بسم الله والحمد الله والصلاة والسلام علي رسول الله اما بعد

اجمعت
الأمة علي جواز السؤال بأين الله لم يخالف في ذلك الا اهل البدع
قال البخاري في خلق افعال العباد وَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُوسَى الْأَشْيَبَ، وَذَكَرَ الْجَهْمِيَّةَ فَنَالَ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ: " أُدْخِلَ رَأْسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الزَّنَادِقَةِ يُقَالُ لَهُ شَمْغَلَةُ عَلَى الْمَهْدِيِّ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى أَصْحَابِكَ " فَقَالَ: أَصْحَابِي أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «دُلَّنِي عَلَيْهِمْ» فَقَالَ: صِنْفَانِ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْقِبْلَةَ، وَالْقَدَرِيَّة ُ، الْجَهْمِيُّ إِذَا غَلَا، قَالَ لَيْسَ ثَمَّ شَيْءٌ وَأَشَارَ الْأَشْيَبُ إِلَى السَّمَاءِ وَالْقَدَرِيُّ إِذَا غَلَا قَالَ: هُمَا اثْنَانِ خَالِقُ خَيْرٍ، وَخَالِقُ شَرٍّ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَصَلَبَهُ
والدليل علي جواز ذلك حديث الجارية الذي رواه مسلم
وفيه سؤال النبي صلي الله عليه وسلم لها بأين الله

فَقَالَ لَهَا: «أَيْنَ اللهُ؟» قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «مَنْ أَنَا؟» قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: «أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ»
وَعَنْ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِرَاعِي غَنَمٍ فَقَالَ: يَا رَاعِيَ الْغَنَمِ هَلْ مِنْ جَزْرَةٍ قَالَ الرَّاعِي: لَيْسَ هَا هُنَا رَبُّهَا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَقُولُ: «أَكَلَهَا الذِّئْبُ» فَرَفَعُ الرَّاعِي رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: فَأَيْنَ اللهُ؟ فَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ الرَّاعِي وَاشْتَرَى الْغَنَمَ فَأَعْتَقَهُ، وَأَعْطَاهُ الْغَنَمَ " رواه الطبراني في الكبير
وعند البيهقي في شعب الايمان
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " فَأَنَا وَاللهِ أَحَقُّ أَنْ أَقُولَ: أَيْنَ اللهُ، فَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ الرَّاعِي، وَاشْتَرَى الْغَنَمَ فَأَعْتَقَهُ وَأَعْطَاهُ الْغَنَمَ
وهذا ما ورد عن السلف

قَالَ ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ صَدَقَةَ، سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ، يَقُولُ: " لَوْ سُئِلْتُ أَيْنَ اللَّهُ؟ لَقُلْتُ فِي السَّمَاءِ، فَإِنْ قَالَ فَأَيْنَ كَانَ عَرْشُهُ قَبْلَ السَّمَاءِ؟ لَقُلْتُ عَلَى الْمَاءِ، فَإِنْ قَالَ: فَأَيْنَ كَانَ عَرْشُهُ قَبْلَ الْمَاءِ؟ لَقُلْتُ لَا أَعْلَمُ
قال الامام عثمان بن سعيد الدارمي (المتوفى: 280هـ) في رده علي الجهمية

وَنُكَفِّرُهُمْ أَيْضًا أَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ أَيْنَ اللَّهُ، وَلَا يَصِفُونَهُ بِأَيْنَ، وَاللَّهُ قَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَيْنَ، فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] . {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18] . وَ {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آل عمران: 55] . وَ {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50] . {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [الملك: 16] . وَنَحْوُ هَذَا، فَهَذَا كُلُّهُ وَصْفٌ بِأَيْنَ، وَوَصَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَيْنَ، فَقَالَ لِلْأَمَةِ السَّوْدَاءِ: «أَيْنَ اللَّهُ؟» فَقَالَتْ: فِي [ص:203] السَّمَاءِ، قَالَ: «مَنْ أَنَا؟» قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» ، وَالْجَهْمِيَّة ُ تَكْفُرُ بِهِ، وَهَذَا أَيْضًا مِنْ وَاضِحِ كُفْرِهِمْ، وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ يَنْطِقُ بِالرَّدِ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، أَوْ بَعْضُهُمْ، وَلَكِنْ يُكَابِرُونَ وَيُغَالِطُونَ الضُّعَفَاءَ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُجَّةٍ أَنْقَضُ لِدَعْوَاهُمْ مِنَ الْقُرْآنِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ إِلَى رَفْعِ الْأَصْلِ سَبِيلًا مَخَافَةَ الْقَتْلِ وَالْفَضِيحَةِ، وَهُمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ بِمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ فِيهِ نَفْسَهُ جَاحِدُونَ. قَدْ نَاظَرْنَا بَعْضَ كُبَرَائِهِمْ، وَسَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْهُمْ مَنْصُوصًا مُفَسَّرًا
قال الامام اسماعيل الاصبهاني (المتوفى: 535هـ)
وَقد أجمع الْمُسلمُونَ أَن الله هُوَ الْعلي الْأَعْلَى، ونطق بذلك الْقُرْآن فِي قَوْله: {سَبِّحِ اسْم رَبك الْأَعْلَى}
وَزَعَمُوا: أَن ذَلِكَ بِمَعْنى علو الْغَلَبَة لَا علو الذَّات. وَعند الْمُسلمين أَن الله عز وَجل علو الْغَلَبَة. والعلو من سَائِر وُجُوه الْعُلُوّ لِأَن الْعُلُوّ صفة مدح، فَثَبت أَن لله تَعَالَى علو الذَّات، وعلو الصِّفَات، وعلو الْقَهْر وَالْغَلَبَة.
وَفِي مَنعهم الْإِشَارَة إِلَى الله سُبْحَانَهُ من جِهَة الفوق خلاف مِنْهُم لسَائِر الْملَل. لِأَن جَمَاهِير الْمُسلمين، وَسَائِر الْملَل قد وَقع مِنْهُم الْإِجْمَاع عَلَى الْإِشَارَة إِلَى الله جلّ ثَنَاؤُهُ من جِهَة الفوق فِي الدُّعَاء، وَالسُّؤَال. فاتفاقهم بأجمعهم عَلَى ذَلِكَ حجَّة. وَلم يستجز أحد الْإِشَارَة إِلَيْهِ من جِهَة الْأَسْفَل، وَلَا من سَائِر الْجِهَات سوى جِهَة الفوق.
وَقَالَ الله تعال: {يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم} . وَقَالَ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يرفعهُ} . وَقَالَ: {تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح إِلَيْهِ} وَأخْبر عَن فِرْعَوْن أَنه قَالَ: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَات فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا} فَكَانَ فِرْعَوْن قد فهم عَن مُوسَى أَنه يثبت إِلَهًا فَوق السَّمَاء حَتَّى رام بصرحه أَن يطلع إِلَيْهِ، وأتهم مُوسَى بِالْكَذِبِ فِي ذَلِكَ. والجهمية لَا تعلم أَن الله فَوْقه بِوُجُود ذَاته، فهم أعجز فهما من فِرْعَوْن. وَقد صَحَّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه:
67 - سَأَلَ الْجَارِيَة الَّتِي أَرَادَ مَوْلَاهَا عتقهَا. أَيْن الله؟ قَالَت: فِي السَّمَاء، وأشارت برأسها. وَقَالَ: من أَنا؟ فَقَالَت: أَنْت رَسُول الله. فَقَالَ: اعتقها فَإِنَّهَا مُؤمنَة.
فَحكم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بإيمانها حِين قَالَت: إِن الله فِي السَّمَاء وتحكم الْجَهْمِية بِكفْر من يَقُول ذَلِكَ. " الحجة في بيان المحجة "


وقال الحافظ عبدالغني المقدسي (المتوفى: 600هـ)
( وروى معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لجاريته: "أين الله؟ " قالت: في السماء، قال:"من أنا؟ " قالت: أنت رسول الله، قال:"اعتقها فإنها مؤمنة" رواه مسلم بن الحجاج وأبو داود وأبو عبد الرحمن النسائي . ومن أجهل جهلاً وأسخف عقلاً وأضل سبيلاً ممن يقول أنه لا يجوز أن يقال أين الله؟ بعد تصريح صاحب الشريعة بقوله: أين الله ) عقيدة الحافظ تقي الدين عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي
( 1 / 44 )