الحمد لله رب العالمين، أما بعد: فقد كان الحجاج بن يوسف الثقفي ظلوما غشوما، فعل في المسلمين ما فعل مما هو معلوم، وقد روى البخاري وغيره عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِىٍّ قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ.


فَقَالَ : « اصْبِرُوا ، فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِى عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلاَّ الَّذِى بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ » . سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ - ﷺ -.


فأمر أنس (رضي الله عنه) القوم بالصبر، واستنبط ما استنبط من حديث النبي ﷺ.


وكلما ابتعد الناس عن عهد النبوة: ازداد الشر فيهم، وقل الخير.


وكلما كان الزمن أقرب إلى عهد النبوة: زاد الخير وقل الشر.


ولا جرم، فإن القرون المفضلة قرنه ﷺ ، ثم من بعدهم كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: “خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم”.



لقد استنبط أنس من هذا الحديث، أن أحوال الناس ستتبدل، وأن أمورهم ستختلف،


وأن بعض ثوابتهم ستتغير، وقد قال (رضي الله عنه) لمن عاصره: "إنكم لتأتون أعمالاً هي في أعينكم أدق من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله ﷺ من الموبقات" أي من المهلكات.


لقد حذرنا رسول الله ﷺ من الفتن، حتى إنه اطلع يوماً على أطمٍ من آطام المدينة .."اني لأرى الفتن تقع من خلال دياركم كوقع المطر" .


ولن يعود للمسلمين جميعاً مجدهم الغابر، ولا كلمتهم العالية:


إلا بتحقيق قول الله -سبحانه-: {وعد الذين آمنوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَ ّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَ ّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }


إنه متى حقق الناس المطلوب، حقق الله لهم ما يطلبونه.


وإن الشقاوة تلحق المرء على قدر بعده عما جاء به رسول الله ﷺ.



فاتق الله في دينك ، واتق الله في نفسك، واتق الله في وطنك، فإنه أمانة في عنقك.


واللعب به، والمقامرة بمصيره، إنما هي خيانة لله ولرسوله ولكتابه ولدينه.


لقد قال الخليل إبراهيم -عليه السلام - في دعائه لأهل مكة : {رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر }


فقدم طلب الأمن على طلب بالرزق.


لأن الناس لا يحصلون ارزاقهم إلا مع توفر أمنهم، ولا يتنعمون من الطيبات من الرزق مع المخافة والفزع.


بل قرن الخليل -عليه السلام- بين طلب الأمن وطلب الخلوص من الشرك والبراءة مما يعبد من دون الله، فقال-عليه السلام-: {رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ} .


فَالأَمْنُ في الأَوْطَانِ مِن أَعْظَمِ مِنَنِ الله عَلَى الإِنْسَانِ..