والاعتراض الثَّامِن الْمُعَارضَة. وَهُوَ ضَرْبَان: مُعَارضَة بالنطق، ومعارضة بِالْعِلَّةِ.
فالمعارضة بالنطق مثل: أن يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي تَحْرِيم شعر الْميتَة بقوله تَعَالَى: {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة}
فيعارضه الْحَنَفِيّ بقوله تَعَالَى: {وَمن أصوافها وأوبارها وَأَشْعَارهَا أثاثا ومتاعا إِلَى حِين}
الْجَواب عَنهُ من وَجْهَيْن:
أحدهما: أن يتَكَلَّم على الْمُعَارضَة بِمَا يعْتَرض بِه لو استدل به ابتداء.
أوْ يرجح دَلِيله على الْمُعَارضَة.
وإن كَانَت الْمُعَارضَة بعلة تكلم عَلَيْهَا بِمَا يُتكلم على الْعِلَل ليسلم دَلِيله.
أقول: الاعتراض الثامن هو المعارضة وهي: مقابلة دليل الخصم بدليل آخر. وهي نوعان:
الأول: معارضة بالنطق- من كتاب وسنة- كأن يستدل المستدل بآية من كتاب الله فيقابله السائل بآية أخرى.
مثاله: استدلال الشافعي في تحريم الانتفاع بشعر الميتة بقوله تعالى: حرمت عليكم الميتة. ولم يفرق بين الشعر وغيره.
فيعارضه الحنفي بجواز ذلك مستدلا بقوله تعالى: ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين. ولم يفرق بين ما يؤخذ في حال الحياة وبين ما يؤخذ بعد الموت.
والجواب عن المعارضة بوجهين:
أحدهما: أن يتكلم على المعارضة كما لو أنها ذكرت ابتداء أي كما لو أنها حجة مبتدأة لم تذكر على وجه المعارضة، فلو أن الحنفي ابتدأ بالآية السابقة كدليل له على مسألته، فحينئذ للشافعي أن ينظر فيها بما ذكرناه من الاعتراضات السبعة المتقدمة كالتأويل أو الإجمال([1] )
وثانيهما: أن يرجح دليله على المعارضة كأن يقول هنا: إن التمسك بآيتنا أولى لأنها وردت لبيان المحرم، وأن الميتة محرمة علينا، ووردت الأخرى للامتنان بما أُحل لنا. فالأولى أولى لأنها قصدت لبيان الحكم.
الثاني: المعارضة بالقياس كأن يخصص آية المستدل بالقياس، أو يصرف ظاهرها به.
مثاله: استدلال الشافعي في قتل شيوخ المشركين بقوله تعالى: فاقتلوا المشركين
فيقول المخالف معارضا: لا يجوز قتل شيوخ الكفار لأنهم ليسوا من أهل القتال كالنساء.
والطريق في الجواب أن يتكلم على العلة بما يسقطها من الوجوه التي سيأتي ذكرها في باب القياس ليسلم له الظاهر والعموم كأن يقول: هذه العلة مخالفة للنص على قتل شيوخ المشركين الوارد في حديث الترمذي السابق.
([1] ) أجاب أصحابنا كما في المجموع: إنها محمولة على شعر المأكول إذا ذكي أو أخذ في حياته كما هو المعهود. ولكن ذكر الإمام أبو إسحاق في الملخص ما نصّه: فليس للمستدل أن يحمل آية السائل على ما يؤخذ في حال الحياة بدليل آيته الخاصة إلا وللسائل أن يحمل آية المستدل على غير الشعر بدليل آيته الخاصة في الأشعار. اهـ