لا حياة بدون منهج
أحمد المراغي



لنا أن نتخيَّل ما كان عليه المجتمع قبل الإسلام؛ من الهمجيَّة والفوضَى الأخلاقية، والإباحية المطلقة، وهذا الفساد الذي وصَل بالمجتمع إلى قعر الهاوية، فليس هنالك هدف إلا إشباع الغرائز بجميع أنواعها، إذ إنه ليس ثَمَّة منهج يقوِّم هذا المجتمع وتستقيم به الحياة.
ومَن سار على هذا الدَّرب من الفوضى الأخلاقية دون اتِّباع لنوازع الفِطرة السليمة، نزَل بنفسه من أسْمى معاني الآدمية، وألقَى بنفسه في قعْر الهاوية، وكأن الحياة مُتعة ماديَّة دون النظَر إلى المتعة الرُّوحية التي ترتفع بِقَدْر الإنسان ومكانته.
وليس هذا على سبيل التعميم، بل كان هنالك مَن تأْبى عليه فِطرته أن ينساقَ وراء هذا السيل الجارف من المتَع الإباحية الفوضويَّة، فالتزم بنوازِع فِطرته السليمة، فكانتْ تتعالى نفسُه وتترفَّع عن هذا الانحدار.
والالتزام بالفِطرة السليمة لا يُغني عن المنهج، ومِن ثَمَّ كان المجتمع كله في حاجة لمنهج أخلاقي تستقيم به الحياة، كان الكل في حاجة لمنهج تستقيم به النفوس، منهج يُعيد للآدمية كرَامتها، ويصون الحقوق، ويحافظ على الْحُرمات، ولسان حال اليقين يقول: "لا حياة بدون منهج"، ومن هنا كانتْ حاجة الناس إلى الإسلام الذي جاء ليسمو بالإنسانية جَمعاء، فهذَّب النفوس، وعلَّم الجميع كيف تكون رِفعة النفس بمكارم الأخلاق، وهذه الفضيلة التي دعا إليها الإسلام، والتي بها هذَّب النفوس، فغيَّر معالِم الحياة وسما بها من الحضيض إلى العلياء، فمَن رضِي لنفسه أن يعيش في ظلِّ هذا المنهج المستقيم - المنهج الإسلامي - نجا بنفسه، وعَلِم أن للحياة قيمةً يجب ألاَّ تُهدَر في نزوات ورغبات واهية، بل هي أسْمى مِن ذلك.
والإنسان السَّوِي هو الذي يتَمَسَّك بتعاليم ومبادئ وقِيَم أخلاقية دعا إليها الإسلام، موقِنًا بأنَّ هذه التعاليم ليستْ قيودًا أو دعوة إلى الجمود والرجعية، وإنما هي لتهذيب النفوس وتقويمها؛ ليحيا الجميع تحت مظلة الإسلام العادلة الشاملة، ونرى الكثير من غير المسلمين يقرُّ بهذه الحقيقة، ويشهد للإسلام شهادة حقٍّ أنطقَ الله بها لسانَه؛ حجة عليه وعلى غيره؛ مسلمين وغير مسلمين.
فالمسلم الحقُّ مَن يحيك لنفسه ثوبًا من مكارم الأخلاق وحميد السجايا، يتحلَّى به، ويفتخر أنه ينتمي إلى هذا الدين، الذي أعاد للحياة وللإنسانية كرامَتها وعِزَّتها، فكان النور الذي أضاءتْ به الحياة وبدَّد دياجير الظلام.