التاريخ المغربي الناصع: معركة وادي المخازن والانتصار الباهر على العدوان الصليبي

أ. مولاي المصطفى البرجاوي*

تحتل معركة وادي المخازن مكانة في الصراع الطويل بين الإسلام والنصرانية، ففي الوقت التي كان يظهر فيه العالم الإسلامي تحت قيادة الدولة العثمانية قويا بالجناح الشرقي في مجابهته للعالم النصراني، نجده في الجناح الغربي يعاني شيئا غير قليل من الضعف. فجاء الانتصار المغربي في معركة وادي المخازن ليرد للغرب الإسلامي البعض من هيبته ويرفع من سمعة المغرب ويضع حدا بصفة نهائية للمشاريع الصليبية.

-------------------------

تظل معركة وادي المخازن[1]التي وقعت في القرن 10هـ/16م ، حدثا تاريخيا غنيا بدلالاته ، فهو الحق الأبلج الذي انتصر على العدوان والباطل اللجلج ! وهو الإسلام الذي ينتزع انتصارا باهرا في تلك السلسلة الطويلة من الحروب الصليبية التي استهدفت بلاد المسلمين منذ أزمان!

تسمية المعركة:
تعددت أسماء المعركة في الإسطوغرافية المغربية مثل : معركة الملوك الثلاثة ، ومعركة القصر الكبير، ومعركة وادي المخازن ؛ وهو الاسم الذي درج على استعماله المؤرخون المغاربة في كتبهم . وربما خطر لبعض المؤرخين المعاصرين أن يسموها اليوم ، بدافع تصحيح جاء متأخرا عن موعده "معركة الملوك الأربعة"، لأنها بالإضافة إلى الملوك الثلاثة الذي ذهبوا ضحايا لها ، كانت منطلقا لبروز ملك رابع سطع نجمه عاليا في المغرب ، ألا وهو أحمد المنصور الذهبي [2].

الدولة السعدية..الدولة التي حكمت المغرب في هذه المرحلة:
يرجع أصل السعديين الذين كانوا يحكمون بلاد المغرب إلى الأشراف السعديين من الحجاز، ينتسبون إلى ولد محمد النَّفس الزَّكية، وأما تسميتهم بالسعديين، هذه النسبة التي لم تكن لهم في القديم، ولم تظهر في سجلاتهم ورسائلهم، بل لم يجترئ أحد على مواجهتهم بهذه التسمية، لأنه إنما يصفهم بها من يقدح في نسبهم، ويطعن في شرفهم، ويزعم أنهم من بني سعد بن بكر بن هوازن الذين منهم حليمة السعدية مرضعة رسول الله e، وكثير من العامة يعتقدون أنهم إنما سموا بذلك لأن الناس سعدوا بهم.

قامت دولة السعديين بعد دولة بني وطّاس، فوقعت على كاهلهم مهمة جهاد البرتغاليين الذين سيطروا على شواطئ المغرب الأقصى.

المعركة بين الفريقين:

- المعركة بالنسبة للمغاربة ..معركة الفرقان:

شبَّه أغلب الإخباريين والمؤرخين المغاربة معركة وادي المخازن بغزوة بدر ، التي كانت انتصارا للإسلام وللملة المحمدية . واستبشر الفقهاء بهذا الانتصار ورأوا في موت ثلاثة ملوك رمزا وإشارة إلى انهزام التثليث ، وذكر المغاربة ذلك في نثرهم وشعرهم . وأشار ابن القاضي في كتابه "درة الحجال في أسماء الرجال"، إلى المسألة في شكل تعجب حين قال :"فانظر لحكمة الله القهار !أهلك ثلاثة ملوك في يوم واحد ، وأقام واحدا"؛ وفي قصيدة شعرية لأبي عبد الله محمد بن علي الفشتالي نقرأ :

وجردت في ذات الإله صوارمـا *** تصول بها والعاجزون نيام

وضربت بها التثليث للحتف ضربة ***فلم يبق بعد الصليب قيام

وأمطرت وبلا بالمخازن قطــره***بموت الأعادي يندق وسهام[3]
- المعركة بالنسبة للبرتغاليين..عقا ب من الله:

تناولت المصادر والوثائق البرتغالية المعركة من زاوية دينية تشاؤمية ،على عكس المصادر المغربية والإسلامية ؛ فرأى البرتغاليون في انهزامهم فيها عقابا من الله وحملوا المسؤولية للنبلاء ولرجال الدين (الاكليروس) الذين لم يعرفوا كيف يحدون من اندفاع "دون سيباستيان " الناتج عن صغر سنه وقلة تجربته . وبالرغم من ذلك قدس البرتغاليون هذا الأمير ونزهوه وجعلوا منه مثيراً للمهدي المنتظر ، وخلد الشاعر "فرناندو بْسُوَا"اسم "دون سيباستيان" بقصيدة في هذا المعنى سماها باسمه:
لتكن مآسي الرمال والموت والشقاء

فإني لن أعبأ بها ما دمت مصونا في الرعاية الربانية

فمعنى ذلك أني عائد لا محالة
فالملك حسب هذا المعتقد الخرافي لم يمت في معركة وادي المخازن ، ولكنه ما زال أسيرا عند المغاربة في جزيرة بعيدة ، ومن هذه الجزيرة سيعود ليحرر شعبه[4].

قادة المعركة:
يشهد التاريخ بالعظمة والحكمة والشجاعة لعبد الملك المعتصم بالله ولأخيه أحمد المنصور، كما يشهد أيضًا لعدد من القادة كان لهم دور بارز في تحقيق هذا النصر المظفر، وتنجلي المعركة عن نصر خالد في تاريخ الإسلام وعن موت ثلاثة ملوك، لكن هناك اختلاف كبير في نهايتهم:
- الملك الأول: صليبي مجندل، هو "دون سبستيان" ملك أعظم إمبراطورية على الأرض في هذه المرحلة بلا منازع آنذاك.
- الملك الثاني: خائن غريق مسلوخ، هو محمد المتوكل، الذي منح للملك البرتغالي أحسن فرصة للتدخل في شؤون المغرب؛إذ تعهد بالتنازل له عن الشواطئ المغربية ، لقاء مساندته .
- الملك الثالث: شهيد -بإذن الله- بطل فاضت روحه، هو عبدالملك المعتصم بالله، ازداد سنة 1541م فقد حاول المعتصم بالله أن يخرج المغرب من المتواتر المألوف ليدخله إلى المؤسساتي ...وتؤكد بعض المصادر أن عبد الملك كان يسهر بنفسه على صهر الحديد الذي يستعمل في صناعة الأسلحة ...

أما الملك أحمد المنصور فقد بويع بعد انتصار وادي المخازن، بعد الفراغ من القتال بميدان المعركة، إذ كلف الكاتب محمد بن عيسى بكتابة نص بيعته ، ثم جمع كبار قادة الجيش ورجال الدولة والشرفاء ، وأخبرهم بموت أخيه المعتصم ، وتوليته هو شؤون الحكم ...

أسباب نشوب المعركة:
يؤكد كثير من المؤرخين، على أن استنجاد محمد المتوكل المخلوع عن العرش السعدي ، بملك البرتغال "دون سبستيان بن جان الثالث" وطلبه الحماية والمساعدة ضد عمه أبي مروان عبد الملك ، كان السبب الرئيس لقيام الحملة العسكرية البرتغالية على المغرب ، والتي أدت إلى وقوع معركة وادي المخازن . وبذلك يحمل هؤلاء المؤرخون ، محمد المتوكل الخائن مسؤولية حملة الصليبي "سبستيان " على المغرب.

انطلاق المعركة:
في صباح الاثنين 30 جمادى الآخرة 986هـ الموافق 4 أغسطس 1578م وقف السلطان عبد الملك يحرض الجيش على القتال ، ولم يأل القساوسة والرهبان جهداً في إثارة حماس جند أوروبا مذكرين أن البابا أحل من الأوزار والخطايا أرواح من يلقون حتفهم في هذه الحروب ...

ومال أحمد المنصور بمقدمة الجيش على مؤخرة البرتغاليين وأوقدت النار في بارود البرتغاليين ، ..وصرع سبستيان وألوف من حوله بعد أن أبدى صموداً وشجاعة تذكر ، وحاول المتوكل الخائن الفرار شمالاً فوقع غريقاً في نهر وادي المخازن ، ووجدت جثته طافية على الماء ، ودامت المعركة أربع ساعات وثلث الساعة ، ولم يكن النصر فيها مصادفة ، بل لمعنويات عالية ، ونفوس شعرت بالمسؤولية ، ولخطة مدروسة مقررة محكمة .

نتائج معركة وادي المخازن:
تحتل معركة وادي المخازن مكانة في الصراع الطويل بين الإسلام والنصرانية ، ففي الوقت التي كان يظهر فيه العالم الإسلامي تحت قيادة الدولة العثمانية قويا بالجناح الشرقي في مجابهته للعالم النصراني التي كانت تمثله أسرة النمسا الإمبراطورية ، ويفوز في كثير من الأحيان بانتصارات باهرة، نجده في الجناح الغربي يعاني شيئا غير قليل من الضعف ، إذ كان يلتزم مواقف الدفاع السلبية . فجاء الانتصار المغربي في معركة وادي المخازن ليرد للغرب الإسلامي البعض من هيبته ويرفع من سمعة المغرب ويضع حدا بصفة نهائية للمشاريع الصليبية.

-كتبت المعركة صفحة ناصعة للعسكرية المغربية الإسلامية ، وأثبتت لأوروبا النصرانية ، أن أرض المغرب مقبرة للغزاة .
- جنى المولى أحمد أولى ثمرات النصر . إذ آل إليه الحكم عشية يوم المعركة ، وتلقب بلقب المنصور بالله.
- زاد تسليح الجيش السعدي ، بما غنمه من أسلحة العدو . كما تدفقت النقود الذهبية والفضية على الخزينة السعدية[5] ، مقابل فك أسرى المعركة.
- اكتسب المغرب سمعة طيبة في العالم الإسلامي ، وهيبة في العالم النصراني الأوربي ، كما توافدت عليه سفارات التهنئة بالنصر ، وسفارات كسب الود والصداقة وحسن الجوار .
- فقدت البرتغال استقلالها ومستعمراتها ، إذ احتلتها اسبانيا نظرا لضعف البرتغال بعد المعركة، وعدم وجود وريث للعرش...

والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين... وآخر دعوانا

أن الحمد لله رب العالمين.


المراجع
* كاتب وباحث مغربي إسلامي.

[1]- وادي المخازن رافد من روافد نهر اللوكوس الذي يصب في مدينة العرائش (تقع في الشمال الغربي للمغرب).


[2]- محمد زنيبر ، معركة الملوك الثلاثة ، مذكرات من التراث المغربي ، الجزء الثالث :من تمتين الدولة إلى المخاطر ،ص:174، بتصرف يسير


[3]- أحمد بن محمد المقري ، روضة الآس العاطرة الانفاس في ذكر من لقيته من أعلام الحضرتين مراكش وفاس ، المطبعة الملكية ، الرباط ، طبعة ثانية ،1983


[4]-عبد المجيد قدوري ،المغرب وأوروبا مابين القرنين الخامس عشر والثامن عشر (مسألة التجاوز) ص:175،بتصرف.


[5] -نسبة إلى الدولة السعدية التي حكمت المغرب في هذه المرحلة .