وفي السفر عظات وعبر وتأملات، ولما لا وقد قال ربنا: (قل سيروا في الأرض فانظروا ... )؛ في غير ما موضع من كتابه العزيز:
_ في سورة الأنعام: (قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين).
_ في سورة النمل: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين).
_ في سورة العنكبوت: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشاة الآخرة إن الله على كل شيء قدير).
_ في سورة الروم: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين).
وفي السياحة في الأرض تثبيت للقلوب ورياضة للفؤاد وتفكر للعقول، وقد عُلِم أن الله تعالى أمر بالسير في الأرض كما في قوله تعالى:
_ في سورة يوسف: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).
_ سورة الحج: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا).
_
في سورة الروم: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).


فالسير في هذه الآيات يُراد منه النظر في الآيات والآثار، ونهاية من قبلنا، وكيف كانت عاقبتهم، ففي ذلك عبرة وموعظة لمن فكر ونظر بقلبه، حيث يرى المساكن الدامرة، والقبور الداثرة، والعظام النخرة، ويرى تقلب الدنيا بأهلها، حيث قد ملكها من قبلنا، وتصرفوا فيها، وسيطروا على الخلق، وفتكوا وظلموا، وجاروا أو عدلوا، وأقسطوا، فكانت نهايتهم أخباراً وآثاراً، كما قال الشاعر:
تلك آثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار
وهكذا يستفيد من يسير في الأرض التفكر في عجائب المخلوقات، وغرائب الموجودات، ففي الأرض آيات للموقنين، حيث يشاهد اختلاف البقاع من الأرض، والجبال، والوهاد، والأودية، فتارة تجد أرضا رملية وكثبا مرتفعة كالجبال، وتارة تسير في صحراء ترابية مستوية، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، خالية من الجبال والرمال، والأودية، وتارة تقع على أرض صخرية فيها الجبال الرفيعة، والآكام، والظراب والحَرَّات، وتارة تعثر على أرض خصبة ذات أشجار وأزهار، ونبات مختلف الألوان.
فسبحان الله الذي دبر وخلق؛ فأبدع وصور وأحسن كل شيء خلقًا: ‏(هذَا خَلْقُ اللَّه ِفَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).