قال المصنف رحمه الله عن الرسول محمد صلي الله عليه وسلم ( وحبيب رب العالمين )
قلت _ الشيخ الالباني _ بل هو خليل رب العالمين فإن الخلة أعلى مرتبة من المحبة وأكمل ولذلك قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: " إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا " ولذلك لم يثبت في حديث أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حبيب الله. فتنبه

وقال رحمه الله ( وَتَعَالَى عَنِ الْحُدُودِ وَالْغَايَاتِ وَالْأَرْكَانِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْأَدَوَاتِ لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات )
قلت:_ الشيخ الالباني _ مراد المؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ بهذه الفقرة الرد على طائفتين:
الأولى: المجسمة والمشبهة الذين يصفون الله بأن له جسما وجثة وأعضاء وغير ذلك تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
والأخرى: المعطلة الذين ينفون علوه تعالى على خلقه وأنه بائن من خلقه. بل يصرح بعضهم بأنه موجود بذاته في كل الوجود وهذا معناه حلول الله في مخلوقاته. وأنه محاط بالجهات الست المخلوقة وليس فوقها فنفى المؤلف ذلك بهذا الكلام. ولكن قد يستغل ذلك بعض المبتدعة ويتأولونه بما قد يؤدي إلى التعطيل كما بينه الشارح رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وقد لخص كلامه الشيخ محمد بن مانع عليه الرحمة فقال (ص 10) :
ومراده بذلك الرد على المشبهة ولكن هذه الكلمات مجملة مبهمة وليست من الألفاظ المتعارفة عند أهل السنة والجماعة والرد عليهم بنصوص الكتاب والسنة أحق أولى من ذكر ألفاظ توهم خلاف الصواب. ففي قوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) رد على المشبهة والمعطلة فلا ينبغي لطالب الحق الالتفات إلى مثل هذه الألفاظ ولا التعويل عليها فإن الله سبحانه موصوف بصفات الكمال منعوت بنعوت العظمة والجلال فهو سبحانه فوق مخلوقاته مستو على عرشه المجيد بذاته بائن من خلقه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ويأتي يوم القيامة وكل ذلك على حقيقته ولا نؤوله كما لا نؤول اليد بالقدرة والنزول بنزول أمره وغير ذلك من الصفات بل نثبت ذلك إثبات وجود لا إثبات تكييف. وما كان أغنى الإمام المصنف عن مثل هذه الكلمات المجملة الموهمة المخترعة ولو قيل إنها مدسوسة عليه وليست من كلامه لم يكن ذلك عندي ببعيد إحسانا للظن بهذا الإمام وعلى كل حال فالباطل مردود على قائله كائنا من كان ومن قرأ ترجمة المصنف الطحاوي لا سيما في لسان الميزان عرف أنه من أكابر العلماء وأعاظم الرجال وهذا هو الذي حملنا على إحسان الظن فيه في كثير من المواضع التي فيها مجال لناقد
انتهى كلام ابن مانع رَحِمَهُ اللَّهُ
قال رحمه الله ( ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه )
قال الشيخ بن باز رحمه الله هذا الحصر فيه نظر فإن الكافر يدخل في الإسلام بالشهادتين إذا كان لا ينطق بهما فإن كان ينطق بهما دخل في الإسلام بالتوبة مما أوجب كفره وقد يخرج من الإسلام بغير

…الجحود لأسباب كثيرة بينها أهل العلم في باب حكم المرتد، من ذلك طعنه في الإسلام أو في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو استهزاؤه بالله ورسوله أو بكتابه أو بشيء من شرعه سبحانه لقوله سبحانه: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65-66] ومن ذلك عبادته للأصنام أو الأوثان أو دعوته الأموات والاستغاثة بهم وطلبه منهم المدد والعون ونحو ذلك لأن هذا يناقض قول لا إله إلا الله لأنها تدل على أن العبادة حق لله وحده ومنها الدعاء والاستغاثة والركوع والسجود والذبح والنذر ونحو ذلك فمن صرف منها شيئاً لغير الله من الأصنام والأوثان والملائكة والجن وأصحاب القبور وغيرهم من المخلوقين فقد أشرك بالله ولم يحقق قول لا إله إلا الله وهذه المسائل كلها تخرجه من الإسلام بإجماع أهل العلم وهي ليست من مسائل الجحود وأدلتها معلومة من الكتاب والسنة وهناك مسائل أخرى كثيرة يكفر بها المسلم وهي لا تسمى جحوداً وقد ذكرها العلماء في باب حكم المرتد فراجعها إن شئت وبالله التوفيق
قال رحمه الله ( والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان )
قلت:_ الشيخ الالباني _ هذا مذهب الحنفية والماتريدية خلافا للسلف وجماهير الأئمة كمالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم فإن هؤلاء زادوا على الإقرار والتصديق: العمل بالأركان. وليس الخلاف بين المذهبين اختلافا صوريا كما ذهب إليه الشارح رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى بحجة أنهم جميعا اتفقوا على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان وأنه في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه. فإن هذا الاتفاق وإن كان صحيحا فإن الحنفية لو كانوا غير مخالفين للجماهير مخالفة حقيقية في إنكارهم أن العمل من الإيمان لاتفقوا معهم على أن الإيمان يزيد وينقص وأن زيادته ونقصه بالمعصية مع تضافر أدلة الكتاب والسنة والآثار السلفية على ذلك وقد ذكر الشارح طائفة طيبة منها (ص 384 - 387) [342 - 344] ولكن الحنفية أصروا على القول بخلاف تلك الأدلة الصريحة في الزيادة والنقصان وتكلفوا في تأويلها تكلفا ظاهرا بل باطلا ذكر الشارح (ص 385) [342] نموذجا منها بل حكى عن أبي المعين النسفي أنه طعن في صحة الحديث " الإيمان بضع وسبعون شعبة ... " مع احتجاج كل أئمة الحديث به ومنهم البخاري ومسلم في (صحيحيهما) وهو مخرج في " الصحيحة " (1769) وما ذلك إلا لأنه صريح في مخالفة مذهبهم
ثم كيف يصح أن يكون الخلاف المذكور صوريا. وهم يجيزون لأفجر واحد منهم أن يقول: إيماني كإيمان أبي بكر الصديق بل كإيمان الأنبياء والمرسلين وجبريل وميكائيل علهم الصلاة والسلام كيف وهم بناء على مذهبهم هذا لا يجيزون لأحدهم - مهما كان فاسقا فاجرا - أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى بل يقول: أنا مؤمن حقا والله عَزَّ وَجَلَّ يقول: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. أولئك هم المؤمنون حقا) [سورة الأنفال: 2 - 4] (ومن أصدق من الله قيلا) [سورة النساء: 22] وبناء على ذلك كله اشتطوا في تعصبهم فذكروا أن من استثنى في إيمانه فقد كفر وفرعوا عليه أنه لا يجوز للحنفي أن يتزوج بالمرأة الشافعية وتسامح بعضهم - زعموا - فأجاز ذلك دون العكس وعلل ذلك بقوله: تنزيلا لها منزلة أهل الكتاب وأعرف شخصا من شيوخ الحنفية خطب ابنته رجل من شيوخ الشافعية فأبى قائلا: ... لولا أنك شافعي فهل بعد هذا مجال للشك في أن الخلاف حقيقي؟ ومن شاء التوسع في هذه المسألة فليرجع إلى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية: " الإيمان " فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع
قال رحمه الله (
والإيمان واحد وأهله في أصله سواء , والتفاضل بينهم بالخشية
والتقى، ومخالفة الهوى، وملازمة الأولى
)
قال الشيخ بن مانع رحمه الله الحق الذي لا إشكال فيه أن الإيمان متفاوت في أصله فإيمان آحاد الناس ليس كإيمان جبريل ولا كإيمان رسول الله والقول بأن الناس بأصل الإيمان سواء ليس من عقائد أهل السنة
قال رحمه الله ( وَأَهْلُ الْكَبَائِرِ [مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ] في النار لا يُخَلَّدُونَ إِذَا مَاتُوا وَهُمْ مُوَحِّدُونَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا تَائِبِينَ بَعْدَ أَنْ لَقُوا اللَّهَ عَارِفِينَ [مؤمنين]
قال الشيخ الالباني رحمه الله زيادة من مخطوطة (أب غ) . وهي زيادة هامة لم تثبت في بعض النسخ منها نسخة الشارح فقد قال: " وقوله: (عارفين) لو قال: مؤمنين بدل (عَارِفِينَ) كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنَّمَا اكْتَفَى بالمعرفة وحدها الجهم وقوله مردود باطل
قال الشيخ بن مانع رحمه الله قوله عارفين: لايخفى أن المعرفة القلبية وحدها ليست كافية بالإيمان وقد خالف المصنف ما ذهب إليه سابقاً من أن الإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه في الإيمان وأما مذهب السلف فالإيمان اعتقاد بالجنان ونطق باللسان وعمل بالأركان وهذا هو الصواب. وذهبت الكرامية إلى أنه قول باللسان وقالت الجهمية: إنه الاعتقاد بالجنان وهذا هو الذي اقتصر عليه المصنف فعلى هذا ليس في الناس كافر فإنهم معترفون بوجود الله وأنه ربهم وخالقهم الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} فالله سبحانه وتعالى كفر المشركين مع اعترافهم بأنه خالق السموات والأرض وكذلك إبليس وأبو جهل وفرعون وقارون وهامان وغيرهم من طوائف الكفر كلهم مؤمنون على زعم الجهم وأتباعه، لأنهم يعترفون بأن الله ربهم

…وخالقهم فهم مؤمنون على هذا القول الباطل المردود وقد رد ما ذكره المصنف أئمة الإسلام كابن القيم وغيره قال رحمه الله في النونية:

قالوا وإقرار العباد بأنه
خلاقهم هو منتهى الإيمان
والناس في الإيمان شيء واحد
كالمشط عند تمائل الأسنان
فاسأل أبا جهل وشيعته ومن
والاهم من عابدي الأوثان
واسأل أبا الجن اللعين أتعرف
الخلاق أم أصبحت ذا نكران
واسأل كذاك إمام كل معطل
فرعون مع قارون مع هامان
هل كان فيهم منكر للخالق الر
ب العظيم مكون الأكوان
فليبشروا ما فيهم من كافر
هم عند جهم كاملو الإيمان