صفة العمرة




العمرة شعيرة عظيمة من شعائر الله تبارك وتعالى، وهي مشروعة في كل زمان وحين، ولها أجر عظيم عند الله تبارك وتعالى، وقد ورد في فضلها أن: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) رواه البخاري (1683)؛ ومسلم (1349)، وإن كانت في شهر رمضان أفضل من غيره من الأوقات لشرف الزمان كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها: ((ما منعك أن تحجى معنا))، قالت: لم يكن لنا إلا ناضحان فحج أبو ولدها وابنها على ناضح، وترك لنا ناضحاً ننضح عليه، قال: ((فإذا جاء رمضان فاعتمري؛ فإن عمرة فيه تعدل حجة)) مسلم (1256).
أركان العمرة وواجباتها:
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن أركان العمرة ثلاثة هي:
1- الإحرام.
2- الطواف.
3- السعي[1]
وتعدُّ الشافعية الحلق ركناً[2]، وعدَّه الحنابلة واجباً[3], أما مذهب الحنفية فإن الإحرام شرط للعمرة، وركنها واحد هو: الطواف[4]، ومن واجباتها: الإحرام من الميقات، أو من الحل[5].
سنن العمرة:
وللعمرة سنن هي: الغسل, والدعاء, والذكر، والاضطباع، والرمل قال القارىء رحمه الله: "الاضطباع والرمل سنتان في كل طواف بعده سعي، والاضطباع سنة في جميع الأشواط بخلاف الرمل"[6].
صفة العمرة:
أولاً: الإحرام من الميقات:
والمواقيت هي كالتالي:
1- ذو الحليفة وهو ميقات أهل المدينة.
2- الجحفة وهي ميقات أهل الشام.
3- قرن المنازل وهو ميقات أهل نجد.
4- يلملم وهو ميقات أهل اليمن.
5- ذات عرق وهي ميقات أهل العراق[7].
والأصل في تحديد المواقيت ما روي في الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "أن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم؛ هن لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة" رواه البخاري (1427)؛ ومسلم (2032)، فيلزم بناء على ذلك أن يُحرم كل أهل بلد من المكان الذي حدده النبي صلى الله عليه وسلم لهم.
ويُسن الاغتسال قبل أن يحرم إن تيسر له ذلك، ثم يُطيب بدنه ورأسه ولحيته، ولا يطيب لباس إحرامه؛ فإن أصابه طيب فليغسله، ويتجرد من المخيط، ويلبس رداءً وإزاراً أبيضين ونعلين؛ هذا بالنسبة للرجال، وأما النساء فإنهن يغتسلن ولو كُن حائضات، ويلبسن ما شئن بشرط أن يتوافر في اللباس جميع شروط الحجاب؛ فلا يظهر منهن شيء، ولا يتبرجن بزينة، ولا يتطيبن، ولا يتشبهن بالرجال.
فإذا كان المحرم مسافراً بالطائرة فإنه يغتسل في بيته، ويلبس الإحرام إما في بيته، أو في المطار أو قبل وصول الميقات، فإذا حاذى الميقات فليحرم، وليقل: "لبيك عمرة"، وإن خاف ألا يتمكن من إكمال النسك لمرض أو نحوه فليقل: "فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني"؛ لما جاء في حديث ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية؟ فقال: ((حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني)) رواه مسلم (2102)، ثم يلبي حتى يصل إلى بيت الله العتيق، والتلبية سنة مؤكدة للرجال والنساء، ويسنُّ للرجال رفع الصوت بها دون النساء، وصفة التلبية كما روي من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)) رواه البخاري (1474)؛ ومسلم (1184).
فإذا أحرم الإنسان فإنه يحرم عليه أمور حتى يتحلل من إحرامه، وهي:
إزالة الشعر، وتقليم الأظافر، واستعمال الطيب، وقتل الصيد البري أما البحري فجائر، ولبس المخيط على الرجال دون النساء، وكذلك يحرم تغطية الرأس أو الوجه بأي شيء؛ ويجوز للمحرم أن يستظل من الشمس، ويجوز حمل المتاع على الرأس إذا لم يقصد به التغطية، ويحرم على المحرم الجماع ومقدماته، أو إنزال المني باستمناء, ويحظر على المرأة لبس النقاب والقفازين، فإذا كانت أمام رجال أجانب وجب ستر الوجه واليدين بغير النقاب والقفاز كسدل الخمار على الوجه، وإدخال اليدين في العباءة.
ثانياً: إذا وصل المعتمر إلى المسجد الحرام فيستحب له تقديم رجله اليمنى قائلاً ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك)) رواه مسلم (713), أو حديث ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال: ((أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم))[8]، وهذا الدعاء عام يقال عند دخول سائر المساجد.
ثالثاً: ثم يبدأ بالطواف من الحجر الأسود: وذلك بأن يستقبل الحجر الأسود، ويقول: "الله أكبر"، ويستلمه بيمينه ويقبِّله إن تيسر له ذلك، وإن لم يتيسر له الاستلام والتقبيل فيكفيه الإشارة إليه، ولا يزاحم الناس؛ ثم يطوف سبعة أشواط جاعلاً البيت عن يساره؛ يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، ويمشي في الباقي, والرمل هو: سرعة المشي مع تقارب الخطى، ويضطبع في جميع الأشواط, والاضطباع هو: أن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر، والرمل والاضطباع مختصان بالرجال دون النساء, فإذا وصل إلى الركن اليماني فيستلمه بيده إن تيسر ذلك ولا يقبله، فإن لم يتيسر فلا يشير إليه، ويستحب أن يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: {رَبّنَآ ءَاتِنَا فِي الدُنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النّارِ} (سورة البقرة:201)، وليس في الطواف ذكر مخصوص ثابت غير هذا، ويستحب: كثرة الذكر والدعاء.
رابعاً: إذا انتهى من الشوط السابع عند محاذاة الحجر الأسود فليغط كتفه الأيمن، وليذهب إلى مقام إبراهيم إن تيسر، ويقرأ قوله تعالى: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}[9](سورة البقرة:125) ، ويصلي ركعتين خلف المقام إن تيسر أو بعيداً منه، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (سورة الكافرون:1)، وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}(الإخلاص:1)، ثم يذهب إلى زمزم فيشرب من مائها، ويدعو الله، ثم إن تيسر فيرجع إلى الحجر الأسود ويستلمه.
خامساً: ثم يتوجه إلى الصفا، فإذا دنا منه قرأ قوله تعالى: {إن الصّفَا وَالمَروةَ مِن شَعَائِرِ اللّه} (البقرة: 158)، ويصعد الصفا، ويستقبل الكعبة، ويكبّر ثلاثاً، ويقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، يكرر هذا الذكر ثلاث مرات، رواه مسلم (1218), ويسعى بينهما، فإذا كان بين العلمين الأخضرين فليسع بينهما سعياً شديداً مع تقارب الخطى، والسعي الشديد خاص بالرجال دون النساء، فإذا وصل إلى المروة فليصعد عليها، وليستقبل الكعبة، ويقول ما قاله على الصفاء من تكبير وذكر، ثم يدعو بما شاء من الدعاء، وهكذا يصنع في باقي الأشواط.
سادساً: إذا انتهى من السعي فليحلق رأسه أو يقصره، والحلق أفضل وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالرحمة للمحلقين ثلاثاً، وفي كل مرة يُقال له والمقصرين فقال في الرابعة: والمقصرين. رواه البخاري (1640)؛ ومسلم (1301)، أما المرأة فتأخذ شيئاً يسيراً من شعرها, وبهذا يكون الإنسان قد أكمل مناسك عمرته، فليسأل الله الإخلاص والقبول.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل منا أعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

[1] انظر مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل (7/313)، وروضة الطالبين (3/119)، وشرح الرسالة بحاشية العدوي (1/483- 497)؛ وكشاف القناع (2/521).

[2] مغني المحتاج (1/513)؛ والإقناع للشربيني (1/254)؛ والإقناع (1/233)، وشرح منتهى الإرادات(1/596).

[3] شرح منتهى الإرادات (1/596).

[4] المسلك المتقسط (307)؛ وبدائع الصنائع (2/125- 227).

[5] شرح منتهى الإرادات (1/596).

[6] تحفة الأحوذي (3/506).

[7] بتصرف من التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة لسماحة الشيخ: ابن باز (18).

[8] رواه أبو داود (466)؛ وصححه الألباني في صحيح أبي داود (466).

[9] الشرح الممتع على زاد المستقنع (7/264).

منقول