الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، ( وبعد ) :
تمهيد في بيان حقيقة التربية الإسلامية :
التربية عند علماء التربية الإسلامية ، هي : ( تتنشئة وبناء الفرد المسلم والجماعة المسلمة ، فكرا وسلوكا ، وفق منهج الله تعالى الذي أرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم ) .
- وقد يستلزم البناء هدما ، وهو التزكية والتطهير ، قال تعالى : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) ، والتزكية هنا التطهير من الشرك والآثام ، وقال سبحانه : ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ) ، وأمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : ( وثيابك فطهر ) ، وهذا يشمل الباطن والظاهر ، وقال سبحانه : ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) ، والصحيح الذي تشهد السيرة به أن عملية التحلية تقارن عملية التخلية فلا ينفكان .
والنبي صلى الله عليه وسلم علم الأمة التوحيد وأنه ( لا إله إلا الله ) ، فاشتملت على النفي والإثبات مقترنان ، وفي السيرة في قول جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي دليل على ذلك ، حيث قال : ( أيها الملك ، كنا قوما أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبد ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث...) - ابن ماجة ، وفي إسناده نظر ، لكن يشهد له رواية عند النسائي في السنن الكبرى من حديث أنس ، وأخرى عند أحمد من رواية أبي رافع - ، وفي قصة إسلام عمرو بن عبسة رضي الله عنه ، قال صلى الله عليه وسلم له لما سأله : وبأي شيء أرسلك ؟ ، قال صلى الله عليه وسلم : ( أرسلني بصلة الأرحام ، وكسر الأوثان ، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء ) - مسلم - ، والأمثلة في السيرة أكثر من أن تحصر ، وسيأتي بعض ذلك إن شاء الله تعالى .
- تربية الأمة والجماعة والمجتمع المسلم لا يكفي فيه تربية الفرد ؛ لأنه يشتمل على تربية أخرى بعد تربية الفرد هي تربية ( الرابطة واللحمة والصلة ) ؛ لذلك ذكرت القسمين في التعريف .
- التربية منها أصل وأساس ( التربية الفكرية ) ، ومنها فرع وبناء ( التربية السلوكية ) .
- لابد أن يكون منهج التربية هو منهج الكتاب والسنة ، والمبين كيفيته في سيرته صلى الله عليه وسلم ، ومن هذه الكيفية التي لا يمكن معرفتها إلا من السيرة المطهرة : ( التدرج والمرحلية ) ، فلا تربية إلا أن تكون شيئا فشيئا ، فيراعى ذلك ، وهذه هي الربانية في التربية والتعليم .
وللحديث بقية إن شاء الله .