الخطبة الأولى:
أيها الإخوة المسلمون، نحن ما خُلِقنا إلى لعبادة الله تعالى، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾ [الذاريات: 56]؛ فكيف نجعل العبادة في شهر رمضان فقط؟!
الله سبحانه وتعالى يأمرنا بالمداومة على العبادة: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) ﴾ [الحجر: 99].
واعلم أن أحب الأعمال إلى الله هي الأعمال التي يداوم عليها صاحبها.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا، وَإِنْ قَلَّ»، قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ([1]).
وفي لفظ: وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ ﷺ إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ([2]).
قال الإمام النووي رحمه الله: «وإنما كان القليل الدائم خيرًا من الكثير المنقطع؛ لأن بدوام القليل تدوم الطاعة، والذكر، والمراقبة، والنية، والإخلاص، والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى، ويُثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة»اهـ([3]).
فالمسلم كل حياته عبادة لله تعالى، ليس رمضان فقط؛ ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) ﴾ [الأنعام: 162، 163].
- انظر إلى طريقة الصالحين؛ يقول عيسى عليه السلام: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)﴾ [مريم: 31].
- انظر إلى طريقة الصالحين؛ يقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)﴾ [المؤمنون: 60].
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)﴾؛ أَهُوَ الَّذِي يَزْنِي، وَيَسْرِقُ، وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ؟ قَالَ: «لَا، يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ أَوْ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُ، وَيُصَلِّي، وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا يُتَقَبَّلَ مِنْهُ»([4]).
- انظر إلى طريقة الصالحين؛ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»([5]).
الخطبة الثانية:
اعلم أخي الكريم أن من أهم وسائل الثبات على العبادة:
أولًا: دعاء الله تعالى وسؤاله التثبيت.
كان النبي ﷺ يقول: «يَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى طَاعَتِكَ»([6]).
ويقول: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»([7]).
ثانيًا: الصحبة الصالحة.
لأن المرء على دين خليله.
يقول الله تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)﴾ [الزخرف: 67].*****
[1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (6464)، ومسلم (783).
[2])) أخرجه مسلم (782).
[3])) «شرح مسلم» (6/ 71).
[4])) أخرجه أحمد (25263)، والترمذي (3175)، وابن ماجه (4198)، وصححه الحاكم، والذهبي، والألباني.
[5])) متفق عليه: أخرجه البخاري (4836)، ومسلم (2819).
[6])) أخرجه أحمد (9420)، وغيره، عن عائشة رضي الله عنها.
[7])) أخرجه أحمد (12107)، والترمذي (2140)، وحسنه، وابن ماجه (3834)، عن أنس رضي الله عنه.