ورد عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ يَدْعُوهُ إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَلْمَانُ:
يَا أَخِي، " إِنْ كَانَ بَعُدَتِ الدَّارُ مِنَ الدَّارِ فَإِنَّ الرُّوحَ مِنَ الرُّوحِ قَرِيبٌ، وَإِنَّ طَيْرَ السَّمَاءِ تَقَعُ عَلَى إِلْفِهَا مِنَ الأَرْضِ "، وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ سَلْمَانَ قَالَ لَهُ: " إِنَّ الأَرْضَ لا تُقَدِّسُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الإِنْسَانَ عَمَلُهُ ". اهـ.
ورد في البدع لابن وضاح (2/ 105) فقال: نا أَسَدٌ قَالَ: نا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ , عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: فذكره.
هذا إسناد ظاهره الانقطاع بين صفوان وأبي الدرداء ولكن هذا من تدليس بقية بن الوليد فهو كثير التدليس عن الضعفاء أسقط بين صفوان وأبي الدرداء وهو أبو سعيد شرحبيل بن سعد الخطمي.
روى أيضًا عن أبي الدرداء كما في مصنف ابن أبي شيبة (2/176).

ومما يدل على تديسه ما ورد في شعب الإيمان (10/ 580) :
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، نا أبو العباس هو الأصم، نا الربيع بن سليمان، نا أسد بن موسى، نا بقية بن الوليد، حدثنا صفوان بن عمرو، عن أبي سعيد، عن أبي الدرداء، فذكره إلا أن أبا العباس وهو الأصم رواها بلفظ:
"وطير السماء على أنفه حمر الأرض تقع به ". اهـ.
لذلك نقم عليه الخطابي في غريب الحديث (2/355) فقال:

حدثناه الأصم أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا أسد بن موسى أخبرنا بقية بن الوليد أخبرنا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَعْدٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ يَدْعُوهُ إِلَى الأرض المقدسة فكتب إليه سَلْمَانُ بِذَلِكَ.
فَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ رَوَاهُ الأَصَمُّ أَرْفَهُ بِفَتْحِ الأَلِفِ أَوْ أُرْفَهُ بِضَمِّهَا فَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ أَرْفَهُ فَمَعْنَاهُ أَخْصَبَ مِنَ الرفة / وإن كانت أرفة فمعناه الْحَدُّ وَالْعَلَمُ يُجْعَلُ بَيْنَ أَرْضَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا ". اهـ.
وشرحبيل بن سعد أبو سعيد "هو ضعيف الحديث" كذا قال أبو حاتم الرازي والنسائي والدارقطني وأكثر القول عن يحيى بن معين في تضعيفه ولينه ابن عدي وأبو زرعة.
وقد يحتمل شرحبيل بن معشر العنسى شيخ صفوان بن عمرو فهو مجهول الحال لم يوثقه أحد، ويحتمل شرحبيل بن مسلم الخولاني "صدوق فيه لين" كذا قال الحافظ، وقال المزي: "يقال مرسل عن أبي الدرداء".
ولكن كل من شرحبيل العنسي والخولاني ليسا من كنيتهما أبو سعيد، فالصواب أن أبا سعيد كنية شرحبيل بن سعد المعروف بها، إضافة إلى أن تدليس بقية يكثر عن الضعفاء كما قرر الحافظ ابن حجر، والله أعلم.
وله شاهد من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري:
ورد في موطأ مالك ت عبد الباقي (2/ 769)
حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ، كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، أَنْ هَلُمَّ إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَلْمَانُ: «إِنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا. وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْإِنْسَانَ عَمَلُهُ. وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ جُعِلْتَ طَبِيبًا تُدَاوِي فَإِنْ كُنْتَ تُبْرِئُ فَنَعِمَّا لَكَ. وَإِنْ كُنْتَ مُتَطَبِّبًا فَاحْذَرْ أَنْ تَقْتُلَ إِنْسَانًا فَتَدْخُلَ النَّارَ» فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ أَدْبَرَا عَنْهُ نَظَرَ إِلَيْهِمَا. وَقَالَ: ارْجِعَا إِلَيَّ أَعِيدَا عَلَيَّ قِصَّتَكُمَا مُتَطَبِّبٌ وَاللَّهِ ". اهـ.
وورد أيضًأ في الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 127) عبد الله، حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري، وفي حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 205) من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، وفي تاريخ دمشق لابن عساكر (21/ 441) من طريق إبراهيم بن عبد الصمد بن أبي بكر الزهري، وفي تاريخ دمشق لابن عساكر أيضًأ (47/ 140) من طريقين عبد الرحمن بن القاسم وعبد الله بن وهب.
وفي دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ (2/ 101) ورد في حاشيته أن: روى الإمام مالك في الموطأ ...، وقال محققه: «إسناده ضعيف». اهـ.
وفي جامع الأصول (10/171) ورد في حاشيته [تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية] قال: إسناده منقطع: أخرجه مالك (1539) عن يحيى بن سعيد، فذكره.
وقال السخاوي في المقاصد الحسنة [92] : وهو مع كونه موقوفاً منقطع، لكنه في تاسع المجالسة للدينوري من حديث يحيى بن سعيد عن عبد اللَّه بن هبيرة، قال: كتب أبو الدرداء، وذكره بزيادة: وأرض الجهاد ". اهـ.
وكذا قال العجلوني في كشف الخفاء (1/132) ت هنداوي قال: وهو موقوف ومنقطع وذكره الدينوري عن عبد الله بن هبيرة بزيادة: وأرض الجهاد عقب إلى الأرض المقدسة، ... إلخ ". اهـ.

وفي نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (5/ 1731) ورد في حاشيته أن: قال الزرقاني في «شرح الموطأ» : لكن أخرجه الدينوري في «المجالسة» من وجه آخر عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن هبيرة. اهـ.
أما ما ورد عن عبد الله بن هبيرة:
فورد في المجالسة وجواهر العلم (4/ 69)، وقال محققه: [إسناده ضعيف]،ومن طريقه أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (1/150).
من طريق أَبِي قِلابَةَ [وهو عبد الملك بن محمد الرقاشي]، نَا سَعِيدُ يَعْنِي: ابْنَ سُلَيْمَانَ [الضبي]، نَا عَبَّادُ يَعْنِي: ابْنَ الْعَوَّامِ [الكلابي]، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُبَيْرَةَ. قَالَ:
كَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِلَى سَلْمَانَ: أَنْ هَلُمَّ إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ وَأَرْضِ الْجِهَادِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَلْمَانُ: إن الْأَرْضَ لا تُقَدِّسُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْمَرْءَ عَمَلُهُ ". اهـ.
قلتُ: ولكن عبد الله بن هبيرة لم يلق أبا الدرداء _ فيما أعلم _ فيبقى الإسناد منقطعا من هذا الطريق و الله أعلم.
وفيه أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي "صدوق يخطئ" كذا قال الذهبي، وقال الدارقطني: "صدوق كثير الخطأ في الأسانيد ، وكان يحدث من حفظه فكثرت أوهامه"، وذكره ابن الكيال الشافعي في الكواكب النيرات في من اختلط من الرواة الثقات، وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة: "حدثنا بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد".
وشيخه سعيد بن سليمان الضبي "كان صاحب تصحيف ما يثبت" كذا قال أحمد بن حنبل، وقال الدارقطني: "يتكلمون فيه"، قال الحافظ ابن حجر في هدي الساري : تكلموا فيه بلا حجة ، وقول الدارقطني يتكلمون فيه تليين مبهم لا يقبل ولم يكثر عنه البخاري ". اهـ.

ولأبي قلابة متابعة أخرجه الألكائي في شرح الأصول (5/1019) فقال:
أخبرنا محمد بن أحمد بن القاسم [الضبي]، أنا أحمد بن الحسن [الرازي]، نا جعفر [بن محمد] الصايغ، قال: نا سعيد بن سليمان، به وزاد: "وكان أبو الدرداء يلي القضاء بالشام" ولم يذكر زيادة أبي قلابة وهي "وأرض الجهاد".
رجاله ثقات عدا أبو عبد الله أحمد بن الحسن الرازي "صدوق" قال الذهبي: "المحدث الصادق" ، ومرة : "كان صدوقا"، ورد في الروض الباسم في تراجم شيوخ الحاكم (1/ 199):

حدَّث عن روح بن الفرج.
وعنه: أبو عبد الله الحاكم، وأبو عبد الله محمَّد بن الفضل بن نَظيف - وذكر أنه حدثه إملاء.
ترجمه الحاكم في "تاريخه" ووصفه بالتاجر، وقال: من أعيان كتبة الحديث.
قلت: [صدوق] ومن حدَّث إملاء دل ذلك على حفظه لا سيما إن كان معروفًا بكتابة الحديث، وليس كل من حدَّث إملاءً يكون حجة إلا من كثر حديثه، فيكون ثقة آنذاك، أما من كان مقلاًّ جدًّا، وحدث إملاء فلا يدل ذلك على كبر مزية له، فإن القليل يحفظه الممدوح والمذموم، والله أعلم.
وله متابعة أخرى في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 205) لأبي نعيم قال:

رواه جرير، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن هبيرة، أن سلمان كتب إليه فذكر نحوه ". اهـ.
لم أقفُ على إسناده لكن وقفتُ نحوه في أخبار القضاة (3/ 200) لأبي بكر ابن حيان الضبي الملقب ب"وكيع" بإسناد منقطع عن يحيى بن سعيد قال:
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن منصور الرمادي قال: حَدَّثَنَا أسود بْن عامر قال: حَدَّثَنَا جرير بْن خازم عَن يحيى بْن سعيد قال:
استعمل أَبُو الدَّرْدَاء على القضاء فأصبح قوم يهنئونه، فَقَالَ: تهنئونني بالقضاء وقد جعلت على رأسي مهراة منزلها أبعد من عدن أبين لو يعلم الناس ما في القضاء لأخذوا رغبة عنه وكراهة له ". اهـ.
وفي الصحيح ما يغني " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر الله و هم ظاهرون " , و هو حديث صحيح متواتر رواه جماعة من الصحابة , ورد في " صحيح أبي داود " ( 1245 ) , و في بعضها أنهم " أهل المغرب " أي الشام , و جاء ذلك مفسرا عند البخاري و غيره عن معاذ , و عند الترمذي و غيره مرفوعا بلفظ : "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم , و لا تزال طائفة من أمتي .. " الحديث . و في هذه الأحاديث إشارة قوية إلى أن العبرة في البلاد إنما هي بالسكان و ليس بالحيطان.
وينظر:
إن الأرض لا تقدس أحدا و إنما يقدس العبد عمله

والله أعلم.