عبث الكبار
هارون محمد غزي
كنا في مكاتبنا غارقين في أوراقنا، مخنوقين من سخونة الطقس وطفوِ العرَق.
فجأة أثار لُبَّنَا صراخٌ جماعيٌّ موحَّد رهيب، اندلع محطِّمًا سكون الإدارة، منطلقًا في دمدمة الرعد من غرفة المكتب المطلة على السُّلَّم.
اندفعتُ مع المذعورين تجاه الصوتِ، الذي تبعه فورًا خطو أقدام تضربُ البلاطَ في طعنات متتابعةٍ، وتجري على السُّلم هابطةً.
الغرفةُ مصدرُ الصوت واجمةٌ شاغرة من موظَّفيها وموظفاتها، والدفاترُ والأوراق مستكنَّة حزينة.
ماذا حدث؟
السيد فؤاد يحتضنُ الطفلَ أسامة ابن الزميلة نادية ويقبِّله مرارًا، ويضاحكه، يبالغُ في القهقهة؛ يمدُّ ساعديه ليقصيَه؛ فيطويهما ليدنيه إلى باحة حضنه.
يكركر الصغيرُ افترارًا متتابعًا ينتهي بأاااه ممدودة في لحن موسيقيٍّ طفولي ليعود لتَكرار يسرُّ.
فؤاد يقذفه لأعلى فينطح برأسه الدقيقِ الرقيق مروحةَ السقف الدوارة!
فصرخة جماعية مشحونة بالتأوهات، وبالندم ومتفجِّرة بشظايا الخوف والحزن.
يتلقفُ فؤاد الطفلَ الساقط بين يديه، يفور الدم من رأسه، ويجري به فورًا ناحية السُّلم إلى الشارع.
وأمُّ الطفل تُهرول مولولةً لاطمة.
وبعض الزملاء أيديهم على التليفونات لطلب الغوث.