راجعه فضيلة الشيخ أبو مريم الجريتلي حفظه الله.
الجواب : لا يلام آدم عليه السلام على النزول والهبوط إلى الأرض ؛ لأن هذا مقدر أزلا لله تعالى ، إنما يلام على المعصية ، وإن كان الأكل من الشجرة ما كان منه عليه السلام قصدا للمخالفة ، إنما كان نسيانا ، بمعنى أنه عليه السلام ما حفظ ولم يكن له عزم على التحفظ عن الأكل منها ، ومع ذلك لم يكن ترك التحفظ هذا إلا تأويلا على قول ابن حزم رحمه الله ، أي تأول أن الأكل من الشجرة يزيده قربا من الله تعالى ، وما كان يظن أن يقسم أحد بالله كذبا ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فالحاصل أن كل ما حصل إنما هو بتقدير الله ، فنسيان آدم عليه السلام وبنيه بتقدير الله الكوني ؛ لذلك شُرِع التذكير ، ومعصيته عليه السلام أيضا بتقدير الله تعالى الكوني ؛ من حيث الوقوع والترتب على النسيان ، والمعنى هنا ، أي : بما جعل وجبل الله تعالى عليه البشر من النسيان ، الذي هو بمعنى عدم الذكر ، أومعنى ترك التحفظ وعدم العزم عليه .
فإن قيل : فإذا كان الأمر كذلك فلم يلام آدم على المعصية ؟
فالجواب : أن الله تعالى خلق النفس وألهمها فجورها وتقواها ، وجعل آدم عليه السلام وبنيه مجبولين على النسيان ، فلا يلام الإنسان على نسيانه ، والأدلة على ذلك كثيرة ، إنما يلام على معصيته من جهة ترك الجهاد وعدم التحفظ عن ذلك النسيان ، والتزام الأمر ، فإن وقع في المعصية ترتب على عدم جهاده نفسه عنها العقوبة ، وآدم عليه السلام إنما وقع في المعصية من هذا الباب ، لكن ينبغي أن يُعْلَمَ أن المعاصي التي يقع فيها بنو آدم على قسمين ، إما أن تكون مطلوبة مقصودة مَسْعِيًا وراءها ، وإما أن تقع على سبيل الغفلة وعدم التنبه لها ، والفرق بينهما أن الأولى معصية مُصَرٌ عليها ، والثانية غير مقصودة ، وكلاهما بسبب النسيان وترك التحفظ المأمور به ، والثانية هي التي وقع فيها آدم عليه السلام ، فيلام عليها من تلك الجهة ، ويمدح عليه السلام من جهة التوبة منها ، وبعض المفسرين قال في قوله تعالى : (ولم نجد له عزما) ، أي : على العود للمعصية .
أما العقوبة فهي أن سوءاتهما بدت ، وأما الإهباط من الجنة وإن كانت المعصية وفتنة الشيطان هما السببَ القدري لهما ، إلا أن آدم عليه السلام لا يحمل وزرا ، و ليس ملاما على إنزال ذريته إلى الأرض بالمعصية ؛ لأمرين :
أولا : أن ذلك مقدر من قبل خلق آدم ، والأدلة على ذلك واضحة وكثيرة .
ثانيا : أن آدم تاب من المعصية ومع ذلك أهبط إلى الأرض .
فلو سأل سائل فقال : فرضا أن آدم عليه السلام لم يعص ، فهل كنا سنسكن الأرض ؟ وهل كان سيهبط منها ؟
لكان الجواب : نعم ، ولكان للقدر الكوني مسار آخر ، لكن هذا هو المسار المقدر لله تعالى أزلا الذي كتبه سبحانه عنده في اللوح المحفوظ ، الذي في علمه تعالى أزلا ، ومن هنا يفهم حديث محاجة آدم عليه السلام موسى عليه السلام وقوة حجة الأول على الثاني عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام ، والله أعلم .