مسألة في العمل التطوعي
محمد بن إبراهيم الحمد


العمل التطوعي في مجالات الخير المتنوعة عمل نبيل، يدل على صدق، وإخلاص، واحتساب. والذي يقوم به حري بالأجر، والرفعة في الدنيا والآخرة. ولكن ثمت مسألة تعتري نفراً ممن يعملون في هذا المجال، ألا وهي: مسألة الانتظام في العمل التطوعي، والانضباط في مواعيده، والقيام بمسؤولياته على الوجه الذي ينبغي، حيث إن بعض العاملين في ذلك الميدان يظن أنه إذا كان يعمل بدون أجر يأخذه مقابل عمله فإن له الخيار في أن يأتي متى وكيف شاء، وأنه غير مطالب بما يطالب به من يأخذ على عمله أجراً؛ لذا تجد من هذا شأنه لا يبالي بأوقات الدوام، ولا يعنيه أن يقوم بالأعمال التي تسند إليه.
بل يرى أن ما يأتي به من عمل إنما هو ربح لتلك الجهة التي ينتمي إليها، وأنه غير مطالب بكل ما يسند إليه.
ولا ريب أن ذلك الشعور غير صحيح؛ إذ هو مما يقلل إنتاج العمل، وجودته، ويوقع المسؤولين في حرج؛ فهم يودون أن يسير العمل كما ينبغي، ويستحيون -في الوقت نفسه- من محاسبة ذلك المقصر أو معاتبته؛ لكونه لا يأخذ على عمله أجراً.
والذي يجب على من انتظم في سلك العمل التطوعي أن يقوم بالعمل الذي يناط به على الوجه المطلوب، أو أن يطلب التخفيف عنه إذا كان لا يستطيع القيام بكل ما أنيط به، أو يتنحى جانباً ويدع المجال لغيره إذا لم يكن لديه استعداد للانضباط.
أما أن يوافق على القيام في عملٍ ما، ثم يقصر في أدائه؛ بحجة أنه تطوع منه، فليس من المروءة في شيء؛ ذلك أن العمل التطوعي له أركان وواجبات، وإن كان في أصله مستحباً مندوباً شأنه شأن غيره من القرب المستحبة؛ فالحج النافلة -على سبيل المثال- لا يجب على المسلم، ولكن إذا تلبس به وجب عليه إتمامه، وحرم عليه الإخلال بشيء من أركانه وواجباته، وحَسُن به القيام بمسنوناته ومستحباته.
فهل يسوغ لمن حج تطوعاً أن يدع الوقوف في عرفة أو الطواف بالبيت بحجة أنه حَجُّ تطوعٍ؟ الجواب: لا.
وكذلك إذا أدى السنة الراتبة، أو سنة الضحى هل يسوغ له ترك الركوع أو السجود بحجة أن تلك الصلاة غير مفروضة عليه؟ الجواب: لا.
وهكذا العمل التطوعي -وإن كان لا يشبه المثالين السابقين من جميع الوجوه-.
وبالجملة فإن على من رغب في القيام بالعمل التطوعي أن يقبل عليه بجد، وإخلاص، وإلا فلا يحرج نفسه، وغيره في تقصيره وإخلاله