم الله العليم في تقرر مبدأ السلم والمهادنة:
    قال تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (الأنفال:61).
    جاءت هذه الآية في وسط سورة الأنفال, وقد جاء قبلها أسباب النصر وبيان لسنة الله تعالى في نصر عباده وغيرها من المواضيع, وبعد هذه الآية الأمر بالإعداد العسكري وبناء القوة, ولهذا دلالاته, فالشريعة جاءت لتحقيق المصلحة, وقد تكون المصلحة في السلم أو في الحرب, فمتى كان السلم أفضل كان للإمام أن يسالم, ومتى كانت الحرب أفضل, كان للإمام أن يحارب, ولكن بشرط أن تكون له القوة على الحرب, لذلك كان الأمر بالإعداد وبناء القوة بعد تلك الآية التي تدعو إلى السلم.
    وقد جاء عند الزمخشري وابن كثير أن الآية تقرر مبدأ عاماً في معاملة الأعداء, وهو أن من الجائز مهادنة الأعداء ومسالمتهم, ما دام ذلك في مصلحة المسلمين([44]), قال الزمخشري في تفسير تلك الآية: "والصحيح أن الأمر موقوف على ما يرى فيه الإمام صلاح الإسلام وأهله من حرب أو سلم, وليس يتحتم أن يقاتلوا أبداً, أو أن يجيبوا إلى الهدنة أبداً "([45]), ونلحظ عدة دلالات في الآية السالفة الذكر منها:
    أ- أن التشريع شامل لنواحي الحياة كلها, ولم يترك حالة الحرب والسلم دون تشريع.
    ب- وان لله التشريع وعلى إمام المسلمين الامتثال والتنفيذ.
    ج- وتنفيذ التشريع فيه معنى التوكل والتسليم.
    د- ومن الدلالات أن التشريع الإسلامي وضع لتحقيق المصلحة, وأنه قائم على علم شامل.
    *إشكالات وتساؤلات حول هذه الآية وهذا المبدأ([46]):
    ادعاء النسخ بآية السيف وهي قوله تعالى:﴿قَاتِلُو هُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾(ال توبة:14), وقد قال بهذه الدعوة ابن عباس رضي الله عنهما, ومجاهد, وزيد بن اسلم, وعطاء الخراساني, وعكرمة والحسن وقتادة.
    ورد عليهم الطبري بقوله: بأنه "لا دلالة على نسخ هذه الآية من كتاب الله" وهذه الدعوة فيها نظر, لأن آية التوبة فيها الأمر بالقتال إذا أمكن ذلك, فأما إن كان العدو كثيفاً, فإنه يجوز مهادنتهم, كما دلت عليه آية الأنفال: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾, ودل ذلك فعله e يوم الحديبية, فلا نسخ لهذه الآية, وكل يأخذ من كلامه وفعله وتقريره ويرد إلا النبي المعصوم e.
    دعوى تخصيص هذه الآية بالتعامل مع أهل الكتاب دون غيرهم, أو نزلت للتعامل مع بني قريظة دون غيرهم, فقد رد مجاهد على هذه الدعوى: بأن نزولها ببني قريظة فيه نظر, لأن السياق القرآني كله في موقعة بدر, ورد ابن كثير على هذه الدعوى: بأن صلح الحديبية ومدته سبع سنوات, وما فيه من شروط قد تبدو في ظاهرها مجحفة في حق المسلمين, جاء بعد حادثة بني قريظة وإخراجهم, فلا تخصيص, فالآية عامة, فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب, ولم يرد دليل يخصص.
    مسألة: ارتباط اسم الله العليم بمعنى الآية وأثره في السلوك.
    عشنا فيما مضى مع آيات تتضمن أحكاما شرعية, ختمت فواصلها باسم العليم, الدال على صفة العلم لله عز وجل, بحثنا في موضوع الآيات وما تؤديه الفاصلة في موقعها من معنى وارتباطها, بمعنى الآية ودلالة أو دلالات ذلك, ونشير إلى أثر ذلك على وجدان وسلوك المخاطب, فمجيء اسم الله العليم كفاصلة في آيات, تتضمن أحكاما عملية, شرعها العليم سبحانه في آية تأمر بفعل طاعة لله عز وجل, وفي أخرى تأمر باجتناب أمر آخر هو معصية لله سبحانه, وفي آية فيها تعريض بالوعيد على فعل محرم, وفي أخرى تعريض بالوعد على فعل الطاعة, وفي آية تعريض بكلا الأمرين, وفي آية تذكير بامتنانه سبحانه بنعمة التشريع الحكيم, من شأنه أن يحدث أثرا في وجدان وسلوك المؤمن؛ فالتذكير بالوعد على الطاعة والوعيد على المعصية والامتنان على النعمة, شأنه أن يولد في النفس شعورا بمراقبة الله عز وجل, فتنفيذ الأمر طمعا, واجتناب النهي خوفا, والفعل للطاعة والترك للمعصية حياء وشكرا لله العليم المنان, كل ذلك يجعل المؤمن يعبد الله تعالى كأنه يراه, ليرقى بذلك إلى درجة الإحسان.
    الخاتمة:
    وأخيرا وبعد هذا التطواف مع هذه الآيات الكريمة وما تضمنته من مواضيع, ومع وهذا الاسم العظيم من أسماء الله الحسنى الدال على صفة كريمة عليا لله سبحانه جاءت هذه الخاتمة والتي أودعت دلالات وآثار لملحوظة وجود اسم الله العليم في فواصل آيات التشريع, وما توصلت إليه من أهم النتائج وهي فيما يلي:
    1) أن من دلالات وجود اسم الله العليم الدال على صفة العلم لله سبحانه وتعالى في عدد من آيات التشريع, يكشف عن ارتباط هذه الصفة بمعاني الآيات وما تضمنته من حكم وأحكام,, ومن ذلك دلالة سر وجود اسم العليم دون غيره من الأسماء الحسنى في فواصل بعض آيات التشريع, وفيه إشارة إلى دور الفاصلة القرآنية بشكل عام, وأسماء الله الحسنى في فواصل الآيات بشكل خاص بشكل خاص, وفي الإشارة إلى التناسق بين اللفظ والمعنى إشارة إلى إعجاز القرآن الكريم في نظمه.
    2) من الدلالات على الإيمان بصفة العلم لله عز وجل وان يعتقد أن الله يعلم وسيجازي على الأعمال.
    3) وفي ذكر اسم العليم في فواصل آيات التشريع تأكيد دال على سعة علم الله سبحانه وعلى شمول الشريعة لجميع نواحي الحياة تنظيما.
    إتباع اسم الله العليم باسمه الحكيم في آيات التشريع تأكيد على صفتين ملازمتين للتشريع الرباني, وهما العلم والحكمة, فالحكمة سمة لأحكام التشريع والعلم صفة لازمة للمشرع, فالعليم يعلم من هم خلقه, وما يصلح لهم وما يصلحهم, فيشرع الصالح للناس في كل زمان ومكان وحال.
    إن وجود هذا الاسم في مواطن كثيرة في كتاب الله منها آيات التشريع, له أثره على إيمان العبد وعلى وجدانه وسلوكه, ومن ذلك: استشعار المراقبة التي قد تصل به إلى درجة الإحسان.
    أن دلالة معرفة التشريعات الربانية وملحوظة سماتها من الإتقان والإحكام وغيرها من سمات التشريع, يعد مظهر من مظاهر علم الخالق سبحانه بخلقه.
    من ثمار ملحوظة اسم العليم في الآيات الإخلاص في العمل؛ لأنه بتلك الملحوظة يستشعر رقابة الله تعالى وإطلاعه عليه في كل أعماله ويتذكر الجزاء عليها.
    التسليم بأن الله عليم حكيم, يعلم ويشرع يقتضي الاقتناع والتسليم لشرع الله عز وجل.
    ملحوظة المصلحة والصلاح التي يحققها التشريع للمسلم في دنياه وآخرته لهذا نتائج منها:سهولة الانقياد لحكم الله في التحليل والتحريم, وسرعة التطبيق.
    والختام فهذا ما توصلت إليه, وهو جهد بشري, فما كان من صواب فمن الله تعالى وما كان من خطإ فمن نفسي ومن الشيطان, والحمد لله رب العالمين.
    هوامش البحث:


    [*] باحث بمرحلة الدكتوراه, بجامعة اليرموك, المملكة الأردنية الهاشمية.


    [1] محمد بن حمد الحمود، المنهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى،, مكتبة الإمام الذهبي, الطبعة الأولى, الكويت,1991، ج1،ص201.

    [2] انظر: ضياء الدين الجماس، التفكير في الأسماء طريق العلماء؛دراسات موضوعية علمية في الأسماء والأفعال الإلهية،الطبعة الأولى، دار الهجرة، بيروت،1990م، ص306.

    [3] انظر: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري (ابن منظور) ( ت711هـ)، لسان العرب، الطبعة الثالثة، دار صادر، بيروت1994م، ج12، ص416.

    [4] محمد ابن جرير أبو جعفر الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن (ت 310هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت 2000م، ج1، ص495.

    [5] المصدر ذاته، ج15، ص239.

    [6] أحمد بن الحسين أبو بكر البيهقي,(ت:458هـ)، الأسماء والصفات, تحقيق: عبد الله الحاشدي، الطبعة الأولى، مكتبة السوادي، جدة, ص ص 1-24.

    [7] أبو حامد محمد بن محمد الغزالي, المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، تحقيق:بسام الجابي،الطبعة الأولى, الناشر الجفان والجاني, قبرص،1987م,ص86.

    [8] انظر:محمد بن حمد الحمود، المنهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى, ج1،ص ص203-210, أيضا: محمد عز العرب، الصفات الثبوتية وموقف الغزالي منها،عرض وتحليل، الطبعة الأولى, دار الطباعة المحمدية،,(د م)،1987م،ص ص 54-55 .

    [9] محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله، (ت 256هـ)، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله e وسننه وأيامه، (صحيح البخاري)، الطبعة الثانية، مكتبة الرشد، الرياض2006م, كتاب التفسير، باب (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) (4752)، ص656-657، أيضا: مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (ت261هـ)، صحيح مسلم، مكتبة الرشد، الرياض2006م، كتاب الفضائل, باب فضائل الخضر عليه السلام,(2380)، ص611.

    [10] أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (ت 395هـ), معجم مقاييس اللغة,تحقيق:عبد السلام محمد هارون، دار الفكر،بيروت 1979م، ج4، ص505.

    [11] محمد الحسناوي، الفاصلة في القران،الطبعة الثانية,المكتب الإسلامي,بيروت 1986م،ص25

    [12] انظر: عبد الفتاح لاشين، من أسرار التعبير القرآني، الفاصلة القرآنية، دار المريخ للنشر، الرياض، 1402ه ص39-42

    [13] انظر: مرجع سابق عبد الفتاح لاشين، من أسرار التعبير القرآني، الفاصلة القرآنية، ص1-2.

    [14] نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد, دار الفكر، بيروت 1412 ه,ج7،ص174.

    [15] انظر: محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي، التحرير والتنوير (تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد)، الدار التونسية للنشر– تونس، 1984م، ج28 ص196.

    [17] مرجع سابق:ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج18، ص196.

    [18] مرجع سابق:ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج18، ص196.

    [19] محمد محمد أبو موسى، من أسرار التعبير القرآني"دراسة تحليلية لسورة الأحزاب"، الطبعة الثانية، مكتبة وهبة، مصر 1997م، ص50

    [20] مرجع سابق: ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج18، ص299.

    [21] انظر: محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط للقرآن الكريم،,دار المعارف،القاهرة ،1992م. ج3، ص143.

    [22] أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (ت: 502هـ), المفردات في غريب القرآن، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، الطبعة الأولى,دار القلم-الدار الشامية- 1412هـ دمشق بيروت،ص84.

    [23] انظر: سيد سابق، فقه السنة، (ت1420ه) الطبعة الثالثة، دار الكتاب العربي، بيروت1977م، ج1، ص ص197-198.

    [24] نخبة من العلماء، التفسير الميسر، بإشراف عبد الله عبد المحسن التركي، الطبعة الثانية، مجمع الملك فهد، السعودية، 1424هـ.ص36.

    [25] انظر: مرجع سابق:محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط،ج14،ص479-470 .أيضا: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (ت: 1376هـ), تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة،1420بيروت هـ،ص757.

    [26] انظر: مرجع السابق: تفسير الوسيط ج 3 ص99-122.

    [27] انظر: مرجع سابق، محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط ,ج3 ص122

    [28] انظر: مرجع سابق: محمد سيد طنطاوي,التفسير الوسيط,ج1 ص643-656.

    [29] انظر: مرجع سابق، عبد الرحمن السعدي، تفسير تيسير الكريم الرحمن، ص474.

    [30] انظر: عبد الرحمن السعدي تفسير تيسير الكريم الرحمن، ص459 -460.

    [31] انظر: نخبة من العلماء، التفسير الميسر.ص93.

    [32] انظر:محمد سيد طنطاوي، تفسير الوسيط،ج6 ص169-170،عبد الرحمن السعدي، تيسير الكريم الرحمن،ص440.

    [34] المرجع ذاته، ج1، ص93.

    [35] المرجع ذاته، ج1، ص94.

    [36] ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج4، ص 267.

    [37] محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (ت 279هـ) سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، الطبعة الثانية, مكتبة مصطفى البابي الحلبي, مصر, 1975 م،مذيلا بأحكام الألباني:وحكم على الحديث بالصحة،ج4،ص433، (2120).

    [38] انظر: محمد سيد طنطاوي، تفسير الوسيط، ج1،ص ص374-379، أيضا: عبد الرحمن السعدي تفسير الكريم الرحمن، ص85.

    [39] انظر: ابن عاشور التحرير والتنوير ج2,ص153.

    [40] انظر: ابن عاشور، التحرير والتنوير،ج2،ص ص135-136، أيضا:مرجع سابق,محمد سيد طنطاوي، تفسير الوسيط,ج6،ص-ص223-224.

    [41] انظر: مرجع سابق، محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط،,ج6،ص ص244-247.

    [42] انظر: محمد سيد طنطاوي، تفسير الوسيط،,ج14،ص ص337-347.

    [43] عبد الرحمن السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص757.

    [44] انظر: محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله أبو القاسم (ت 538هـ)، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، الطبعة: الثالثة، دار الكتاب العربي- بيروت 1407هـ. ج2، ص233،أيضا: إسماعيل بن عمر بن= كثير القرشي البصري ثم الدمشقي أبو الفداء (ت 774هـ) تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة، الطبعة الثانية 1999 م.، ج4، ص83.

    [45] انظر:مرجع سابق، جار الله الزمخشري،تفسير الكشاف،ج2، ص233.

    [46] انظر: مرجع سابق، ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج4، ص ص83-84.
    مصادر البحث ومراجعه:
    - القرآن الكريم.

    أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (ت 395هـ)، معجم مقاييس اللغة، تحقيق:عبد السلام محمد هارون، دار الفكر،- 1979م.
    أحمد بن الحسين أبو بكر البيهقي,(ت 458 هـ )،الأسماء والصفات, تحقيق: عبد الله الحاشدي،الطبعة الأولى، مكتبة السوادي، جدة.
    إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي أبو الفداء (ت 774هـ) تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة، الطبعة: الثانية 1999 م.
    الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، أبو القاسم (ت: 502هـ),المفردات في غريب القرآن، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، الطبعة: الأولى - دار القلم، الدار الشامية - 1412 هـ دمشق بيروت.
    سيد سابق، فقه السنة، (ت1420ه) الطبعة الثالثة، دار الكتاب العربي، بيروت1977م.
    ضياء الدين الجماس، التفكير في الأسماء طريق العلماء؛دراسات موضوعية علمية في الأسماء والأفعال الإلهية،الطبعة الأولى،،دار الهجرة، بيروت،1990م.
    عبد الفتاح لاشين، من أسرار التعبير القرآني، الفاصلة القرآنية، دار المريخ للنشر، الرياض، 1402هـ.
    محمد بن حمد الحمـــــود، المنهج الأسمى في شرح أســـــــــــما ء الله الحــــسنى، مكتبة الإمام الذهبي,
    الطبعة الأولى, الكويت,1991.

    محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري(ابن منظور)( 711هـ)، لسان العرب، الطبعة الثالثة، دار صادر، بيروت1994م.
    محمد ابن جرير أبو جعفر الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن(ت 310هـ )، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت 2000م.
    محمد بن محمد الغزالي أبو حامد, المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، تحقيق:بسام الجابي،الطبعة الأولى,الناشر الجفان والجاني,قبرص،1987 .
    محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله، (ت 256هـ)، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، (صحيح البخاري)، الطبعة الثانية، مكتبة الرشد، الرياض2006م.
    مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري(ت261هـ )، صحيح مسلم، مكتبة الرشد، الرياض2006م.
    محمد الحسناوي، الفاصلة في القران،الطبعة الثانية, المكتب الإسلامي,بيروت 1406ه-1986م،ص25.
    محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»، الدار التونسية للنشر– تونس، 1984م.
    محمد محمد أبو موسى، من أسرار التعبير القرآني "دراسة تحليلية لسورة الأحزاب"، مكتبة وهبة، الطبعة الثانية،1997.
    محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط للقرآن الكريم، دار المعارف، القاهرة،1992م.
    محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (ت 279هـ) سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون،: الطبعة: الثانية, مكتبة مصطفى البابي الحلبي مصر,- 1975 م،مذيلا بأحكام الألباني.
    محمد عز العرب، الصفات الثبوتية وموقف الغزالي منها،عرض وتحليل، الطبعة الأولى,دار الطباعة المحمدية، (د م).
    نخبة من العلماء، التفسير الميسر بإشراف عبد الله عبد المحسن التركي، التفسير الميسر، الطبعة الثانية، مجمع الملك فهد، 1424هـ.
    نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد,دار الفكر، بيروت 1412هـ
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •