رجَعْـتُ لنَفْسِي فاتَّهَمـتُ حَصاتِـي
ونادَيْتُ قَوْمِي فآحْتَسَبْتُ حَياتِـي([1])
رَمَوْني بُعُقْمٍ في الشَّبـابِ وليْتَنـي
عَقِمتُ فلَـمِ أَجَزَعْ لَقْول عُداتـي([2])
وَلَـدْتُ ولَّمـا لَـم أَجِـدْ لَعرائِسِـي
رِجـالاً وأَكْـفـاءً وَأَدْتُ بَناتـي([3])
وسِعْـتُ كِتـابَ الله لَفْظـاً وغايـةً
وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظـاتِ([4])
فكيف أَضِيقُ اليومَ عنَ وَصْفِ آلَـةٍ
وتَنْسِيـقِ أسـمـاءٍ لمُخْترعَـاتِ
أنا البَحْـرُ في أَحْشائِه الدُّرُّ كامِـنٌ
فهل سَأَلوا الغَوَّاصَ عن صَدَفاتـيِ
فيـا وَيْحَكُمْ أَبْلَـى وتَبْلَى مَحاسِنـي
ومنكْم وإنْ عَـزَّ الدّواءُ أساتِـي([5])
فـلا تَكِلُـوني للـزّمـانِ فـإنّنـي
أَخافُ عليكمْ أنْ تَحِيـنَ وَفَاتِـي ([6])
أَرَى لرِجـالِ الغَـرْبِ عِزّاً ومَنْعَـةً
وكـم عَـزَّ أَقوامٌ بِعـزِّ لُغـاتِ([7])
أَتَـوْا أَهْلَهُـمْ بالمُعْجِـزاتِ تَفَـنُّنـاً
فـيـا لَيْتَكُـمْ تأتـونَ بالكَلِمَـاتِ
أَيُطْرِبُكُـمْ مِنْ جانِبِ الغَربِ ناعِـبٌ
يُنادِى بِوَأْدِي في رَبِيـعِ حياتِـي([8])
ولو تَزْجُـرُونَ الطَّيْرَ يوماً عَلِمْتُـمُ
بما تَحْتَـه مِنْ عَثْـرَةٍ وشَتـاتِ([9])
سَقَى اللهُ في بَطْـنِ الجَزِيرةِ أَعْظُماً
يَعِـزُّ عليهـا أنْ تَلِيـنَ قَناتِـي([10])
حَفِظْـنَ وِدادِي في البِلى وحَفِظْتـه
لـهـنّ بقَلْـبٍ دائـمٍ الحَسَـراتِ
وفَاخَرْتُ أَهلَ الغَرْبِ والشرقُ مُطْرِقٌ
حَياءً بتلكَ الأَعْظُـمِ النَّخِـراتِ([11])
أَرَى كـلَّ يـومٍ بالجَرائِـدِ مَـزْلَقـاً
مِنَ القَبْـر يُدْنيني بغَيْـرِ أَنـاةِ([12])
وأَسْمَعُ للكُتّـابِ في مِصْـرَ ضَجّـةً
فأَعْلَـمُ أنّ الصّائحِـين نُعاتِـي([13])
أيَهْجُرُني قَوِمي ـ عفا اللهُ عَنْهُمُ ـ
إلى لُغَـةٍ لَـمْ تتصِـلْ بـرُواةِ ([14])
سَـرَتْ لُوثَةُ الإِفْرَنْجِ فيها كماً سَرَى
لُعابُ الأَفاعي في مَسِيلِ فُـرات ([15])
فجاءَتْ كثَـوْبٍ ضَمَّ سَبْعِـين رُقْعَـةً
مُـشَكَّلَـةَ الأَلْـوانِ مُخْتَلِـفـاتِ
إِلى مَعْشَـرِ الكُتّـابِ والجَمْعُ حافِـلٌ
بَسَطْتُ رَجائي بَعْدَ بَسْطِ شَكاتِي([16])
فإمّا حياةٌ تَبْعَـثُ المَيْـتَ في البِلـى
وتُنْبِتُ في تِلْكَ الرُّمُوسِ رُفاتـي([17])
وإمّـا مَمـاتٌ لا قِيـامـةَ بَـعْـدَهُ
مَماتٌ لَعَمـري لَمْ يُقَـسْ بمَمـاتِ