قراءة عقدية في الفعل «استوى»
الشيخ صالح المغامسي
الفعل استوى، جاء في القرآن على ثلاثة أحوال:
جاء لازماً غير متعدي.
وجاء متعدياً بحرف الجر على.
وجاء متعدي بحرف الجر إلى .
اللازم غير المتعدي :
وفي كل حال له معنى ، قال الله جل وعلا عن كليمه موسى في سورة القصص : " وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى "(القصص:14) . هل بعد استوى شيء ؟ ما في شيء.
إذا جاءت استوى وليس بعدها شيء معناه: الكمال والتمام.
أي: موسى هنا تم وكمل عقله ورجولته. هذا إذا لم يتعدى بشيء.
المتعدي بحرف الجر :
بقينا في الحالة الثانية التي تنقسم إلى قسمين ( متعد بحرف الجر على ، إلى ) ، إذا تعدى بحرف، قال الله جل وعلا في سبع مواضع من القرآن :
" الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى"( طه:5) . فتعدى بحرف الجر على .
إذا تعدى بحرف الجر على يصبح معناه العلو والارتفاع .
" لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ "( الزخرف:13) إذا تعدى بحرف الجر إلى يصبح معناه القصد يعني: قصد من شيء إلى شيء آخر، وهو الذي بين أيدينا .
قال الله جل وعلا " هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء "( البقرة : 29) . حتى تفهم الآية جيداً.خلق الله الأرض قبل السماء .
خلق الأرض في يومين ، ثم قبل أن يتمها - جل وعلا ؛ وهو القادر - قصد السماء ، فخلقها في يومين ، " قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ "( فصلت:9) .
فخلق الأرض في يومين، بعد أن خلق الأرض في يومين عاد -جل وعلا؛ وهو القادر على كل شيء- فأكمل خلق الأرض ، فأصبح خلقت السموات والأرض جملة في كم يوم ؟ في ستة أيام، لكن السماء خلقت في يومين والأرض في أربعة أيام.
بدأ الله بالأرض خلقها في يومين، ثم استوى إلى السماء أي قصد السماء، تعدى بحرف الجر إلى ، ثم لما أكمل خلق السماء عاد جل وعلا وأكمل خلق الأرض ولذلك قال جل وعلا في سورة النازعات " وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا " . ولم يقل والأرض بعد ذلك خلقها، لأن خلقها تم من قبل، لكن تركها -جل وعلا- غير منتهية لحكمة أرادها؛ ثم أكمل خلقها.
نقول: يتحرر من الآية:
أن استوى فعل يأتي على ثلاث صيغ يأتي غير متعد فيصبح، معناه :الكمال والتمام.
ويأتي متعدياً بحرف الجر على، فيصبح معناه العلو والارتفاع.
ويأتي متعدياً بحرف الجر إلى ، فيصبح معناه القصد، وهذا المقصود به في الآية هنا.
دروس ومحاضرات الشيخ صالح المغامسي
من صفحة الشيخ صالح المغامسي بموقع صيد الفوائد