طلابنا بين الاهتمام الدعوي والإهمال الدراسي ... كيف نرى الصورة ؟!
تسنيم الريدي
طالب متميز بين صفوف المدرجات، يجري هنا وهناك، ما بين اللقاءات الدعوية والمعارض المقامة في ساحات الكليات، والقوافل الدعوية العامة أو الخاصة ببعض المناسبات الاجتماعية أو الإسلامية، وبين المسيرات الطلابية المتعلقة بالشئون السياسية في العالم العربي، وبين تصفية المشاكل بين هؤلاء الطلاب وبين الجهات الرسمية في الجامعة وغيرها من الأدوار والانشغالات التي يقوم بها الشاب المهتم بالعمل الدعوي في الجامعات
بين هذا كله كانت لنا وقفة بين هؤلاء الطلاب الدعاة، حيث برز الكثيرون منهم في صفوف الدعاة المتميزين لكنهم تركوا نقطة سوداء بسبب فشلهم الدراسي، فصار من بين هؤلاء الدعاة الراسب سنة دراسية كاملة أو أكثر، أو الراسب في بعض المواد، والأفضل منهم حالاً ناحج (بالرفع)...فوضعنا تساؤلاً هل تكون ممارسة الدعوة هي سبب الفشل الدراسي لمثل هؤلاء ؟؟
يبدأ خباب – 23 سنة – الحديث قائلاً : " أعتقد أن سبب الإخفاق الدراسي لهؤلاء الطلاب يعود إلى عدم ترتيب أولوياتهم بإعتبارهم طلاباً، فهو يعتبر نفسه داعية في وسط به سلبيات وهو الجامعة ومهمته الأولى هي الدعوة متناسياً دوره كطالب، وأرى أهمية وضع حد لهذه الظاهرة لأنها أصبحت واقع العديد من أبناء الحركات الإسلامية في الجامعات، بل وصفة شبه متلازمة في الوسط الطلابي الدعوي، كما إنني أرفض الرضوخ لمصطلح " فشل الداعية الدراسي" وإنما اعتبرها ظاهرة عدم التفوق أو عدم بروز الشباب الداعية في صفوف الأوائل، وهنا فأرى أن هؤلاء الطلاب عليهم أن يهتموا بدراستهم أولاً قبل أن يكونوا دعاة مهمومين بأمر الإسلام، وذلك لأن هؤلاء الطلاب لا يدركون أن عدم تفوقهم بحد ذاته قد يؤثر سلباً على مسيرة الدعوة، لأن التفوق يساعد الدعاة على الانخراط مع الطلاب الآخرين بشكل أسهل ويجب أن يكون الأساس في الدعوة القدوة الحسنة لهؤلاء الطلاب وهي التفوق".ضياع فقه الأولويات
ويضيف أسامة الطالب بكلية الهندسة قائلاً: "بفضل الله انضم لصفوف الدعاة بكليتي رغم إننا بأصعب قسم بها وهو قسم الاتصالات، واحصل كل عام على تقدير متميز وذلك لأنني انظم وقتي جيداً، فعندما أكون في محاضراتي لا أفكر سوى في دراستي، وعندما انتهي من المحاضرات أخرج لأصدقائي وأعرف منهم ما يحتاجونه مني للدعوة، وعندما أعود للبيت تكون أول أولوياتي هي المذاكرة وبالترتيب يكون هناك فائضاً من الوقت لإنهاء باقي متطلبات الدعوة، وبالتالي لا أجد أي عناءً في الجمع بين الواجبين.
وأعتقد أن التفوق يأتي من إيمان الطالب بأهمية تخصصه ليفيد به الإسلام ، والتخصص لا يفيد وحده بل يجب التفوق فيه وإثبات أن الملتزم له مكانه العلمي في المجتمع، فالإسلام لكي يعود لعصور الإزدهار يحتاج لهذا المهندس المتميز وهذا الطبيب البارع وهذه المدرسة المتألقة وغير ذلك، فالفاشلين في تخصصاتهم للأسف يشوهون صورة الإسلام الجميلة وهذا ما يجب أن يكرهه الداعية.
بغضب شديد تقول فاطمة –طالبه- : "الدعوة لم ولن تكون طريق الطالب للفشل، بل هي السبب الرئيسي للنجاح والتفوق، ويجب أن نعترف أن فشل هذا الداعية ليس بسبب الدعوة إنما بسبب هذا الداعية أي أسباب ترجع إليه لذاته، فقد يكون مهملاً أو غيره لكن الدعوة بريئة من فشله".الدعوة بريئة من الفشل
ومن الجامعة الإسلامية في فلسطين يوضح أبو أنس قائلاً : " في كليتنا أوائل الخمس دفعات معظمهم من طلاب الكتلة الإسلامية، لأننا نؤمن كثيراً بضرورة التفوق في كافة المجالات، لكن هذا ليس سائداً بين صفوف الملتزمين كلهم، فهناك بعضهم في الجامعة لدينا يقود حالياً حملة جديدة بعنوان " أترك دراستك بالطب وتفرغ لمعهد الدعوة" وهذا للأسف يعطي صورة سيئة عن هؤلاء".
أما محمود 21 عاماً الطالب في كلية التجارة فيقول :" في الحقيقة لقد صدمت كثيراً عندما رسبت في السنة الثانية من الكلية، وأعتقد أني أنا السبب في ذلك لأني تحملت فوق طاقتي من العمل الدعوي دون أن أوضح للمسئولين أن هذا ليس بمقدوري، حيث قاموا بتوظيفي للعمل الدعوي في إحدى الكليات المجاورة بجانب دعوتي في كليتي، فلم يكن لدي وقت للدراسة، ولم يأتي ببالي يوم أن أرسب، لكني الآن لا أتحمل أعباء دعوية إلا التي أستطيعها بجانب الدراسة ونجحت في باقي السنوات بفضل الله".
توجهنا لبعض طلاب الجامعات غير العاملين في مجال الدعوة لرصد آرائهم لهذه الظاهرة فيبدأ أسامة – الطالب بكلية الهندسة- حديثه قائلاً :" أؤمن أن مثل هؤلاء الطلبة هم فاشلين في حياتهم ككل وليس في دراستهم فقط، بل أظنهم فاشلين أيضاً فيما يقومون به ويعتقدون أنها دعوة، فهو فاقد لثقة أبويه بسبب هذا الفشل الدراسي، بل ان بعضهم لا يخبر والديه عن حقيقة رسوبه أحياناً ليفاجأ الأب أن ابنه تأخر في التخرج بعد أن كان يصرف عليه ويتعب لأجله، وهو لا يعبأ بذلك، ولا يحزن بسبب إخفاقه الدراسي، بل إن البعض يقوم بعمل الكثير من المشاكل ويكون سبباً في تعطيل بعض المحاضرات لأنه لا يوازن الأمور بشكل صحيح، بل لا يفهم أن الدعوة لا تأمره بأن يعطل دراسة زملاءه تحت أي مسمى، وأعتقد أن مثل هؤلاء يهربون من حقيقة فشلهم الدراسي ليرموا باللوم على أعباء الدعوة أنها السبب في الرسوب، بل يحاول الدخول في طريق الدعوة ليثبت فيها ذاته بعد أن فشل في إثباتها عبر التفوق الدراسي، وللأسف هذه الظاهرة ارست قاعدة لدى البعض أن الداعية يجب أن يكون فاشلاً في حياته العملية.فشل الانسان ... هو فشل الدعوة
أما جودي فلها رأي آخر حيث تقول: " قد يتساءل البعض لماذا نختص الدعاة بالذات بطلب التفوق رغم أنهم طلبة ككل الطلبة، بينهم المتفوقين وبينهم غير المتفوقين، لكني أرى إننا نرمي باللوم على الدعاة لأنهم يتحملون مسئولية كبيرة للتغير والإصلاح من أحوال من حوله، لذلك وجب عليه التميز في كل شيء بما فيها الدراسة.كما أن هناك فئة من الطلبة الملتزمين خاصة المتشددين منهم ينغلقون على أنفسهم وتكون الدعوة بينهم وبين بعض فقط، وقد تجدهم جميعاً فاشلين دراسياً ، وهذا من أكبر الأخطاء لأن الناس تنفر منهم".
أما إيمان فتعلق بحزن قائلة: " في الحقيقة أتخوف كثيراً عندما أجد أخوتي وأصدقائهم بين الذي عاد سنة كاملة وبين الذي رسب في مادة أو أكثر أو الذي كان أفضلهم حالاً ونجح بالرفع، فأقرر أحياناً أن أتفرغ لدراستي عندما التحق بالجامعة، وأعاود الدعوة بعد الإنتهاء من الدراسة، مع إنني أعلم أن هذا أيضاً ليس صحيحاً، لأني يجب ألا أتخلى عن دعوتي ".
واعتقاداً من البعض أن المسئولين قد يتحملون جزءاً من هذه الظاهرة اتجهنا بالحديث إلى (ي.ح) 26 عاماً – الحاصلة على ماجستير الفقه المقارن وإحدى مسئولات الكتلة الإسلامية الخاصة بالطالبات – بالجامعة الإسلامية في فلسطين والتي انكرت ذلك موضحة: " نحن نعمل ما بوسعنا لكي تكون الطالبة في الكتلة من أبرز المتفوقين لكي تكون لها مكانة بين الطالبات خلال ممارسة الدعوة، لكن أعتقد أن المشكلة تعود أحياناً للشباب والفتيات أنفسهم حيث يجب عليهم أن يقتنعوا جيداً أن التفوق في الدراسة، بل وحجز مقاعدهم بين صفوف الأوائل اعلم هو في حد ذاته دعوة إلى الله، لأن الداعية المتفوق هو الذي يستمع إليه الشباب ويلتفتون حوله ويثقون بآراءه ويقتنعون بها لأنه لمس الجوانب الحيوية لديهم وهي التفوق العلمي بجانب التميز الديني والدعوي.أين المسئولين عن متابعة العمل الدعوي؟
فمن الرائع أن يحمل شباب الأمة هم الدعوة خاصة بين صفوف طلاب الجامعات، لكن مشكلة الطلاب للتوفيق بين دراستهم ودعوتهم من المشاكل المنتشرة في كل البلاد، حيث يفكر الشاب او الفتاة كيف أوفق بين دراستي ودعوتي في آن واحد، وقد يجد البعض بأن الدراسة والمحاضرات تأخذ وقته كله، فلا يجد وقتاً للدعوة، فيعتقد خاطئاً أنه بين أمرين لا ثالث لمهما الأول هو إهمال الدعوة والآخر إهمال الدراسة.
وهنا فعلى الطالب الذي يجد صعوبة في التوفيق بين دراسته ودعوته أن يبذل كل ما بوسعه وأن يترك الأمر على الله، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "ولكن سدِّدوا وقارِبوا" ، فعندما يراه الله جل وعلا أنه قد قدم كل ما يستطيع في سبيل التوفيق بين الامرين فسيرى نتاجاً طيباً لدراسته بالنجاح والتألق، ونتاجاً طيباً لدعوته بالتأثير فيمن حوله بطرق شتى وذلك بعقد النية على إحراز النجاح في الدراسة والدعوة إليه سبحانه وتعالى، وتنظيم الوقت واستثماره للانتهاء من أمور الدراسة في أسرع وقت ممكن وباتقان شديد وترك مساحة من الوقت للعمل والدعوة، مع ترتيب الأولويات بينهما".
يتبع