أيها الداعية: كبَّروك فاكْبَر




وائل رمضان


كنت في مجلس لأحد المشايخ الفضلاء، فمدح أحدهم شخصًا في المجلس، فقال هذا الشخص للشيخ محاولاً دفع المدح عن نفسه، (إنَّهُم يُكبّرونني) أي يرفعون من شأني، فقال الشيخ: (كبَّروك فاكْبَر)، استوقفني هذا المعنى كثيرًا ووجدت أن كثيرا من الإشكالات التي نعاني منها تنطلق من الخلل في تطبيق هذا المفهوم، ألا وهو (تحمل المسؤولية)، وأن يكون الإنسان على قدر كبير من الثقة التي أولاها الناس له، وأن يكون عند حسن ظنهم به.

التخلف عن بذل الجهد

والناظر إلى الواقع العام والواقع الدعوي خصوصا، يجد أن كثيرا من الناس تخلف عن بذل الجهد لإنقاذ الأمة مما تعانيه اليوم، والتضحية لإعزاز دين الله في الأرض، ويتضح لك فعلاً أن الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة، كما ورد في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة» (رواه البخاري: 6498، ومسلم: 2547، قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: إن أكثر الناس أهل نقص، وأما أهل الفضل فعددهم قليل جدًا؛ فهم بمنزلة الراحلة في الإبل، ومنه قوله -تعالى-: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الأعراف: من الآية 187).

معان عدة

كبَّروك فاكْبَر تحمل معاني عدة أهمها ما يلي:

تقدير حجم التبعة

كبَّروك فاكْبَر تجعل الإنسان يُقدر حجم التبعة والأمانة التي تحملها ولا سيما إذا كان مكلفًا بأعمال ومحملاً بمهام ومسؤوليات، فلابد لمن سلك طريق الدعوة إلى الله، من مجاهدة نفسه، وحملها على تحمّل أعباء هذه الدعوة، والمضي قدمًا في إيصال هذا المنهج المبارك إلى الناس كافة وبشتى الوسائل الشرعية الممكنة وبمختلف الوسائل والسبل المتاحة.

حقيقة الانتماء

كبَّروك فاكْبَر تجعل الإنسان يفهم حقيقة الانتماء إلى الدعوة، وأنَّ لهذا الانتماء أبعاد تتجاوز الحدود الشكلية، والاعتبارات المظهرية، أبعادا تؤكد العمق العقدي وقوة الارتباط المنهجي؛ فالانتماء للدعوة انتماء لهذا الدين, ومن ثم امتثال لأمر الله -تعالى- وطمع في رحمته ورضاه، وهذا المعنى يجعل ارتباط الأفراد بالله واجتماعهم عليه -سبحانه وتعالى-, وهذا في الواقع سر بقاء الدعوة وثباتها وبقائها واستمرارها في مواجهة الأمواج العاتية والفتن الحالكة.

التضحية

كبَّروك فاكْبَر، تعني التضحية بمعناها الشامل من بذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في سبيل تحقيق الغاية والهدف والفكرة النبيلة التي حملها الإنسان؛ فليس في الدنيا جهاد لا تضحية معه؛ فالدعوة دعوة إيمان وعمل، دعوة بذل وعطاء، ومن قعد عن التضحية والبذل تخلف عن الركب.

نمط آخر

كبروك فاكبر تعني أن تكون نمطًا آخر من الناس, في أخلاقك ومعاملاتك، ومشاعرك واتجاهاتك.

كبروك فاكبر تعني أن تخرج من أنانياتك وذاتيتك إلي ذاتية الدعوة ومصلحتها.