الداعية المعاصرة وموقفها من قضايا الساعة
هناي سليمان


لقد منح الله - سبحانه وتعالى - المرأة القدرات والمعطيات التي تمكنها من القيام بالدعوة، ومنها: المساواة بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة الإنسانية وفي أصل التكاليف الشرعية، وحقها في طلب العلم الذي يؤهلها للقيام بعبادتها، حيث يقول الله - سبحانه وتعالى -:[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً] {النساء:1}.
لابد لكل جهد من أثر ونتيجة وعلى مقدار حجم الجهود تأتي النتائج غالباً، فهناك آثار مترتبة على قيام المرأة بالدعوة، فهي تشمل مرافق الحياة المختلفة، سواء التأثير في الناحية العلمية أو التربوية أو النفسية وحتى الاجتماعية.
فقيام المرأة بالدعوة يؤدي إلى انتشار العلم بصورة أوسع وأشمل، كما يوسع الأفق الفكري في الأوساط النسائية، لاسيما ما يتعلق بالإسلام، بالإضافة إلى أن العمل في الدعوة يؤدي إلى توفر كفاءات علمية في الوسط النسائي يمكن للنساء الرجوع إليها في كثير من المسائل العلمية، هذا من جانب الأثر العلمي.

أيضاً هناك آثار ملموسة في الجانب التربوي تنشأ عن عدم قيام المرأة بالدعوة مثل انتشار الوهم واعتقاد عدم تكليف المرأة المسلمة بالدعوة، كما أن قيام المرأة بالدعوة يجعل منها رقيبة على نفسها في قولها وفعلها وحركاتها وسكناتها وأن عمل المرأة الدعوي يؤدي إلى اختفاء كثير من الممارسات الخاطئة في المجتمع.
كذلك هناك الأثر النفسي من مشاركة المرأة المسلمة في الدعوة، فإنه يؤدي إلى إبراز المكانة الشخصية للمرأة في تعاليم الإسلام، وزرع الثقة في النفس من حيث الشعور بالمساواة الإنسانية في الحقوق والواجبات، أيضاً يؤدي إلى إيقاظ شعور المرأة بنظرة الإسلام لها، حيث جعلها عنصراً فعالاً في بناء مجد الأمة ورقيها بدفعها للتفاني بأعمالها وبذل جهودها الدعوية والتربوية ابتغاء مرضاة الله وخشية من عقابه كما في قوله - سبحانه -: [وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] {التوبة:71} .
ميادين الدعوة : إن الله - سبحانه وتعالى - خلق الإنسان وسخر له كل ما يحيط به من مخلوقاته المختلفة، كما ركبه من عنصرين هما:

أ - الروح:
وهي من روح الله المخلوقة، حيث يقول - سبحانه - لملائكته الكرام: -[فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ] {الحجر:29}.
ب - الجسد
: فمادة الجسم أرضية، حيث صنعه الله من مادة الطين كما في قوله:[إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ] {ص:71}.
وبناء على هذين العنصرين الذين يتكون منهما جسم الإنسان تنقسم ميادين الدعوة إلى قسمين:
1 - الميادين التربوية: وهي الميادين المتعلقة بتربية الروح وتعليمها وتثقيفها وتطهيرها بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله - تعالى -، ومن خلال الميادين التربوية يمكن مخاطبة الإنسان مخاطبة مباشرة للعقل والروح.

2 - الميادين الاجتماعية: وهي الميادين المتعلقة بتربية الجسد من ناحية النمو والسلامة والصحة النفسية والاجتماعية والجسدية، وأخذ الزينة، وتبادل هذه الخدمات بين أفراد البشرية بما يتلائم مع التربية الروحية لتتضافر هذه الميادين مجتمعة على إبراز الشخصية المسلمة المؤمنة بالله - سبحانه وتعالى - وفق مراد الله وامتداداً لفطرة الله التي فطر الناس عليها.

وهذا التقسيم للميادين إلى تربوية واجتماعية، لا يعني انفراد أحدهما عن الآخر، واستقلاله التام بنوع من الخدمات، بحيث لا يشترك معه فيها غيره، وإنما هو مبني على أساس الخدمة الغالبة لكل ميدان.
ولذلك فإن على الداعية أن توازن بين هذين العنصرين وأن تلبي حاجات المدعو الروحية والجسدية عند مزاولة الدعوة، فلا يغلب جانب على آخر، لأن اهتمام الإنسان بجسده على حساب روحه يعد حيوانية، كما أن تغليب روحه على حساب جسده يعد رهبانية ولا رهبانية في الإسلام.
وسائل الدعوة :
يقول الله في كتابه العزيز:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ] {المائدة:35}.
إن من الممكن للمرأة المسلمة أن تثبت الدعوة من خلال وسائل عدة، يمكن تقسيمها إلى وسائل تربوية واجتماعية، كما توجد بعض الوسائل الدعوية التي تجمع بين الجانبين التربوي والاجتماعي، ومن هذه الوسائل المنزل والمدرسة والمسجد، ومنها ما يغلب فيه الجانب التربوي على الاجتماعي مثل الكتابة، كذلك هناك من الوسائل ما يغلب الجانب الاجتماعي فيه على الجانب التربوي، مثل المستشفيات ومراكز الرعاية الاجتماعية.
والجدير بالذكر أن الوسائل الدعوية تمثل المرآة العاكسة لما يمكن للداعية المعاصرة أن تلعبه من دور في قضايا الساعة وإيجاد حلول إسلامية عملية لها، وسوف أتحدث عن إحدى هذه الوسائل، وهي مراكز الرعاية الاجتماعية، وبالأخص دار رعاية الفتيات.
فقد وجدت مثل هذه المراكز من باب التدبير الوقائي ولتقويم الانحرافات، حتى يكونوا أشخاصاً فاعلين في مجتمعهم، وهذا يدخل ضمن درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، ومن أجل ذلك تقوم هذه الدار بتدابير وقائية عدة من سلوك طريق الانحراف أو العودة إليه.
ومن هذه التدابير حجز الفتيات وتقويم سلوكهن من خلال برامج التوجيه التربوي النفسي والاجتماعي.
ولابد أن يقوم على شؤون هذه الدار فئة من النساء المسلمات الصالحات الغيورات على مصالح الفتيات ممن يعملن بدافع الإيمان والإخلاص بأمانة وشعور بالمسؤولية.
صفات الداعية :
قال الله - تعالى -: [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ] {النحل:125}.
ولعل من أبرز صفات الداعية:
1 - مخاطبة الناس بما يعرفون، وذلك بالأخذ بالعرف وبلاغة القول ومراعاة المصطلحات الحديثة.
2 - مراعاة سنة التدرج.
3 - الاطلاع على محاولات التوفيق بين الإسلام وبين الأفكار الغريبة.
4 - الالتزام دائماً بالحقيقة.
5 - الصدق في المعاملة.
6 - التحلي بالصبر.
7 - الاستعداد الدائم للجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله - تعالى -.
8 - الارتقاء المستمر وذلك بالسعي للأحسن.
9 - الجدية بالتفكير والعمل.
10- التصور الدائم للهدف المرجو.
فعلى حاملة الدعوة أن تكون عارفة لمجتمعها مطلعة على خفاياه، واقفة على أسرار نفسيتها، خبيرة بطرق توجيهها، تعرف كيف تخاطبها بلغتها، وكيف تتملك زمامها، وكيف تكون موضع تقديرها واحترامها، ولا يكون لها ذلك إلا إذا حاولت أن تكمل نفسها.
نماذج من الداعيات في عهد النبوة :
أ - أولى الداعيات: خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها -:
لقد هيأ الله - عز وجل - أم المؤمنين الأولى لتستقبل أول نبأ لمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بكل شجاعة قلبية واطمئنان ليس له نظير، وليس هذا فحسب، وإنما كان لها من شجاعة القلب ورسوخ الإيمان ما مكنها من الإسهام في تثبيت قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزرع الطمأنينة في نفسه وإعادة الثقة إليه في أول لقاء معه بعد نزول الوحي عليه.
ولموقفها ذلك من إمام الدعاة ورسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - فقد كوفئت بالسلام من ربها ومن جبريل وبيت في الجنة، وأنها من فضليات النساء وخيرهن.
ب - أم سليم بنت ملحان: داعية مهرها الإسلام:
عندما تقدم أبو طلحة الأنصاري للزواج من أم سليم، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: تزوج أبو طلحة أم سليم، فكان صداق ما بينهما الإسلام، أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت: إني قد أسلمت، فإن أسلمت نكحتك، فأسلم. فكان صداق ما بينهما.
ولم تكتف أم سـليم بهذا العرض فقط، ولكنها انتقلت إلى استخدام أسلوب من أساليب الدعوة إلى الله وهو أسلوب الحكمة في الدعوة، وذلك بإقامة الحجج والبراهين على تفاهة المعبــودات من دون الله.