تفسير سورة قريش

أبو عاصم البركاتي المصري

سورة قريش: عدد آياتها أربع آيات، وهي مكية.

بسم الله الرحمن الرحيم، ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 1 - 4].
مناسبة السورة لما قبلها:

قبلها في المصحف سورة الفيل، وقد ذكر الله تعالى فيها ما فعله سبحانه بأصحاب الفيل - أبرهة الحبشي وجيشه - وكيف أهلكهم لما قصدوا مكة لهدم الكعبة وتخريب البيت، فمزَّقهم الله تعالى بالطير الأبابيل والحجارة التي من سجيل، وأنجى الكعبة وحفظها، وحفظ معها عز قريش وشرفها، فلم يُغزَوا ولم يُستَباحوا، وهذه منة عظيمة ونعمة كبرى.
ثم في سورة قريش ذكر سبحانه امتنانه عليهم بجلب الرزق، وتسهيل وسائله في رحلتي الشتاء والصيف بالتجارة إلى اليمن وإلى الشام؛ قال سبحانه: ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [القصص: 57]، فالله تعالى أمَّنهم من خوف الجوع بأن أطعمهم ويسَّر لهم الرزق، وأمَّنهم من عدوهم، ومن أراد غزوهم؛ قال سبحانه: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ﴾ [العنكبوت: 67]، فوجَب عليهم عبادة الله وحده، وألا يشركوا به شيئًا، وأن يتبرؤوا من الأصنام والأوثان، ويخلصوا العبادة لله ويؤمنوا برسوله ويتبعوه؛ قال ابن جرير في تفسيره (24 /621): في إجماع جميع المسلمين على أنهما سورتان تامتان، كل واحدة منهما منفصلة عن الأخرى؛ ا.هـ.
مناسبة السورة لما بعدها:
بعدها في المصحف سورة الماعون، وقد ذكر الله فيها أهل التكذيب بالدين؛ أي بيوم الدين يوم الحساب، أو التكذيب بالإسلام، ولتكذيبهم فهم لا يرحمون اليتيم ولا يعطفون عليه، بل يمنعونه حقَّه ويظلمونه، وكذا يمنعون من طعام الفقراء والمساكين؛ ولا تطيب أنفسهم ببذل الماعون وهو القِدْر؛ أي: لا يعيرون القدر ولا الجفنة، وما في معناه مثل الحبل أو الفأس، ولا يتصدقون بقليل ولا كثير، ثم توعدهم الله هم وأمثالهم من تاركي الصلاة والعبادة والتوحيد، وقساة القلوب الذين يحبون المدح في الدنيا، ولا يرجون وجه الله ولا اليوم الآخر بالويل؛ أي: بالعذاب الشديد في النار، وفي هذا تلمح تناسب السورتين في السياق، فأهل التوحيد هم أهل شكر الله وطاعته وعبادته وتوحيده، وهم كذلك أهل الاعتراف بفضل الله تعالى ونعمه وآلائه التي لا تحصى من الأمن والرزق والعافية، وأهل الشرك والكفر هم أهل الجحود والنكران والإمساك والإقتار.
مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ:
الامتنان على قريش بذكر نعم الله عليهم من الأمن وتوفير الرزق، وتسهيل وسائله.
ما يجب عليهم تجاه ذلك.
تفسير قوله تعالى: ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ﴾:
إيلاف لها معان: الأول: الاجتماع والتآلف والاتفاق؛ كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾ [الأنفال: 63]، وقوله سبحانه: ﴿ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103]، والثاني: العادة المألوفة.
الثالث: اللزوم، فمن ألِف شيئًا لزمه، فقد أخرج الطبري في تفسيره (24 /621) بسنده عن ابن عباس، في قوله: ﴿ إلْفَهُمْ رِحْلَةَ الشتاءِ وَالصَّيْف ﴾ يقول: لزومهم.
الرابع: الْإِيلَافُ هُوَ التَّهْيِئَةُ وَالتَّجْهِيزُ.
فائدة ذكر اللام في قوله سبحانه: "لِإِيلَافِ":
اللام بمعنى التعجب، وأن معنى الكلام: اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، فاكتفى باللام دليلًا على التعجب من إظهار الفعل؛ [تفسير الطبري (24 /621)].
وقال الفخر الرازي في "مفاتيح الغيب" (32 / 294): اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِإِيلافِ تَحْتَمِلُ وُجُوهًا ثَلَاثَةً، فَإِنَّهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِالسُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَوْ بِالْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، أَوْ لَا تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً لَا بِمَا قَبْلَهَا، وَلَا بِمَا بَعْدَهَا.
أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِمَا قَبْلَهَا، فَفِيهِ احْتِمَالَاتٌ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ الزَّجَّاجِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ التَّقْدِيرَ: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ لِإِلْفِ قُرَيْشٍ أَيْ أَهْلَكَ اللَّهُ أَصْحَابَ الْفِيلِ لِتَبْقَى قُرَيْشٌ، وَمَا قَدْ أَلِفُوا مِنْ رِحْلَةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ.
الِاحْتِمَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: كُلُّ مَا فَعَلْنَا بِهِمْ فَقَدْ فَعَلْنَاهُ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، حَتَّى صَارُوا كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ إِيلَافِ قُرَيْشٍ.
الِاحْتِمَالُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِإِيلافِ بِمَعْنَى إِلَى كَأَنَّهُ قَالَ: فَعَلْنَا كُلَّ مَا فَعَلْنَا فِي السُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَة ِ إِلَى نِعْمَةٍ أُخْرَى عَلَيْهِمْ، وَهِيَ إِيلَافُهُمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ تَقُولُ: نِعْمَةُ اللَّهِ نِعْمَةٌ، ونعمة لنعمة، سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى، هَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ اللَّامَ فِي: لِإِيلافِ متعلقة بقوله: "لْيَعْبُدُوا" ، وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ، وَالتَّقْدِيرُ: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ؛ أَيْ: لِيَجْعَلُوا عِبَادَتَهُمْ شُكْرًا لِهَذِهِ النِّعْمَةِ وَاعْتِرَافًا بِهَا، فلم دخلت الفاء في قوله: لْيَعْبُدُوا؟ قُلْنَا: لِمَا فِي الْكَلَامِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ، وذلك لأن نعم الله عليهم لَا تُحْصَى، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِنْ لَمْ يَعْبُدُوهُ لسائر نعمه، فليعبده لِهَذِهِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي هِيَ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ هَذِهِ اللَّامُ غَيْرَ مُتَعَلِّقَةٍ، لَا بِمَا قَبْلَهَا وَلَا بِمَا بَعْدَهَا، قَالَ الزَّجَّاجُ: قَالَ قَوْمٌ: هَذِهِ اللَّامُ لَامُ التَّعَجُّبِ، كَأَنَّ الْمَعْنَى: اعْجَبُوا لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كُلَّ يَوْمٍ يَزْدَادُونَ غَيًّا وَجَهْلًا وَانْغِمَاسًا فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُؤَلِّفُ شَمْلَهُمْ وَيَدْفَعُ الْآفَاتِ عَنْهُمْ، وَيُنَظِّمُ أَسْبَابَ مَعَايِشِهِمْ، وَذَلِكَ لَا شَكَّ أَنَّهُ فِي غَايَةِ التَّعَجُّبِ مِنْ عَظِيمِ حِلْمِ اللَّهِ وَكَرَمِهِ، وَنَظِيرُهُ فِي اللُّغَةِ قَوْلُكَ لِزَيْدٍ وَمَا صَنَعْنَا بِهِ وَلِزَيْدٍ وَكَرَامَتِنَا إِيَّاهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْكِسَائِيِّ وَالْأَخْفَشِ وَالْفَرَّاءِ؛ [انتهى بتصرف].
القول في معنى قريش:
وَقُرَيْشٌ هُمْ وَلَدُ النَّضِرِ بْنِ كِنَانَةَ، وَكُلُّ مَنْ وَلَدَهُ النَّضْرُ فَهُوَ قُرَشِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يَلِدْهُ النَّضْرُ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ، وعن وَاثِلَة بْن الْأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ"؛ [أخرجه مسلم].
وَسُمُوا قُرَيْشًا مِنَ الْقَرْشِ، وَالتَّقَرُّشِ وَهُوَ التَّكَسُّبُ وَالْجَمْعُ، يُقَالُ: فَلَانٌ يَقْرِشُ لِعِيَالِهِ وَيَقْتَرِشُ؛ أَيْ: يَكْتَسِبُ، وَهُمْ كَانُوا تُجَّارًا حُرَّاصًا عَلَى جَمْعِ الْمَالِ، وقيل التَّقَرُّشُ هُوَ التَّجَمُّعُ، يُقَالُ: تَقَرَّشَ الْقَوْمُ: إِذَا اجْتَمَعُوا، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ قُصَيٌّ مُجَمِّعًا؛ لأنه جمع بطون قريش حول الكعبة بعد أن كانوا متفرقين مشتتين في غير الحرم، قَالَ الشَّاعِرُ:
أَبُوكُمْ قُصَيٌّ كَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا ♦♦♦ بِهِ جَمَّعَ اللَّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ
وورد في أخبار مكة للأزرقي (1 / 109) وفي المعجم الكبير للطبراني (10 / 240) عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: بِمَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ؟ قال: بدابة في البحر تأكل ولا تؤكل، تَعْلُو وَلَا تُعْلَى، وَأَنْشَدَ قَوْل تُبَّعٍ:



وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تسكن البحر

بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا




تأكل الغثَّ والسَّمين ولا تترك

فيه لذي الجناحين ريشا




هَكَذَا فِي الْبِلَادِ حَيُّ قُرَيْشٍ

يَأْكُلُونَ الْبِلَادَ أَكْلًا كَمِيشَا


وقريش فيها من صفات العلو والفخار والتعظيم، فشبَّهوا بدابة القرش؛ لأنها تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعلى، وصغر الاسم للتعظيم، وفي الحديث عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا»؛ [السنة لابن أبي عاصم (1519)].
وقيل أن التقريش بمعنى التفتيش، يقال: قَرَّشَ يُقَرِّشُ عني، أي: فَتَّش، وكانت قريشٌ يُفَتِّشون على ذوي الخُلاَّنِ ليَسُدُّوا خُلَّتَهم؛ قال الشاعر:
أيُّها الشامِتُ المُقَرِّشُ عنا ♦♦♦ عند عمروٍ فهَلْ له إبْقاءُ
تقديم الجار والمجرور في قوله سبحانه: لإيلاف:
فِيهِ تَشْوِيقٌ إِلَى مُتَعَلِّقِ هَذَا الْمَجْرُورِ. وهو قوله: «لِيَعْبُدُوا»[1].
وَتَقْدِيمُ هَذَا الْمَجْرُورِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ؛ إِذْ هُوَ مِنْ أَسْبَابِ أَمْرِهِمْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ الَّتِي أَعْرَضُوا عَنْهَا بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ «لِيَعْبُدُوا»[2].
تفسير قوله تعالى: ﴿ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ ﴾:
قوله: "إيلافهم" بدل من ﴿ إيلاف قريش ﴾ وقيل: توكيد لفظي، و"رحلة" مفعول به للمصدر إيلافهم، وأصل الرحلة السير على الراحلة، ويطلق الرحلة ويراد السفر.
وقوله: ﴿ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ﴾؛ أي: انتقالهم إلى اليمن والشام للتجارة، "وكان لقريش رحلتان يرحلون في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام، فيمتارون ويتجرون، وكانوا في رحلتيهم آمنين؛ لأنهم أهل حرم الله وولاة بيته العزيز، فلا يتعرض لهم والناس بين متخطف ومنهوب، وذلك أن قريشًا إذا أصاب واحدًا منهم مخمصة، خرج هو وعياله إلى موضع وضربوا على أنفسهم خباءً حتى يموتوا، وكانوا على ذلك إلى أن جاء هاشم بن عبدمناف وكان سيد قومه فقام خطيبًا في قريش، فقال: إنكم أحدِّثتم حدثًا تقلون فيه وتذلون وأنتم أهل حرم الله وأشرف ولد آدم، والناس لكم تبع، قالوا: نحن تبع لك، فليس عليك منا خلاف، فجمع كل بني أب على الرحلتين في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام؛ لأن بلاد اليمن حامية حارة وبلاد الشام مرتفعة باردة؛ ليتجروا فيما بدا لهم من التجارات، فما ربح الغني قسم بينه وبين فقرائهم حتى كان فقيرهم كغنيِّهم، فجاء الإسلام وهم على ذلك، فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالًا ولا أعز من قريش، وكان هاشم أول من حمل السمراء (الحنطة) من الشام"[3].
تفسير قوله تعالى: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ﴾:
أمر بعبادته سبحانه وحده، وفي الآية الأمر بتوحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، والمعنى أن الرب الذي خلقكم ورزقكم، ويسَّر لكم سبل الرزق والتجارة؛ لتعيشوا عيشة هنية في أرض يصعب العيش فيها، هو وحده المستحق للعبادة وحده لا الأصنام والأوثان، فانقادوا له وآمنوا به وبرسوله، وأذعنوا لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فالعبادة لغةً الانقِيَادُ وَالخُضُوع، والاستسلام والذل، وقد عرَّفها ابن تيمية بأنها اسمٌ جامع لكلِّ ما يُحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وهي تتضمن غاية الذل والحب؛ إذ تتضمن غاية الذل لله تعالى مع المحبة له، وتتضح طاعة الله بامتثال ما أمر به والانتهاء عما نهى عنه؛ قال عز وجل في كتابه العزيز: ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا، وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ ﴾ [النمل: 91].
وقال سبحانه: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].
ولأجلها أرسل الله سبحانه رسلَه، فقد كان قولهم عليهم الصلاة والسلام جميعًا إلى أقوامهم يتلخَّص في آيةٍ واحدةٍ هي قول الله سبحانه عز وجل: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59].
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 21 -22].
وقال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].
وجعل ذلك لازمًا لرسوله صلى الله عليه وسلم إلى الموت؛ كما قال: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].
وقال سبحانه: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].
وبذلك وصف ملائكته وأنبياءه، فقال تعالى: ﴿ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ﴾ [الأنبياء:19-20].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَه ُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ [الأعراف:206].
وفي الصحيحين عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟»، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَلاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: «لاَ تُبَشِّرْهُمْ، فَيَتَّكِلُوا».
قوله سبحانه: ﴿ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ﴾:
أي: رب الكعبة والإضافة للتشريف والتعظيم؛ قال تعالى: ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ ﴾، وخاطبهم الله تعالى بقوله رب هذا البيت؛ لأنهم يروا الكعبة، فالخطاب أولًا لقريش، وقد كانوا يهابون البيت ويعظمونه، فالتعظيم لله تعالى رب البيت من باب أولى وأدعى.
تفسير قوله سبحانه: ﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾:
أي: إن الله تعالى الذي يسر طرق التجارة إلى اليمن وإلى الشام في رحلتي الشتاء والصيف، فأطعمكم وأشبعكم وجلَب لكم ثمرات ليست في بلدكم، هو أولى بالعبادة والشكر من غيره، وانظر وتأمل في ارتباط نعمتي الإطعام من الجوع والتأمين من الخوف؛ إذ لا تكمل إحداهما إلا بالأخرى.
قال جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 57].
وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 125- 126].
فجعل الله الله البيت أمنًا وأمانًا، وحرَّم فيه التعدي والظلم؛ قال سبحانه: ﴿﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِل ِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [العنكبوت: 67]، وقال: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25].
وقال جل ذكره: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96، 97].
ثم بيَّن سبحانه عاقبة الجحود والكفران لنعم الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].
وفي سورة سبأ بيَّن الله تعالى عاقبة أهل سبأ لَما كفروا بنعم الله تعالى، وجحدوا نعم الرزق والعافية والأمن، فقال سبحانه: ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُم ْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [سبأ: 18 -19].
نعمة الأمن نعمة ومنة كبرى:
قوله سبحانه: ﴿ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾:
وذلك لأن الله تعالى ألقى في قلوب العرب ونفوسهم المهابة لمكة والبيت الحرام، فكانت القبائل يغير بعضها على بعض، وينهب بعضهم بعضًا إلا أهل مكة، فهم موضع مهابة القبائل العربية، حتى لما جاء أبرهة بجيشه لهدم الكعبة حتى يصرف حج العرب للكنيسة التي بناها باليمن، أهلكه الله تعالى وحفِظ مكة، وأمَّن أهلها، فزادت مهابة قريش في نفوس العرب، فكانوا يسافرون للتجارة، فلا يعترضهم إنسان.
والآية وإن كانت في معرض الامتنان على أهل مكة، وذلك بالتذكير بنعم الله عليهم، فهي كذلك داعية إلى وجوب المحافظة على الأمن وعدم إشاعة الخوف بأي شكل من الأشكال، وقد تواترت النصوص القرآنية والنبوية تواترًا معنويًّا في الأمر والحث على تحقيق العيش الآمن، فبيَّن صلى الله عليه وسلم فضل الأمن والعمل على تحقيقه في أحاديث عدة، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»؛ [الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني].
وانظر وتأمَّل معي في حرص النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أمن المدينة، وعلى استئصال مصادر الخوف والفزع والقضاء عليها، ففي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ لَيْلَةً، فَخَرَجُوا نَحْوَ الصَّوْتِ، فَاسْتَقْبَلَهُ مُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اسْتَبْرَأَ الخَبَرَ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، وَفِي عُنُقِهِ السَّيْفُ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا»؛ [البخاري (2908) ومسلم (2307)].
وقد كَانَ نبينا صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ»؛ [الترمذي (3451)].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يدع هؤلاء الكلمات إذا أصبح إذا أَمْسَى: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ مِنْ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تحتي»؛ [أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (1200) وأبو داود (5074)].
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ترويع المسلم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ»؛ [أخرجه مسلم (2616)].
وقال صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ»، قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائقَه»؛ [البخاري ومسلم].
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»؛ [البخاري ومسلم].
وقال في حق الكافر المعاهد: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا»؛ [البخاري (3166)].
وقال كذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؛ [أبو داود) 3052)].
وعَنْ عَبْدِالرَّحْمَ نِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: «مَا يُضْحِكُكُمْ؟»، فَقَالُوا: لَا، إِلَّا أَنَّا أَخَذْنَا نَبْلَ هَذَا فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا»؛ [أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني].
ولَمَّا دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة يوم الفتح أمن أهلها، ففي الحديث قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابهُ فَهُوَ آمِنٌ»؛ [أخرجه مسلم].
انتهت

والله من وراء القصد

[1] تفسير "التحرير والتنوير" (30 /554)؛ بتصرف.
[2] السابق (30 /554).
[3] تفسير "روح البيان"؛ لأبي الفداء إسماعيل حقي الإستانبولي (10 /519)، دار الفكر - بيروت.