وأذن في الناس بالحج




أمر الله نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام أن يهتف ويؤذن بالحج داعياً البشرية، وحاثاً لهم أن يسارعوا للحج إلى بيت الله الحرام فقال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (سورة الحـج:27) قال العلامة ابن سعدي رحمه الله: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ} "أي: أعلمهم به، وادعهم إليه، وبلِّغ دانيهم وقاصيهم فرضه وفضيلته، فإنك إذا دعوتهم أتوك حجاجاً وعماراً، { رِجَالًا }أي: مشاة على أرجلهم من الشوق" تفسير السعدي (1/536).
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت قيل له: أذِّن في الناس بالحج، قال: رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذِّن وعليَّ البلاغ، قال: فنادى إبراهيم: يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق، فسمعه مَن بين السماء والأرض، أفلا ترون أن الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون"[1]، ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه: "فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، وأول من أجابه أهل اليمن، فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ"[2].
ومذ ذلك الوقت والزمان لم تزل جموع الحجيج تتلاحق جيلاً بعد جيل؛ قاصدين هذا البيت العتيق؛ يدخلون حرم الله باكين خاشعين، ذليلين متوجهين إلى الله بقلوبهم وأبدانهم، يترقبون في تلك المشاعر العظيمة من الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا و المروة، والوقوف بعرفة ، والمبيت بمزدلفة ومنى، ورمي الجمار، وذبح الهدي على اسم الله، والحلق أو التقصير، وغيرها من أعمال الحج إلى أن يُودّعوا البيت، كل ذلك بقلوبٍ خاشعة، وأعينٍ دامعة، وألسنةٍ مكبرة مهللة، ملبية داعية.
فيالها من مواقف عظيمة، تُسكب فيها العبرات، ويُتاب فيها من السيئات، ويُكثر فيها من الصالحات؛ وتقال فيها العثرات، وتُغفر الخطيئات، وتُستر الزلات بعفو الله ولطفه.
في هذه الأيام تشرئب الأعناق، وترنوا الأبصار، وتنجذب القلوب، وتتجه الأنظار، وتهوي الأفئدة، وتتطلع النفوس المسلمة إلى بيت الله الحرام، وهذه البقاع المباركة التي هيأها الله لعباده لتكون عرصاتها محلاً للمناسك، فتراهم يتوافدون إليها من كل فجٍ عميق، يقطعون القارات والأجواء والقفار، ويأتون إليها من بلدان ما وراء البحار {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } (سورة الحـج:27).
فيا من اصطفاك الله واختارك لتكون أحد حجاج بيته المقدس، وأحد الملبين لدعوة نبي الله إبراهيم عليه السلام؛ احرص على أن تكون من الله أقرب، ومن الشيطان أبعد، والتزم سنة نبيك صلى الله عليه وسلم تفوز وتربح، وحاذر البدع والابتداع لعلك تفلح، وأكثر من الدعاء ومن طرق أبواب السماء فما أكثر عبدٌ الطرق إلا أوشك له أن يُفتح.

[1] أخرجه الحاكم في المستدرك (3464)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه، وصححه الذهبي في التلخيص.

[2] فتح الباري لابن حجر (3/478).

منقول