قال الإمام بن القيم رحمه الله : ( الذي منع أبا طالب وأمثاله عن الإسلام ، استعظموا آباءهم وأجدادهم أن يشهدوا عليهم بالكفر والضلال ، وأن يختاروا خلاف ما اختار أولئك لأنفسهم ، ورأوا أنهم إن أسلموا سفَّهوا أحلام أولئك وضللوا عقولهم ورموهم بأقبح القبائح ، وهو الكفر والشرك ، ولهذا قال أعداء الله لأبي طالب عند الموت : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فكان آخر ما كلمهم به : هو على ملة عبد المطلب ! فلم يدعه أعداء الله إلا من هذا الباب لعلمهم بتعظيمه أباه عبد المطلب وأنه إنما حاز الفخر والشرف به ، فكيف يأتي أمراً يلزم منه غاية تنقيصه وذمه !! ولهذا قال : لولا أن تكون مسبة على بني عبد المطلب لأقررت بها عينك أو كما قال . وهذا شعره يصرح فيه بأنه قد علم وتحقق نبوة محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وصدقه كقوله : وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِيـنَ مُحَمَّدٍ مِـنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِدِي نَا لَوْلاَ الْمَلاَمَةَ أَوْ حَـذَارَ مَسَبَّةٍ لَوَجَدْتَنِي سَمْحاً بِذَاكَ مُبِينَا وفي قصيدته اللامية : فَـوَاللَّهِ لَوْلاَ أَنْ تَـكُونَ مَسَبَّةٌ تُجَرُّ عَلَى أَشْيَاخِنَا فِي الْمَحَافِلِ لَكُنَّا اتَّبَعْنَاهُ عَلَى كُـلِّ حَالةٍ مِنَ الدَّهْرِ جَدًّا غَيْرَ قَـوْلِ الْهَازِلِ لَـقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنََنَا لاَ مُكَذَّبٌ لَدَيْنَا وَلاَ يُعْنَي بِقَوْلِ الأَبَـاطِلِ والمسبة - التي زعم أنها تجر على أشياخه - شهادته عليهم بالكفر والضلال وتسفيه الأحلام وتضليل العقول ، فهذا هو الذي منعه من الإسلام بعد تيقنه )----------------------------------- نعم شق على أبي طالب الدخول في الإسلام لأنه كان يعلم أن الدخول في الإسلام ليس توحيد الله والتصديق بنبيه فقط بل كان يعلم أن الدخول في الإسلام هو مفارقة دين عبد المطلب وكل دين سوى الإسلام والحكم على عبد المطلب بالكفر والشرك وكذا على كل من لم يحقق هذا الدين .---------وهذا هوالذي فهمه أسعد بن زرارة رضي الله عنه عند بيعة العقبة وهو يومها من أصغرهم فقال : ( رويداً يا أهل يثرب ! فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله ، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة ، وقتل خياركم ، وأن تعضكم السيوف ، فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله ، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينة فبينوا ذلك ) (المسند - للإمام أحمد بن حنبل ، مسند جابر بن عبد الله ، ت. حمزة أحمد الزين (11/454) حديث رقم 14393 ، وقال : ( إسناده صحيح ) .).-- نعم لابد من مفارقة الشرك وأهله - مفارقة تبرؤ من دينهم ومعبوداتهم الباطلة . ولا يعد من أهل الإسلام من أبى عن الالتزام به إو اعتبر ما سواه من الأديان صحيحاً أو اعتبر من لم يحقق هذا الدين أو من خالف أصل التوحيد من زمرة المسلمين .--وقد بيَّن هذا الأصل الأصيل الصديق أبو بكر رضي الله عنه في رسالته التي بعثها مع أمرائه لقتال المرتدين حيث قال : ( بسم الله الرحمن الرحيم . من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بلغه كتابي هذا، من عامة وخاصة، أقام على إسلامه أو رجع عنه ، سلام على من أتبع الهدى ، ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والهوى ، فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو ، وأشهد أن لا إله إلاالله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، نقر بما جاء به ، ونُكَفِّر من أَبَى ذلك ، ونجاهده ) (البداية والنهاية لابن كثير (9/447-448) . ) .----------قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب (1115-1206هـ) : ( وأنت يا من منَّ الله عليه بالإسلام وعرف أن ما من اله إلا الله , لا تظن أنك إذا قلت : هذا هو الحق وأنا تارك ما سواه لكن لا أتعرض للمشركين ولا أقول فيهم شيئاً , لا تظن أن ذلك يحصل لك به الدخول في الإسلام ، بل لابد من بغضهم وبغض من يحبهم ومسبتهم وقال في موضع آخر : ( إنه صلى الله عليه وسلم لما قام ينذرهم عن الشرك ، ويأمرهم بضده وهو التوحيد ، لم يكرهوا ذلك واستحسنوه ، وحدثوا أنفسهم بالدخول فيه إلى أن صرح بسب دينهم ، وتجهيل علمائهم ، فحينئذ شمروا له ولأصحابه عن ساق العداوة ، وقالوا سفَّه أحلامنا ، وعاب ديننا ، وشتم آلهتنا ، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يشتم عيسى وأمه ولا االملائكة ولا الصالحين ، لكن لما ذكر أنهم لا يدعون ولا ينفعون ولا يضرون جعلوا ذلك شتماً ) -وقال-و لو قال رجل : أنا أتبع النبي صلى الله عليه و سلم وهو على الحق , لكن لا أتعرض للات والعزة ولا أتعرض لأبي جهل وأمثاله , ما عليَّ منهم ، لم يصح إسلامه ) (مجموعة الفتاوى والرسائل والأجوبة ، ص 126 .) .